The Approach of Educational and Moral Reform in the Verses of the Holy Qur’an

Document Type : Original Article

Author

Umm Al-Qura University - College of Education

Abstract

The aim of the research is to elucidate the methodology of reform, its concepts, meanings, and impact in the verses of the Holy Quran, and to uncover the methodology of moral and educational reform. The researcher followed the descriptive method to describe the concepts, and the analytical deductive method by tracing, interpreting, and analyzing the verses of reform, then reassembling them and deducing the educational and moral reform methodology. The research reached several conclusions, including that the meaning of reform is based on achieving righteousness in all aspects by applying Allah's law. Among the meanings of reform are faith in Allah, good treatment and kindness, obedience to Allah, avoiding sins and corruption on earth, honesty, reconciliation, righteous deeds, fostering the wealth of orphans and integrating it, reforming the earth through the mission of the prophets, and the impact of reform on the individual and society. The sturdy principles and foundations relied upon in reform include adhering to the Book of Allah, achieving benefit and averting harm, starting with self-reform and advocating for it. The goals of reform include seeking the pleasure of Allah, preserving the earth by maintaining righteousness and preventing corruption, and wishing goodness for communities and individuals. The ethical reform methodologies include sincerity, loyalty, honesty, proper manners with Allah, altruism, proper manners in disputes, and the educational reform methodologies include constructive dialogue, positive reinforcement, setting examples, instilling a spirit of competition and encouraging it, being a good role model, opening horizons of contemplation and reasoning, and gradual use of punishment.

Keywords

Main Subjects


 

     

 

      مركزأ.د/ أحمد المنشاوى

      للنشر العلمى والتميز البحثى

       (مجلة كلية التربية)                    

      =======

 

 

منهـج الإصلاح التربوي والأخلاقي في آيِّ الذكر الحكيم

 

 

إعــــــــــــــــــــــداد

أ.د/رجاء بنت سيد علي بن صالح المحضار

أستاذ التربية الإسلامية والمقارنة

جامعة أم القرى - كلية التربية

salehragaa117@gmail.com

 

 

 

   }المجلد الواحد والأربعون– العدد الثالث –  مارس 2025م{

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

 

الملخص

هدف البحث إلى بيان منهج الإصلاح مفهومة ومعانيه وحقيقته وأثره في آي الذكر الحكيم، والكشف عن منهجية الإصلاح الأخلاقي والتربوي، واتبعت الباحثة المنهج الوصفي لوصف المفاهيم والتحليلي الاستنباطي من خلال تتبع آيات الإصلاح وتفسيرها وتحليلها ومن ثم إعادة تركيبها واستنباط منهج الإصلاح التربوي والأخلاقي، وتوصل البحث إلى جملة من النتائج منها: أن معنى الإصلاح قائم على غاية الوصول إلى استقامة الحال في جميع المجالات بتطبيق شرع الله، سعياً للوصول إلى الكمال الممكن بحسب القدرة، من خلال ازالة المفاسد والمضار، والعودة بالشيء إلى حالة اعتداله ابتغاء رضوان الله تعالى، ومن معاني الإصلاح الإيمان بالله تعالى، حُسن المعاملة ولين الجانب، طاعة الله والبعد عن عمل المعاصي والإفساد في الأرض، الأمانة، حُسن المنزلة عند الله، النصح والإحسان، سلامة الخَلق في البدن والعقل، بذل المال والانفاق على قدر السعة، بر الوالدين، إصلاح ذات البين، العمل الصالح، تنمية أموال اليتامى ومخالطتها، إصلاح الأرض ببعثة الرسل عليهم السلام، وللإصلاح أثر على الفرد والمجتمع، ومن القواعد المتينة والمرتكزات التي يُستعان بها في الإصلاح التمسك بكتاب الله، وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة، والبدء بإصلاح النفس والأمر به، والتعاون وروح المبادرة، ومن أهداف الإصلاح ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى، والمحافظة على الأرض ببقاء الصلاح فيها ومنع الفساد، وإرادة الخير بالمجتمعات والأفراد، ومن مناهج الإصلاح الأخلاقي منهج الإخلاص، ومنهج الوفاء، ومنهج الأمانة، ومنهج الأدب مع الله، ومنهج الإيثار، ومنهج الأدب في المخاصمة، ومن مناهج الإصلاح التربوي منهج الحوار البناء، ومنهج التعزيز الإيجابي، ومنهج ضرب الأمثال، ومنهج غرس روح المنافسة والحث عليها، ومنهج القدوة الحسنة، ومنهج فتح آفاق النظر والتدبر والاستدلال، ومنهج التدرج في استخدام العقاب.

الكلمات المفتاحية: منهج الإصلاح التربوي والأخلاقي، القرآن الكريم.

 

 

 

 

 

 

The Approach of Educational and Moral Reform in the Verses of the Holy Qur’an

Prof. Raja bint Said Ali bin Saleh Al-Mehdar

Professor of Islamic and Comparative Education

Umm Al-Qura University - College of Education

salehragaa117@gmail.com

Summary

The aim of the research is to elucidate the methodology of reform, its concepts, meanings, and impact in the verses of the Holy Quran, and to uncover the methodology of moral and educational reform. The researcher followed the descriptive method to describe the concepts, and the analytical deductive method by tracing, interpreting, and analyzing the verses of reform, then reassembling them and deducing the educational and moral reform methodology. The research reached several conclusions, including that the meaning of reform is based on achieving righteousness in all aspects by applying Allah's law. Among the meanings of reform are faith in Allah, good treatment and kindness, obedience to Allah, avoiding sins and corruption on earth, honesty, reconciliation, righteous deeds, fostering the wealth of orphans and integrating it, reforming the earth through the mission of the prophets, and the impact of reform on the individual and society. The sturdy principles and foundations relied upon in reform include adhering to the Book of Allah, achieving benefit and averting harm, starting with self-reform and advocating for it. The goals of reform include seeking the pleasure of Allah, preserving the earth by maintaining righteousness and preventing corruption, and wishing goodness for communities and individuals. The ethical reform methodologies include sincerity, loyalty, honesty, proper manners with Allah, altruism, proper manners in disputes, and the educational reform methodologies include constructive dialogue, positive reinforcement, setting examples, instilling a spirit of competition and encouraging it, being a good role model, opening horizons of contemplation and reasoning, and gradual use of punishment.

Keywords: The approach of educational and moral reform; the Holy Qur’an.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة: -

إن القرآن الكريم كتاب الله الخالد وحجته الباقية وهو منزلٌ لهداية البشرية وإصلاح حياة الأفراد والجماعات في جميع مناحي الحياة، فهو كلام ربُ العالمين، ودليل المؤمن إلى مرضاة الله وجناته، فتح الله به أعينا عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غُلفا، بصر به من الجهالة، وهدى به من الضلالة، فمن تمسك بما جاء فيه من الأحكام فله الحسنى وزيادة، ومن تركه خلفه خسر السعادة، ولما للقرآن الكريم من منزلة عظيمة وجب علينا أن نحيا بما ورد فيه قولاً وعملاً وقراءة وتدبراً يقول الله تعالى: ﴿ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ ص/29، "وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي ﴿ﷺ﴾ قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه."          (البخاري، 2001مـ، حديث رقم 5027، ج6، ص192) ، وعلى مر العصور رأينا كيف استطاعت الأمة الإسلامية من بناء مجد لا مثيل له من خلال تمسكها بدينها وكتابها، فسادت الأمم، وعمرت الأرض، وسارت في شمول واعتدال بجميع مجالات الحياة، فأضحت صاحبة حضارة عريقة وفريدة في تاريخ البشرية، وشهد لها بذلك الأعداء قبل الأصدقاء، وأمة هذا شأنها لابد أن تكون متميزة في تربيتها وأخلاقها، فمن الجوانب المشرقة في الدين الإسلامي الجانب الأخلاقي والتربوي باعتبارهما من أهم أسباب رقي الحضارة الإسلامية وازدهارها، فمن مهمة التربية إرساء الإصلاح في المجتمع وتوجيه الثقافة وبناء مجتمع عصري لديه القدرة على مواجهة التحديات، والقرآن معجزة الله الخالدة وبتأمل آياته نجد علاجاً لجميع مشكلات العصر لصلاحه لكل زمان ومكان، ولقد اهتم القرآن الكريم بالإصلاح واعتبره من ضمن مسئوليات الإنسان التي ينبغي أن يتحملها فهو مطالب بالإصلاح في مقابل الإفساد لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا ﴾ الأعراف/ 56، وإصلاح المجتمع لا يكون إلا بإصلاح الإنسان، لذلك توجّهت آيات الذكر الحكيم في مجمل القرآن الكريم إلى خطاب الفرد بنفسه، لكي يؤمن ويتوب ويُصلح نفسه قبل الآخرين، ومن ثمّ تتّجه إلى خطاب الجماعة المؤمنة للإصلاح، لأنّ في ذلك فلاحهم ونجاتهم وبقاء النوع الإنساني واستمراره على الأرض، بدلاً من إفسادها وهلاكهم جميعاً نتيجة لسوء عمل البشر وفساد تدبيره، ومن هذا المنطلق تناولت الدراسة موضوع منهج الإصلاح التربوي والأخلاقي في آي الذكر الحكيم.

مشكلة البحث: -

"وما أحسن ما قال مالك بن أنس رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك)" (ابن قيم الجوزية، د.ت، ج1، ص200)، وشرحها الراجحي بقوله:" والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله صلح حالهم، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم" (د.ت، ج9، ص22)، لذلك يرفع المصلحون في كل زمان شعار الإصلاح ليحيوا به فريضة غائبة، ولكي نسير على درب المصلحين في إحياء الفريضة الغائبة كان لابد من البحث عن الإصلاح التربوي والأخلاقي في آي الذكر الحكيم، تلك الآيات التي احتوت منهجيات متنوعة تُشكل في مجموعها منهجاً متكامل في إحداث التوازن الأخلاقي والتربوي، وتسعى الدراسة للإجابة على الأسئلة التالية:-

  • ما مفهوم منهج الإصلاح ومعانيه وحقيقته وأثره في آي الذكر الحكيم؟
  • ما منهجية الإصلاح الأخلاقي في آي الذكر الحكيم؟
  • ما منهجية الإصلاح التربوي في آي الذكر الحكيم؟

أهداف البحث:

- تسعى الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية: -

  • بيان منهج الإصلاح مفهومة ومعانيه وحقيقته وأثره في آي الذكر الحكيم.
  • الكشف عن منهجية الإصلاح الأخلاقي في آي الذكر الحكيم.
  • إبراز منهجية الإصلاح التربوي في آي الذكر الحكيم.

أهمية البحث:

- تبرز أهمية البحث في النقاط التالية: -

  • مجال موضوع البحث وهو القرآن الكريم والاشتغال به شرف عظيم.
  • بيان منهجية الإصلاح التربوي والأخلاقي في القرآن الكريم والتي تنفع الناس في إصلاح شئون حياتهم داخل الأسرة والمجتمع.
  • حاجة الأفراد إلى مبادئ ثابته مصدرها كتاب الله لضبط حياتهم.
  • الاهتمام الواضح من الأفراد والمجتمعات بالإصلاح في جميع مجالات الحياة.
  • الدعوة للالتزام بكتاب الله قولاً وعملاً.

منهج البحث:

 - اتبعت الباحثة المنهج الوصفي لوصف المفاهيم والتحليلي الاستنباطي من خلال تتبع آيات الإصلاح وتفسيرها وتحليلها ومن ثم إعادة تركيبها واستنباط منهج الإصلاح التربوي والأخلاقي، ولقد اشتمل البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، جاءت على التفصيل على النحو التالي: المقدمة وعناصرها، المبحث الأول منهج الإصلاح مفهومه وحقيقته في آي الذكر الحكيم واشتمل على خمسة مطالب، المبحث الثاني منهج الإصلاح في آيِّ الذكر الحكيم واشتمل على مطلبين، الخاتمة واشتملت على النتائج والتوصيات، وقائمة المصادر والمراجع.

الدراسات السابقة: -

دراسة التكوري (2017م) بعنوان: ملامح الإصلاح التربوي في تفسير ابن عاشور.

هدفت الدراسة إلى بيان ملامح الإصلاح التربوي في تفسير ابن عاشور، ولتحقيق هدف الدراسة اعتمد الباحث على المنهج الاستقرائي، وكان من أهم نتائج الدراسة احتواء القرآن الكريم منهجا تربوياً كاملاً، صالحاً لكل جيل، وهو الأصلح لجميع البشر، وإن اهتمام علماء التفسير بالجانب التربوي في تفسير القرآن لا يقل أهمية عن عنايتهم بالجوانب الأخرى.

دراسة عبيد (2018م) بعنوان: الإصلاح التربوي والاجتماعي في القرآن الكريم.

هدفت الدراسة إلى بيان مفهوم الإصلاح ومعانيه في القرآن الكريم ومقاصد الإصلاح في القرآن، ولتحقيق هدف الدراسة اعتمدت الباحثة منهج البحث التحليلي والوصفي، وكان من أهم نتائج الدراسة أن صلاح الفرد يكون بصلاح عقيدته التي هي سبب في إصلاح سلوكه وأخلاقه وعمله، وأن الإصلاح التربوي يؤدي بالضرورة إلى الإصلاح الاجتماعي.

دراسة محي (2021م) بعنوان: الإصلاح في القرآن الكريم "النبي شعيب عليه السلام أنموذجاً".

هدفت الدراسة إلى الكشف عن المنهج الإصلاحي في قصة النبي شعيب عليه السلام وأساليب الإصلاح، ولتحقيق هدف الدراسة اعتمدت الباحثة على المنهج الاستنباطي، وكان من أهم نتائج الدراسة أن الإصلاح في القرآن الكريم منهجاً يجب أن يتبع، وأن الإصلاح ليس من مهمة الأنبياء فقط وإنما من مهمة الناس باتباع نهج الأنبياء المستمد من النهج الرباني.

دراسة حسين ومحمد (2022) بعنوان: المنهج القرآني في تكوين المصلح التربوي في ضوء السنن الإلهية.

هدفت الدراسة إلى توضيح أسس تكوين المصلح التربوي والخطط الرئيسة لتكوينه في ضوء السنن الإلهية في القرآن الكريم، ولتحقيق أهداف الدراسة اعتمد الباحثان على المنهج الاستقرائي والاستنباطي، وكان من أهم نتائج الدراسة أن أسس تكوين المصلح التربوي في ضوء السنن الإلهية تنقسم إلى أسس تشريعية وأسس منهجية، كما تنشطر الخطط الرئيسية لتكوين المصلح التربوي في السنن الإلهية إلى خطط تنموية وخطط وقائية.

دراسة خياطي (2022م) بعنوان: مفهوم الإصلاح في السنة النبوية-أسسه ومنطلقاته.

هدفت الدراسة إلى بيان مفهوم الإصلاح النبوي ومقوماته، ولإبراز اهتمام السنة النبوية في تحقيق الإصلاح ومعالمه، ولتحقيق أهداف الدراسة اعتمدت الباحثة على المنهج التحليلي والمنهج الاستقرائي، وكان من أهم نتائج الدراسة أن الإصلاح مطلب شرعي يستمد شرعيته الدينية من حث القرآن والسنة على ضرورة استصلاح وإسعاد الشأن البشري، ولمن أراد اصلاح أي مجتمع لابد من أن يسلك الطرق والوسائل التي سلكها الرسول ﴿ﷺ﴾ في الإصلاح.

المبحث الأول: - منهج الإصلاح مفهومه وحقيقته وأثره في آيّ الذكر الحكيم ويشتمل على خمس مطالب: -

المطلب الأول: - تعريف المنهج في اللغة والاصطلاح: -

أولاً: - تعريف المنهج في اللغة:  " المنهج من مادة: نهج، ينهج نهجاً، ونهج الطريق أي أبانه وأوضحه، ويطلق على الطريق المستقيم، والمنهج، والمنهاج، والنهج بمعنىً واحد". (الرازي،1420هـ، ص681) يقول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ المائدة/48. والمِنهاجُ: "الطَّرِيقُ الواسِعُ" (ابن عاشور،1983م، ج6، ص220)، " وفي حديث العباس: لم يمت رسول الله ﴿ﷺ﴾ حتى ترككم على طريق ناهجة أي واضحة بينة، ونهجت الطريق: أبنته وأوضحته، يقال: اعمل على ما نهجته لك، ونهجت الطريق: سلكته. وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه. والنهج: الطريق المستقيم"(ابن منظور،1993م، ج2، ص373).

ثانياً: - تعريف المنهج في الاصطلاح: " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بوساطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة" (دويدري،2000م، ص128)، والمنهج هو" مجموعة الركائز والأسس التي توضح مسلك الفرد والمجتمع والأمة لتحقيق الآثار التي يصبو لها كل منهم." (الجرجاني،1996م، ص63)، كما يُقصد بالمنهج: الخطة المرسومة، والنظام الموضوع والمحدد للسير عليه واتباعه لتحقيق هدف معين، وغاية محددة (غلوش،2004م، ص498). وعليه فإن المنهج في اللغة والاصطلاح هو الطريقة التي تؤدي إلى بلوغ المقصد، بعد تجاوز الصعوبات، والعقبات وفق خطة محكمة.

المطلب الثاني: - تعريف الإصلاح في اللغة والاصطلاح: -

أولاً: - تعريف الإصلاح في اللغة:

"الصَّلاح ضد الفساد، صَلَح يَصْلَحُ ويَصْلُح صَلاحاً وصُلُوحاً، وهو صالحٌ وصليح، والجمع صُلَحاءُ وصُلُوحٌ، وَالْإِصْلَاحُ: نَقِيضُ الْإِفْسَاد، وَأَصْلَحَ الشَّيْءَ بَعْدَ فَسَادِهِ: أَقَامَهُ. وَأَصْلَحَ الدَّابَّةَ: أَحْسَنَ إِلَيْهَا فَصَلَحَتْ." (ابن منظور،1993م، ج2، ص516) "والإصْلاحُ: تلافي خلل الشيء"(المناوي،2002م، ص67).

ثانياً: - تعريف الإصلاح في الاصطلاح:

" هو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة" (الزمخشري، 2009م، ص62)." هو عبارة عن الإتيان بما ينبغي، والاحتراز عما لا ينبغي" (الألوسي،1996م، ج3، ص7)." الصلاح عبارة عن أثر الحكمة والعلم، وهو الأصل الكلي للكمال فطلب الصلاح طموح إلى كمال النفس والتقرب والرضوان" (الفراهي،2002م، ص60). كما جاء في معنى الإصلاح:" أن تكون الأمور كلها مستقيمة معتدلة، آخذة سبيلها الي سنه الله تعالى، مقصوداً بها غايتها الحميدة التي قصد الله تعالى إليها، وحقيقته السعي في الكمال الممكن حسب القدرة، ويكون بتحصيل المصالح، أو تكميلها، أو إزالة المفاسد والمضار، أو تقليلها، الكلية منها والجزئية، المتعدية والقاصرة" (السعدي،1999مـ، ج1، ص108)، كما عُرف بأنه: إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من الفساد" (ابن باديس،2009م، ج3، ص206).

ومما سبق يتضح أن معنى الإصلاح قائم على غاية الوصول إلى استقامة الحال في جميع المجالات بتطبيق شرع الله، سعياً للوصول إلى الكمال الممكن بحسب القدرة، من خلال ازالة المفاسد والمضار، والعودة بالشيء إلى حالة اعتداله ابتغاء رضوان الله تعالى.

المطلب الثالث: - معاني الإصلاح في أيَّ الذكر الحكيم: -

ورد لفظ الإصلاح في آيِّ الذكر الحكيم بمعان متعددة منها: -

المعنى الأول: - الإيمان بالله تعالى، وورد هذا المعنى في العديد من الآيات يقول تعالى: ﴿جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَابٖ﴾ الرعد/23.

المعنى الثاني: - حُسن المعاملة ولين الجانب، وورد هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾ القصص/27.

المعنى الثالث: - طاعة الله والبعد عن عمل المعاصي والإفساد في الأرض، يقول تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ الأعراف/85.

المعنى الرابع: - الأمانة يقول تعالى: ﴿وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحٗا﴾ الكهف/82، وذكر الألوسي في تفسير الآية أن "من صلاح هذا الرجل أن الناس كانوا يضعون عنده الودائع فيردها إليهم كما وضعوها" (1996م، ج8، ص336).

المعنى الخامس: - حُسن المنزلة عند الله يقول تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾ البقرة/130.

المعنى السادس: - النصح والإحسان يقول تعالى في قصة سيدنا هود عليه السلام: ﴿إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾ هود/88.

المعنى السابع: - سلامة الخَلق في البدن والعقل يقول تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ الأعراف/189-190.

المعنى الثامن: - بذل المال والإنفاق على قدر السعة يقول تعالى: ﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ المنافقون/10.

المعنى التاسع:- بر الوالدين يقول تعالى: ﴿ رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّٰبِينَ غَفُورٗا ﴾ الإسراء/25، وقد ذكر ابن عاشور في تفسير الآية أهمية خلوص النية،  "لِذَلِكَ ذَيَّلَهُ بِأَنَّهُ الْمُطَّلِعُ عَلَى النُّفُوسِ وَالنَّوَايَا، فَوَعَدَ الْوَلَدَ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ إِنْ هُوَ أَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ لِوَالِدَيْهِ وَافِيًا كَامِلًا، وَهُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ الصَّلَاحُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ أَيْ مُمْتَثِلِينَ لِمَا أُمِرْتُمْ بِهِ. وَغُيِّرَ أُسْلُوبُ الضَّمِيرِ فَعَادَ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّ هَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَضَمِيرُ الْجَمْعِ أَنْسَبُ بِه" (1983م، ج15، ص75).

المعنى العاشر: - إصلاح ذات البين يقول تعالى: ﴿ لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ﴾ النساء/114.

المعنى الحادي عشر: - العمل الصالح يقول تعالى: ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا ﴾ النساء/15-16.

المعنى الثاني عشر: - تنمية أموال اليتامى ومخالطتها يقول تعالى: ﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﴾ البقرة/220.

المعنى الثالث عشر: - إصلاح الأرض ببعثة الرسل عليهم السلام يقول تعالى: ﴿ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ الأعراف/56.

المطلب الرابع: - أثر الإصلاح: -

يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ الكهف/30 فقُرن الإيمان بالإصلاح في الآية الكريمة، حيث وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين المصلحين بعدم إضاعة سعيهم وثواب أعمالهم، بل سيوفيهم أجرهم وزيادة تفضلاً منه سبحانه وتكرماً، وللإصلاح آثار كثيرة تنعكس على الفرد والمجتمع في الدارين نذكر بعضاً منها:-

  • رفع قدر المصلح: - يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ هود/117، وفي ذلك دلالة على أهمية الإصلاح على مستوى الجماعة فعلى المسلم منع الفساد والإفساد في الأرض.
  • الحياة الطيبة للأفراد: - يقول الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ النحل/97، فالعمل الصالح يجلب طيب الحياة والسعادة في الدارين، والقناعة والرضا والقرب من الله تعالى.
  • إصلاح ذات البين: - يقول الله تعالى:﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ الحجرات/9، فالإصلاح بين الطوائف المتناحرة يحمل الخير الكثير على المجتمع، ويقوي العلاقات بين الأفراد، وهو عبارة عن حصن منيع ضد التفكك الاجتماعي.
  • سيادة المحبة والألفة بين الناس: - يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ﴾ الحجرات/10، فالأخوة الإيمانية تستوجب حب الإخوان وتمني الخير لهم، والحرص على منفعتهم، والنصح لهم لتتحقق معاني الإيمان.
  • الأجر والثواب العظيم: - يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ﴾ الأعراف/170، ففي الآية دلالة واضحة بأهمية التمسك بكتاب الله، والصلاة باعتبارهما قطبا المنهج الرباني في إصلاح الحياة.
  • الحفاظ على كينونة الأسرة: - يقول تعالى: ﴿ وَإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ النساء/35، فالإصلاح في الأسرة له دور كبير في المحافظة على أفرادها وكيانها من المشكلات قبل تفاقمها.

المطلب الخامس:- معنى منهج الإصلاح وقواعده وأهدافه: -

أولاً:- منهج الإصلاح هو الطريقة والوسيلة والنشاط المتنوع والممارسة المنتظمة في خطة واضحة المعالم، متضمنة في آيِّ الذكر الحكيم لتحقيق مقاصد وغايات التشريع الإسلامي على أفضل صورة.

ثانياً: - قواعد الإصلاح: - احتوت آيِّ الذكر الحكيم على العديد من القواعد المتينة والمرتكزات التي يُستعان بها في الإصلاح ومن أهم تلك القواعد والمرتكزات ما يلي: -

القاعدة الأولى: - التمسك بكتاب الله:- القاعدة الأساسية في الإصلاح وفي جميع شؤون الحياة، وقد أوصى رسول الله ﴿ﷺ﴾ الصحابة في خطبة الوداع يوم عرفه بقوله: "وقد تركت فيكم ما لن تَضِلُّو بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله". (السلمي وقصاص والموسى والغيث،2010م، ص289)، لذلك وجب التمسك بالقرآن الكريم وتعظيمه واتباعه.

القاعدة الثانية:- تحقيق المصلحة ودرء المفسدة: - فمعيار تحديد المصلحة والمفسدة هو الإسلام الذي أقر شريعة جلب المصلحة ودرء المفسدة، يقول ابن القيم الجوزية:" إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه." (1411هـ، ج3، ص11) أي أن المعيار هو شريعة الإسلام، فما يراه الإسلام صلاح فهو من المصلحة، وما يراه الإسلام فساد فهو من المفسدة، ومن خرج عن هذا المعيار يكون متبعاً لهواه، ومن اتبع هواه ليس لديه القدرة على التمييز بين الصلاح والفساد.

القاعدة الثالثة: - البدء بإصلاح النفس والأمر به: - يقول الله تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142]، قال القرطبي -رحمه الله- :" وَأَصْلِحْ" أَمْرٌ بِالْإِصْلَاحِ وَأَصْلِحْ أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ نَفْسَكَ، أَيْ كُنْ مُصْلِحًا" (2006م، ج7، ص277)، ولقد كان قرن الرسول ﴿ﷺ﴾ خير قرن عندما أصلحوا أنفسهم وأصلحوا غيرهم فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

القاعدة الرابعة:- التعاون وروح المبادرة: - إن عملية الإصلاح بأبعادها المختلفة تحتاج إلى تضافر الجهود لضمان نجاح عملية الإصلاح وتحقيق المرجو منها، يقول الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة/2، وقوله تعالى: ﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة/71، وفي ذلك دلالة على أهمية التكاتف وتضافر الجهود، وتوفر روح المبادرة لدى الأفراد لعملية الإصلاح مع ملازمة طاعة الله ورسوله.

ثالثاً: - أهداف الإصلاح:_ الإصلاح سنة من سنن الله في الكون، والحياة لتستمر بحاجة إلى الإصلاح، إصلاح النفس، وإصلاح الآخر، وإصلاح العلاقات بين البشر، وللإصلاح أهداف عديدة نذكر منها:-

  • ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى.
  • المحافظة على الأرض ببقاء الصلاح فيها ومنع الفساد.
  • إرادة الخير بالمجتمعات والأفراد.
  • عصم دماء المسلمين وأموالهم.
  • تحري العدل في الإصلاح والحذر من الظلم.

المبحث الثاني:- منهج الإصلاح في آيِّ الذكر الحكيم وتشتمل على مطلبين: -

المطلب الأول:- منهج الإصلاح الأخلاقي في آيِّ الذكر الحكيم.

أورد الله سبحانه وتعالى في آياته المنزّلة على خير البشرية الأدلة الحسية والمعنوية الدالة على عظمته المطلقة وقدرته الفائقة لتكون واحدة من المنهجيات الهامة في الإصلاح الأخلاقي ومنها ما يلي:-

منهج الإخلاص:- هناك ضرورة لإخلاص النية لله تعالى في العبادات والأعمال وقد جُعلت شرطاً أساسياً لقبول العبادات والأعمال، يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ الحج/58، أي "المخلصين المهاجرين من ديارهم وأوطانهم ابتغاء وجه الله ونصر دينه، ليرزقنهم الله رزقاً حقيقياً يحفظ لهم ما تركوا من أهل وأبناء، كما يحفظ أجرهم القتالي إن ماتوا قبل القتال في المعركة، ثم التأكيد بأنه تعالى خير الرازقين." (ابن عاشور،1983م ، ج17، ص210)، وعليه فإن أي عمل صالح يُقبل عليه الناس لن يكون صالحاً إلا إذا انبثق عن إيمان بالله ويقين يجعله يُدافع عنه ويُضحي من أجله ابتغاء وجه الله.

منهج الوفاء: - الوفاء بجميع أنواعه سواءً كان وفاءً بالعهود، أو العقود، أو النذور، أو بالكيل والميزان، فجميعها متعلقة بحقوق الله تعالى، والوفاء لله تعالى يتحقق من خلال تعظيم حرماته يقول تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ الحج/30،" والتعظيم يكون باجتناب كل ما نهى عنه حال الإحرام تعظيماً منه لحدود الله." ( الطبري،2001م،ج16، ص534)، وعليه فإن الإصلاح بين الناس متعلق بأمور منها الوفاء الذي تتسع به دائرة أعمال البر والخير" فتستأصل الفوضى وتقرب الثقة بين الناس، وتستديم الصداقات، ويسود الأمن والاستقرار النفسي بين أفراد المجتمع وتتحقق التقوى لله تعالى." (ياسين،2012م ،ص176).

منهج الأمانة:- للأمانة مفهوم واسع شامل حض الشارع على أدائها على أكمل وجه حفظاً للحقوق لله والعباد، لذلك وجب على المسلم عدم الاستهانة بها أو تفريطها، وقد اشتملت آي الذكر الحكيم على الكثير من صور الأمانة وأدائها ومن أبرز تلك الصور الأمانة التي حملها الرسل والأنبياء لتصحيح عقائد الناس وعبادتهم، والتي حرصوا على أدائها على أكمل وأتم وجه تنفيذاً لأوامر الله فكان لهم النصر في الحياة الدنيا والفوز والنجاة في الدار الآخرة، وفي المقابل، فالأمم التي كذبت الرسل والأنبياء خانوا الأمانة بخيانة عقولهم وأنفسهم وأرواحهم وحياتهم فكان لهم العذاب الأليم في الدنيا والوعيد الشديد في الآخرة.

منهج الأدب مع الله:- إن الأدب مع الله من أجلّ وأعظم الأخلاق ومن صورها الأدب مع الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه يقول الله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا﴾ الأنبياء/73، والأدب مع الله يكون بشكر الله يقول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ﴾ إبراهيم/7، والأدب مع الله يكون أيضاً في طلب الحاجة، فهذا سيدنا أيوب مسّه أشد أنواع الابتلاءات وعندما أراد أن يدعو ربه كان دعاؤه في غاية الأدب، يقول تعالى على لسانه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ﴾ الأنبياء/83

منهج الإيثار: - الإيثار من الأخلاق النبيلة الفاضلة التي تحلى بها الأنصار وعجب الله من صنيع بعضهم يقول تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر/9، فالإيثار في اللغة: "مصدر أثر يؤثر، ومن أصوله الثلاثة تقديم الشيء، والأثير الكريم عليك الذي تؤثره بفضلك وصلتك، وجمع الأّثير أُثراء، قال الخليل استأثر الله بفلان، إذا مات وهُو يُرجى له الجنة." (ابن فارس،1978م،ج1، ص53)، والإيثار في الاصطلاح:" تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية، رغبةً في الحظوظ الدّينيّة، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصّبر على المشقّة" (القرطبي،2006م، ج20، 365)، وعليه فالإيثار قيمة عظيمة تميز المؤمنين المخلصين المصلحين الذين يقدمون ما يملكون من أجل غيرهم، ولقد ذكر ابن قيم الجوزية أن للإيثار درجات أولها:" أن تؤثر الخَلق على نفسك فيما لا يَخْرِم عليك ديناً، ولا يقطع عليك طريقاً، ولا يفسد عليك وقتاً، أي تقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين، والدرجة الثانية إيثار رضى الله على رضى غيره وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطَّوْل والبدن، وإيثار رضى الله على غيره يكون بفعل ما فيه مرضاة الله ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لنبينا محمد ﴿ﷺ﴾ فإنه قاوم العالم كله، وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضى الله على رضى الخلق من كل وجه، والدرجة الثالثة إيثارُ الله أي أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فإذا أثرت غيرك بشيء فإن الذي أثره هو الحق، فهو المؤثر، إذ هو المعطي حقيقة". (2006م، ج2، ص301).

منهج الأدب في المخاصمة: - لابد لمتبع منهج الإصلاح أن يتمتع بالأدب مع الآخرين وإن أساءوا الأدب، لما لذلك من أثر في النفس البشرية مما يدفعها لقبول الحق والإيمان به يقول تعالى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُسْتَقِيمٍ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ الحج/67-68، وهذا المنهج عام في التعامل مع جميع الناس بغض النظر عن أجناسهم، وألوانهم، وعقائدهم.

المطلب الثاني:- منهج الإصلاح التربوي في آيِّ الذكر الحكيم.

فقد ورد الإصلاح التربوي في قاموس العلوم الاجتماعية بأنه: " إحداث تغيير في العملية التربوية يتضمن تحسينات تدريجية". (الصالح، 1421هـ، ص446)، وعبر النورسي عن الإصلاح التربوي بأنه:" مجموعة من الأساليب التربوية التي تهدف إلى إخراج الفرد والجماعة من واقع المشكلات والأزمات، بكيفية متوازنة نفسيًا وفكريًا وسلوكيًا، وتمكنه من القيام بواجب التسخير في الأرض، وفقًا للتوجيهات الربانية". (خشة، 2014م، ص44)، ويرى وطفة أن الإصلاح التربوي هو:" منظومة من الإجراءات التربوية التي تهدف إلى إخراج النظام التربوي من أزمته إلى حالة جديدة من التوازن والتكامل الذي يضمن له استمرارية وتوازناً في أداء وظيفته وبصورة منتظمة" (2001م، ص81).

كما عُرف الإصلاح التربوي بأنه: "عملية منهجية متكاملة شاملة لعناصر العملية التربوية، تهدف لإحداث التغيير الأحسن، والبناء الكامل للأداء التربوي وفقاً لفلسفة محددة واضحة المعالم تهدف إلى تحسين المردود التربوي" (مناد، 2015م، ص185)، ومن مناهج الإصلاح التربوي في آي الذكر الحكيم ما يلي:-

منهج الحوار البناء: - وهو منهج يتميز بالنجاح على كثيرٍ من الأصعدة، ويتطلب القوة في استخدامها ليتحقق الهدف المنشود منها يقول تعالى: ﴿ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِيَ أَحْسَنُ ﴾ النحل/ 125، ومن صور الحوار في القرآن ما دار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه، وما دار بين إبراهيم وقومه وحُسن استخدامه لمنهج الحوار البناء والذي مزج فيه بين الحوار النظري والحوار العملي، وتبين من ذلك الحوار قوة تأثير منهج الحوار في إصلاح فساد الأقوال والأعمال وتعديلها مع الحرص على استخدام الحوار بالطريقة الملائمة للموقف.

منهج التعزيز الإيجابي: - للتعزيز الإيجابي دور بارز في حياة الأفراد العملية، وأثر واضح في إصلاح وتعديل السلوك الإنساني نحو الأجمل، ولقد تضمنت آي الذكر الحكيم العديد من المعاني الدالة على التعزيز الإيجابي كمنهج للإصلاح، فلقد نجّا الله إبراهيم ولوطاً عليهما السلام من القوم الفاسدين تعزيزاً لسلوكهم، وذلك لأنهم كانوا صالحين، وشفى الله أيوب عليه السلام من المرض العضال لأنه كان من العابدين، ونجى يونس من بطن الحوت لأنه كان من المسبحين، ورزق زكريا وزوجته بيحي عليه السلام وذلك بسبب تنافسهم في فعل الخيرات، وفي كل ذلك دلالة على تشجيع الله تعالى وتعزيز أهل الإيمان من خلال الكثير من العطايا والمنح ذات القيمة، وهذه المنح والعطايا هي الدافع لهم لعمل المزيد من الأعمال الفاضلة وبالتالي ينتج مجتمع صالح محب للخير يسعى جاهداً لتعديل وإصلاح الفساد والضلال.

منهج ضرب الأمثال: - من المناهج الهامة في الإصلاح لأسباب عديدة منها توضيح الحقائق المجردة في صورة محسوسة يُمكن للعقل البشري إدراكها بسهولة ويسر ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ الحج /73، " يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها ( يا أيها الناس ضرب مثل) أي : لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ، ( فاستمعوا له ) أي : أنصتوا وتفهموا ، ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) أي : لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك، ثم قال تعالى أيضا ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) أي : هم عاجزون عن خلق ذباب واحد ، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه ، لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب ، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك . هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ولهذا قال ( ضعف الطالب والمطلوب(." (ابن كثير، ،ج5، ص453-454)، ومن تفسير الآية يظهر لنا أهمية العقل في العمل على تبسيط الحقائق للفهم، وتثبيتها في الذهن، وذلك بهدف استنهاض المشاعر الحسية التي تُقبل على الإصلاح المتحقق من خلال توضيح العلاقة بين ما هو حسي وما هو عقلي، زيادة في إيضاح الصورة وإبرازها في أكمل وجه.

منهج غرس روح المنافسة والحث عليها: - لقد حث الله تعالى في كتابه العزيز على منهج التنافس على الخير بين الناس لأثره في تحقيق الإصلاح بين الناس يقول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران/133، وقوله تعالى: ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ المطففين/26، وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ البقرة 148، وقول رسول الله ﴿ﷺ﴾:" بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم." (النيسابوري، 2006م، حديث رقم 118، ج1، ص65) ولقد أكدت آي الذكر الحكيم على معيّة الله مع أهل الإصلاح في مسيرتهم، وأنه مدافع عنهم وناصرهم، لأنهم دافعوا عن حقوق الله ونصروه يقول تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍۢ كَفُورٍ﴾ الحج/ 38، وقوله تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ الحج/40، فالدفاع والنصر يكون بالمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد، ولينالوا نصر الله ومعيته وجب عليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمداومة عليها، لذلك ينبغي لأهل الإصلاح الاعتماد على منهج غرس روح المنافسة بين الناس وترسيخها والحث عليها، ليتم تحقيق وتمكين دين الله بين الناس، وإذا تمكن الدين من النفوس سعُدت وأطمئنت.

منهج القدوة الحسنة: - من المناهج ذات الأثر العظيم في الإصلاح، وليتحقق منهج الإصلاح من خلال القدوة لابد من تحقيق ثلاثة أسس في القدوة أولها: أن يكون المصلح صالحاً في نفسه بسلامة عقيدته وصحة عبادته، والثاني: أن تتوافق أفعاله مع أقواله، والثالث: أن يكون حسن الخلق، فإذا تحققت الأسس الثلاثة في المصلح كان لها الأثر في الإصلاح بين الناس، والتعديل من سلوكياتهم.

منهج فتح آفاق النظر والتدبر والاستدلال: - أتاح القرآن الكريم للبشر إعمال عقولهم في اكتشاف المعارف يقول تعالى: ﴿ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الأنبياء/44، وهذه من الآيات المشجعة للنظر والتدبر والاستدلال، وفيها "يستنكر سبحانه وتعالى على الكافرين جمود عقولهم، فلم يستعملوها ليصلوا للحقيقة المقرة بأن محمداً ﴿ﷺ﴾ وأصحابه على الحق، فهم ينتصرون كل يوم على الشرك وأهله ألا يقتضي الاعتبار من كل ذلك". (السعدي،1999م ، ص524)، كما ذم الله سبحانه وتعالى من يتبعون أهواءهم عند حكمهم على الأمور بقوله: ﴿ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ النجم/28، وقوله تعالى: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ الروم/29، كما نهى سبحانه وتعالى عن تجميد العقل تجاه المواضيع المعتمدة على المعرفة فيقف عندها دون بحث أو تنقيب يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِۦ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَٰمُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ السجدة/27.

وعليه فإن منهج النظر والتدبر والاستدلال من المناهج التربوية الهامة في الإصلاح، فمن خلال النظر والتدبر يكتشف الإنسان الكثير من العلوم والمعارف والأسرار التي يجهلها، وهذا الاكتشاف للعلوم والمعارف يدفع الإنسان للإصلاح في الأفكار الفاسدة، وبالتالي إلى تعديلها وتقويمها ومن ثم تغييرها فيتحقق الإصلاح.

منهج التدرج في استخدام العقاب: - من المناهج التربوية الفعالة في الإصلاح إذا تم استخدامها بالتدريج من الإشعار بالخطأ، إلى التنبيه، فالإنذار، ثم العقاب، وهو من المناهج المستمدة من آي الذكر الحكيم يقول تعالى: ﴿ وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡ‍َٔلُونَ قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ  فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ﴾ الأنبياء/11-15، فدلت الآيات الكريمات على استخدام الإنذار قبل العقاب، وذلك بهدف إعطاء فرصة للمذنب للإقلاع عن الذنب قبل إنزال العقاب، ولكن إن لم يتعظ كان لابد من اللجوء إلى وسيلة أخرى وهي العقاب، فإذا أنزل العقاب يعيش الناس آمنين بعد تطهر المجتمع من فسادهم وشرورهم، وفي ذلك عبرة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من خلال تذكر ما أصاب الأمم السابقة من عقاب، فيسارع بتعديل وإصلاح نفسه والبعد عن الذنوب والمعاصي والالتزام بأوامر الله.

الخاتمة:-

تضم الخاتمة كلاً من النتائج والتوصيات ويُمكن بيانها من خلال التالي:-

النتائج:-

توصل البحث إلى جملة من النتائج يُمكن بيانها كالتالي:-

  • أن معنى الإصلاح قائم على غاية الوصول إلى استقامة الحال في جميع المجالات بتطبيق شرع الله، سعياً للوصول إلى الكمال الممكن بحسب القدرة، من خلال إزالة المفاسد والمضار، والعودة بالشيء إلى حالة اعتداله ابتغاء رضوان الله تعالى.
  • أن من معاني الإصلاح في القرآن الكريم الإيمان بالله تعالى، حُسن المعاملة ولين الجانب، طاعة الله والبعد عن عمل المعاصي والإفساد في الأرض، الأمانة، حُسن المنزلة عند الله، النصح والإحسان، سلامة الخَلق في البدن والعقل، بذل المال والإنفاق على قدر السعة، بر الوالدين، إصلاح ذات البين، العمل الصالح، تنمية أموال اليتامى ومخالطتها، إصلاح الأرض ببعثة الرسل عليهم السلام.
  • أن للإصلاح أثر على الفرد والمجتمع كرفع قدر المصلح، والحياة الطيبة للأفراد، وإصلاح ذات البين، وسيادة المحبة والألفة بين الناس، والأجر والثواب العظيم، والحفاظ على كينونة الأسرة.
  • أن منهج الإصلاح هو الطريقة والوسيلة والنشاط المتنوع والممارسة المنتظمة في خطة واضحة المعالم، متضمنة في آيِّ الذكر الحكيم لتحقيق مقاصد وغايات التشريع الإسلامي على أفضل صورة.
  • احتوت آيِّ الذكر الحكيم على العديد من القواعد المتينة والمرتكزات التي يُستعان بها في الإصلاح كالتمسك بكتاب الله، وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة، والبدء بإصلاح النفس والأمر به، والتعاون وروح المبادرة.
  • من أهداف الإصلاح ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى، والمحافظة على الأرض بقاء الصلاح فيها ومنع الفساد، وإرادة الخير بالمجتمعات والأفراد، وعصم دماء المسلمين وأموالهم، وتحري العدل في الإصلاح والحذر من الظلم.
  • أورد الله سبحانه وتعالى في آياته المنّزلة على خير البشرية الأدلة الحسية والمعنوية الدالة على عظمته المطلقة وقدرته الفائقة لتكون واحدة من المنهجيات الهامة في الإصلاح الأخلاقي ومنها ما يلي: منهج الإخلاص، ومنهج الوفاء، ومنهج الأمانة، ومنهج الأدب مع الله، ومنهج الإيثار، ومنهج الأدب في المخاصمة.
  • من مناهج الإصلاح التربوي في آي الذكر الحكيم ما يلي: منهج الحوار البناء، ومنهج التعزيز الإيجابي، ومنهج ضرب الأمثال، ومنهج غرس روح المنافسة والحث عليها، ومنهج القدوة الحسنة، ومنهج فتح آفاق النظر والتدبر والاستدلال، ومنهج التدرج في استخدام العقاب.

التوصيات: -

  • ضرورة الحث على تطبيق المنهج الإصلاحي في جميع مناحي الحياة وعدم اقتصارها على الجانب التربوي والأخلاقي.
  • في ظل الثورات العربية المنادية بالحرية والحياة الكريمة هناك ضرورة لبيان المنهج القويم في الإصلاح والذي يحقق السعادة في الحياة الدنيا والفوز يوم المعاد.
  • أوصي المربون بضرورة التمسك والالتزام بهذه المنهجيات القرآنية في حياتهم، وحث الناس على التمسك بها ليصلوا إلى بر الأمان ويسعدوا في الدارين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:-

ابن باديس، عبد الحميد.(2009م). تفسير ابن باديس أو مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير. ترتيب وتخريج: أبو عبد الرحمن محمود، الجزائر: دار الرشيد.

ابن عاشور، محمد الطاهر.(1983م). التحرير والتنوير تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد. تونس: الدار التونسية للنشر.

ابن فارس، أبو الحسن أحمد.(1978م). معجم مقاييس اللغة. تحقيق: عبد السلام أحمد هارون، بيروت: دار الفكر.

ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر.(1990م).  إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق: محمد عبد السلام، إبراهيم بيروت: دار الكتب العلمية، ج3.

_______________________. (2006م). مدارس السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. بيروت: دار الكتب العلمية، ج2.

_______________________.(د.ت). إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان. تحقيق: محمد حامد الفقي، الرياض: مكتبة المعارف، ج1.

ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين.(1993م) ، لسان العرب ، بيروت : دار صادر ، ط3 ، ج2 .

الألوسي، ، شهاب الدين محمود .(1996م). روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت: دار الكتب العلمية.

البخاري، محمد بن إسماعيل. (2001م). صحيح البخاري. تحقيق: زهير محمد ناصر الناصر، دمشق: دار طوق النجاة.

التكوري، ناجي فرج.(2017). ملامح الإصلاح التربوي في تفسير ابن عاشور، زلتين بليبيا: مجلة أصول الدين بالجامعة الأسمرية الإسلامية، ع3، ص ص60-81.

الجرجاني ، علي بن محمد.( 1996م) . التعريفات . بيروت : دار الكتب العلمية.

حسين، أحمد ضياء ومحمد، ريم عبد الرزاق.(2022م). المنهج القرآني في تكوين المصلح التربوي في ضوء السنن الإلهية. الكويت: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، مج7، ع131، ص ص45-86.

خشة، أحسن .(2014م). الإصلاح التربوي من خلال رسائل النور، مجلة دراسات وأبحاث، مج6،ع16، الجزائر: جامعة زيان عاشور الجلفة، ص ص42-57.

خياطي، حنان.(2022م). الإصلاح في السنة النبوية-أسسه ومنطلقاته. المغرب: مجلة ريحان للنشر العلمي، ع20، ص ص161-180.

دويدري، رجاء وحيد.(2000م). البحث العلمي أساسياته النظرية وممارسته العملية. بيروت: دار الفكر.

الراجحي، عبد العزيز عبدالله (د.ت). شرح صحيح ابن خزيمة، المكتبة الشاملة، http://www.islamweb.net

الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود الخوارزمي.(2009م). الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط3، اعتني به وخرج أحاديثه: خليل مأمون شيحا، بيروت: دار المعرفة.

السعدي، عبد الرحمن بن ناصر.(1999مـ). القواعد الحسان في تفسير القرآن. الرياض: دار الرشد.

___________________ .(1999م). تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة.

السلمي، محمد & قصاص، عبد الرحمن & الموسى، سعد & الغيث، خالد.(2010م). صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر. جدة: مكتبة روائع المملكة.

الطبري، محمد بن جرير.(2001م). تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن. تحقيق: عبدالله التركي، القاهرة: هجر للطباعة والنشر،ج16.

عبيد، دلال كاظم.(2018). الإصلاح التربوي والاجتماعي في القرآن الكريم، بغداد: مجلة الآداب، جامعة بغداد، ع127، ص ص 449-474.

غلوش، أحمد.(2004م). السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي. مؤسسة الرسالة.

الفراهي، عبد الحميد.(2002م). مفردات القرآن: نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنية. تحقيق وشرح: محمد الاصلاحي، بيروت: دار الغرب الإسلامي.

القرطبي، محمد بن أحمد.(2006م). الجامع لأحكام القرآن. تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت: مؤسسة الرسالة.

محي، أنسام زيد.(2021م). الإصلاح في القرآن الكريم "النبي شعيب عليه السلام أنموذجاً". الإمارات العربية المتحدة: مجلة العلوم التربوية والإنسانية، ع5، ص ص1-15.

مناد، محمد.(2015م). دور الإصلاح التربوي في تطوير الثقافة الاجتماعية، الجزائر: مجلة التربية والابستمولوجيا، ع9، ص ص1-19.

المناوي، محمد عبد الرؤوف.(2002م). التوقيف على مهمات التعاريف. تحقيق: محمد رضوان الداية، دمشق: دار الفكر.

النيسابوري، مسلم بن الحجاج. ( 2006م ) . صحيح مسلم، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي أبو قتيبة، مكة المكرمة: دار طيبة .

وطفة، علي أسعد.(2001م). الإصلاح التربوي في الوطن العربي: تحديات وتطلعات مستقبلية، مجلة الطفولة العربية، ع6، ص81.

ياسين، بلال خليل.(2012م). منهجيات الإصلاح والتغيير في سورتي الأنبياء والحج لبلال ياسين، رسالة ماجستير غير منشورة، غزة: كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية.