تأصيل مبادئ المحاسبية في الإسلام

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

السعودية

10.12816/0054210

المستخلص

 يهدف البحث الحالي إلى التعرف إلى أوجه ذکر المحاسبية في القرآن الکريم، وتأصيل مبادئ المحاسبية إسلامياً في مفهومها الإداري الحديث. وتبرز أهمية البحث من أهمية التعرف إلى المنهج الإسلامي في المحاسبية؛ لأن البشرية ملزمة باتباع شرائعه، کما أن هذا المفهوم ليس وليد العصر الحديث والعلم الغربي، وإنما موجود في الدين الإسلامي من قبل آلاف السنوات، کما تبرز أهمية الموضوع کذلک عن طريق الربط بين مبادئ المحاسبية في العلم المعاصر، وما ورد في الشرع من أدلة وشواهد تدل على تطبيقها، حتى لا يکون المجتمع في معزل عن دينهم، وقد اتبع البحث المنهج الوصفي التحليلي لنصوص القرآن الکريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة الخلفاء الراشدين، والتابعين، واتضح تنفيذ الدين الإسلامي لمبادئ المحاسبية بمفهومها الحديث؛ وإن جاءت بمصطلحات مرادفة أحيانًا، کالمساءلة، والمسؤولية. واستخلصت الدراسة بالاستفادة من تطبيق المحاسبية في الإسلام أن تطبيقها في الواقع ينتج عنه المبادئ الإدارية الأخرى، کالنزاهة، والشفافية، ومحاربة الفساد الإداري، وتتولد عن هذا زيادة في الأموال، والإنتاج. وأوصت الدراسة بضرورة إنشاء جهاز محاسبي داخلي في المنظمات من أجل المحاسبية الدورية.
The aim of this article is to identify the aspects of accountability in the holy Quran, as well as to rooting principles of Islamic accountability in its modern administrative concept. The importance of this research is to emphasis the significance of recognizing the exist of accountability in Islamic history. This is because humanity is obliged to follow its laws. Additionally, accountability concept is not the birth of the modern era, but it has existed in the Islamic history since thousands of years ago. In addition, the importance of the topic is linked by the principles of the accountability in contemporary science and what has been mentioned in the sharia evidence. As a result of the linking, community cannot be isolated from their religion. The research followed the analytical descriptive mothed of the holy Quran text, Sunnah and the biography of Caliphs. The research reaches that the implementation of accountability in Islamic history is clear. The wording of accountability concept sometimes differed although, in practice is agreed. The study concluded by taking advantage of the enforcement of accountability in Islam that its application in fact results in other administrative principles such as integrity, transparency and fighting administrative corruption, which generates increased the funds and production. The study recommended that an internal accountability system should be established in organizations for regular accountability.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

               کلیة التربیة

        کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم

        إدارة: البحوث والنشر العلمی ( المجلة العلمیة)

    =======

 

تأصیل مبادئ المحاسبیة فی الإسلام

 

إعــــداد

حسناء بلج العتیبی

 

 

 

 

}     المجلد الرابع والثلاثون– العدد الحادی عشر- نوفمبر 2018م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

 

المستخلص:

 یهدف البحث الحالی إلى التعرف إلى أوجه ذکر المحاسبیة فی القرآن الکریم، وتأصیل مبادئ المحاسبیة إسلامیاً فی مفهومها الإداری الحدیث. وتبرز أهمیة البحث من أهمیة التعرف إلى المنهج الإسلامی فی المحاسبیة؛ لأن البشریة ملزمة باتباع شرائعه، کما أن هذا المفهوم لیس ولید العصر الحدیث والعلم الغربی، وإنما موجود فی الدین الإسلامی من قبل آلاف السنوات، کما تبرز أهمیة الموضوع کذلک عن طریق الربط بین مبادئ المحاسبیة فی العلم المعاصر، وما ورد فی الشرع من أدلة وشواهد تدل على تطبیقها، حتى لا یکون المجتمع فی معزل عن دینهم، وقد اتبع البحث المنهج الوصفی التحلیلی لنصوص القرآن الکریم، والسنة النبویة الشریفة، وسیرة الخلفاء الراشدین، والتابعین، واتضح تنفیذ الدین الإسلامی لمبادئ المحاسبیة بمفهومها الحدیث؛ وإن جاءت بمصطلحات مرادفة أحیانًا، کالمساءلة، والمسؤولیة. واستخلصت الدراسة بالاستفادة من تطبیق المحاسبیة فی الإسلام أن تطبیقها فی الواقع ینتج عنه المبادئ الإداریة الأخرى، کالنزاهة، والشفافیة، ومحاربة الفساد الإداری، وتتولد عن هذا زیادة فی الأموال، والإنتاج. وأوصت الدراسة بضرورة إنشاء جهاز محاسبی داخلی فی المنظمات من أجل المحاسبیة الدوریة.

الکلمات المفتاحیة: المحاسبیة، الإسلام.

 

Abstract :

The aim of this article is to identify the aspects of accountability in the holy Quran, as well as to rooting principles of Islamic accountability in its modern administrative concept. The importance of this research is to emphasis the significance of recognizing the exist of accountability in Islamic history. This is because humanity is obliged to follow its laws. Additionally, accountability concept is not the birth of the modern era, but it has existed in the Islamic history since thousands of years ago. In addition, the importance of the topic is linked by the principles of the accountability in contemporary science and what has been mentioned in the sharia evidence. As a result of the linking, community cannot be isolated from their religion. The research followed the analytical descriptive mothed of the holy Quran text, Sunnah and the biography of Caliphs. The research reaches that the implementation of accountability in Islamic history is clear. The wording of accountability concept sometimes differed although, in practice is agreed. The study concluded by taking advantage of the enforcement of accountability in Islam that its application in fact results in other administrative principles such as integrity, transparency and fighting administrative corruption, which generates increased the funds and production. The study recommended that an internal accountability system should be established in organizations for regular accountability.

Key words: Accountability, Islam.

 

 

 

 

المقدمة

الإسلام منهج حیاة شامل متکامل لکل نواحی الحیاة، وشریعته صالحة لکل الأزمنة والأمکنة، وهو شریعة للناس جمیعاً، وتقوم شریعته على مجموعة من القواعد الکلیة الثابتة، وهذا یعطیها صفة الثبات، کما أنها ترکت الفروع والتفاصیل لتتکیف حسب الظروف والأحوال، وهذا یعطیها صفة المرونة. وقد وردت کلمة المحاسبة ومشتقاتها فی القرآن الکریم أکثر من مئة مرّة، ولا شک أن حجم هذا التکرار فی کتاب الله العزیز دلیل على تقدیر أثر الحساب فی نواحی الحیاة المختلفة [1].

ولکل مسلم حساباً مع الله، وأن هناک من یسجل على الإنسان جمیع أموره من خیر أو شر، وهو مستمر فی التسجیل إلى الموت، ثم بعد ذلک تظهر فی یوم الحساب [2]؛ فقد عالج الفکر الإسلامی الجوانب الإداریة فی حیاة الناس من مختلف جوانبها النظریة والعلمیة، ولکن بعد الاستعمار لبعض بلاد الإسلام أصبحت جمیع العلوم بما فیها المحاسبیة علوماً غربیة، سواء من حیث الفکر أو من حیث التطبیق.

وسوف تؤصَّل هذه الورقة مبادئ المحاسبیة فی الفکر الإداری الإسلامی من ناحیة ذکرها فی القرآن الکریم، وتطبیقها فی السنة النبویة، وفی عهد الخلفاء الراشدین من بعد، والسلف الصالح.

مشکلة الدراسة

اهتم الدین الإسلامی بالمبادئ، والقیم، والأخلاق، اهتماماً کبیراً، ویعمل على تدعیم الالتزام بهم من خلال العقیدة، والإیمان والعبادات، والتربیة الدینیة، فهم یتسم بهم المسلم فی أفعاله، ویتضح مدى الصلة الوثیقة بین القیم والأخلاق المتأصلة فی الإنسان وبین سلوکه فی الحیاة [3].

وبین الدین الإسلامی الحنیف بضرورة محاسبة العبد عما یفعله من خیر أو شر؛ فالخیر هو العمل المقصود من العبد وهو الغایة الأخیرة، ولا یختلف أحد على أهمیة المحافظة على الخیر والقیم والفضائل، وضرورة التمسک بهم، والبعد عن الشر وما یسوق إلیه، لکونه فی الأخیر محاسب عما یفعله، ویوزن حسابه، ویأخذ نصیبه، إما جنة، أو نار [4].

وجاء القرآن کمنهاج متکامل لجمیع جوانب الحیاة المختلفة، الاقتصادیة، والاجتماعیة، والسیاسیة، والإداریة، وأمر الله - سبحانه وتعالى - بتدبر آیاته وتطبیقها. ویتمیز المنهج الإسلامی أنه من رب العالمین، وأنه صالح لکل زمان ومکان، ویتصف بالشمولیة، والتکامل، والواقعیة؛ فالإنسان محاسب فی حیاته على ما أتبع، أو خالف، من هذا الشرع الشامل؛ أی على جمیع الأعمال من خیر، أو شر. ویتضح ذلک فی قوله تعالى: ﴿فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ * وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ﴾ [سورة الزلزلة، الآیتین7، 8].

والقرآن لیس کتاباً یستوعب مصطلحات العلوم الدنیویة، سواء العلمیة أو الاقتصادیة أو غیرها من العلوم، ولا یضم المفاهیم اللغویة لکل العلوم؛ لکنه یشیر إلى المصطلحات العلمیة بإشارات ودلالات کثیرة، منها "مبادئ المحاسبیة"، فقد ورد فی مواضع کثیرة ما یدل على مبادئ المحاسبیة فی الإسلام، مثل قوله تعالی: ﴿وَإِنَّ عَلَیْکُمْ لَحَافِظِینَ* کِرَامًا کَاتِبِینَ* یَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾[سورة الانفطار، الآیات10-12]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ یَکْفُرْ بِالأِیمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ﴾ [سورة المائدة: آیة5]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ وَاللَّهُ عَزِیزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [سورة آل عمران: آیة4]، وقوله تعالى: ﴿وَمَن یَکْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِیدًا﴾ [سورة النساء: آیة136]، وقوله تعالى:﴿أُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ عَذَابًا مُهِینًا * وَالَّذِینَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ یُفَرِّقُوا بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِکَ سَوْفَ یُؤْتِیهِمْ أُجُورَهُمْ وَکَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِیمًا﴾ [سورة النساء: آیة151، 152]، وقوله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَمْلِکُ لِنَفْسِی نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ کُنتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَمَا مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِیرٌ وَبَشِیرٌ لِّقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ﴾[سورة الأعراف: آیة188]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّــذِی فَــرَضَ عَلَیْــکَ الْقُـرْآنَ لَرَادُّکَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [سورة القصص: آیة85]، وقوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاکُمْ عَبَثًا وَأَنَّکُمْ إِلَیْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ [سورة المؤمنین: آیة115]. وهناک الکثیر والکثیر من آیات القرآن الکریم التی تبین مبادئ المحاسبیة؛ کما عمل السلف الصالح على مبادئ المحاسبیة، وقد اشتهر ذلک فی عهد عمر بن الخطاب - رضی الله عنه - حین أنشأ دیوان الحسبة، وهو وظیفة رقابیة على الأسواق، ونظافة الطرقات، والبیع والشراء، ووجدت المسؤولیة والمساءلة عن التصرفات والقصور فیها، وکذلک اشتهر عنه الإحاطة المباشرة بشؤون الرعایة ومتابعة الولاة، واستحدث مبدأ من أین لک هذا؟

لذا تقدم هذه الورقة وصفاً تحلیلیاً لمبادئ المحاسبیة فی الإسلام وأنها لیست ولیدة العصر الحدیث بسبب تطبیقها من بدایة ظهور الدین الإسلامی عن طریق استعراض الشواهد والأدلة الدینیة؛ إذ تکمن مشکلة البحث حول تأصیل مبادئ المحاسبیة فی القرآن الکریم والسنة النبویة وسیرة الخلفاء الراشدین العطرة.

تساؤلات الدراسة

1)     ما مدلولات المحاسبیة أو معانیها فی القرآن الکریم؟

2)     کیف تؤصَّل مبادئ المحاسبیة إسلامیًا من خلال الربط بالشواهد الدالة فی الکتاب والسنة وتاریخ الخلفاء الراشدین؟

أهداف الدراسة

1)     التعرف على مدلولات المحاسبیة أو معانیها فی القرآن الکریم.

2)     تأصیل مبادئ المحاسبیة إسلامیا من خلال الربط بالشواهد الدالة فی الکتاب والسنة وتاریخ الخلفاء الراشدین.

أهمیة الدراسة

تنبع أهمیة الدراسة من أهمیة الموضوع الذی تتناوله، وتبیان أن النظر إلى المحاسبیة الیوم أنه الأساس الذی یقُوم علیه سلوک الأفراد، والمنظمات، لتحقیق العدالة، والنزاهة، والبعد عن الفساد الإداری. وإظهار الحقیقة الغائبة بأن مصطلح المحاسبیة، أو المساءلة، لیس بفکرة حدیثة؛ وإنما مصطلحات قدیمة فی التراث البشری، والتاریخ الإسلامی؛ إذ إنها النواة التی یتمحور علیها دین الله وشریعته فی جمیع المعاملات والممارسات والعبادات. کما أن التأصیل لهذا الاتجاه الإداری ضمن الدراسة الحالیة قد یثری المکتبات العربیة والإسلامیة، لکونه - على حسب علم الباحثة - أول بحث تأصیلی لمبادئ المحاسبیة فی الإسلام.

حدود الدراسة:

الحدود الموضوعیة: تنحصر الحدود الموضوعیة للدراسة الحالیة فی تأصیل مبادئ المحاسبیة فی الإسلام.

منهج الدراسة:

اتبع البحث الحالی المنهج الوصفی التحلیلی، والذی یهدف إلى دراسة الظاهرة ووصفها وصفاً دقیقاً.

مصطلحات الدراسة:

أ) مبادئ المحاسبیة:

تعرف الباحثة مبادئ المحاسبیة إجرائیاً فی الدراسة الحالیة بأنها: مجموعة من المبادئ والأسس والمفاهیم التی تحکم ممارسات العبد تجاه نفسه، ودینه، ومجتمع، والله سبحانه وتعالى، بهدف تحدید نتیجة أعماله من ربح والفوز بالجنة، أم خسارة والعیاذ بالله.

ب) الإسلام:

تعرف الباحثة الإسلام إجرائیاً فی الدراسة الحالیة بأنه: منهجٌ ربانیّ کامل أنزله الله تعالى على سیدنا محمّد - صلّ الله علیه وسلم - وأمره بتبلیغه، ویحتوی على الأنظمة والقوانین الإلهیّة التی تقتضی مصلحةَ العباد فی الحیاة، وبناءً على الانقیاد التامّ لأوامره، والاستسلامُ لله -عز وجل- برغبةٍ اختیاریّة للفردِ یکون الجزاءُ یومَ القیامة. 

الدراسات السابقة:

هناک عدد من الدراسات التی تناولت مبادئ المحاسبیة فی الإسلام، ولکن بمفاهیم مختلفة مثل: المساءلة، والمسؤولیة، وقد بین "الجارودی" [5] أن مصطلح "المحاسبیة"، أو "المساءلة"، هما وجهان لعملة واحدة، ولکن نتیجة لترجمة المصـطلح Accountability طبقا لمفهومه فی اللغة العربیة نشأ الاختلاف فی الاسم، بینما المسؤولیة تعد أحد المرتکزات الأساسیة التی تقوم علیها المحاسبیة، وقد استفادت منها الباحثة فی بلورة فکرة هذا البحث.

وسوف تتناول الدراسات السابقة فی محورین أساسیین، هما الدراسات العربیة، والدراسات الأجنبیة؛ وقد رتبت الدراسات السابقة وفق الترتیب الزمنی من الأقدم إلى الأحدث، وفی نهایة الدراسات السابقة قامت الباحثة بالتعلیق علیها، وتبیان مدى ارتباط أو اختلاف الدراسة الحالیة بالدراسات السابقة، ومدى استفادة الدراسة الحالیة بالدراسات السابقة، وفیما یلی تفاصیل ذلک...

أ) الدراسات العربیة:

جاءت دراسة إسماعیل (2006م) [6] بعنوان: مساءلة الإدارة العامة بین النظریة والتطبیق: رؤیة إسلامیة، وقد أشارت إلى أن على الرغم من وجود مجموعة من المفردات الأساسیة للمساءلة الإداریة فی الإسلام، إلا أن التنظیمات الإداریة فی المجتمعات الإسلامیة المعاصرة لم تحاول أن تستفید من الطرح الإسلامی لهذه الوظیفیة، مع ما تواجهه من مشکلات بصدد نظم المساءلة بها، وقد بُنی نموذج إسلامی بشأن المساءلة الإداریة بطریقة تسمح للتنظیمات المعاصرة بالاستفادة منه فکریًا ومؤسسیاً وممارسة؛ إذ اتسم النموذج بعدة خصائص أساسیة، منها: الشمولیة، الأساس الشرعی للمساءلة الإداریة، استمراریة المساءلة الإداریة، فرضیة المساءلة وهی الکفاءة فی الاستخدام، والمرونة.

وجاءت دراسة مغیری (2011) [7] بعنوان: المسؤولیة فی القرآن الکریم، والتی أشارت إلى المسؤولیة فی القرآن الکریم من حیث مدلولاتها وأنواعها وفوائدها، وبسبب أن المسلم لا یعیش فی المجتمع منفرداً؛ بل لابد من اختلاطه بالناس من حوله، وهذا یترتب علیه أن یکون إما مسؤولاً عن بعض أفراده، أو هو تحت مسؤولیة آخرین. وقد اعتمد البحث على جمع الآیات حول موضوع المسؤولیة، وترتیبها، والرجوع إلى کتب التفاسیر فی شرح الآیات والمعانی، والکتب التی تناولت هذا الموضوع أو أحد جوانبه.

 وفی دراسة توراک، ولغلیمی (2013) [8] بعنوان: المسؤولیة الإداریة فی الإسلام، بینت الدراسة أن المسؤولیة الإداریة فی الإسلام ماهی إلا خطوة أولى لمحاولة دراسة المسؤولیة الإداریة بالغرب؛ إذ إن المسؤولیة فی العهد الإسلامی تعتمد على مرتکزات ومصادر مستنبطة من إطار عام، یحدده مجموعة من المسؤولیات، بما فی ذلک المسؤولیة الإداریة، کما أنها لیست مجرد إطار نظری قانونی ینظم العلاقة فی الإدارة والأفراد، وإنما حقیقة تجلت عبر عدید من التطبیقات الإداریة والقضائیة، تصب جمیعها فی ضرورة تعویض الأفراد - مسلمین أو غیر مسلمین - عن الأضرار التی لحقت بهم نتیجة تصرفات الإدارة.

ب) الدراسات الأجنبیة:

جاءت دراسة "لویس" Lewis (2006) [2] بعنوان: المساءلة والإسلام، والتی بینت أن المحاسبیة بمعناها الواسع تعد الأساس فی الدین الإسلامی؛ إذ إن المساءلة أمام الله والمجتمع عن جمیع الأنشطة أمر بالغ الأهمیة لإیمان المسلم. استناداً إلى الشریعة الإسلامیة؛ فالمحاسبیة تکون على الأخلاق، والأعمال والنشاطات التجاریة وعلى إعداد التقاریر المالیة. وکُشِفت هذه الورقة الفجوة الحتمیة بین المثالیة والواقع فی تطبیق نظم المساءلة الإسلامیة.

وفی دراسة "نهار"، و"یعقوب" Nahar, Yaacob (2013) [9]، والتی جاءت بعنوان: المساءلة فی السیاق المقدس؛ حیث تقدم الدراسة فحص مدى تطبیق المساءلة الإداریة فی سیاق شرکة الأوقاف، وتصنف المساءلة على أنها ثنائیة - تماشیاً مع مفهوم الازدواجیة فی الحیاة - فی هذا العالم الزمنی والأبدیة فیما بعد، ویستلزم مفهوم المساءلة فی المحاسبیة من وجهة نظر العالم الإسلامی لتتجاوز حدود الأهداف الدنیویة بالتوازی مع هذا المنطق، فإن الغرض من هذه الورقة هو إجراء تحقیق تجریبی أولی فیما یتعلق بممارسات المحاسبة، والإبلاغ والمساءلة فی مؤسسة إدارة الأوقاف النقدیة المالیزیة على مدى ست سنوات، من عام (2000 – 2005). وتشیر نتائج الدراسة إلى أنه على الرغم من أن جذور المساءلة فی ممارسات الإدارة والمحاسبة موجودة فی کیان الأوقاف المدروس، إلا أنه تظل هناک حاجة إلى تحسینات مهمة ضروریة لضمان إمکانیة تعزیز المساءلة والتمسک بها بشکل مستمر.

التعلیق العام على الدراسات السابقة:

یتضح بعد استعراض الدراسات السابقة التی تناولت موضوع مبادئ المحاسبیة فی الإسلام، أن هناک تأکیداً على أهمیة مبادئ المحاسبیة، وأن هناک إجماع على احتواء النصوص القرآنیة على مبادئ المحاسبیة فهناک دراسات رکزت على المساءلة أو المسئولیة فی الإسلام، مثل دراسة کل من: "لویس" Lewis (2006) [2]، مغیری (2011) [7]، توراک، ولغلیمی (2013) [8]، والتی اعتمدت فی إثبات ذلک على جمع الآیات حول موضوع المسؤولیة، وترتیبها، والرجوع إلى کتب التفاسیر فی شرح الآیات والمعانی، والکتب التی تناولت هذا الموضوع أو أحد جوانبه، وأن المحاسبیة بمعناها الواسع تعد الأساس فی الدین الإسلامی؛ إذ إن المساءلة أمام الله والمجتمع عن جمیع الأنشطة أمر بالغ الأهمیة              لإیمان المسلم.

وجاءت دراسات أخرى تبین المسائلة الإداریة فی الإسلام مثل دراسة کل من: إسماعیل (2006م) [6]، توراک، ولغلیمی (2013) [8]، والتی بینت أنه بالرغم من وجود مجموعة من المفردات الأساسیة للمساءلة الإداریة فی الإسلام، إلا أن التنظیمات الإداریة فی المجتمعات الإسلامیة المعاصرة لم تحاول أن تستفید من الطرح الإسلامی لهذه الوظیفیة، مع ما تواجهه من مشکلات بصدد نظم المساءلة بها، وأن المسؤولیة الإداریة فی الإسلام ماهی إلا خطوة أولى لمحاولة دراسة المسؤولیة الإداریة بالغرب؛ إذ إن المسؤولیة فی العهد الإسلامی تعتمد على مرتکزات ومصادر مستنبطة من إطار عام، یحدده مجموعة من المسؤولیات، بما فی ذلک المسؤولیة الإداریة.

وتوصلت دراسة "نهار"، و"یعقوب" Nahar, Yaacob (2013) [9]، إلى أنه على الرغم من أن جذور المساءلة فی ممارسات الإدارة والمحاسبة موجودة فی کیان الأوقاف المدروس، إلا أنه تظل هناک حاجة إلى تحسینات مهمة ضروریة لضمان إمکانیة تعزیز المساءلة والتمسک بها بشکل مستمر.

أوجه الاتفاق بین الدراسة الحالیة والدراسات السابقة:

اتفقت الدراسة الحالیة مع الدراسات السابقة فی تناولها لموضوع مبادئ المسائلة أو المسؤولیة أو المحاسبیة فی الإسلام، والذی یحظى بأهمیة کبیرة، والتی تعکس الشفافیة والمساءلة، والتی تناولتها نصوص القرآن الکریم، والسنة النبویة الشریفة، والسلف الصالح؛ حیث اتفقت الدراسة الحالیة مع دراسة کل من: إسماعیل (2006م) [6]، "لویس" Lewis (2006) [2]، مغیری (2011) [7]، توراک، ولغلیمی (2013) [8]، "نهار"، و"یعقوب" Nahar, Yaacob (2013) [9].

أوجه الاختلاف بین الدراسة الحالیة والدراسات السابقة:

تختلف الدراسة الحالیة مع الدراسات السابقة من حیث تحدید مبادئ المحاسبیة فی الإسلام، والمتمثلة فی: الشفافیة، والشمولیة، والمسؤولیة والالتزام، والتوازن والتناسق، والمشارکة والتعاون والاستمراریة، والمرونة، وتقویم الأداء وتوجیهه.

أوجه استفادة الدراسة الحالیة من الدراسات السابقة:

استفادت الباحثة من عرض الدراسات السابقة فی التعرف على الخلفیة النظریة لمبادئ المحاسبیة فی الإسلام من وجهة نظر معدی تلک الدراسات، والتعرف على سبل تناولهم لمبادئ المحاسبیة ضمن آیات الذکر الحکیم، والسیرة النبویة العطرة، والسلف الصالح، کذلک استفادت الباحثة من الدراسات السابقة فی صیاغة أهداف الدراسة وإبراز أهمیتها، وفی إثراء الإطار النظری، وتفسیر النتائج التی یتم التوصل إلیها.

الإطار النظری:

مفهوم المحاسبیة:

یرجع أصل کلمة المحاسبیة فی اللغة إلى کلمة حاسب أو یحاسب، وحاسبه ناقشه الحساب أو جازاه [10]. وعرفها معجم اللغة الإنجلیزیة بأنه "الالتزام أو الاستعداد لقبول المسؤولیة أو محاسبة مسؤولین عمومیین یفتقرون إلى المساءلة"، وعرفت المحاسبیة بأنها المسؤولیة عن الأداء [11].

وتعرف المحاسبیة اصطلاحاً بأنها المساءلة أمام السلطات الأعلى، وکون الفرد محاسباً فإنه مسؤول أمام رئیسه الذی فوضه فی اختصاص معین [12]؛ فالمحاسبیة بوصفها معیاراً تستخدم لإصدار الأحکام على الأداء والخدمات، والمحاسبیة بوصفها عملیة تستخدم لجمع البیانات، وتخزینها، واستخدامها، والتعلیق علیها، من أجل تحسین الأداء والخدمات [13]، وعرف "هارفی" Harvey (2004) [14] المحاسبیة التعلیمیة على أنها الحالة التی یکون فیها الفرد فی التعلیم مسؤولا عن أمر ما أمام الآخرین، أو یکون مسؤولاً عن شخص ما أو نشاط ما.

أهداف المحاسبیة:

حصر "کورنیلا" Kornelia (2009) [15] أهداف المحاسبیة ضمن ثلاثة أهداف رئیسة تتضمن:

1)     المحاسبیة بوصفها وسیلة للرقابة والتحکم.

2)     المحاسبیة بوصفها نوعاً من الضمان.

3)     المحاسبیة بوصفها عملیة للتحسین المستمر.

وتقوم بنیة المحاسبیة على عدة مبادئ رئیسة، وهی کما ذکرها (العنزی وآخرون، 2016) [16]، کما یبینها الشکل التالی:

 
   

 

 

 

 

 

 

إلا أن الدبیخی (2015) [17] قد بین أن مبادئ المحاسبیة تشمل بالإضافة إلى ما سبق "المرونة"، و"تقویم وتوجیه الأداء".

تأصیل المحاسبیة فی الإسلام:

تعرف المحاسبیة فی الإسلام على أنها عملیة التدقیق على المسؤولین بمهمة معینة عن کیفیة أدائهم، وتحقیقهم للأهداف المطلوبة وفق الشرعیة الإسلامیة، قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئًا وَإِنْ کَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنَا بِهَا وَکَفَى بِنَا حَاسِبِینَ﴾ [سورة الأنبیاء: الآیة47]؛ ﴿وَکَفَى بِاللَّهِ حَسِیبًا﴾ [سورة النساء: الآیة6[.

نتائج الدراسة ومناقشتها:

إجابة السؤال الأول:

ینص السؤال الأول للدراسة الحالیة على: "ما مدلولات المحاسبیة أو معانیها فی القرآن الکریم؟"

 المحاسبیة بمفهومها الواسع أساس الإسلام ومحوره؛ إذ إن نواة هذا الدین، ومبدأه مسألة الله للناس عن جمیع ما یقوم فی حیاتهم وإیمانهم بذلک، وقد تناولت کلمة المحاسبة فی القرآن الکریم عدة معانٍ، منها: [18]

1)     المحاسبة بمعنى المساءلة: وردت لتعبِّر عن تحدید مسؤولیة الأفعال والتصرفات: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِیدًا﴾ [سورة الطلاق: الآیة8]، ﴿یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا﴾ [سورة الانشقاق: الآیة8]، فالمحاسبة بوصفها نظام معلومات تُعدّ وسیلة للمساءلة عمّا أُثبت نتیجة تصرفات سابقة قد تکون ذات تأثیر على قرارات لاحقة.

2)     المحاسبة بمعنى العدّ والإحصاء: وهی تُعبِّر عن القیم المادیة والمعنویة: ﴿وَاللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ﴾ [سورة البقرة: الآیة212]، أو العدّ ثم الجزاء والعقاب فی ضوء المسجَّل من تصرّفات وأعمال: ﴿وَکَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِیدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُکْرًا﴾ [سورة الطلاق: الآیة8].

3)     المحاسبة بمعنى سرعة الحساب: جاء فی القرآن الکریم: ﴿أُولَئِکَ لَهُمْ نَصِیبٌ مِمَّا کَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِیعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة البقرة: الآیة202]؛ ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُکْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِینَ﴾ [سورة الأنعام: الآیة62]، ﴿وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ کَسَرَابٍ بِقِیعَةٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِیعُ الْحِسَابِ﴾ [سورة النور: الآیة39].

4)     المحاسبة بمعنى الخازن الأمین: ﴿قَالَ اجْعَلْنِی عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ﴾ [سورة یوسف: الآیة55]، ولا شک أن هذا النص القرآنی فیه إشارة إلى التدوین والصرف والتخزین، وهی مما تتعلق بالوظائف المحاسبیة المعروفة حالیاً.

یتضح من استعراض نتائج السؤال الأول للدراسة الحالیة ورود مدلولات المحاسبیة ومعانیها فی القرآن الکریم فی مواضع عدة، لکون القرآن بأکمله شرعة ومنهاجاً، فهو الدلیل والطریق، وقد أیدت ما توصلت إلیه الدراسة الحالیة عدید من الدراسات مثل دراسة کل من: مغیری (2011) [7]، توراک، ولغلیمی (2013) [8]، "لویس" Lewis (2006) [2]، "نهار"، و"یعقوب" Nahar, Yaacob (2013) [9]، والتی أشارت إلى ورود المسؤولیة فی القرآن الکریم من حیث مدلولاتها وأنواعها وفوائدها؛ حیث إن المحاسبیة بمعناها الواسع تعد الأساس فی الدین الإسلامی؛ إذ إن المساءلة أمام الله والمجتمع عن جمیع الأنشطة أمر بالغ الأهمیة لإیمان المسلم. استناداً إلى الشریعة الإسلامیة؛ فالمحاسبیة تکون على الأخلاق، والأعمال والنشاطات الیومیة المختلفة.  

إجابة السؤال الثانی:

ینص السؤال الثانی للدراسة الحالیة على: "کیف تُؤصَّل مبادئ المحاسبیة إسلامیا من خلال الربط بالشواهد الدالة فی الکتاب والسنة وتاریخ الخلفاء الراشدین؟"

أ) الشفافیة:

تعرَّف الشفافیة بأنها "حق کل فرد من العاملین أو المتعاملین أو الجمهور فی الوصول إلى المعلومات ومعرفة آلیات اتخاذ القرار المؤسسی، وتعنی تصمیم النظم والآلیات والسیاسات والتشریعات وتطبیقها [19]، إذ تعتمد المحاسبیة على الشفافیة، ونزلت نصوص قرآنیة تبین أحکاماً مفصلة بشأنها أحیانا، وأحیانا أخرى تکون على شکل قواعد نظامیة مجملة، فکان النبی - صل الله علیه وسلم - أول من فصّل وبیّن هذه القواعد المحاسبیة، فعدد إیرادات الدولة، ووضع مقادیر الزکاة، والجزیة، وکیفیة تحصیلها، کما بیّن طرق الإنفاق العام وأحکامه، وکان یبعث إلى الأقالیم بأمرائه وعماله على الصدقات، ویوضح لهم طرق هذه القواعد والأحکام، کما کان - صل الله علیه وسلم - یحاسبهم على المستخرج (الإیرادات)، والمنصرف منها، وکیفیة ذلک [20].

وکان - صل الله علیه وسلم - کلما أسلمت قبیلة بعث العامل لجمع زکاة مالها، وهو - صل الله علیه وسلم - أول من أنشأ لها دیواناً خاصاً فی مرکز الدولة، وکان کاتبه على الصدقات الزبیر بن العوام، وجهم بن الصلت، أما کاتبه على خرص النخل فهو حذیفة بن الیمان، وکان له کاتبان آخران على المدانات والمعاملات، وهذا یبین أن الدواوین قد وضعت فی زمن النبی - صل الله علیه وسلم -؛ إذ تعبر الآلیة المستخدمة فی تدوین الدواوین وتعیین العملاء التقاریر والملاحظة والإشراف المباشر أو غیر المباشر (التفویض فی الولایات)على الموکلین، ویعنی ذلک بدایة نشوء النظام المحاسبی الحکومی الإسلامی، فضلا عن ذلک فإن من النتائج الأساسیة للفتوحات الإسلامیة التی قام بها المسلمون تدفق الأموال على المسلمین بشکل وفیر ومستمر، وازدیاد عدد الجند ونفقاتهم، فأصبح من الصعب ضبط تلک الأموال دون تدوین، وهذا ما استدعى وجوب وجود نظام یتحکم فی تلک الأموال، وینظم توزیعها، ویحفظ ما زاد منها، لذلک بدأت التنظیمات الإسلامیة بالتشکل والظهور نتیجة الحاجة إلیها، فاتخذت نظما تنسجم مع واقع الشریعة الإسلامیة، فاستحدث دیوان بیت المال [21]، فکان ذلک بدایة لضبط الأموال، وأساس توزیع الأعمال المالیة، وتفرعها إلى عدة دواوین فیما بعد [22]، ثم تبعتها خطوات متلاحقة تتمثل فی تقنین النظم، وتحدید الأعطیات، کما أُجری تصنیف عام للمسلمین لتحدید مستحقاتهم ومقدراتهم من بیت المال، وتبع ذلک القیام بأعمال المتابعة والمراقبة للقائمین على بیت المال، للتأکد من قیامهم بواجباتهم [23]؛ إذ یستدل من ذلک أن جمیع أمور المسلمین المالیة والإداریة کانت مکتوبة فی دواوین واضحة، ویستطیع الجمیع رؤیته بکل ثقة وحریة، کما یسهل الحصر والمحاسبیة، فالأمور المالیة معلنة ومکتوبة من ناحیة التقادیر والإحصائیات والحقوق والواجبات، فهذه هی الشفافیة بمعناها الحقیقی والمطلوب فی العصر الحالی، کما حرص الرسول - صل الله علیه وسلم - على تطبیق الأنظمة بحزم على کل من تطاول على المال العام، ولم یحافظ علیه، أو اختلسه، أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فیما أسند إلیه من مهام وأعمال، تطبق ذلک الأحکام على الصغیر والکبیر، دون محاباة أو مجاملة، فکان - علیه أفضل الصلاة والتسلیم - لا یخشى فی الله لومة لائم، بحزم وعزیمة لا تلین، ویتبین ذلک فی قوله - صلوات الله وسلامه علیه -: "إنما أهلک الذین قبلکم أنهم کانوا إذا سرق فیهم الشریف ترکوه وإذا سرق فیهم الضعیف أقاموا علیه الحد، وایم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت یدها".

کما اتخذ عمر أسلوبًا فریداً فی الرقابة على الولاة والعمال، وهو أسلوب إبراء الذمة، أو أسلوب من أین لک هذا؟ فقد کان من عادته أن یکتب أموال عماله إذا ولاهم، حتى یکون ذلک معیاراً لمحاسبتهم فیما بعد إذا تضخمت ثرواتهم بصورة غیر طبیعیة، فلقد مر ذات یوم ببناء بحجارة وجص فقال: "لمن هذا؟" فذکروا عاملا له على البحرین، فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها"، وشاطره ماله، وکان یقول: لی على کل خائن أمینان: الماء والطین" [24].

ب) الشمولیة:

جاء الإسلام شاملاً لجمیع جوانب الحیاة، فقال الله تعالى: ﴿الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإسْلامَ دِینًا﴾ [سورة المائدة: الآیة3]. قال ابنُ کثیر - رحمه الله -: "هذه أکبرُ نِعَم الله - تعالى - على هذه الأمَّة؛ حیث أکمل تعالى لهم دینَهم، فلا یحتاجون إلى دینٍ غیره، ولا إلى نبیٍّ غیر نبیِّهم - صلَوات الله وسلامُه علیه - ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبیاء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلَّا ما أحلَّه، ولا حرام إلَّا ما حرَّمه، ولا دین إلَّا ما شرعَه، وکلّ شیء أخبرَ به فهو حقّ وصدق، لا کذب فیه ولا خُلف، کما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ صِدْقًا وَعَدْلاً﴾ [سورة الأنعام: الآیة115]؛ أی: صدقًا فی الأخبار، وعدلاً فی الأوامر والنَّواهی، فلمَّا أکمل لهم الدّین تمَّت علیهم النِّعْمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإسْلامَ دِینًا﴾ [سورة المائدة: الآیة3]؛ أی: فارضوه أنتُم لأنفُسِکم، فإنَّه الدّین الَّذی أحبَّه الله ورضِیَه، وبعث به أفضل الرُّسُل الکرام، وأنزل به أشرفَ کتُبِه" [25]، وبهذه الشمولیة فإن الإنسان محاسب أن یتبع فی کل ما ورد فی هذا الدین الشامل من معاملات وقیم وممارسات، کما أنه محاسب فی عدم الاتباع أو الابتداع والتخلی عن المنهج الإسلامی الشامل، کما قیل فی الحدیث المرفوع عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِیِّ - صَلَّ اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ حَتَّى یُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِیمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِیمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَیْنَ اکْتَسَبَهُ وَفِیمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِیهِ"[26].

ج) المسؤولیة والالتزام:

إن الإنسان محاسب عن جمیع أعماله فی هذه الدنیا، وجمیعها مدونة ومسجلة، کما قال تعالى فی کتابه الکریم على لسان المقصرین من البشر: ﴿وَوُضِعَ الْکِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَا وَیْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْکِتَابِ لا یُغَادِرُ صَغِیرَةً وَلا کَبِیرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً﴾ [سورة الکهف: الآیة49]، ویؤکد الإسلام على أهمیة الانضباط عن طریق التغذیة الراجعة، والإنجـاز الإداری، فهـو دین النظام والانضباط فی کل شیء، ویشجع الإسلام المسؤولین والأفراد فی مستویاتهم المختلفة على الإسهام الفعال فی إدارة المنظمة، وفـی الحـدیث: "کلکم راع، وکلکم مسؤول عـن رعیتـه"، ویوافق الإسلام على دور الرئیس الإداری؛ بوصفه قائداً ومشرفاً متـابعاً، وأخاً کبیـراً صـاحب مشورة ورأی، ویرفض التسلط والجبر، وسوق الناس بالسیاط والحدید والنار، یقول تعـالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ﴾ [سورة النساء: الآیة59]، ویقول الرسـول: "هون علیک فإنی لست بملک إنما أنا ابن امـرأة تأکـل القدیـد" [27]، ویقول أبو بکر: "إنی ولِّیت علـیکم ولسـت بخیرکم، أطیعونی ما أطعت الله فیکم، فإن عصیته فلا طاعة لی علیکم"، کما یحاسب الخلفاء ویعزل أو یعاقب من لم یلتزم أو من یصدر علیه شکوى من الولاة، فقد عزل سعدا لما شکاه أهل الکوفة، ولم تأخذه به هوادة؛ لأن الغایة عند عمر هی إنفاذ العمل النافع للناس على ید أی کان من عماله، وألا یفتح للمسلمین بابًا للشکوى، وخیر مثال السیاسة عنده أن تغییر الولاة أیسر من تغییر الرعیة، وکان یقول - رضی الله عنه -: "أهون شیء أصلح به قوما أن أولیهم أمیرا مکان أمیر" [24].

ولقد صادر عمر أموال عامله على مصر عمرو بن العاص؛ لأنه فشت له فاشیة من متاع وآنیة وحیوان لم تکن له حین ولی مصر، فدعا عمرو بن العاص وقال له: انظر رأس مالک ورزقک فخذه، واجعل الآخر فی بیت المال [24].

 

د) التوازن والتناسق:

شریعة الإسلام هی شریعة الوسطیة، فهی وسط بین التشریعات فی المعاملات، ووسط بین التشریعات فی العبادات، وهی وسط فی سائر الأحکام، فهم وسط بین الِفرق کوسطیة الإسلام بین الملل، کما أن الإنسان محاسب على حسب قدرته بطریقة عادلة، ولا یعاقب فیما هو خارج عن سیطرته، ویتضح فی قوله تعالى: ﴿لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا کَسَبَتْ وَعَلَیْهَا مَا اکْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِینَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَیْنَا إِصْراً کَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ﴾ [سورة البقرة: الآیة286]، معنى قول الله - تبارک وتعالى -: ﴿لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾؛ أی: لا یکلف أحدًا فوق طاقته، فالله لم یکلف عباده إلا ما یستطیعون، کما قال الله تعالى: ﴿یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلَا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾ [سورة البقرة: الآیة185]. قال القرطبی - رحمه الله تعالى -: "وهذا خَبَرٌ جَزْمٌ، نصّ الله تعالى على أنه لا یکلف العباد من وقت نزول الآیة عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهی فی وُسع المکلَّف، وفی مقتضى إدراکه وبِنْیَته، فإذا حصلت بعض الأعذار التی هی مظنة المشقة حصل التخفیف والتسهیل، إما بإسقاطه عن المکلف، أو إسقاط بعضه، کما فی التخفیف عن المریض، والمسافر، وغیرهما، ولا یحاسب إلا على حسب مقدرته [28]، کما قال النبی - صل الله علیه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى یستیقظ، وعن الصبی حتى یبلغ، وعن المجنون حتى یعقل" (رواه الإمام أحمد فی مسنده) [29].

ه) المشارکة والتعاون والاستمراریة:

مع أن المسؤولیة فی الإسلام فردیة؛ إلا أن الإسلام یشجع توزیـع المسـؤولیة، وعـدم حصرها فی أشخاص معدودین، ویشجع المشارکة والعمل الجماعی الذی تنتهجه هذه النظریـة، یقـول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلْعِقَابِ﴾ [سورة المائدة: الآیة٢]، وقال عمر - رضی الله عنه - لأصحابه: "أرأیتم إن استعملت علیکم خیر من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أکنت قضیت ما علی؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر فی عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟". وکان علمه بمن نأى عنه من عماله ورعیته، کعلمه بمن بات معه فی مهاد واحد، وعلى وساد واحد، فلم یکن له فی قطر من الأقطار ولا ناحیة من النواحی عامل ولا أمیر جیش إلا وعلیه له عین لا یفارقه ما وجده، فکانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده فی کل ممسى ومصبح.

ویتضح ذلک أیضًا فی کتبه إلى عماله وعمالهم، حتى کان العامل منهم لیتهم أقرب الخلق إلیهم وأخصهم به [24]، ویتضح من ذلک تعاون الولاة ومن یعینهم الخلیفة عمر على الأمصار فی إخباره بکل صغیرة وکبیرة، بالإضافة إلى استمراریة متابعته لهم ومحاسبتهم فی حال دعت الحاجة؛ فالمحاسبیة تعد مرحلیة ولیست فقط ختامیة، کما دعت الشریعة الإسلامیة إلى الاستمراریة فی العبادة، وأن الإنسان محاسب علیها حتى الموت، فقال الله - جل وعلا -: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّى یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ﴾ [سورة الحجر: الآیة99].

و) المرونة:

یستشهد على المرونة فی محاسبة الله - سبحانه وتعالى - لعباده بما ثبت عن النبی - صل الله علیه وسلم - أنه قال: "لو لم تذنبوا لذهب الله بکم وجاء بقوم یذنبون فیستغفرون فیغفر لهم"، هذا من رحمته وجوده أنه - جل وعلا - قدر على عباده وجود الخطایا، ثم یتوب علیهم – سبحانه - إذا تابوا إلیه، فلا ینبغی للعبد أن یقنط من رحمة الله؛ بل لابد من المبادرة بالتوبة کما قال تعالى: ﴿قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا﴾ [سورة الزمر: الآیة53] [30].

ز) تقویم الأداء وتوجیهه:

لقد کان الرسول یغتنم کل موقف أو حدث یلاحظه، لیقوم کل سلوک سلبی ویحاسب علیه، ولو کان ذلـک أمـام الناس، فذلک درء للمفسدة المترتبة علیه؛ إذ جاء عن أبی الزاهریة قال: کنّا مع عبد الله بن بسـر صاحب النبی یوم الجمعة، فجاء رجل یتخطَّى رقاب الناس یوم الجمعة والنبی یخطب فقال لـه النبی: "اجلس فقد آذیت" [31].

کما حرص الرسول على المحاسبة من أجل تقویم أنماط متنوعة من السلوک السـلبی، شـملت مجـالات عدیدة من الحیاة الإنسانیة، واستوعبت مراحل عمریة مختلفة، واستهدفت الفرد والجماعة، فقد نهـى الرسول - صل الله علیه وسلم - عن تعلیق التمیمة لکونها تتنافى مع عقیدة التوحید، فعن عقبة بـن عـامر الجهنـی أن رسول الله - صل الله علیه وسلم - أقبل إلیه رهطٌ فبایع تسعةً وأمسک عن واحد فقالوا: یا رسـول الله، بایعـت تسـعةً وترکت هذا؟ قال: "إن علیه تمیمة"، فأدخل یده فقطعها فبایعه وقال: "من علق تمیمة فقد أشرک" [31].

وفی موضع آخر حث الرسول - صل الله علیه وسلم - رجلاً على ممارسة السلوک الصحیح فی صـلاته عملیًا، وأعطاه الفرصة مرارا لإعادة المحاولة حتى تصح صلاته، وقد دعم ذلک الأسلوب بشرح موجز واضح؛ إذ جاء فی الحدیث الشریف "عن أبی هریرة أن النبی - صل الله علیه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل یصلی ثم جـاء فسـلم على النبی فرد النبی السلام فقال: ارجع فصلّ فإنک لم تصلّ، فصلى ثم جاء فسلم علـى النبـی فقال: ارجع فصل فإنک لم تصل ثلاثًا: فقال: والذی بعثک بالحق فما أحسن غیره فعلمنی، قال: إذا قمت إلى الصلاة فکبر ثمَّ اقرأ ما تیسر معک من القرآن ثم ارکع حتى تطمئن راکعًا، ثم ارفع حتـى تعتـدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن سـاجدًا وافعـل ذلک فی صلاتک کلها [32].

یتضح من استعراض نتائج السؤال الثانی للدراسة الحالیة أن القرآن الکریم، والسنة النبویة، وتاریخ الخلفاء الراشدین، أصلوا مبادئ المحاسبیة إسلامیا فی شواهد عدة، کان من أهمها: الشفافیة، والشمولیة، والمسؤولیة والالتزام، والتوازن والتناسق، والمشارکة والتعاون والاستمراریة، والمرونة، وتقویم الأداء وتوجیهه. وقد بینت النتائج أن القرآن الکریم، والسنة النبویة، بنیت على مبادئ المحاسبیة، وحثت علیها، وقد اتفقت ما توصلت إلیه الدراسة الحالیة مع عدید من الدراسات مثل دراسة کل من: دراسة إسماعیل (2006م) [6]، "لویس" Lewis (2006) [2]، مغیری (2011) [7]، توراک، ولغلیمی (2013) [8]، "نهار"، و"یعقوب" Nahar, Yaacob (2013) [9]، والتی أشارت إلى وجود مجموعة کبیرة من المفردات الأساسیة للمساءلة الإداریة فی الإسلام وأن المسؤولیة الإداریة فی الإسلام ماهی إلا خطوة أولى لمحاولة دراسة المسؤولیة الإداریة بالغرب، وأن الدین الإسلامی الحنیف والسنة النبویة قد وضعت قواعد ونسق للمساءلة، سواء فی الأمور الدنیویة، أو مع الله؛ إذ أن المحاسبیة بمعناها الواسع تعد الأساس فی الدین الإسلامی.

مستخلص النتائج:

من استعراض نتائج الدراسة الحالیة یمکن للباحثة استخلاص ما توصلت إلیه الدراسة من نتائج فی الآتی:

1)     ورود مدلولات المحاسبیة ومعانیها فی القرآن الکریم فی مواضع عدة، لکون القرآن بأکمله شرعة ومنهاجاً، فهو الدلیل والطریق.

2)     أصَّل القرآن الکریم، والسنة النبویة، وتاریخ الخلفاء الراشدین، مبادئ المحاسبیة إسلامیا فی شواهد عدة، کان من أهمها: الشفافیة، والشمولیة، والمسؤولیة والالتزام، والتوازن والتناسق، والمشارکة والتعاون والاستمراریة، والمرونة، وتقویم الأداء وتوجیهه.

توصیات الدراسة:

فی ضوء ما أسفرت عنه نتائجالدراسة الحالیة، قامت الباحثة بصیاغة مجموعة من التوصیات التربویة القابلة للتحقیق وذلک على النحو التالی:

1)     ضرورة تبنی مفهوم المحاسبیة فی جمیع أمور الناس، وتصریف شؤون حیاتهم، والإیمان بها، وأن یبدأ بها الشخص بنفسه، وهذا ما دعا له النبی - صل الله علیه وسلم - فی حدیث: "حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا".

2)     إن الدین الإسلامی دین تربوی تعلیمی؛ لذا ینبغی لجمیع العاملین فی القیادات، والعاملین فی المیدان التربوی، تفعیل مبادئ المحاسبیة فی جمیع المعاملات والوظائف، وذلک عن طریق وضع جهاز إداری داخلی بالمنظمة، مهمته المحاسبة الدوریة.

3)     الحث على الرقابة الذاتیة ومحاسبة النفس لدى العاملین، والتی قد تقلل من الجهود المبذولة للمؤسسات التی یقع على عاتقها التفتیش والمساءلة، وبذلک تتوفر الأموال، وتزید الثقة بالنفس عند العاملین، والمنظمة.

4)     العمل على محاربة الفساد الإداری، وما ینتج عنه من ضیاع المال والوقت والجهد؛ فالمحاسبیة یترتب علیها النزاهة، والشفافیة، والجودة، غیرها من المفاهیم والمصطلحات الإداریة التی تحث على محاربة الفساد.

5)     لیس الهدف الرئیس من المحاسبیة تصید الأخطاء ومعاقبة مرتکبیها؛ بل یسعى إلى قیاس نشاط المرؤوسین وتصحیحه، ومحاولة اکتشاف الأخطاء والانحرافات فی مجال العمل وعلاجها، والعمل على عدم تکرارها فی المستقبل؛ وذلک لرفع مستوى الأداء، وتحقیق الأهداف المطلوبة بأعلى جودة وأقل تکلفة ممکنة.

البحوث المقترحة:

هناک بعض أوجه القصور Limitations التی لم تستطع الباحثة أن تتناولها فی الدراسة الحالیة نظراً لظروف هذه الدراسة ومحدداتها، ولذلک فإن استمرار البحث فی هذا الموضوع من جانب باحثین آخرین یمکن أن یسهم فی إکمال هذا الموضوع من خلال تناول أوجه القصور تلک، ومن أهم هذه المقترحات والبحوث ما یلی:

1)     إجراء دراسة مشابهة یقوم بها فریق عمل متخصص فی الشریعة الإسلامیة والعلوم الدنیویة المختلفة، توضح المحاسبیة فی القرآن.

2)     إجراء دراسة توضح مبادئ المحاسبیة فی الإسلام تفصیلاً، وارتباطها بالعلوم الدنیویة.

3)     إجراء دراسة إحصائیة توضح عدد مرات ورود مبادئ المحاسبیة فی القرآن، ومواضع ورودها.

المراجع:

أولاً: المراجع العربیة:

[1] القرآن الکریم

[3] ابن مسکویة (1405ه). تهذیب الأخلاق. لبنان: دار الکتب العلمیة. ص ص12-25.

 [4] شبرا، محمد عمر (1416ه). الإسلام والتحدی الاقتصادی. نشر المعهد العالمی للفکر الإسلامی. ص ص27-28.

[5] الجارودی، ماجدة إبراهیم. (2011). واقع المحاسبیة التعلیمیة فی الجامعات السعودیة. المجلة السعودیة للتعلیم العالی، السعودیة. ع5، ص71- 93.

[6] إسماعیل، ممدوح. (2006). مساءلة الإدارة العامة بین النظریة والتطبیق: رؤیة إسلامیة. مجلة البحوث التربویة. مصر. مج 24، ع1، ص ص                  104-139.

[7] مغیری، بتول أحمد. (2011). المسؤولیة فی القرآن الکریم. سلسلة الدراسات العربیة والأجنبیة. مصر، ج33، ص ص37-80.

[8] توراک، حسن ولغلیمی، حسن. (2013). المسؤولیة الإداریة فی الإسلام. مجلة المنارة للدراسات القانونیة والإداریة. المغرب. ع4، ص ص99-149.

[10] الحمدان، جاسم محمد. (2017). منطلقات لإدارة التطویر الإداری. الکویت: دار المسیلة للنشر والتوزیع، ص132.

[11] المفیز، خولة عبد الله. (2012). تطبیق المحاسبیة فی إدارة جامعة الملک سعود تصور مقترح. رسالة دکتوراه غیر منشورة، کلیة التربیة. جامعة الملک      سعود، السعودیة.

[12] جورج، جورجیت دمیان. (2011). تطبیق المحاسبیة التعلیمیة: مدخل لتحقیق الجودة فی التعلیم قبل الجامعی. مجلة کلیة التربیة بالمنصورة. مصر. ج3، ع75، ص ص302- 407.

[13] الراسبی، زهرة ناصر. (2012). تصمیم أنموذج مساءلة الأداء فی النظام التربوی. عمان، الأردن: دار الخلیج للنشر والتوزیع، ص26.

[16] العنزی، سامی الماضی وآخرون. (2016). آلیات تفعیل المحاسبیة التعلیمیة بمدارس التعلیم العام بالکویت. مجلة کلیة التربیة. مج14، ع 17، ص ص    39-70.

[17] الدبیخی، سامیة سلیمان. (2015). تصور مقترح لتنمیة ثقافة المحاسبة التعلیمیة لدى أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم. رسالة ماجستیر غیر منشورة. کلیة التربیة، جامعة القصیم، السعودیة.

[18] غربی، عبد الحلیم عمار. (2018). الدلالات المحاسبیة فی القرآن الکریم. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://giem.kantakji. com/article/details/ID/32#_ftn3

[19] بزاویة، عبد الحکیم وسالمی، عبد الجبار (2011). "جودة التعلیم العالی فی ظل تحقیق مبادئ الحوکمة: تجربة المملکة المتحدة فی حوکمة الجامعات" الملتقى الدولی حول الحوکمة فی الجامعة: تقییم أسالیب الحوکمة فی التعلیم العالی 3-4/10/2011.

[20] الجوهر، کریمة علی. (1999). أثر العوامل البیئیة فی فهم وتطبیق المحددات الحسابیة. رسالة دکتوراه منشورة، جامعة المستنصریة، بغداد، ص10.

[21] الدجیلی، خولة شاکر. (1976). بیت المال: نشأته وتطوره من القرن الأول حتى القرن الرابع الهجری. بغداد: مطبعة الأوقاف، ص26.

[22] النواوی، عبد الخالق. (1973). النظام المالی فی الإسلام. القاهرة: دار النهضة العربیة، ص17.

[23] عفیفی، محمد صادق. (1980). المجتمع الإسلامی وأصول الحکم. القاهرة: دار الاعتصام، ص138.

[24] أبو سن، أحمد إبراهیم. (1996). الإدارة فی الإسلام. الریاض: دار الخریجی، ص ص149-156.

[25] تفسیر ابن کثیر، 5 /246. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D9% 81%D8%B3%D9%8A%D8%B1

[26] الموسوعة الحدیثیة. الدرر السنیة. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://dorar.net/h/0c1f383ca4966278306101fb17b4f1d8

[27] ابن ماجه، الألبانی. (1997). صحیح سنن ابن ماجه. صـحیح، الصـحیحة ١٨٧٦، ج ٢، رقم ٢٦٧٧، ص٢٣٢. لبنان: دار المعارف.

[28] مرکز الفتوى، إسلام ویب. صلاة الأعذار. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page= showfatwa&Option=FatwaId&Id

[29] طریق الإسلام. معنى حدیث: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم. استرجع فی 22مارس 2018.  على الرابط التالی: http://iswy.co/e3kei

[30] الموقع الرسمی لسماحة الشیخ عبد العزیز بن باز. نور على الدرب معنى قوله علیه الصلاة والسلام: (والذی نفسی بیده لو لم تذنبوا...). استرجع فی 3إبریل 2018.  على الرابط التالی:

https://binbaz.org.sa/fatwas/ 10924/%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89-%D9%82%D9% 88%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87

[31] ابن حنبل، الإمام أحمد (ب. ت). مسند الإمام أحمد. دار الفکر: بیروت، ص ص     156-159.

[32] أبو دف، محمود خلیل. (2006). منهج الرسول -صلى الله علیه وسلم- فی تقویم السلوک وکیفیة الاستفادة فی تعلیمنا المعاصر. المقدم لمؤتمر تطویر برامج کلیات التربیة بالوطن العربی فی ضوء المستجدات المحلیة والعالمیة. الجامعة الإسلامیة. غزة.

 

 

 

 

 

ثانیاً: المراجع الأجنبیة:

[1] Lewis, M. (2006). Accountability and Islam.

[2] Nahar, H. S., & Yaacob, H. (2013). Accountability in the sacred context. Journal of Islamic accounting and business research.‏

[3] Harvey, L. (2004). Analytic quality glossary, quality research international accountability. Retrieved 15/2/ 2018, from: http: www.quality research international.com Glossary accountability htm

[4] Kornelia, K., Rossana, R. & Doniele, V. (2009). Educational Accountability and the global Knowledge Society-what can we Learn from Eu-experience? Rome. Italian National Institute for Educational Evaluation, pp.                 107-108.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

[1] القرآن الکریم
[3] ابن مسکویة (1405ه). تهذیب الأخلاق. لبنان: دار الکتب العلمیة. ص ص12-25.
 [4] شبرا، محمد عمر (1416ه). الإسلام والتحدی الاقتصادی. نشر المعهد العالمی للفکر الإسلامی. ص ص27-28.
[5] الجارودی، ماجدة إبراهیم. (2011). واقع المحاسبیة التعلیمیة فی الجامعات السعودیة. المجلة السعودیة للتعلیم العالی، السعودیة. ع5، ص71- 93.
[6] إسماعیل، ممدوح. (2006). مساءلة الإدارة العامة بین النظریة والتطبیق: رؤیة إسلامیة. مجلة البحوث التربویة. مصر. مج 24، ع1، ص ص                  104-139.
[7] مغیری، بتول أحمد. (2011). المسؤولیة فی القرآن الکریم. سلسلة الدراسات العربیة والأجنبیة. مصر، ج33، ص ص37-80.
[8] توراک، حسن ولغلیمی، حسن. (2013). المسؤولیة الإداریة فی الإسلام. مجلة المنارة للدراسات القانونیة والإداریة. المغرب. ع4، ص ص99-149.
[10] الحمدان، جاسم محمد. (2017). منطلقات لإدارة التطویر الإداری. الکویت: دار المسیلة للنشر والتوزیع، ص132.
[11] المفیز، خولة عبد الله. (2012). تطبیق المحاسبیة فی إدارة جامعة الملک سعود تصور مقترح. رسالة دکتوراه غیر منشورة، کلیة التربیة. جامعة الملک      سعود، السعودیة.
[12] جورج، جورجیت دمیان. (2011). تطبیق المحاسبیة التعلیمیة: مدخل لتحقیق الجودة فی التعلیم قبل الجامعی. مجلة کلیة التربیة بالمنصورة. مصر. ج3، ع75، ص ص302- 407.
[13] الراسبی، زهرة ناصر. (2012). تصمیم أنموذج مساءلة الأداء فی النظام التربوی. عمان، الأردن: دار الخلیج للنشر والتوزیع، ص26.
[16] العنزی، سامی الماضی وآخرون. (2016). آلیات تفعیل المحاسبیة التعلیمیة بمدارس التعلیم العام بالکویت. مجلة کلیة التربیة. مج14، ع 17، ص ص    39-70.
[17] الدبیخی، سامیة سلیمان. (2015). تصور مقترح لتنمیة ثقافة المحاسبة التعلیمیة لدى أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم. رسالة ماجستیر غیر منشورة. کلیة التربیة، جامعة القصیم، السعودیة.
[18] غربی، عبد الحلیم عمار. (2018). الدلالات المحاسبیة فی القرآن الکریم. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://giem.kantakji. com/article/details/ID/32#_ftn3
[19] بزاویة، عبد الحکیم وسالمی، عبد الجبار (2011). "جودة التعلیم العالی فی ظل تحقیق مبادئ الحوکمة: تجربة المملکة المتحدة فی حوکمة الجامعات" الملتقى الدولی حول الحوکمة فی الجامعة: تقییم أسالیب الحوکمة فی التعلیم العالی 3-4/10/2011.
[20] الجوهر، کریمة علی. (1999). أثر العوامل البیئیة فی فهم وتطبیق المحددات الحسابیة. رسالة دکتوراه منشورة، جامعة المستنصریة، بغداد، ص10.
[21] الدجیلی، خولة شاکر. (1976). بیت المال: نشأته وتطوره من القرن الأول حتى القرن الرابع الهجری. بغداد: مطبعة الأوقاف، ص26.
[22] النواوی، عبد الخالق. (1973). النظام المالی فی الإسلام. القاهرة: دار النهضة العربیة، ص17.
[23] عفیفی، محمد صادق. (1980). المجتمع الإسلامی وأصول الحکم. القاهرة: دار الاعتصام، ص138.
[24] أبو سن، أحمد إبراهیم. (1996). الإدارة فی الإسلام. الریاض: دار الخریجی، ص ص149-156.
[25] تفسیر ابن کثیر، 5 /246. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D9% 81%D8%B3%D9%8A%D8%B1
[26] الموسوعة الحدیثیة. الدرر السنیة. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: https://dorar.net/h/0c1f383ca4966278306101fb17b4f1d8
[27] ابن ماجه، الألبانی. (1997). صحیح سنن ابن ماجه. صـحیح، الصـحیحة ١٨٧٦، ج ٢، رقم ٢٦٧٧، ص٢٣٢. لبنان: دار المعارف.
[28] مرکز الفتوى، إسلام ویب. صلاة الأعذار. استرجع فی 3مارس 2018. على الرابط التالی: http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page= showfatwa&Option=FatwaId&Id
[29] طریق الإسلام. معنى حدیث: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم. استرجع فی 22مارس 2018.  على الرابط التالی: http://iswy.co/e3kei
[30] الموقع الرسمی لسماحة الشیخ عبد العزیز بن باز. نور على الدرب معنى قوله علیه الصلاة والسلام: (والذی نفسی بیده لو لم تذنبوا...). استرجع فی 3إبریل 2018.  على الرابط التالی:
https://binbaz.org.sa/fatwas/ 10924/%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89-%D9%82%D9% 88%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87
[31] ابن حنبل، الإمام أحمد (ب. ت). مسند الإمام أحمد. دار الفکر: بیروت، ص ص     156-159.
[32] أبو دف، محمود خلیل. (2006). منهج الرسول -صلى الله علیه وسلم- فی تقویم السلوک وکیفیة الاستفادة فی تعلیمنا المعاصر. المقدم لمؤتمر تطویر برامج کلیات التربیة بالوطن العربی فی ضوء المستجدات المحلیة والعالمیة. الجامعة الإسلامیة. غزة.
 
 
 
 
 
ثانیاً: المراجع الأجنبیة:
[1] Lewis, M. (2006). Accountability and Islam.
[2] Nahar, H. S., & Yaacob, H. (2013). Accountability in the sacred context. Journal of Islamic accounting and business research.‏
[3] Harvey, L. (2004). Analytic quality glossary, quality research international accountability. Retrieved 15/2/ 2018, from: http: www.quality research international.com Glossary accountability htm
[4] Kornelia, K., Rossana, R. & Doniele, V. (2009). Educational Accountability and the global Knowledge Society-what can we Learn from Eu-experience? Rome. Italian National Institute for Educational Evaluation, pp.                 107-108.