نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
كلية التربية- جامعة أم القرى
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الموضوعات الرئيسية
كلية التربية
إدارة: البحوث والنشر العلمي (المجلة العلمية)
=======
لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة وعلاقتها بإستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا في قسم المناهج وطرق التدريس
إعــــــــــــــــــــــداد
د/ فواز صالح السلمي
أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المشارك
كلية التربية- جامعة أم القرى
fssulami@uqu.edu.sa
}المجلد التاسع والثلاثون– العدد الثامن– اغسطس 2023م {
http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic
المستخلص:
استهدفت الدراسة الكشف عن نمط العلاقة بين لغة الخطاب الأكاديمي وإستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا في قسم المناهج وطرق التدريس، مستخدمةً المنهج النوعي القائم على دراسة الحالات المتعددة، من خلال المقابلات النوعية وتحليل محتوى الأطروحات العلميّة لمرحلة الدكتوراة، حيث وُظِّفت المقابلات النوعية لاستكشاف إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا، ووُظِّف تحليل المضمون النوعي للرسائل العلميّة التي أنجزوها؛ للوقوف على طبيعة مستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي، وطُبّقت الدراسة على عينة عشوائية متيسّرة قوامها (11) من طلبة الدراسات العليا، ورسائلهم العلميّة التي أنجزوها وعددها (11) رسالةً علميةً. وتتبّعت نتائج الدراسة العلاقة بين إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلاب الدراسات العليا وفقًا لمستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي، واتضح وجود تباين في الإستراتيجيات المستخدمة من حيث: نوعها وإجراءات تطبيقها وتوقيت استخدامها بين فئات الطلاب وفقًا لمستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي، واستخدم الطلاب ذوو المستوى المرتفع في لغة الخطاب الأكاديمي إستراتيجيات القراءة البحثية الآتية: إستراتيجيات قراءة التصفح والقراءة المسحية والقراءة الموجهة والمركزة، وإستراتيجية التخطيط والتنظيم وتحديد الأفكار الرئيسة والفرعية، وتصنيفها، والكشف عن أوجه تشابهها واختلافها، وتلخيص المادة المقروءة وإعادة صياغتها وتحويلها إلى خرائط ذهنية أو رسومات وأشكال، وإستراتيجية التأمل الذاتي وطرح التساؤلات، وتكوين الاستنتاجات، والحكم على النص المقروء.
الكلمات المفتاحية: لغة الخطاب الأكاديمي - استراتيجيات القراءة البحثية - طلبة الدراسات العليا
Abstract:
The study aimed to explore the pattern of the relationship between the language of academic discourse and research reading strategies practiced by graduate students in the Department of Curricula and Teaching Methods, using the qualitative approach based on both multiple case studies and qualitative content analysis, where qualitative interviews were used to explore research reading strategies practiced by Postgraduate students, and qualitative content analysis of the dissertations they have completed to determine the nature of their level in the language of academic discourse. The study was applied to an random sample of (11) postgraduate students, and (11) dissertations. The results of the study tracked the relationship between research reading strategies practiced by postgraduate students according to their level in the language of academic discourse, and it became clear that there was a discrepancy in students’ strategies in terms of typology, procedures, and implementation. The results of the study also indicated that students with a high level of academic discourse language used the following research reading strategies: browsing reading strategies, survey reading, directed and focused reading, planning and organizing strategy, identifying main and sub-ideas, and classifying them. , revealing its similarities and differences, summarizing the read material, rephrasing it and turning it into mental maps or drawings and shapes, the strategy of self-reflection, asking questions, forming conclusions, and judging the text read.
Key words: Languge Academic Discourse, Research Reading Strategies, Graduate Students.
مقدمة الدراسة:
معلومٌ لدى عموم المشتغلين بالبحث العلمي وقضاياه أنّ ما بات يُعرَف بلغة الخطاب الأكاديمي Languge Academic Discourseتمثّل غايةً يجب أنْ يتمكّن منها طلاب الدّراسات العليا، بوصفها أداة لازمة لمعالجة القضايا والمشكلات البحثيّة، وتوجيهها لسدّ الفجوات والثغرات البارزة في مجال التخصص، فضلًا عن كونها دليلًا على الوعي المعرفي والتطبيق العملي على حدٍ سواء، وهي بذلك تمثّل مستوًى معياريًا يتجاوز المعرفة بأبعاد لغة الخطاب الأكاديمي وخصائصها إلى توظيفها واستخدامها بفاعلية.
وتساعد لغة الخطاب الأكاديمي طلابَ الدّراسات العليا على صياغة أفكارهم وعرْضها بصورةٍ علميةٍ دقيقةٍ منظّمةٍ وفق مستوًى لغويٍ يتّسم بالوضوح، والتناسق الفكري، والمنطق العلمي المبتعد عن الذاتية والعشوائية والإنشائية في الطرح. (محمد، 2023م). بما يتيحُ لهم بناء الأفكار ومعالجتها بصورة عميقة تعبّر عن ممارسة مهارات النقد وإبداء الآراء والتعليقات وإصدار الأحكام الموضوعيّة؛ بغية الوصول إلى مستهدفاتٍ علميةٍ دقيقةٍ ونتائج موثوقة، وفق لغةٍ مشتركة الفهم، واضحة الدلالة، تتسم بالموضوعية، والأمانة العلميّة، والالتزام، والمسؤولية، والتفاعل الواعي، وحسْن التنظيم، ومراعاة اللغة التخصصيّة التي يُعبّر بها عن القضايا البحثية لفظًا وتركيبًا ودلالهً. (حمدي، 2019م؛ خطاب، 2020م/ب؛ علي، 2020م).
وتعكس لغة الخطاب الأكاديمي مستوًى عاليًا من المعالجة اللغوية الواعية وتنظيم الأفكار والمعلومات ومراعاة مستوى العمق والاتساع، واختيار المصطلحات المناسبة وبناء الجمل والفقرات، وصياغتها في إطار منطقيٍ مدعّمٍ بالبراهين والدلائل والاستنتاجات، بطريقة حذِرةٍ مدروسةٍ تُظهِر مدًى واسعًا من الوعي بهذه المكونات والقدرة على استخدامها وتوظيفها(Martin& Maton & Doran,2019; Paltridge & Starfield , 2020) وتعبّر -في الوقت ذاته- عن خيارات الباحث وتوجّهاته ومواقفه التي تظهر من خلال استخداماته اللغوية، بعيدًا عن الأهواء والتحيّزات والعموميّات وأشكال الغموض اللغويMakena, 2023)). من هنا تتّضح أهمية إكساب هذا النوع من اللغة لطلبة الدّراسات العليا، نظير إسهاماتها الفاعلة في صياغة خطابٍ أكاديميٍ محكمٍ، وتكوين الباحثين معرفيًا ومهاريًا وفكريًا، بما يؤمّل منه دفع الحركة البحثية لآفاقٍ أرحب، تزيد من فاعلية الرسائل العلميّة والتخفيف من حدة المشكلات في مجال التخصص.
وإذا كانت لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة تمثّل المخرج النهائي لبرامج الدّراسات العليا والتجسيد العملي لمدى إفادة الباحثين من تلك البرامج؛ فإن قراءة البحوث والدّراسات العلميّة بصورةٍ منهجيّةٍ تمثل -في المقابل- مدخلًا رئيسًا يؤثر في مستوى ذلك المخرج، ومرتكزًا محوريًا تطال تأثيراته سائر المراحل البحثية التالية، لذا حظيت القراءة البحثية باهتمام منقطع النظير في أدبيات البحث التربوي بوصفها واحدةً من أهم المتطلبات اللازمة لمواكبة المستجدات في مجال التخصص، إذ تمثّل نشاطًا فكريًا معقدًا يتطلّب درجةً عاليةً من الوعي بأهم الإستراتيجيات المصاحبة لها(Durbin, 2009; Schillings, Roebertsen, Savelberg, & Dolmans, 2023) وتتزايد الحاجة إلى إكساب طلبة الدّراسات العليا إستراتيجيّات القراءة البحثية، لاسيما مع تزايد وتيرة الدّراسات والبحوث العلميّة وتزايد الحاجة إلى قراءتها بمنهجيةٍ علميةٍ فاعلةٍ؛ بغية الإفادة منها والبناء عليها، واستثمارها في توجيه حركة البحث العلمي الوجهة الصحيحة (والس وأليسون ، 2021م).
وتهتمّ القراءة البحثية بإكساب طلبة الدّراسات العليا مهارات القراءة الفاعلة للبحوث والدّراسات العلميّة، وتدرّبهم على ممارسة الإستراتيجيّات والإجراءات التي تمكّنهم من استيعاب الأفكار والمعلومات والحقائق الأساسية في المجالات ذات الصلة بموضوع البحث، والقدرة على تنظيمها ومعالجتها بصورةٍ نَشِطةٍ وتحليل المادّة المقروءة من خلال نقدها وتطويرها، واستثمارها في صياغة خطابٍ لغويٍ محكمٍ. (السمان، 2014م؛ خطاب، 2020م/ب).
وتطرح أدبيات البحث العلمي عددًا من إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمكن تدريب الباحثين على ممارستها، مثل: القراءة السريعة (Speed Reading) والقراءة المسحية (Scanning Reading) والقراءة المكثفة (Intensive Reading) والقراءة الشاملة (Extensive Reading) والقراءة النقدية (Critical Reading) بإجراءاتها المتعددة التي تشمل: تحليل النص بصورة شمولية من خلال تحديد الهدف وربط النصوص المقروءة مع الخبرات الذاتية للباحث، أو ربطها مع نصوص أخرى بغية تكوين أنساق فكرية تتسم بالتلاؤم والاندماج والتراكم (Matarese,2013). وترتبط إستراتيجيّة التصور القرائي بتنبؤ الباحث بالإجراءات الواردة في النص المقروء وآليات توظيفها، وتوقّعاته بناءً على الاختيارات المنهجية التي بنى عليها المؤلف بحثه، والقراءة ببطء وتمعّن، وتوظيف الخرائط الذهنية والملاحظات الخطية والمخططات العنكبوتية، وإستراتيجيّات التدوين والتنظيم والتلخيص، وإعادة الصياغة، والاهتمام بكيفية توظيف الاقتباسات والاستشهادات الواردة في النصّ المقروء بصورةٍ تُبرِز شخصية الباحث. (الصلاحي، 2016م).
ويستشعر الباحث ممّا سبق، أنّ تدريب طلبة الدّراسات العليا بصورةٍ منهجيةٍ واعيةٍ على كيفية قراءة البحوث والدّراسات العلميّة مطلبٌ في غاية الأهمية، فالباحث الجيّد هو -قبل ذلك- قارئ جيدٌ، فضلًا عن أنّ القراءة البحثية الفاعلة هي المدخل الرئيس لصياغة خطاب أكاديمي محكمٍ متماسكٍ، وهذا ما أشارت إليه دراسة ميتري (Mitry,2013) إذ شدّدت على ضرورة تطوير برامج الدّراسات العليا من خلال الاهتمام بالتدريب على إستراتيجيات القراءة البحثية؛ ليتمكّن الملتحقون بتلك البرامج من أداء المهامّ الأكاديمية البحثيّة على أكمل وجه.
وتسعى برامج الدّراسات العليا إلى الإسهام في تحقيق الأهداف التي نصّت عليها اللائحة المنظمة للدراسات العليا في الجامعات السعودية، فيما يتعلّق بإثراء المعرفة الإنسانيّة عن طريق إعداد الباحثين المؤهلين لإجراء الدراسات والبحوث المتخصّصة وفق مستوى أكاديميٍ رصينٍ(مجلس شؤون الجامعات، 1444هـ). وانطلاقًا من ذلك، عملت جامعة أم القرى على توجيه برامج مرحلة الدكتوراة -على وجه الخصوص- لتأهيل الباحثين أكاديميًا من خلال تدريبهم على صياغة الخطاب الأكاديمي الرصين عبر دراسة المقرّرات ذات النزعة البحثية التي تتطلّب اطّلاع الباحثين على عددٍ واسعٍ من الكتب والبحوث والدّراسات العلميّة المرتبطة بمجال التخصص، والسعي لقراءتها وتحليلها، تمهيدًا للإفادة منها في تطوير مستوى اللغة الأكاديمية اللازمة لإعداد الرسائل العلميّة في مجال التخصّص (جامعة أم القرى، 1444هـ). ويدلّ ما سبق ذِكْره من أفكار على أنّ القراءة البحثيّة ولغة الخطاب الأكاديمي متطلّبان لازمان لإعداد طلبة الدّراسات العليا إعدادًا بحثيًا مميّزًا.
ويُكرّس ما سبق ذِكْره من أفكارٍ لأهمّية الكشف عن إستراتيجيّات القراءة البحثية واستقراء أنماط علاقتها بلغة الخطاب الأكاديمي لطلبة الدّراسات العليا؛ لأنّ كثيرًا من البحوث والدّراسات السابقة تشير إلى أنّ بعض الباحثين من طلاب الدراسات العليا قد يُخفقُون في معرفة تلك الإستراتيجيّات وإجراءاتها وآلية معالجتها وتوظيفها في قراءة الأدب السابق(السمان، 2014م؛ موسى، 2016م؛ خطاب، 2020م/ب) خصوصًا في ظلّ إشارة عددٍ من الدّراسات السابقة مثل دراسة إبراهيم (2021م) ودراسة واو وبالتريدجWu & Paltridge(2021) ودراسة محمد (2023م) إلى تذبذب مستوى لغة الخطاب الأكاديمي لديهم، وعدم وضوح نمط علاقتها بإستراتيجيات القراءة البحثية.
مشكلة الدراسة وأسئلتها:
تتبدّى مشكلة الدراسة في ظلّ نمط العلاقة ما بين لغة الخطاب الأكاديمي بوصفها مخرجًا نهائيًا ومظهرًا يُستدَلُّ من خلاله على مستوى تمكّن الباحثين -طلبة الدّراسات العليا- من التصدي للمشكلات البحثية بصورة علمية تعزّز من قيمة رسائلهم العلميّة وإسهاماتها في حلّ المشكلات من جهة، وبين طبيعة الإستراتيجيّات التي ينتهجونها عند القراءة البحثية بوصفها مدخلًا وعملية مؤثرة فيها من جهةٍ أخرى. وتحاول الدراسة الحالية الوقوف على أنماط تلك العلاقة، والكشف عن الغموض الذي يكتنف الإستراتيجيّات التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس عند القراءة البحثية، من حيث: ماهيتها وطبيعة إجراءاتها، سعيًا إلى تحديد ملامح مثلى للقراءة البحثية الفاعلة في ضوء ارتباطها بلغة الخطاب الأكاديمي، بما يؤمّل منه أن يقود إلى الارتقاء بمستوى اللغة الخطابية المستخدمة في الرسائل العلميّة، بما ينعكس على مستوى جودتها وفاعليتها.
وبالرغم من المحاولات والجهود العلمية المبذولة في هذا السياق (السليم وعوض، 2016م؛ حمدي، 2019م؛ عبدالقادر، 2019م؛ هلالي، 2019م؛ خطاب، 2020م/أ؛ علي، 2020م؛ عبدالقادر، 2021م؛ إبراهيم، 2021م) إلا أن مظاهر الضعف في لغة الخطاب الأكاديمي لا تزال مستمرةً، خصوصًا لدى طلبة مسار المناهج وطرق تدريس اللغة العربية الذين يُفترض أن يكونوا-بحكم تخصصهم- أكثر قدرةً على صياغة خطاب لغوي محكمٍ في رسائلهم العلمية، وقد أشارت دراسة علي (2017م) ودراسة خطاب (2020م/أ) ودراسة البلادي وحاجي (2021م) ودراسة حاجي (2023م) ودراسة محمد (2023م) إلى ضعف مستوى لغة الخطاب التي يستخدمها طلبة الدّراسات العليا في تخصص المناهج وطرق تدريس اللغة العربية، كما أشارت دراسة خطاب (2020م/ب) إلى تدني مستوى فاعلية إستراتيجيات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة هذا المسار وتنامي تأثيراتها على مستوى لغة الخطاب الأكاديمي، الأمر الذي يتطلّب دراسة أنماط علاقاتها بصورةٍ علمية.
وتوصّلت دراسة السلمي (د.ت.) -على وجه الخصوص- إلى ضعف مستوى طلبة الدّراسات العليا بجامعة أم القرى في الكتابة الأكاديمية، بما يعطي مؤشّرًا لمستوى لغة الخطاب بشكلٍ عامٍ، وقد وجّهت هذه العوامل -مُجتمِعةً- جهود الباحث نحو معالجة هذا الموضوع ودراسة علاقاته من منظورٍ نوعيٍ، لا سيما وأنه يتّسق مع الأهداف الإستراتيجيّة لجامعة أم القرى والبرامج التنفيذيّة التي عبّرت عنها الخطة الإستراتيجيّة للجامعة، إذ تضمّنت برنامجًا لتجويد البحث العلمي وبرنامجًا آخر لتطوير الدّراسات العليا (جامعة أم القرى، 2023م).
وتتزايد الحاجة لإجراء الدراسة في ظلّ ما نصّت عليه وثيقة برنامج الدكتوراة في تخصص المناهج وطرق تدريس اللغة العربية في جامعة أم القرى من أنه برنامج يستهدف "إعداد باحثين متميزين للإسهام في إنتاج المعرفة العلميّة" (جامعة أم القرى، 1440هـ).
يُضافُ إلى ما سبق ما لاحظه الباحث أثناء ممارسة مهامّه الإشرافية أو مناقشاته بعض طلبة الدّراسات العليا بجامعة أم القرى من تذبذبٍ عامٍ في مستوى خطاباتهم اللغوية عند كتابة الخطط البحثية أو الرسائل العلميّة التي يقدّمونها، فضلًا عن الغموض الذي يكتنف الإستراتيجيّات التي يتّبعونها في مرحلة القراءة البحثية، ويأخذ الباحث بعين الاعتبار التساؤلات التي طرحتها بعض الأدبيات والدّراسات السابقة (Mitry, 2013 ؛ موسى، 2016م؛ خطاب، 2020م/ب) عن جدلية العلاقة بين القراءة البحثية ولغة الخطاب الأكاديمي، وما إذا كانت ثمة إستراتيجيّات وإجراءات قرائية بعينها ترتبط -بصورة أو بأخرى- بمستوى لغوي يعزّز من قيمة خطاباتهم الأكاديمية، وينعكس أثره على جودة الرسائل الجامعية وتوجيهها الوجهة العلميّة الصحيحة، خصوصًا مع عدم وقوف الباحث على دراسات علميّة تحدّد بدقة الإستراتيجيّات التي يتّبعها طلبة الدّراسات العليا عند القراءة البحثية وتبحث في علاقتها بمستوى لغة الخطاب الأكاديمي من خلال توظيف منهج البحث النوعي وإجراءاته بغية الوصول إلى نتائج أكثر دقّة، والوقوف على تفسيرات أكثر عمقًا، لذا تأتي الدراسة الحالية لتسلّط الضوء على لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة وعلاقتها بإستراتيجيّات القراءة البحثية، وفي ضوء طبيعة هذه المشكلة تسعى الدراسة للإجابة عن الأسئلة الآتية:
أهداف الدراسة
استهدفت الدراسة الحالية تحقيق الأهداف الآتية:
أهمية الدراسة
من المتوقع أنْ تشكّل الدراسة رافدًا مهمًّا يسهم في توجيه الجهود نحو الارتقاء بأهداف برامج الدّراسات العليا في أقسام المناهج وطرق التدريس على وجه العموم، وجامعة أم القرى على وجه الخصوص، من خلال السعي لتطوير المخرجات البحثية لطلبة الدّراسات العليا عبر الاهتمام بمستوى لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل الجامعية التي يقومون بإعدادها، فضلًا عن الاهتمام بإستراتيجيّات القراءة البحثية التي ينتهجونها، ومن المؤمّل أن تفتح الدراسة آفاقًا رحبة لتطوير الممارسات البحثية من خلال تقصي أبعاد العلاقة بينهما وتقديم أفكار أكثر فاعلية للارتقاء بإستراتيجيّات القراءة البحثية ولغة الخطاب الأكاديمي يمكن الإفادة منها في تطوير البرامج الأكاديمية والمقررات البحثية، كما تلفت الدراسة نظر أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بتدريس المقررات البحثية والمشرفين الأكاديميين على الرسائل العلميّة والباحثين على حدٍ سواء، من خلال الاهتمام بلغة الخطاب الأكاديمي وإستراتيجيّات القراءة البحثية في التدريس المنهجي أو في مرحلة الإشراف العلمي، بوصفهما ركيزتين رئيستين تنظيرًا وتطبيقًا، كما يؤمّل أن تسهم الدراسة في إثراء الأبحاث والدّراسات العلميّة المستقبلية وتوجيه جهود الباحثين نحو إجراء دراسات أخرى استكمالًا لهذا العمل، خصوصًا مع قلّة الدّراسات في هذا الجانب.
حدود الدراسة:
اقتصرت الدراسة على عينة عشوائية متيسّرة من طلبة الدّراسات العليا بمرحلة الدكتوراة مسار المناهج وطرق تدريس اللغة العربية ورسائلهم العلميّة التي قاموا بإعدادها لنيل الدرجة العلميّة في قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة أم القرى، وجرى تنفيذها على مدى أربعة فصول دراسية، ابتداءً من الفصل الثاني للعام الجامعي 1443ه، وتحدّدت نتائج الدراسة بالمقابلات النوعية المتكررة مع عينة الدراسة من طلبة الدّراسات العليا وأداة تحليل المحتوى النوعي لرسائلهم العلميّة التي أنجزوها.
مصطلحات الدراسة:
تعرّف لغة الخطاب الأكاديمي بأنها سلوكيات لغوية منطوقة أو مكتوبة تنتظم بهدف إيصال رسالة محددة في إطار منهجي وفقًا للأعراف والاعتبارات الأكاديمية. (Hyland,2011)
ويعرّفها الباحث بأنها ذلك النوع من الخطابات التي ينتهجها طلبة الدّراسات العليا في مرحلة الدكتوراة بقسم المناهج وطرق التدريس في سياقٍ لغوي يتّسم بالدقة والوضوح والموضوعية وعدم التحيز، ويعكس قدرتهم على عرض الأفكار وتنظيمها والتحليل المنهجي والربط العلمي وإصدار الأحكام بصورةٍ واعية يمكن من خلال تحليلها الوقوف على المرامي البعيدة لما وراء الخطاب من خلال تحديد اتجاهاتهم البحثية وخياراتهم ومواقفهم، وقيست إجرائيًا من خلال تحليل المحتوى النوعي لرسائلهم العلميّة الموجّهة لمعالجة مشكلة بحثية في مجال تخصّص المناهج وطرق تدريس اللغة العربية.
هي ممارسات وإجراءات ينتهجها الباحثون عند قراءة البحوث الأكاديمية؛ بهدف الحصول على معلومات محددة لفهمها وتوظيفها في سياقات ترتبط بموضوع بحثي معين. (والس وأليسون، 2021م).
يعرفها الباحث بأنها تلك الإستراتيجيّات والإجراءات التي انتهجها طلبة الدّراسات العليا عند قراءة الكتب والبحوث والدّراسات السابقة وأوراق العمل المرتبطة بموضوع رسائلهم العلميّة، وقِيست إجرائيًا من خلال المقابلات النوعية المتكررة مع عينة الدراسة التي نفّذها الباحث للتعرف على إستراتيجيّات القراءة البحثية وإجراءاتها التنفيذية التي يمارسونها.
أدبيات الدراسة
إستراتيجيّات القراءة البحثية بوصفها مدخلًا لتطوير لغة الخطاب الأكاديمي:
أولت أدبيات البحث التربوي اهتمامًا بالكيفية المثلى للقراءة البحثية والإستراتيجيّات والإجراءات التي يمكن اتباعها، واقترحت جملة من الأفكار التي يمكن الاسترشاد بها والبناء عليها، حيث أشار دوربن (Durbin,2009) إلى إستراتيجيّة القراءة البحثية السريعة؛ لتحديد الأبحاث التي يمكن للباحث اختيارها ومواصلة قراءتها، بناءً على مزيج من العنوان والملخص، ويجدر التنويه إلى أنّ القراءة السريعة لا تصلح ممارستها مع الكتب التي تتضمّن قضايا بحثية شائكة وتحتاج إلى تأمل ومناقشة وتحرير مسائل، إذ يجدر بالباحثين في هذه الحالة تطبيق إستراتيجيّة القراءة المعمقة من خلال البدء بقراءة المقدمة والأفكار الرئيسة وليس الملخص.
وتنصح بعض الكتابات بتأخير قراءة الملخص، بحيث يكون في نهاية البحث؛ حتى لا يصبح الباحث متحيزًا للمادة العلميّة التي قرأها، ومن الإستراتيجيّات التي يمكن اتباعها: تلخيص مقدمة البحث في أقلٍّ عدد من الكلمات، فمن شأن هذا الإجراء الإستراتيجيّ أنْ يساعد الباحث على الإيجاز والتفكير في سياق البحث وشرح سبب إجرائه، مع الاهتمام بإستراتيجيّة طرح التساؤلات حول مشكلة البحث ومنهجيته وإجراءاته، مع الاهتمام بقراءة المنظمات البصرية مثل: الرسوم التخطيطية والجداول والأشكال التوضيحية، مع إضافة المزيد من الشروحات والتفصيلات اللازمة لفهم العمل. (Matarese,2013)
وتقترح الإرشادات تلخيص نتائج كل سؤال، والشروع في تكوين تفسيرات مبدئية خاصة قبل قراءة التفسيرات الواردة في الدراسة، كما تنصح بالعودة إلى البداية وقراءة الملخص وتحديد مدى تطابق مع ما قاله المؤلف في البحث مع الملخص، ومدى انسجام مواقفه وآرائه، ويمكن للقارئ تصفح قسم المراجع الأمر الذي يسمح له بتحديد الأوراق العلميّة والأبحاث المهمة في مجال تخصصه، بصورةٍ تختصر عليه الكثير من الوقت والجهد وتزيد من فاعلية عملية القراءة(Sun, 2020).
ومن خلال اطلاع الباحث على ما ورد في بعض الكتابات السابقة مثل دراسة كيشاف(Keshav, 2007) ودراسة دوربن (Durbin, 2009) ودراسة ميتري (Mitry,2013) ودراسة بريسلي وألينجتون وبريسلي(Pressley , Allington, & Pressley,2023) أمكن له تصنيف إستراتيجيّات القراءة البحثية في ثلاث مراحل تتلخص فيما يأتي:
وتشمل الإجراءات الآتية: تحديد الهدف من قراءة البحوث، واستخدام إستراتيجيات ما وراء المعرفة من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماذا يعرف الباحث عن الموضوع البحثي؟ وماذا يريد أن يعرف؟ وهل سيقرأ نصًا ورقيًا أم رقميًا؟ وكيفية التخطيط للاستفادة من النص المقروء، بمعنى هل يستخدم الباحث بطاقات المكتبة؟ أم يقوم بالكتابة في نوت خاص؟ أم يقوم بتقييدها من خلال كتابتها باستخدام أحد برامج الحاسب الآلي؟ على أنْ تمثّل هذه الإستراتيجيات والإجراءات إطارًا عامًا يوجّه جهود القارئ للمرحلتين التاليتين.
وتشمل تحديد الفكرة الرئيسة والأفكار الفرعية، ووضع خطوط تحت العبارات التي تحمل الأفكار البارزة، مع التأمل الذاتي في النص المقروء من خلال طرح أسئلة وتأملات ذاتية حول النص ترتبط بهدف المؤلف، ويمكن -على سبيل المثال- الإجابة عن الأسئلة الآتية: لماذا كتب المؤلف مادته؟ من الفئات المستهدفة؟ ما وجهات النظر التي يتبنّاها المؤلف؟ ما علاقة وجهات نظر المؤلف بأعمال وكتابات أخرى في هذا المجال؟ كما يمكن طرح أسئلة ترتبط بالمحتوى، من حيث تحديد الموضوع الرئيس، والنقاط الرئيسة والتفسيرات أو الأدلة المستخدمة لدعم النقاط الرئيسية، وتحديد مدى دقة الأفكار ووضوحها، ومنطقيتها، وشموليتها، والجوانب التي ركّز المؤلف عليها؟ هل طرح وجهة نظر معينة؟ هل هناك أي دليل على التحيز المتعمد؟ وثمّة إستراتيجيّات تتعلّق بالبناء ومستويات التنظيم من حيث تحديد الإطار المستخدم لتنظيم المادة المقروءة، كيفيّة تنظيم المحتوى وتطويره، وكيفيّة ارتباط الاستنتاج بالمقدّمة وسائر المادة. وهناك إستراتيجيّات تتعلّق بالنمط والشكل وأسلوب كتابة المادة، وقراءة الرسوم والجداول والصور، وممارسة أنماط متنوعة من القراءة، مثل:
وتشمل تلخيص المادة البحثية المقروءة وإعادة صياغتها، والربط بين الأفكار المتشابهة والخروج باستنتاجات وتطبيقات يستفيد منها الباحث، وتحديد أوجه الشبه والاختلاف بين الأفكار، والتعليق وإبداء الرأي بموضوعية، واستخدام إستراتيجيّات فك التعارض أو الاختلاف بين المواد المقروءة وبعض نتائج الدّراسات السابقة.
وفي المقابل تُعدُّ لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة عنصرًا مهمًا يوجّه تلك الأعمال للاضطلاع بدورها في توجيه البحث العلمي، بما يعزّز المستهدفات بمستوى عالٍ من الوضوح والدقة والمنطق، ويتكوّن مفهوم لغة الخطاب الأكاديمي من ثلاثة مصطلحاتٍ رئيسة: فاللغة هي الأداة الرئيسة التي يوظّف الباحث مهاراتها بما يخدم المستهدفات البحثية، والخطاب بوصفه مصطلحًا عامًا وُظّف في حقولٍ معرفيةٍ متعددة، يُعنى بالرسائل والمضامين التي يوجّهها المرسل إلى المستقبل بهدفٍ محدد، ويأتي المصطلح الثالث ليضفي الصفة الأكاديمية التي توجّه الخطاب إلى كونه خطابًا خاضعًا للاعتبارات والقواعد والأعراف الأكاديمية المتعارف عليها عند كتابة البحوث والرسائل العلميّة، بما يشتمل عليه من وضوح ودقةٍ وتدفّقٍ فكريٍّ وحيادٍ.(Hyland,2011)
ووفقًا لما سبق، يمكن وصف لغة الخطاب الأكاديمي بأنها تلك اللغة التي يُعبَّر بها عن المضامين التي تقدّمها الرسائل الجامعية، وتشمل الأبنية اللغوية بمستوياتها المتعدّدة وخصائصها وسماتها وأساليبها وآليات توظيفها؛ بما يساعد في تشكيل نسيج خطابي متكامل متآزر، بما يثيره من دلالات وتأويلات يمكن استنطاقها من الخطاب المكتوب (Duruk,2017).
ويُفهم ممّا سبق أن لغة الخطاب الأكاديمي لا تقف عند الجوانب اللغوية والمعاني الظاهرة الصريحة في الخطاب، وإنما تتجاوزها إلى المعاني الكامنة المستترة، بما يساعد في الكشف عن توجّهات الباحثين وتصوراتهم، ومستوى فهمهم ومعالجتهم للقضايا والمشكلات البحثية التي يعالجونها Paltridge & Starfield, 2020)).
ويمكن الوقوف على لغة الخطاب الأكاديمي في ضوء المحكات والمؤشرات التي أشارت إليها جملة من الكتابات والبحوث السابقة مثل دراسة تشانغ ويو ووانغ وتشانغ (Zheng, Yu, Wang, & Zhang,2019) ودراسة بازرمان (Bazerman,2020) ودراسة بالتريدج وستارفيلد (Paltridge & Starfield ,2020) ودراسة وو وبالتريدج (Wu & Paltridge 2021) ودراسة علي وبانديا وفارما (Ali, & Pandya & VARMA. 2022) ودراسة محمد (2023م) ويمكن عرضها فيما يأتي:
منهج الدراسة والتصميم المتبع:
استخدم الباحث المنهج الوصفي النوعي القائم على دراسة الحالة Case Study لمناسبته مستهدفات الدراسة، ويعبّر أسلوب دراسة الحالة وفقًا لما ذكره جال وجال وبورق (Gall, Gall & Borg, 2003) عن دراسة عميقة لحالات متعدّدة تمثل ظاهرة معينة في سياقاتها الطبيعية، وهو أحد الأساليب الكيفية التأويلية التي يشدّد كريسويل وبوث (Creswell & Poth,2016) على إحدى أهمّ خصائصها وهي خاصية الاستكشاف التي عادةً ما يغفلها المتخصصون في مناهج البحث العلمي، وتوظف الدراسة من خلال دراسة هذه الحالات المتعددة المقابلات النوعية المتكررة لاستكشاف إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا، كما توظّف تحليل المضمون النوعي للرسائل العلميّة التي أنجزها الباحثون الذين تمّت مقابلتهم؛ للوقوف على طبيعة مستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي في سياقٍ وصفي تفسيري يعتمد على التأويل؛ للوقوف على أنماط العلاقات بين متغيري الدراسة.
سياق الدراسة والمشاركون فيها:
تكوّن مجتمع الدراسة من جميع طلبة الدّراسات العليا بمرحلة الدكتوراة في مسار المناهج وطرق تدريس اللغة العربية، والرسائل العلميّة التي أنجزوها ضمن متطلّبات الحصول على الدرجة العلميّة وعددهم (23)، وتكوّنت عيّنة الدراسة من (11) باحثًا وباحثةً، اُختِيروا بالطريقة العشوائية المتيسّرة، ممّن أنجزوا متطلّبات الحصول على الدرجة العلميّة خلال العامين الجامعيين (1443ه- 1444هـ) وهم جميع من أبدوا تجاوبًا مع الباحث، حيث أُجريت معهم مقابلات نوعية متكررة، كما تمّ تحليل المضمون النوعي لرسائل العلميّة التي أنجزوها وعددها إحدى عشرة رسالةً؛ للوقوف على طبيعة مستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي، ويوضح الجدول (1) عدد المشاركين في الدراسة وطبيعة توزيعهم.
جدول (1) عدد المشاركين وطبيعة توزيعهم
العينة |
طلاب |
طالبات |
المجموع |
طلبة مرحلة الدكتوراة-مسار المناهج وطرق تدريس اللغة العربية |
6 |
5 |
11 |
الرسائل العلمية المنجزة للحصول على متطلبات الدرجة العلمية |
أداتا الدراسة:
ا- المقابلات النوعية المتكررة:
استُخدمت المقابلات النوعية المتكررة للتعرف على إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يتبعها طلبة الدّراسات العليا، وقد راعى الباحث عددًا من الخطوات والاعتبارات في بناء دليلٍ يمثّل إطارًا عامًا لبناء المقابلات مرورًا بتنفيذها وانتهاءً إلى تحليلها، وشمل الإجراءات الآتية:
2- تحليل المحتوى النوعي للرسائل العلميّة
تحليل المحتوى النوعي هو منهج بحثي لوصف البيانات النصية وتفسيرها باستخدام عملية منهجية للترميز والتفسير يهدف إلى تطوير المعرفة والفهم للظاهرة قيد الدراسة (Assarroudi and Nabavi and Vaismoradi ,2018) ، ولم يتبنّ الباحث قائمةً مثلى بعينها للغة الخطاب الأكاديمي ليحاكم الرسائل في ضوئها، وإنما قام ببناء قاعدة تقديرية نوعيّة تتضمّن محكات عامة تم توصيفها إجرائيًا؛ لأن هذا النوع من التحليل لا يعتمد على الجانب التكراري للظاهرة، بقدر اعتماده على التعمق في دراسة خصائص اللغة الخطابية الأكاديمية بألفاظها وتراكيبها وأساليبها ومعانيها، وما تثيره من دلالات ومعانٍ، وسارت عمليّة التحليل في ضوء الخطوات الآتية:
شكل(1) خطوات التحليل للرسائل العلمية
معايير ضمان موثوقية الدراسة:
للتحقق من معيار الاعتمادية، أورد الباحث تفاصيل كافية حول الظاهرة المدروسة وسعى لتوصيف سياقاتها بصورة ساعدت على فهمها، انطلاقًا من تجدّد الظاهرة المدروسة وتغيّرها، لذا اهتم الباحث بالأدوات المستخدمة وإجراءات تطبيقها وسعى لاتّباع إجراءات التحليل النوعي القائمة على قراءة البيانات ومراجعتها وتدقيقها، وترميزها أكثر من مرة، واللجوء للمقابلات المتكررة على المستوى الفردي والجماعي، أو تكرار عمليات تحليل المضمون أكثر من مرة، واللجوء للمقابلات البعدية التي نُفّذت مع العينة لمناقشة الاستنتاجات المبدئية في ضوء عملية التحليل؛ بغية التأكد منها واستيضاح النتائج وفهم بعض الجوانب المرتبطة بها، بما يسهم في تعميق عمليات التشبع والتناسق والانسجام بين ترميز البيانات النوعية وتحليلها. ويرتبط ما سبق بمعيار المصداقية، حيث قادت الباحث إلى تكوين استنتاجات مجمّعة من خلال دمج إجابات المشاركين والخروج منها بتفسيرات واستنتاجات مجمّعة، والتواصل مع المشاركين أكثر من مرة عبر مقابلات فردية وجماعية في فترات زمنية مختلفة، وتتبّع البيانات والتقييم المستمر لصحّتها، وهذا يعزّز من معيار التأكيدية حيث يسعى هذا المعيار لضمان مطابقة النتائج لِمَا يقصده المشاركون، والتقليل من التحيّزات قدر الإمكان، لذا أعدّ الباحث قائمةً مسبقةً حول تحيّزاته وانطباعاته وآرائه المسبقة حول الإستراتيجيّات التي يتبعها طلبة الدّراسات العليا عند قراءة البحوث والدّراسات العلميّة ومستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي؛ بغية الحدّ من هذه تأثيراتها المحتملة على نتائج الدراسة. وللتحقّق من معيار الانتقالية الذي يشير إلى قابلية توظيف نتائج الدراسة النوعية في سياقات أخرى مشابهة، عمد الباحث إلى وصف سياق الدراسة والمشاركين وتوضيح آليات التحليل المتبعة والظروف والملابسات المحيطة بها بصورة تساعد أي قارئ على تحديد ما إذا كانت النتائج التي تمّ التوصل إليها قابلة للنقل إلى سياقات أخرى أم لا في ضوء طبيعة السياقات الموصوفة.
إجراءات التطبيق:
بدأ الباحث بتطبيق الدراسة خلال الفصل الثاني من العام الجامعي 1443هـ، واستمر التطبيق أربعة فصول دراسية، حيث انتهى منه في نهاية الفصل الثالث بتاريخ 27/ 11/ 1444هـ، تم خلالها إجراء المقابلات المتكررة بصورة جماعية ثم فردية، كما تم فيها تحليل مضمون للرسائل العلميّة التي أنجزها الطلاب والطالبات عينة الدراسة بوصفها متطلبًا تكميليًا للمرحلة الدراسية الملتحقين بها، ويوضح الجدول رقم (2) إجراءات التطبيق وفقًا لما يأتي:
جدول(2) إجراءات التطبيق
إجراءات ما قبل المعايشة |
إجراءات المعايشة الفعلية |
إجراءات ما بعد المعايشة |
تبلورت في تحديد هدف الدراسة والفجوة التي تعالجها، والإجابة عن الأسئلة المستهدفة (ما إستراتيجيّات قراءة البحوث والدّراسات العلميّة التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا) و(ما مستوى طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي)، وشملت هذه المرحلة إستراتيجيّة الاستعداد والتخطيط والتنظيم، من خلال تحديد العينة وتحديد الأسئلة والاعتبارات المرتبطة بها. |
شملت إجراءات الحضور والمشاركة والاستماع والتسجيل، حيث قام الباحث بتنفيذ هذه المرحلة، وحرص الباحث على التوازن بين الحوار والحديث والتعقيب وتسجيل الملاحظات، كما استأذن العينة أن تكون الحوارات مسجلة على منصة Webex لمعاودة قراءتها والرجوع لها عند الحاجة، وفيما يتعلق بتحليل مضمون الرسائل العلميّة تتبع الباحث المؤشرات والشواهد الدالّة على لغة الخطاب الأكاديمي في جميع جوانب الرسالة العلميّة، وهذا الإجراء شَمِل جميع الرسائل التي حلّلها الباحث. |
بعد الانتهاء من المعايشة الفعلية أرسل الباحث الاستجابات المستخلصة من المقابلات بعد تفريغها وكتابتها إلى عينة الدراسة الذين تمّت مقابلتهم للتأكد من أنها تمثّل إجاباتهم، وفيما يتعلق بنتائج تحليل محتوى الرسائل العلميّة أجرى الباحث مقابلات مع عينة الدراسة لمناقشة الاستنتاجات المبدئية في ضوء عملية التحليل لاستيضاح النتائج وفهم بعض الجوانب المرتبطة بها، والوقوف على تصورات الباحثين حيالها، بما يساعد على إثراء عمليات التفسير لاحقًا، وبعد الانتهاء من مراجعتها ثام الباحث بتنظيمها وتصنيفها وتهيئتها للتحليل من خلال فحص المعلومات قبل إخضاعها للتحليل؛ للتعرف على أنماط الاستجابات، و الكشف عن الأخطاء المرتبطة بجمع البيانات أو ترميزها أو إدخالها -إنْ وُجِدت- وبعد ذلك توصّلت الدراسة للنتائج وتحليلها وتفسيرها ، وصياغة التوصيات والمقترحات المناسبة. |
الأساليب الإحصائية المستخدمة:
استخدم الباحث البرنامج الإحصائي النوعي (NVivo) لإدارة البيانات النوعية وتنظيمها، موظّفًا طريقة دراسة الحالات المتعدّدة، فكل باحث وفقًا لهذه الطريقة يمثّل حالة مستقلّة، حيث جُمِعَت البيانات اللازمة لدراسة الحالات المتعددة لأحد عشر طالبًا من طلبة الدّراسات العليا من خلال استجاباتهم على أسئلة المقابلة، ومن خلال تحليل محتوى الرسالة العلميّة لكلٍ منهم، وأتبعها الباحث بوضع ترميزات أولية مفتوحة ثم أعقبها بترميزاتٍ أخرى لتقليص عدد الترميزات الأولية، ودمج الموضوعات المتشابهة وتركيبها، وضمّها في تصنيفات متقاربة قدر الإمكان، وصولاً إلى الموضوعات الناشئة، وأجرى الباحث الأنماط التحليلية السابقة لكل حالة بشكل منفرد وفق التحليل الداخلي لدراسة الحالات، وأتبعه بالتحليل العرضي للحالات بصورة مجمّعة في ضوء تصنيفات معتبرة؛ بهدف مقارنة التشابهات والاختلافات بين تلك الحالات. واعتمد الباحث في إصدار الأحكام على معيار كيفي يتمثل في وعيه الشمولي بالسمة المراد دراستها وتوصيفه لسياقها، وتكرار عمليات الملاحظة أو التحليل وصولًا للتشبع، مسترشدًا بالتّوجّه العام لِمَا تطرحه الأدبيّات ذات الصلة.
عرض نتائج الدراسة:
يعرض الباحث نتائج الإجابة عن أسئلة الدراسة في ضوء طبيعة تشكّلها، ومع ما قد يظهر بينها من بوادر تشابه، إلا أنها ضرورية لتكامل الإجابات من زوايا مختلفة وسياقات متباينة، بما يساعد في إثراء عملية التفسير والتحليل، وسيتم عرض نتائج الدراسة وفقًا لتسلسل أسئلتها:
الإجابة عن السؤال الأول:
بخصوص الإجابة عن السؤال الأول: ما إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس، وبعد إجراء المقابلات وترميز البيانات(1) وجمعها وتنظيمها في فئات تصنيفية، أمكن عرض أبرز الإجراءات التي تتشكل في ضوئها الإستراتيجيات، من خلال المجموعات التي يوضحها الجدول (3) فيما يأتي:
جدول(3) إجراءات القراءة البحثية التي مارسها طلبة الدّراسات العليا
الفئة |
العدد |
إجراءات القراءة البحثية التي مارسها طلبة الدّراسات العليا |
الأولى |
6 |
- لا يحدد جميع طلبة هذه المجموعة قبل الشروع في القراءة المراجع والمصادر اللازمة بدقةٍ. - مال الطلبة (ط1،ط 4، ط 5،ط 6) إلى الاعتماد على رسالة علمية سابقة، بحيث تكون مرتكزًا يعتمدون عليه في عملية القراءة والاقتصار على ما ورد فيها من مراجع دون الانفتاح على قراءات أخرى. - مال الطلبة (ط1،ط 2،ط4،ط6) في هذه المجموعة إلى ممارسة القراءة السريعة الموجهة نحو قراءة مستخلصات البحوث السابقة أو قراءة أفكار معينة التي لا ترتبط بالسياق الشمولي العام، وإذا احتاجوا إلى البحث عن أفكار أخرى من جديد، فإنهم يعيدون القراءة مرة أخرى، ولا يميلون إلى ممارسة القراءة المسحية أو المركّزة. - لا يستخدم جميع طلبة هذه المجموعة بطاقات محددة أثناء القراءة للإفادة من المادة المقروءة وتنظيمها وترتيبها. ولا يذهبون إلى المكتبة، لاعتمادهم على القراءات الرقمية. - مال الطلبة (ط1، ط 2،ط 3،ط5،ط6) لتحديد الأفكار الرئيسة للمحتوى المقروء، دون اهتمامهم بتتبع العلاقة بين الأفكار الفرعية المرتبطة بها أو التوسع فيها، ويستخدمون في ذلك إستراتيجيّة وضع الخطوط البارزة تحت الكلمات المفتاحية والأفكار الرئيسة، ولا يميلون إلى إعادة صياغة تلك الأفكار وتلخيصها ومعالجتها وفق أساليبهم الخاصة. - لا يحرص جميع طلاب وطالبات هذه المجموعة على تكوين استنتاجات في ضوء الأفكار التي قرؤوها، وإنما يكتفون بالأفكار الواردة صراحة، وهم بذلك لا يهتمون بممارسة القراءة النقدية بما تتطلبه من تأمل وتمييز وموازنة وإصدار أحكام. - مال (ط4) إلى قراءة الصور المصاحبة للنص المقروء، ولم يبدِ طلبة الدراسات العليا (ط1، ط2، ط3، ط5، ط6) اهتمامًا بقراءة الصور والجداول، وهم بذلك لا يميلون إلى استخدام الأشكال المنظمة والخرائط الذهنية أثناء القراءة البحثية. |
الثانية |
3 |
- يميل جميع طلبة هذه المجموعة ابتداءً إلى تحديد مجموعة من المراجع والمصادر اللازمة لقراءتها، مع عدم ميلهم إلى اختيارها في ضوء اعتبارات الأهمية والحداثة، إنما في ضوء المتوافر منها، وهم بذلك يمارسون التخطيط للقراءة بصورةٍ متذبذبةٍ. - يعتمد جميع طلاب وطالبات هذه المجموعة على قراءة البحوث العلميّة المتوفرة عبر شبكة الإنترنت دون ميلهم إلى قراءة الكتب الورقية المرجعية في التخصص؛ نظرًا لعدم توفرها على الشبكة. - يسلّم جميع طلاب وطالبات هذه المجموعة بالأفكار والنتائج التي يقرؤنها حتى مع وجود ملامح للتباين والتعارض، ولا يميلون إلى فكّ هذا التعارض أو تخريجه أو التعمّق في مستوى القراءة المركزة أو المسحية، وظهر أنّ آراءهم لا تخرج عن كونها تلخيصًا لما تمّ إيراده من أفكار، وهي بذلك لا ترتقي لمستويات القراءة النقدية بشكلٍ مطلوب. - مال اثنان من طلبة هذه المجموعة (ط7، ط9) إلى ممارسة القراءة السريعة المجتزأة الموجهة نحو فكرة محددة سلفًا يبحثان عنها في كتاب محدد أو رسالة محددة دون الاهتمام بالقراءة الشاملة والسياقات العامة المصاحبة لها. - لا يقاوم اثنان من طلبة هذه المجموعة (ط7، ط8) الاستطرادات عند قراءة بعض المراجع والكتابات السابقة، فيميلون إلى قراءة أفكار لا ترتبط بدراساتهم بشكلٍ دقيق، ولوحظ أن التوسّع في معالجة الأفكار لم يكن مدروسًا بعناية، وبدا ذلك واضحًا بالنظر لمستوى تصنيفها وتنظيمها وتتابعها. |
الثالثة |
2 |
- ينوع الطالبان (ط10، ط11) في هذه المجموعة بين ممارسة أنماط القراءة، حيث يتم البدء بقراءة التصفح ثم القراءة المسحية والقراءة الموجهة والقراءة المركزة. - يتبع الطالبان في هذه المجموعة منهجية واضحة لجمع المادة العلميّة وتنظيمها في نسق فكري متسلسل، إذ خطّطا بصورةٍ جيدة لكيفية الاستفادة من المحتوى المقروء، وحدّدا مسبقًا الأفكار إستراتيجيّات تقييده، حيث استخدم طالب واحد (ط11) بطاقات المكتبة ونوتًا خاصًا، بينما قام الطالب الآخر (ط10) بحفظ المادة المقروءة وتنظيمها في مجلدات موزّعة حسب متغيرات الدراسة، مستخدمًا في ذلك أحد برامج الحاسب الآلي لحفظها. - يميل الطالبان (ط10، ط11) في هذه المجموعة إلى تلخيص المادة المقروءة وإعادة تقديمها بالصورة التي فهموها من القراءة. - مال أحد الطالبين (ط11) إلى قراءة الصور والتعليق عليها، بينما اهتم الطالب الآخر (ط10) بالرسوم والأشكال التوضيحية والجداول والتعليق عليها. - يميل الطالبان في هذه المجموعة إلى التعليق المستمر وإبداء الرأي الشخصي حيال ما يقرؤون باستمرار، وآراؤهم في الغالب لا تخرج عن كونها تلخيصًا للأفكار المستعرضة. - يطرح الطالبان أثناء القراءة تساؤلات مستمرة حيال المادة المقروءة، ويسعيان بعد الانتهاء من القراءة إلى تكوين استنتاجات، والحكم على النص، وإبراز أوجه الإفادة منه. |
ومن خلال استقراء الإجراءات الموضحة في الجدول (3) اتضح تنوّع الإجراءات تنوعًا يعبّر عن الإستراتيجيات التي مارسها طلبة الدراسات العليا في قسم المناهج وطرق التدريس، وأمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات، إذ تنوّعت لتشمل إستراتيجيات ما قبل القراءة وإستراتيجيات القراءة الفعلية وإستراتيجيات ما بعد القراءة، وتتضمّن: إستراتيجيات قراءة التصفح والقراءة المسحية والقراءة الموجهة والمركزة، وإستراتيجية القراءة السريعة، إستراتيجية التخطيط والتنظيم، إستراتيجية تحديد الأفكار الرئيسة والفرعية وتصنيفها، إستراتيجية وضع الخطوط تحت الكلمات المركزية، وتصنيفها، والكشف عن أوجه تشابهها واختلافها، وتلخيص المادة المقروءة وإعادة صياغتها وتحويلها إلى خرائط ذهنية أو رسومات وأشكال، وإستراتيجية التأمل الذاتي وطرح التساؤلات، وتكوين الاستنتاجات، وإصدار أحكام نقدية على النصوص المقروءة، واتضح وجود تباين في نوع الإستراتيجيات المستخدمة من مجموعة لأخرى، ومستوى التركيز وتوقيته وطبيعة الإجراءات المصاحبة لتنفيذ كل إستراتيجية.
الإجابة عن السؤال الثاني:
بخصوص الإجابة عن السؤال الثاني ونصه: ما مستوى لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة لطلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس، وبعد قيام الباحث بتحليل محتوى الرسائل العلميّة وفق الإجراءات المشار إليها سابقًا، أمكن للباحث تنظيم الإجابة عن السؤال من خلال مستويين: (أ) مستوى خاص صنّف فيه الباحث مستويات طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس في لغة الخطاب تصنيفًا يعبّر عن واقع مستوياتهم وحدّد مؤشرات كل مستوى (ب) مستوى عام يوضّح السمات والملامح العامة للغة الخطاب الأكاديمي من خلال استقراء الدلالات الضمنية التي أمكن استنطاقها من تشكل اللغة الخطابية، وأمكن عرضها فيما يأتي:
صنف الباحث مستويات طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس في لغة الخطاب إلى ثلاثة مستويات، تصنيفًا يعبّر عن واقع مستوياتهم من خلال تحليل الرسائل العلميّة التي أنجزوها، ويوضح الجدول (4) فئات مستويات لغة الخطاب الأكاديمي وفقًا لمستوياتهم (مرتفع- متوسط- منخفض) والسمات والملامح العامة المميزة لكل مستوى في ضوء نتائج التحليل النوعي:
جدول (4) مستويات لغة الخطاب الأكاديمي وفقًا لمستويات طلبة الدراسات العليا وسمات كل مستوى
المستوى |
العدد |
مؤشرات لغة الخطاب الأكاديمي من واقع تحليل مضمون الرسائل العلميّة |
المستوى (المنخفض) للغة الخطاب الأكاديمي |
6 |
- مستوى لغة الخطاب الأكاديمي لا يعكس بعدًا فلسفيًا واضحًا ومنطقيًا في بناء جدلية الموضوع وتحديد الفجوات المستهدفة، إذ لم يكن متناميًا ومتسقًا مع فلسفة لغة الخطاب الأكاديمي. فبدأ البعض منهم (ر1، ر2، ر5) بالكتابة عن البرامج أو الإستراتيجيّات التي تتبناها دراساتهم على حساب المتغيرات التابعة المتمثلة التي تستهدفها الدراسة، ولم تعكس اللغة أن ثمة مشكلة تستحق الدراسة. - المصطلحات الإجرائية المكتوبة لا تجسد الدلالة العلميّة للمفاهيم والموضوعات التي تعالجها، وإنما تتسم بالسطحية. فقدّمت الرسائل العلمية (تعريفات – آراء) خاصة بهم في أكثر من موطن في البحث اتسمت بضعف الانسجام والتماسك وتعدّد المصطلحات واستخدامها بصورة مربكة بما يؤثر على دقة المصطلحات ومستوى وضوحها (ر2، ر5، ر6)، والتناقض أحيانًا (ر1، ر3، ر4) دون أن يكون للباحثين تأثيرات عميقة في نقدها أو التعليق عليها وصياغة مصطلحات علمية متماسكة. - معالجة الأفكار المكتوبة في جميع الرسائل العلمية افتقد للتنظيم المنطقي والترابط والتسلسل في العرض والمعالجة، ومن الأمثلة: وردت أفكار مفكّكة لا تقود إلى تكوين معنى كليّ متكامل عند عرض مشكلة الدراسة وفي الإطار النظري، (ر1، ر3، ر4، ر5، ر6)، وهذه الأفكار قابلة للتقديم أو التأخير أو حتى الحذف، دون أن تتضرّر المضامين، وهذا دليل على افتقاد الأفكار المكتوبة للوحدة العضوية. - كتابة أفكار مجتزأة من سياقاتها الكليّة التي وردت فيها، واتضح أن هنالك فجوة بين عناوين الإطار النظري والمضامين المنضوية تحتها. - تباين مستوى صياغة الأفكار المكتوبة وأسلوبها في جميع الرسائل العلمية؛ نظرًا لميلها إلى النقولات والاستشهادات المباشرة وضعف قدرة الباحثين على التصرف في الصياغات وإعادة النظر فيها وفقًا للأساليب اللغوية الخاصة بهم. - ضعف الاهتمام بالتعليق على الأفكار المكتوبة وإبداء الآراء الشخصية في جميع الرسائل العلمية، والتركيز على ما ورد في المراجع السابقة من أفكار. - كثرة استخدام الجمل الخبرية القصيرة، وهي عبارة عن نقولات افتقدت للربط اللفظي والمعنوي الواعي، فجاءت متباينة. - عمدت بعض الرسائل العلمية (ر1، ر2، ر6) إلى نقل ما ورد في مستخلصات الدّراسات والبحوث السابقة، لدرجة أن فصل الدّراسات السابقة -على سبيل المثال لا الحصر- يمكن وصفه بأنه تجميع لمستخلصات البحوث والدراسات السابقة دون أن يكون للباحثين أي تدخلات لغوية في الصياغات أو التنظيم والعرض ومستوى التركيز. - أوجه التعقيب على الدّراسات السابقة وقفت في غالبها الأعم (ر1، ر2، ر4، ر6) على جوانب شكلية تتناول الاتفاق والاختلاف عن البحوث السابقة دون أن تتغلغل في عمق هذه الاختلافات، ولم تبرز اللغة المستخدمة واقع تلك الدراسات والبحوث في سياق منظومة الأبحاث والدّراسات السابقة من حيث مواقعها والزوايا التي تنفرد بمعالجتها. - شيوع لغة التهويل والتضخيم عند عرض مشكلة الدراسة، وفي بعض جوانب الإطار النظري، بينما أخذ الأسلوب اللغوي منحًى مغاير عند عرض النتائج، إذ مال إلى التبسيط والاستسهال. |
المستوى (المتوسط) للغة الخطاب الأكاديمي |
3 |
- شيوع استخدام الجمل القصيرة، التي جاء استخدامها في سياق نقل المعلومات (ر7، ر9) ومالت إحدى الرسائل في هذا المستوى (ر8) إلى المزاوجة بين الجمل الطويلة والقصيرة بصورة مناسبة. - تقديم بعض الأفكار والآراء التي وردت في مراجع علمية سابقة على أنها آراء شخصية لها، دون الإشارة إلى أصحاب تلك الآراء أو تبنى آراءهم ومواقفهم. (ر7، ر8). - تفخيم الذات من خلال الإشارة إلى عبارات من قبيل (وتعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها) (ر7) والكتابة بأسلوب المتكلم أحيانًا، من قبيل: أرى، أختلف، قمت بتصنيف الدّراسات السابقة إلى ثلاثة محاور (ر8) وميل اللغة المستخدمة (ر7، ر8) ) إلى التقليل من الجهود السابقة، خصوصًا في معرض إيراد مواطن التعليق على الدّراسات السابقة والوقوف على مواطن التشابه والاختلاف. - شيوع الاستطرادات والتفريعات خصوصًا في الإطار النظري والدّراسات السابقة، حيث يولي الباحثون في هذا المستوى (ر7، ر8، ر9) اهتمامًا بمتغيرات وأفكار لا ترتبط بها دراساتهم، ومن الشواهد أن إحدى الرسائل التي تمّ تحليلها (ر8) استرسلت في كتابة إطارٍ نظري عن الكتابة الوظيفية من حيث المفهوم والأهمية والأنواع والمهارات المرتبطة بها، في حين أن مجال اهتمام الدراسة كان ذا صلة بالكتابة الإبداعية، وتكرّر الأمر عند استعراض الدّراسات السابقة حيث أفرد الباحثان (ر7، ر9) مساحةً واسعة لاستعراض بعض الأفكار والمتغيرات التي قامت بها الدّراسات السابقة وليس لها أدنى ارتباط بدراساتهم. - ضعف تمثل المفاهيم والمصطلحات التي تعالجها بعض الرسائل العلمية (ر8) وشيوع الاعتماد على مراجع ثانوية على حساب المراجع الرئيسة (ر7، ر8، ر9). - استخدمت بعض الرسائل العلمية أسلوبًا لغويًا يعتمد على المبالغة عند عرض مشكلة الدراسة، مثل: المبالغة في عرض جوانب الضعف التي تعالجها الدراسة، والثقة المتناهية بقدرة المتغير المستقل على معالجتها، وتجلى أسلوب المبالغة أيضًا في لغة نتائج الدراسة بصورةٍ مطلقة افتقدت للحذر. (ر7، ر9). |
المستوى (المرتفع) للغة الخطاب الأكاديمي |
2 |
- تلخيص بعض الأفكار والتصرف فيها وفقًا للأسلوب الخاص بالباحث (ر10، ر11) - كثرة الاستشهادات بالأدلة والبراهين والنتائج السابقة المتصلة بالأفكار التي يعالجها الباحث، وعرضها بصورة لغوية مناسبة (ر10)، ولوحظ أن إحدى الرسائل التي تمّ تحليلها (ر11) بالغت في إيراد أدلة وبراهين على أفكار متفق عليها، مثل: التأكيد على أهمية اللغة أو غيرها من الأفكار المتفق على أهميتها، وهذا يعدّ شكلًا من أشكال الاستطراد. - إصدار الأحكام وفق منهجية منطقية من خلال الربط بين الأسباب والنتائج الأمر الذي ساعد على تدفق الأفكار وتماسكها. (ر10، ر11) - تحليل الأفكار باستخدام طرق مختلفة من خلال إبراز أوجه الشبه والاختلاف بينها، والمقارنة بين الآراء والحقائق وإبداء الآراء بموضوعية بصورة تبرز معها اللغة التأملية الناقدة. (ر10، ر11). - استخدام العبارات الواضحة والمعبرة عن المعنى بصورة دقيقة، وشيوع الجمل الخبرية. (ر10، ر11). - لتنظيم الفقرات بطريقة منطقيةٍ مترابطةٍ بصورةٍ تتّسق مع السياقات التي تسبقها أو تليها على مستوى الفقرات أو الجمل داخل الفقرات (الجمل الرئيسة- الجمل الشارحة أو الداعمة). - ربط الجمل والفقرات باستخدام أدوات ربط مناسبة. - استخدام ضمير الغائب في سياقات لغوية مختلفة، وشيوع صياغة الجمل الفعلية بصورة مبنية للمجهول (ر10، ر11). - ورود بعض ملامح التحيز والاسترسال وتكرار بعض الأفكار دونما حاجة (ر10، ر11). |
أمكن للباحث الخروج بملامح وسمات عامة للغة الخطاب الأكاديمي من خلال استقراء الدلالات الضمنية التي أمكن استنطاقها من تشكل اللغة الخطابية في الرسائل العلميّة التي تمّ تحليلها، وما تلاها من نقاشات بعديّة معمّقة مع عينة الدراسة، وأمكن عرض أبرز السمات والملامح فيما يأتي:
الإجابة عن السؤال الثالث:
بخصوص الإجابة عن السؤال الثالث: ما نمط العلاقة بين إستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس ومستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي، أجاب الباحث عن هذا السؤال من خلال الاعتماد على واقع تصنيف مستويات طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي، والكشف عن طبيعة إستراتيجيّات القراءة البحثية التي مارسها طلبة الدّراسات العليا في كل فئة، بغية الخروج بمؤشرات تراكمية شمولية تسهم في تحديد نمط العلاقة بينهما، وأمكن عرض النتائج وفق التصنيف الآتي:
اتضح في ضوء النتائج التي تمّ التوصّل إليها، أن الطلبة ذوي المستوى المنخفض في لغة الخطاب الأكاديمي مارسوا إستراتيجيات القراءة البحثية الآتية: إستراتيجية القراءة السريعة المجتزأة، إستراتيجية تحديد الأفكار الرئيسة، إستراتيجية وضع الخطوط تحت الكلمات المفتاحية، وفق الإجراءات الموصوفة فيما سبق.
اتضح في ضوء النتائج التي تمّ التوصّل إليها، أن الطلبة ذوي المستوى المتوسّط في لغة الخطاب الأكاديمي مارسوا إستراتيجيات القراءة البحثية الآتية: القراءة السريعة المجتزأة، إستراتيجية تحديد الأفكار الرئيسة، إستراتيجية وضع الخطوط وتحديد الكلمات المركزية، مع استخدام متباين لبعض إستراتيجيات ما قبل القراءة (تحديد الهدف من القراءة) وبعض إستراتيجيات ما بعد القراءة (تكوين الاستنتاجات وإصدار الأحكام)، وفق الإجراءات الموصوفة فيما سبق.
اتضح في ضوء النتائج التي تمّ التوصّل إليها، أن الطلبة ذوي المستوى المرتفع في لغة الخطاب الأكاديمي مارسوا إستراتيجيات القراءة البحثية الآتية: إستراتيجيات قراءة التصفح والقراءة المسحية والقراءة الموجهة والمركزة، وإستراتيجية التخطيط والتنظيم وتحديد الأفكار الرئيسة والفرعية، وتصنيفها، والكشف عن أوجه تشابهها واختلافها، وتلخيص المادة المقروءة وإعادة صياغتها وتحويلها إلى خرائط ذهنية أو رسومات وأشكال، وإستراتيجية التأمل الذاتي وطرح التساؤلات، وتكوين الاستنتاجات، والحكم على النص المقروء، وفق الإجراءات الموصوفة فيما سبق.
ولمزيد من التفصيل، أمكن للباحث تتبّع العلاقات بين مستويات طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي (مرتفع- متوسط- منخفض) وإستراتيجيات القراءة البحثية التي مارسوها (ممارسة مرتفعة، ممارسة متوسطة، ممارسة منخفضة، ممارسة غير متحققة) وفق ما يعبّر عنه الجدول (5)
جدول (5) مستوى ممارسة إستراتيجيات القراءة البحثية وعلاقتها بمستويات طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي
مستوى ممارسة إستراتيجيات القراءة البحثية |
مستويات طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي |
||
المستوى المنخفض |
المستوى المتوسط |
المستوى المرتفع |
|
إستراتيجية القراءة السريعة |
ممارسة مرتفعة |
ممارسة مرتفعة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية القراءة المسحية |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية القراءة المركزة. |
ممارسة منخفضة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية القراءة الشاملة. |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة متوسطة |
إستراتيجية القراءة النقدية |
ممارسة غير متحققة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
إستراتيجية تحديد الهدف من القراءة البحثية |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية التخطيط للاستفادة من النص المقروء |
ممارسة منخفضة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية تحديد الفكرة الرئيسة والأفكار الفرعية |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف في النص المقروء |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة متوسطة |
إستراتيجية إبراز الأفكار المحورية |
ممارسة منخفضة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية التأمل الذاتي في النص المقروء |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية تنظيم المحتوى المقروء وتصنيفه. |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية التلخيص وإعادة الصياغة. |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
ممارسة متوسطة |
إستراتيجية التوسع والإثراء. |
ممارسة منخفضة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية التصوّر القرائي |
ممارسة غير متحققة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية قراءة الرسوم والجداول والصور. |
ممارسة غير متحققة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة مرتفعة |
إستراتيجية الخرائط الذهنية |
ممارسة غير متحققة |
ممارسة منخفضة |
ممارسة متوسطة |
تحليل النتائج ومناقشتها وتفسيرها:
أظهرت نتائج الدراسة أنّ ثمة علاقة بين مستوى لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل العلميّة وإستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا بقسم المناهج وطرق التدريس، ولمزيدٍ من تقصّي أبعاد هذه العلاقة، صُنّفت مستويات طلبة الدّراسات العليا في لغة الخطاب الأكاديمي إلى ثلاثة مستويات، تصنيفًا يعبّر عن واقع مستوياتهم من خلال تحليل الرسائل العلميّة التي أنجزوها، وشملت: (المستوى المنخفض، المستوى المتوسّط، المستوى المرتفع)، وتتبّع الباحث تتبعًا نوعيًا طبيعة إستراتيجيّات القراءة البحثية التي استخدمَتْها كلُّ فئة من الفئات الثلاثة وفقًا لمستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي.
فبخصوص طلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المنخفض في لغة الخطاب الأكاديمي، اتضح من خلال تتبّع علاقة ذلك بإستراتيجيّات القراءة البحثية التي يتّبعونها ضعف اهتمامهم بتحديد القراءات (المصادر والمراجع) قبل الشروع في عملية القراءة، ويبدو أنّ ذلك قد انعكس بصورة واضحة على مستوى تنظيم المادة المكتوبة، فجاء تنظيم المباحث وترتيبها وتنظيم عملية عرضها عشوائيًا، وغير مخطّط له بعناية، وغير منسجم مع الاعتبارات العلميّة في الكتابة من حيث تنظيم الأفكار وطريقة عرضها، وربما أن هذه القراءة العشوائية غير المخطط لها هي من قادت بعض الباحثين إلى الاعتماد على مراجع بعينها بشكلٍ كبير، كما اتضح من خلال تحليل النتائج النوعية أن شيوع القراءة السريعة الموجهة نحو فكرة محددة لم تُتِح لطلبة المستوى المنخفض فرصًا واسعةً لمراعاة السياق العام للنص المقروء والإلمام بالأفكار المقروءة في سياقاتها الكلية الإجمالية، ويبدو أن هذا النوع من القراءة قد ارتبط -إلى حدٍ كبير- بمستوى لغوي متذبذب، ومفكّك، يميل إلى السطحيّة ويفتقد للموضوعية، فانصراف جهود الطالب نحو قراءة أفكار جزئية مبتورة عن سياقاتها لا يخدم تكوين معانٍ كليةٍ متكاملةٍ، لذا جاء مستوى لغتهم في رسائلهم العلميّة انعكاسًا لذلك، حيث وردت أفكار مفكّكة في جميع جوانب الرسالة، وكان الانتقال مفاجئًا من فكرة لأخرى، وهذا دليل على افتقاد الأفكار المكتوبة للوحدة العضوية، وانعكس ذلك بشكلٍ واضحٍ على إسراف بعض الباحثين في كتابة عناوين فرعية بينها قدر كبير من التداخل، فضلًا عن أنّ بعض العناوين لا تعبّر عن المضامين المنضوية تحتها، ومجمل هذه المؤشرات لا تعني أنّ القراءة السريعة غير مجدية لطلبة الدّراسات العليا، لكن من المهم معرفة مواطن استخدامها في سياق إستراتيجيّات القراءة البحثية، لتسهم بدورها بكل فاعلية – مع أنماط القراءة الأخرى- في توجيه القراءة وتعزيز فاعليتها، فضلًا عن شيوع الاستطراد وعدم التتابع الفكري، ويبدو أن ذلك يرتبط بممارسة مستوى سطحي من القراءة لا يتغلغل إلى عمق الأفكار وبنائها وأسس معالجتها.
كما اتضح من خلال تحليل النتائج النوعية أن طلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المنخفض والمستوى المتوسط لا يمارسون القراءة النقديّة وفق متطلباتها وإجراءاتهاالمعتبرة، فثمّة باحثون أجابوا بأنهم يسلّمون بجميع الأفكار التي يقرؤونها، ولا يبدون اهتمامًا بفكّ أوجه التعارض بين ما يقرؤون، ويبدو أنّ شيوع هذا النمط من القراءة التي يسلّم فيها الباحثون بكلّ شيء قد انعكس على المستوى العام للغة خطابهم الأكاديمي، إذ انصرفت الكتابة من كونها أكاديمية تُعَالَج من منظور رؤية الباحث ومنطقه إلى كونها مجرد نقولات واستشهادات يجمعها الباحث من مراجع متعدّدة بدت -في بعض جوانبها -متناقضة بعض الشيء دون أن يكون للباحثين تأثيراتٌ عميقةٌ في تفكيك خطابها من خلال نقدها أو التعليق عليها أو استثمارها في بناء نسق خطابي خاص بالبحث، وباستقراء محاولات الباحثين في مهارة التعليق أو إبداء الرأي الشخصي الموضوعي، يمكن القول إنّ طلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المنخفض لم يُبْدوا اهتمامًا بالتعليقات وإبداء الآراء الشخصية، وعمدوا بشكلٍ واسعٍ إلى الإكثار من النقولات المرتبطة بالمراجع السابقة، وعندما تتبع الباحث طبيعة إجراءات القراءة البحثية التي استخدمها طلبة هذه الفئة، وجد أنها تنتمي لإستراتيجيّات المجموعة الأولى الموصوفة عند عرض نتائج الدراسة، واللافت للنظر وجود تناقضات في تعليقات بعض الباحثين وتدخّلاتهم عند عرض بعض الأفكار أو معالجتها، الأمر الذي يدل بصورة واضحة على ضعف مهارات القراءة النقدية، الأمر الذي أثّر بشكلٍ واضح على مستوى الباحثين في هذا المستوى ومستوى استنتاجاتهم والإفادة من ذلك في إجراءاتهم التي انتهجوها، وانعكست آثار ذلك في تشكيل لغة خطابيّة مفكّكة غير مستقرة. ومن الشواهد على ذلك: أنّ أربعًا من الرسائل العلميّة المصنّفة في المستوى المنخفض للغة الخطاب الأكاديمي لم يتجاوز دورها عند عرض الدّراسات السابقة نقْل ما هو موجود في مستخلصات الدّراسات السابقة، ويمكن وصف فصل الدّراسات السابقة بأنه تجميعٌ لمستخلصات البحوث السابقة وفق الصياغات والأساليب اللغوية التي كُتِبت بها تلك الأعمال العلميّة دون أدنى أثر لمستوى لغة الباحثين من طلبة الدّراسات العليا، لذا اتّسمت لغة الخطاب في رسائلهم بالتباين الواضح لاعتماد الباحثين على النقولات وإهمال إعادة الصياغات، كما تتبّع الباحث أوجه التعقيب على الدّراسات السابقة، وبدا واضحًا افتقادها للمنحى النقدي وإبداء الآراء الموضوعية، حيث وقفت -في الغالب الأعم- على جوانب شكلية ركّزت على أوجه الاتفاق أو الاختلاف بصورة نمطية سطحية دون أن تتغلغل في عمق هذه الاختلافات، ويمكن القول أنها أخفقت في استثمار هذا الكمّ من الدّراسات السابقة في تشكيل هوية واضحة للخطاب الأكاديمي الذي يُفترض أنْ تنسجه تلك الدراسات بوعي وإحكام، ولم تُبرِز اللغة التي استخدمها الباحثون واقع أبحاثهم في سياق منظومة الأبحاث والدّراسات السابقة، من حيث مواقعها والفجوات التي تستهدفها والزوايا التي تنفرد بمعالجتها، من منظور تراكمية الدّراسات والبحوث السابقة وتكاملها، بوصفها منظومة لا ينفكّ بعضها عن بعض، ودلالتها تؤخذ بالنظر للجهود التي سبقتها ولِمَا قد تؤسّس له من بحوث ودراساتٍ قادمةٍ.
ومن حيث فلسفة الخطاب الأكاديمي ومنطقيته، اتّضح من خلال تحليل مضمون الرسائل العلميّة لطلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المنخفض والمتوسط أن مستوى لغتهم في الخطاب الأكاديمي لا يعكس بُعْدًا فلسفيًا واضحًا ومنطقيًا في بناء جدليّة الموضوعات البحثية وتحديد الفجوات المستهدفة، إذ لم يكن متناميًا ومتسقًا مع فلسفة اللغة الأكاديمية، إذ حاد بعض الباحثين عن إبراز عمْق المشكلات البحثية والمستهدفات الرئيسة لدراساتهم، ومن الشواهد على ذلك: ضعف التسلسل الفكري والمنطقي في معالجة بعض المشكلات البحثية، فلغة الخطاب الأكاديمي لبعض الرسائل لم تكن مستساغة منطقيًا، إذ جاءت لغتها الاستهلالية موجهةً لمعالجة المتغير المستقل بصورة سابقة للمتغير التابع، فوُظّفت اللغة المستخدمة لإبراز البرامج أو الإستراتيجيّات التي تتبناها تلك الرسائل على حساب المتغيرات التابعة التي تستهدفها الدراسة والتي تمثّل عمق مشكلة الدراسة، ويتطلّب المنطق العلمي البدء بعْرض المشكلة البحثية بمختلف تداعياتها والوقوف على حيثياتها قبل تناول الحلول المقترحة، فاختيار المتغير المستقل في أدبيات البحث التربوي ليس اختيارًا عشوائيًا قائمًا على المصادفة، وإنما يتمّ في ضوء طبيعة المشكلة وما تتطلّبه، ويظهر أن ضعف الارتباط المنطقي في معالجة متغيرات الدراسة الذي دلّت عليه لغة خطابهم الأكاديمي دليل – في المقابل- على مستوًى سطحيٍ من القراءة البحثية التي انحرفت عن سياق الفهم العام لفلسفة البحوث العلميّة والسياقات الخاصة بها، وما سبق شرحه يتّسق مع طبيعة الأفكار التي نادى بها والس وأليسون(2021م) المرتبطة بالأبعاد النقدية التي يجب انتهاجها عند قراءة البحوث، نظرًا لتأثيراتها البالغة في معالجة الفكرة البحثية من منظور فلسفي ومنطقي، بما يفسح المجال لظهور خطابٍ أكاديمي متماسكٍ ورصينٍ.
وثمّة بُعْدٌ آخر يدلّ على سطحية عملية القراءة وضعف مستوى فاعليتها، وهو انحراف مستوى الكتابة في جلّ الرسائل العلميّة التي قام الباحث بتحليلها عن دلالاتها ومضامينها العلميّة، حيث قام طلبة الدراسات العليا ذوو المستوى المنخفض والمتوسّط في لغة الخطاب الأكاديمي بدراسة موضوعات مختلفة على غرار توظيف تحليل الخطاب أو نظرية التلقي أو استخدام النظرية التداولية أو توظيف علم اللغة الاجتماعي أو المدخل الدلالي، والمثير للانتباه أن تلك الدّراسات لم تستطع نسج خطابٍ لغوي متماسكٍ واضحٍ يستند على رؤى مفاهيمية ومصطلحات ذات دلالة علمية دقيقة وواضحة، ومن الأدلة على ذلك: أن المصطلحات الإجرائية التي صاغها الباحثون في بعض تلك الرسائل لا تتسق نظريًا مع الدلالة العلميّة لتلك المفاهيم، إضافة إلى تعدّد المفاهيم والمصطلحات التي يكتبها بعض الباحثين ويُلِحّون في أكثر من موضع في الرسالة على أنها تمثّل آراءهم الشخصية، خصوصًا مع اتسامها بالتناقض وعدم الانسجام، ويبدو أنّ ضعف ضبط المفاهيم الرئيسة قد انعكس بشكل واضح على الجوانب الإجرائية المنهجية في الرسالة، إذ لم تنجح بعض الدّراسات في اتباع إجراءات علمية دقيقة؛ بسبب عدم تمثّل المفاهيم بصورة واضحة وصحيحة على المستويين النظري والتطبيقي، ويظهر أن ضعف ممارسة إستراتيجيات القراءة البحثية المرتبطة بالفهم قد أحدث فجوة بين المصطلحات العلميّة وفق دلالاتها في الأدبيات وبين المصطلحات الإجرائية التي كتبها بعض الباحثين أو تبنّوها، ويعتمد بعض الباحثين في التأطير النظري على مراجع ثانوية أو أوراق عمل في البناء المفاهيمي، وبعضها في غير مجال التخصّص، فلجأ بعض الباحثين -على سبيل المثال- عند تعريف بعض المصطلحات النفسية أو اللغوية لباحثين آخرين في تخصّص المناهج وطرق تدريس بمرحلتي الماجستير والدكتوراة، متجاهلين التعريفات المعتبرة الواردة في الكتب والدّراسات المتخصّصة لذوي الاختصاص في مجالات علم النفس أو في علوم اللغة، حسب طبيعة نشوء المصطلح وتكوينه، وهذا الأمر يقلّل من جودة البحوث العلميّة وموثوقيّتها ودورها معالجة مشكلات التخصص وافتقادها للدقّة العلميّة والوضوح، وهذا يتسق مع ما أشارت إليه بعض البحوث والدراسات السابقة، مثل دراسة حمدي (2019م) ودراسة هلالي (2019م) وإبراهيم (2021م). وثمّة ملمحٌ آخر يرى الباحث أهمية الإشارة إليه في هذا السياق، وهو ما يرتبط بميل طلبة المستوى المنخفض والمستوى المتوسط إلى الاقتصار على القراءات الرقمية والاكتفاء بها، ويرى الباحث أنّ ضعف القراءة المكتبية قد فوّت على طلبة هاتين الفئتين فرصة الاطلاع على أمهات الكتب المرجعية في مجال التخصص التي قد لا تتوفر رقميًا، وربما كان ذلك سببًا في لجوء طلبة الدّراسات العليا إلى مراجع وقراءات رقمية ثانوية أو غير رئيسة لم تساعدهم في تمثّل المضامين العلميّة التخصصيّة بصورةٍ دقيقةٍ.
وبالنظر لإستراتيجيّات القراءة البحثية التي يمارسها طلبة الدّراسات العليا ذوو المستوى المرتفع في لغة الخطاب الأكاديمي، يمكن القول إن ثمة تلاؤمًا بينهما، وجسّدت لغة الخطاب الأكاديمي -إلى حدٍ ما- هذه الإستراتيجيّات، حيث استطاع طلبة الدّراسات العليا ذوو المستوى المرتفع توظيف هذه الإستراتيجيّات بفاعلية، وأظهروا شيئًا من القدرة على نسج خطاب أكاديمي يميل إلى الجودة، فالتخطيط لكيفية الاستفادة من المادة المقروءة، وممارسة أنماط متعدّدة من القراءة مثل قراءة التصفح والقراءة الموجهة والقراءة المركزة، وتنظيم المادة المقروءة في نسقٍ فكريٍّ متسلسلٍ، وميلهم إلى تلخيص المادة المقروءة وإعادة تقديمها بالصورة التي فهموها، فضلًا عن قراءة الصور والرسوم التوضيحية مع ميلهم إلى التعليق المستمر وإبداء الرأي الشخصي حيال ما يقرؤون باستمرار كان لها انعكاس في لغة خطابهم الأكاديمي، الذي بدا متماسكًا وواضحًا، على نحوٍ تظهر فيه هوية واضحة للرسالة العلميّة بشكلٍ جيد، ولم تخْل لغتهم من المبالغات عند عرض المشكلة البحثية وأهمية الموضوع، أو حتى عند عرض أفكارهم التي يوردونها عند تفسير النتائج، وكثرة الإشادة بالمتغير المستقل وبقدرته الفائقة على حلّ المشكلات البحثية، ومن الأمور التي لفتت نظر الباحث هو استخدام ضمائر الغائب من قبيل عبارة (يرى الباحث، استنتج الباحث، توصّل الباحث) في سياقات لغوية فيها اعتراف ضمني بدور الباحثين الآخرين، وشيوع الجمل الخبرية المصاحبة -غالبًا- للتحليل والتفسير والربط والاستنتاج الموضوعي، وثمة ترابط ملموس بين الجوانب النظرية والتطبيقية عكس -إلى حدٍ كبير- وعي طلبة الدّراسات العليا بالمصطلحات والأفكار التي يعالجونها وعمق التفكير النقدي لديهم، فالاستنتاجات التي أوردها الباحثون في مختلف جوانب الدراسة والتطبيقات العملية التي أوردوها في نهاية مباحث الإطار النظري كان لها صدًى في اللغة المستخدمة في الإجراءات ، ورغم وجود ملامح إيجابية إلا أن شيئًا من التحيز للموضوع لمسه الباحث في مستوى اللغة الخطابية، ووجود بعض جوانب الاسترسال التي بَدَت واضحةً، خصوصًا في الإطار النظري وتكرار بعض الأفكار دونما حاجة.
ومن خلال هذه الموازنة بين فئات طلبة الدّراسات العليا وفقًا لمستوياتهم في لغة الخطاب الأكاديمي وطبيعة إستراتيجيّات القراءة البحثية التي استخدموها، اتضح للباحث أن الإستراتيجيّات التي ارتبطت بمستوى عالٍ من لغة الخطاب الأكاديمي كان لعدم استخدامها أو ضعف استخدامها أو تباين إجراءات تطبيقها من قِبَل طلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المنخفض أو المستوى المتوسط ارتباطٌ واضحٌ بمستواهم في لغة الخطاب الأكاديمي.
وما سبق تناوله يرسّخ لفكرةٍ محوريةٍ تتمثّل في ضرورة تعريف طلبة الدّراسات العليا بإستراتيجيّات القراءة البحثية وتدريبهم على ممارستها بشمولية خلال سنوات البرنامج الدراسي؛ لدورها في تأهيل الباحثين، ويمكن القول إنّ العلاقات التي كشفت عنها نتائج الدراسة الحالية ليست محكومةً بنوع الإستراتيجيّات فقط، وإنّما تتجاوز ذلك إلى توقيت استخدامها، وسياقات تطبيقها، وطبيعة الإجراءات التي ينتهجها الباحثون، فمع تماثل بعض طلبة الدّراسات العليا في استخدام إستراتيجيات محدّدة لمس الباحث تباينًا واضحًا في الإجراءات المرتبطة بها، إذ اتضح أنهم لم يستخدموها وفق آليات معتبرة تغذي سياقًا لغويًا متكاملًا، فإستراتيجية القراءة السريعة -على سبيل المثال- اُستُخدِمَت من قبل جميع الفئات، لكن تباينت المجموعات في توقيت الاستخدام وسياقاته، فمنهم من استخدمها في موضعها الصحيح (لتحديد الأبحاث التي يمكن للباحث اختيارها وتحديد مدى مواصلة قراءتها من عدمه) ومنهم من استخدمها في غير موضعها (حيث استخدمت مع الكتب والدّراسات التي تحتاج إلى تأمّلٍ ومناقشةٍ وتحرير مسائل)، فضلًا عن تباين مستوى تطبيقها، فالبعض طبّقها باجتزاءٍ واضحٍ دون مراعاة للسياق العام، والبعض طبّقها بصورةٍ راعى فيها طبيعة سياقاتها، وهذا يفسّر تباين مستوى الباحثين في لغة الخطاب الأكاديمي الذي لا يتشكّل في ضوء إستراتيجيّة بعينها، وإنما يتشكّل في إطار وعي طلبة الدّراسات العليا بمنظومة إستراتيجيّات القراءة البحثية وإجراءاتها وتوقيت استخدامها بشكلٍ متكاملٍ، وقدرتهم على توظيفها في تعميق مستويات الفهم والنقد، بما يثري لغة الخطاب الأكاديمي.
وظهر للباحث أنّ طلبة الدّراسات العليا ذوي المستوى المرتفع في لغة الخطاب الأكاديمي استطاعوا استخدام إستراتيجيّات القراءة البحثية بفاعلية، وأظهروا شيئًا من القدرة على نسج خطاب أكاديمي مقبول، ويقود نمط العلاقة بين هذين المتغيرين إلى ضرورة التركيز عليهما وإيلائهما مزيدًا من العناية والاهتمام في برامج الدّراسات العليا تدريسًا وتدريبًا، بوصفهما منظومة متكاملة تؤثّر في تكوين الباحثين في مجال المناهج وطرق التدريس، وهذا ما أشارت إليه دراسة السمان (2014م) ودراسة موسى (2016م) ودراسة خطاب(2020م/ أ).
وبخصوص الملامح والسمات العامة للغة الخطاب الأكاديمي من واقع تحليل الرسائل العلميّة، فيبدو أن توجه الباحثين للخطاب المنهجي الأحادي المتمثل في المنهج التجريبي عائدٌ إلى ما اتضح للباحث من خلال المناقشات مع بعض طلبة الدّراسات العليا أن ثمة تصورًا لديهم بأفضلية المنهج التجريبي على ما سواه، ويرون بأنه الأنسب لطبيعة مرحلة الدكتوراة ومتطلباتها، والبعض منهم برّر اختياره لهذا المنهج بأنه رغبة مسبقة من المشرف العلمي، وأيًا ما يكن فإن هذه السمة تطرح كثيرًا من التساؤلات حول جدوى القراءة البحثية وفاعليتها في توجيه الباحثين لاختيار مشكلة جديرة بالدراسة، واختيار منهج المعالجة الأدق، والمنطق العلمي يفترض أن تقود طبيعة مشكلة الدراسة إلى استخدام منهج يعالجها، فليست ثمّة أفضليّة لمنهجٍ على ما سواه، والقراءة البحثيّة الواعية هي مَنْ تضفي المشروعية العلمية لاختيار المشكلة ابتداءً، وتوجّه الجهود نحو إجراءات معالجتها.
وبخصوص السمة العامة لرسائل الدكتوراة في الاعتماد على متغيّرين تابعين أو ثلاثة، فيربطها الباحث بما أدلى به طلبة الدّراسات العليا خلال المقابلات، إذ يرون في ذلك جانب تميز للرسائل العلميّة في مرحلة الدكتوراة عن رسائل الماجستير، رغم أنّ كثرة المتغيرات في الواقع لا تمثّل -بالضرورة- عامل قوّة، بل على العكس تُحسَب على الرسالة العلميّة إذا زُجّ بها بصورةٍ فجّةٍ غير متناسبةٍ، فليس من السهولة أن تتصدّى دراسة واحدة لمعالجة ثلاثة متغيّراتٍ معًا، وليس ضروريًا أن يعالج الباحث هذا الكمّ من المتغيرات على حساب النوع والكيف، ويفترض أن توجّه طبيعة المشكلة البحثية وتداعياتها الباحثين نحو معالجة متغيرات بعينها، ولا بد أنْ يكون لوجود هذه المتغيرات معًا دلالة في البنية العميقة للدراسة لا أن يكون حشوًا وتكديسًا لا طائل من ورائه.
وبخصوص ما توصلت له نتائج الدراسة الحالية من أنّ لغة النتائج في الرسائل التي تمّ تحليلها تبتعد عن الحياد وتفتقد للغة الحذر والتحوّط وتميل إلى استخدام عبارات قاطعة أو تأكيدية أو ادّعاءات لا دليل عليها، مع شيوع اللغة العاطفية الانفعالية التي لا تسير على وتيرة واحدة، ومن السيناريوهات الشائعة التي استقرأها الباحث ميْل لغة الخطاب في الرسائل العلمية إلى استخدام لغة التهويل والتضخيم من خلال حشْد الكتابات والجهود السابقة وتوجيهها للتدليل على أن ثمّة مشكلة عميقة يواجهها الباحث، وأنّ جهودًا بُذِلت لحلّها على مستوى السنين الماضية، لكنها لم تفلح ولم تثمر، ثم سرعان ما يتغيّر المستوى الخطابي من لغة تصعيدية إلى لغة تميل إلى الاستسهال والتبسيط بصورة غير مبررة، واتضح من خلال تحليل الرسائل العلميّة أن المشكلات البحثية المعقدة التي لم يسهم الأدب العلمي المتراكم في حلّها ومعالجتها لا تبدو كذلك في الخطاب اللغوي السائد عند عرْض النتائج، حيث يقدّم الباحثون حلولَ المشكلات البحثية -بكلّ بساطة وثقة- من خلال تطبيق إستراتيجيّة أو برنامج معين لا يتجاوز تطبيقها -في الغالب- بضعة أسابيع، فتحوّل الضعف البيّن المزمن الممتدّ منذ عقود -بقدرة قادر -إلى تميّزٍ لا نظير له في مدًى زمنيٍ قصيرٍ، واللافت للنظر أن هذه الحلول التي تقدمها الرسائل العلمية لم تقنع الرسائل اللاحقة، فعلى سبيل المثال: استطاعت إحدى الدراسات تنمية مهارات الطلاب في الكتابة الإبداعية من خلال تطبيق إستراتيجية تدريسية، والمفاجئ أن دراسةً لاحقة وجّهت جهودها لمعالجة هذه المشكلة البحثية التي سبق تناولها (الكتابة الإبداعية) في مدى زمني لم يتجاوز سبعة أشهر بين الرسالتين، الأمر الذي يطرح مزيدًا من التساؤلات حول جدوى قيام دراسة علمية سبق وأن توصّلت الدّراسات السابقة إلى حلولٍ لمعالجتها، خصوصًا وأنّ الدراسة اللاحقة لم تؤسس فجوتها العلمية على أساس علمي مقبول لم تعالجه الدراسة السابقة.
ويرى الباحث أن مستوى اللغة الخطابية التي تقدّمها النتائج يسهم -بصورة أو بأخرى- في تسطيح البحوث ويقلّل من مستوى دقتها والوثوق بها، واستشعر الباحث أثناء المقابلات مع طلبة الدّراسات العليا تخوّف الباحثين من التوصّل لنتائج لا تعبر عن فاعلية البرامج أو الإستراتيجيّات التي قاموا بتجريبها، وهي نتائج غير محبّذة لهم ابتداءً، وكأنّ المطلوب منهم إثبات فاعلية تلك البرامج أو الإستراتيجيّات بأية صورةٍ كانت؛ إذ توصّلت جميع الدّراسات إلى وجود أثر دالّ إحصائيًا وبمستوى دلالة عالٍ للمتغير المستقل، لأنّ عدم إثباتها يُعدّ خروجًا عن التوجّه العام للدراسات التي سبقته، وقد يُدخلهم -وفقًا لتصوّراتهم- في مواجهة مع مشرفيهم، تصل إلى حدّ التشكيك في النتائج وسلامة الإجراءات المتبعة، وما سبق شرحه من تصوّرات طلبة الدراسات العليا يهدّد مستوى الحياد والموضوعية في لغة الخطاب المستخدمة. وتتسق هذه الأفكار مع بعض الأفكار التي عالجتها دراسة تشانغ ويو ووانغ وتشانغ (Zheng, Yu, Wang, & Zhang,2019) فيما يتعلق بتعامل طلبة الدراسات العليا مع البحوث التي ينفّذونها ونمط علاقتهم بمشرفيهم الذي يؤثّر على سير الدراسة وإجراءاتها، فضلًا عن تأثير بعض مظاهر الانتقائية على ما يقوم به الباحثون من إجراءاتٍ.
وقد بدت كثيرٌ من الإجراءات التي انتهجها الباحثون عند بناء الأدوات وإجراءات التطبيق الميداني غامضةً، وتحتاج إلى كثيرٍ من التفصيلات المنضبطة، في حين أنه من المفترض أن تكون لغة الخطاب في هذه المواطن تفصيلية وتبرهن على مدى سلامة الإجراءات المنهجية المتبعة ودقتها واتساقها مع الضوابط العلميّة، كما أن الإجراءات المنهجية المتبعة عند بناء الأدوات والمواد البحثية لا تنبئ عن تراكم الاستفادة من الأدب السابق وتوظيفه بصورة بنائية، حيث يعمدون إلى بناء أدواتهم بصورة مستقلةٍ دون أن يستخدموا أو يطوّروا أدواتٍ بحثيةً سابقةً، الأمر الذي أحدث حالة من التباين، فكيف لرسالة علمية أن تقدّم قائمة لمهارات لغويةٍ محددة ومقياسًا لها في مرحلة معيّنة ، ثم تأتي دراسة أخرى في الموضوع ذاته وفي المرحلة ذاتها لتقدم قائمةً ومقياسًا مغايرًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعدّدت الدّراسات التي تُعنى بمهارات (الكتابة الإبداعية في المرحلة الثانوية) وهذه الدّراسات تقدّم قوائم متباينة، وتقدّم مقاييس متباينة من حيث المضمون والإجراءات المنهجية، بالرغم من أنها موجّهة لمرحلة محددة، وهذا التباين يطرح إشكالية عميقة في كون بعض الرسائل العلميّة تقدّم خطاباتٍ لغويةً متباينةً تعبّر عن مستوى عالٍ من الذاتية المهدّدة للصدق والموثوقية في الخطاب الأكاديمي.
ودلّت نتائج تحليل اللغة الخطابية للرسائل العلميّة أن ثمة اهتمامًا على المستوى الظاهري بالتحكيم العلمي بوصفه أحد الإجراءات المنهجية، وسعت مجمل الرسائل العلميّة وبلغةٍ مكثّفة للإشارة إلى عدد المحكمين وتخصصاتهم وأبرز آرائهم، وأفردت في الملاحق مساحةً جيّدةً لاستعراض الأدوات قبل التحكيم وبعده، ورغم تأكيد الدراسة الحاليّة على أهميّة هذا الإجراء المنهجي، إلا أنّ التحكيم العلمي من واقع الرسائل التي تمّ تحليلها كان دوره ضئيلًا، فلم يسهم في إحداث فرق ملموس في تطوير الأدوات والارتقاء بها، واتضح ذلك جليًا من خلال الوقوف على الأدوات والمواد البحثية في ملاحق الرسائل العلميّة من خلال المقارنة بين النسخة المبدئية والنسخة النهائية، فالتغييرات -في مجملها- طفيفة وشكليّة، وظهرت في تلك الأدوات جوانبُ ضعفٍ جوهريّة، الأمر الذي يطرح تساؤلاتٍ حول عمليات التحكيم وأدوارها في الرسائل العلمية التي ربما وُظّفت – بوعي أو بغير وعي- لإضفاء مشروعية علمية لتلك الأدوات؛ لإجازتها وقبولها من المشرف الأكاديمي، وربما يستخدمها الباحثون لتمرير آرائهم والدفاع عن خياراتهم وتفضيلاتهم التي اتخذوها ولا يوجد لها سندٌ علمي، والتي ربما يلجأ بعض الباحثين إلى إلصاقها بالتحكيم العلمي ويتجنّبون الإفصاح عن أنها تمثّل آراءهم أو توجّهاتهم، وما سبق شرحه يفسّر تشبّث الباحثين في لغة خطاباتهم بالتحكيم العلمي بوصفه أحد الإجراءات المنهجية المهمة، رغم محدوديّة دور التحكيم العلمي على أرض الواقع، كما اتضح ذلك من خلال تتبّع الدراسة الحالية للأدوات الواردة في ملاحق الرسائل العلميّة ومقارنة صورتها الأولية بصورتها النهائية.
والتحوّلات السابقة -في مجملها- تدفع باتجاه تعزيز القراءة البحثية الفاعلة؛ فهي الضمان الرئيس لبناء الأدوات بصورةٍ منهجية، فضعف الاهتمام بعمليات القراءة البحثية من مهدّدات صدق المحتوى وينعكس سلبًا على جودة الأدوات البحثية ومستوى بنائها، ولا ينبغي للباحث أن يهمل هذه المرحلة ويعلّق آماله -في المقابل- على مرحلة التحكيم العلمي في تطوير أدواته وإصلاح ما بها من خلل، ويرى الباحث من واقع خبرته في تحكيم بعض الأعمال أن طلبة الدّراسات العليا لا يتفاعلون بإيجابية مع بعض ملاحظات التحكيم العلمي، ولا يتطرقون لها بأي صورةٍ في خطاباتهم الأكاديمية، وربما يرون فيها عبئًا علميًا يتطلّب منهم إجراء تعديلاتٍ واسعةٍ؛ لذا لا يحرصون على إيراد هذه الملاحظات ولا توضيح موقفهم حيالها، ويحرصون -في المقابل- على إيراد أسماء من قام بالتحكيم واستثمار أسمائهم لإضفاء مشروعية علميّة لإجازة تلك الأدوات.
وبخصوص لغة الخطاب في المراجع من حيث شيوع المراجع الحديثة في الرسائل العلميّة، فقد ظهر للباحث من خلال المقابلات التي تلت عملية تحليل الرسائل العلمية أن عددًا من طلبة الدراسات العليا ينظرون إلى حداثة المراجع بوصفها معيارًا من معايير الجودة والتميز ومواكبة الباحث لأحدث المستجدات، ومع أهمية ذلك وقناعة الباحث بمسايرة الجديد إلا أن هنالك كتبًا ودراساتٍ أصيلةً، يرى الباحث -بالرغم من قِدَمِها- أن ضعف اهتمام الرسائل العلمية بها قد فوّت عليها فرصًا واسعةً للاستفادة من مضامينها العلميّة، والخطورة عندما يركّز الباحثون على مراجع ثانوية دون الاهتمام بالمصادر والمراجع الرئيسة، فهذا الأمر يؤدي إلى اضطراب في بنية اللغة الخطابية من حيث تمثّلها للدلالة العلميّة الصحيحة، وهذا ما دلّت عليه نتائج الدراسة الحالية، كما أن لجوء بعض الباحثين في توثيق بعض الأفكار إلى مراجع حديثة وعدم إسنادها للمراجع القديمة التي أوردتها من مهددات الأمانة العلميّة في الخطاب الأكاديمي، وتتسق هذه النتيجة مع ما ورد في البحوث والدراسات السابقة مثل دراسة السليم وعوض (2020م) وعلي (2020م) وإبراهيم (2021م) بخصوص نوعية المراجع والقراءات وارتباطها بمستوى وضوح اللغة ودقة المصطلحات المستخدمة.
واتضح ممّا سبق، أن السمات والملامح العامة للغة الخطاب الأكاديمي يعتريها بعض الضعف بمختلف جوانبها: اللغوية بمعانيها الصريحة الظاهرة، أو على مستوى ما وراء لغة الخطاب بمعانيها الكامنة على المستوى الإخباري والاتجاهي والاتصالي؛ حيث أعطت هذه الملامح -مجتمعةً- مؤشّراتٍ عن توجّهات الباحثين وتصوراتهم ومستوى فهمهم ومعالجتهم للقضايا والمشكلات البحثية التي يعالجونها، وهذه النتائج -برغم ما تثيره من ألم- يأمل الباحث أنْ تكون محاولةً تتلوها محاولاتٌ جادّةٌ لتدارك ما يمكن تداركه، من خلال تطوير برامج الدّراسات العليا في ميدان المناهج وطرق التدريس، وتدريب الباحثين والارتقاء بوعي المشرفين الأكاديميين، وتوجيه جهودهم للعمل المشترك نحو إرساء ثقافة بحثية قادرةٍ تسهم في تطوير لغة الخطاب الأكاديمي.
توصيات الدراسة:
توصي الدراسة الباحثين في مرحلة الدّراسات العليا باستخدام إستراتيجيّات القراءة البحثية وإجراءاتها التي دلّت النتائج على ارتباطها بمستوى مرتفع من لغة الخطاب الأكاديمي، مع ضرورة العمل على تطوير برامج الدّراسات العليا في أقسام المناهج وطرق التدريس، وخصوصًا برامج الدكتوراة لمعالجة هذين المتغيّرين تدريسًا وتدريبًا، من خلال بناء مقرر مقترح يُعنى بالقراءة البحثية، وآخر بلغة الخطاب الأكاديمي، والعمل على توجيه جهود أعضاء هيئة التدريس نحو ذلك تدريسًا وإشرافًا أكاديميًّا، مع ضرورة تفعيل ورش العمل والملتقيات العلميّة المتصلة بذلك، وبناء الأدلّة الإرشادية لمساعدة الباحثين على القراءة البحثية الفاعلة، وتطوير مستواهم المرتبط بلغة الخطاب الأكاديمي في رسائلهم العلميّة.
مقترحات الدراسة:
تقترح الدراسة الحالية إجراء دراسات مستقبلية تُعنى بوضع تصوّر مقترح للكفايات البحثية المرتبطة بلغة الخطاب الأكاديمي لطلبة الدّراسات العليا في تخصص المناهج وطرق التدريس في مختلف المسارات، وإعداد برامج تدريبية مقترحة لتنمية إستراتيجيّات القراءة البحثية وتطوير مستوى لغة الخطاب الأكاديمي في الرسائل الجامعية، مع بناء برامج علاجية لمعالجة الأخطاء الشائعة في لغة الخطاب الأكاديمي لطلبة الدّراسات العليا.
مراجع الدراسة:
أولًا: قائمة المراجع العربية:
ثانيًا: قائمة المراجع الإنجليزية:
مراجع الدراسة:
أولًا: قائمة المراجع العربية:
السليم، غالية حمد؛ عوض، فايزة السيد. (2016م). تصور مقترح لتنمية مهارات البحث العلمي في كتابة خطة البحث لدى طلاب الدكتوراه تخصص مناهج وطرق تدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: دراسة تقويمية، مج
ثانيًا: قائمة المراجع الإنجليزية: