تجسيد رموز القادة والشخصيات التاريخية بين النشأة والتطوير قديماً

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 کلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

2 بکلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

10.12816/mfes.2022.223449

المستخلص

يتناول البحث دراسة النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارات القديمة وأهم الخصائص والسمات التى تميز کل منها , من خلال تقسيم البحث إلى أربعة محاور متساوية , المحور الأول يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الفن المصرى القديم وذلک فىى ( الدولةالقديمة والوسطى والحديثة ) , والمحور الثانى يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى بلاد ما بين النهرين, والمحور الثالث يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة اليونانية القديمة , أما المحور الرابع فيتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة الرومانية القديمة , وتناول کل محور عرض لأهم النماذج فى کل من هذه الحضارات القديمة و, أهم الخصائص والسمات التى تميز کلاً من هذه التماثيل والقيم الجمالية والتشکيلية الکامنة فيها.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

                                     کلية التربية

        کلية معتمدة من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم

        إدارة: البحوث والنشر العلمي ( المجلة العلمية)

                       =======

 

 

تجسيد رموز القادة والشخصيات التاريخية بين النشأة والتطوير قديماً

 

إعـــــــــــــداد

الباحثة / مريـم سعـد وهبـة جنــدى

المدرس المساعد بقسم النحت بکلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

تخصص نحت فراغى وميدانى

تحت أشراف :

الأرشاد الأکاديمى :

أ.م.د/ محسن محمد سليم

أستاذ النحت الفراغى والميدانى المساعد بقسم النحت

 بکلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

د/ ممدوح محمد سلطان الکوک

مدرس النحت الفراغى والميدانى بقسم النحت

 بکلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

 

}     المجلد الثامن والثلاثون– العدد الثاني– جزء ثاني- فبراير2022م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

المستخلص :

يتناول البحث دراسة النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارات القديمة وأهم الخصائص والسمات التى تميز کل منها , من خلال تقسيم البحث إلى أربعة محاور متساوية , المحور الأول يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الفن المصرى القديم وذلک فىى ( الدولةالقديمة والوسطى والحديثة ) , والمحور الثانى يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى بلاد ما بين النهرين, والمحور الثالث يتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة اليونانية القديمة , أما المحور الرابع فيتناول النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة الرومانية القديمة , وتناول کل محور عرض لأهم النماذج فى کل من هذه الحضارات القديمة و, أهم الخصائص والسمات التى تميز کلاً من هذه التماثيل والقيم الجمالية والتشکيلية الکامنة فيها.

الکلمات المفتاحية : رموز - القادة - والشخصيات التاريخية .

 

Abstract:  

The research deals with the study of the historical establishment of the statues of symbols of leaders and historical figures in ancient civilizations and the most important characteristics and features that distinguish each of them, By dividing the research into four equal axes, the first axis deals with the historical emergence of statues of symbols of leaders and historical figures in ancient Egyptian art in (the ancient, middle and modern states), and the second axis deals with the historical emergence of statues of symbols of leaders and historical figures in Mesopotamia, and the third axis deals with The historical establishment of the statues of the symbols of leaders and historical figures in the ancient Greek civilization. As for the fourth axis, it deals with the historical emergence of the statues of the symbols of leaders and historical figures in the ancient Roman civilization, and each axis dealt with a presentation of the most important models in each of these ancient civilizations and, the most important characteristics and features that distinguish each of these Statues and the aesthetic and plastic values ​​inherent in them.

Keywords: symbols - leaders - historical figures.

 

تمهيد :

منذ أحس الأنسان بوجوده على الأرض , کان کل همه أن يصور النموذج البطولى لشخصية القائد البطل والشخصيات التاريخية , ذلک النموذج البطولى الفائق القوة والقدرة , وقد عبرت الشعوب القديمة عن شخصية القائد والبطل فى العالم الأرضى بعد التعبير عنها وتصويرها السماوى فى أشکال الألهة . وقد کان القدماء يقفون أمام شخصية القائد والشخصيات التاريخية متعجبين , وکأنما کانوا يظنون أنه يخفى بداخله قوى خفية خارقة , مکنته من هزيمة الأعداء والنجاة منهم , بل وتمتد إلى نجاة شعبه معه أيضاً , مما جعلهم يشعرون کأنما هو الذى يهبهم الحياة . ومن أجل ذلک , عبد القدماء القادة والأبطال أحياناً , وبخاصة فى عهود الإنسانية الأولى .

 فقد کانوا يتراءون فيها لمن حولهم رموزاً قوية خفية غيبية لأشياء إلهية مقدسة . ولذلک ارتبط شخص القائد والبطل من الشخصيات التاريخية لدى افراد الجماعات البشرية بالمثال والقدوة بإعتباره کائناً سامياً أو مخلوقاً متفرداً أو روحاً خارقة للعادة , ومعظم الشعوب التى کانت لها حضارات مميزة , نسجت العديد من الأساطير والحکايات التى تمجد قادتها وزعمائها وأبطالها وأمراءها وملوکها ومؤسسى دياناتها أو مدنها أو إمبراطورياتها , وسجلت تاريخهم فى هيئة تماثيل شخصية لرموز القادة والشخصيات البطولية تشع قوة وهيبة وعظمة ووقار لذا يتناول البحث دراسة تجسيد رموز القادة والشخصيات التاريخية , وإظهار النشأة التاريخية وما مدى تطورها عبر العصور القديمة  .

مشکلة البحث :

-      ألقاء الضوء على النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية وما مدى تطورها عبر العصور القديمة  .

أهداف البحث :

-      ألقاء الضوء على تأريخ النشأة التاريخية لتجسيد رموز القادة والشخصيات البطولية فى الحضارات القديمة .

-      رصد السمات المشترکة والمتباينة فى الصياغات التشکيلية بين الحضارات القديمة .

-      تنمية القدرة على تذوق وتحليل الأعمال النحتية التى تجسد الرموز الأنسانية فى سياقها التاريخى والفکرى ومراعاة البعد الزمانى .

أهمية البحث :

-      ألقاء الضوء على هوية النشأة التاريخية لتجسيد الرموز الأنسانية وتطورها فى الحضارات القديمة .

-      التأکيد على السمات المشترکة المتمثلة فى مفردات الجسد البشرى وأثر البيئة والمعتقدات فى کيفية تناولها وتأثير ذلک على التکوين النحتى .

-      ألقاء الضوء على التأثير والتأثر فى تجسيد تماثيل رموز القادة والشخصيات البطولية بين الجضارات القديمة .

مسلمات البحث :

-      بتفحص التاريخ يتضح أن هناک بعض الروابط المشترکة فى الثقافة الأنسانية تتحکم فى نشأة تجسيد رموز القادة والشخصيات البطولية .

-      مع أختلاف البيئة والثقافة والحياة الأجتماعية يختلف الفکر ومن ثم تختلف الصياغات التشکيلية بما يتوائم وطبيعة البيئة وما ينتج عنها من معطيات فکرية .

فروض البحث : تفترض الباحثة أن :-

-      الصياغات التشکيلية تتأرجح بين السکون والوقار واستعراض الحرکة والقيم التشريحية فى الأعمال النحتية التى تجسد تماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارات المختلفة .

-      يؤکد الطرح الفکرى لتجسيد تماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فرق شاسع مابين أنعکاس الثبات والوقار والهيبة واستعراض قيم جمالية کالأتزان والترديد والإيقاع فى الأعمال النحتية المختلفة فى العصور المختلفة .

حدود البحث :

الحدود الزمانية : عصور الحضارات القديمة ( الفن المصرى القديم – بلاد ما بين النهرين – اليونان والرومان) .

الحدود المکانية : مصر وبعض دول العالم .

منهج البحث : منهج تاريخى تحليلي وصفى .

أولاً : النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة المصرية القديمة :

بلغت صناعة تماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية من الملوک درجة کبيرة من الدقة فى الدولة القديمة , وقد استخدم الفنان فى صناعتها مختلف المواد التى وجدها تحت يده , ويلاحظ أن التماثيل فى ذلک العهد کانت تصنع بغرض وضعها فى سرداب الدفن . لذلک کانت تنحت من الجهة الأمامية أما الأجزاء الخلفية فلا يعنى بنحتها . ([1])

وأن قوة التأثير الجمالى لهيئة تماثيل القادة والشخصيات التاريخية من الفراعنة فى الدولة القديمة منقطعة النظير , وإذ أدرک ملوک مصر , أن المظهر يصنع الملک فقد سعوا منذ القدم , إلى تقنن تمثيل شخصية الملک القائد , تمثيلاً أراد أن يکون لا زمنياً , ورغم تحرروا من الضغوط القسرية التى يفرضها عنصر الشبه , فإن الهيئة الملکية تظهر جلياً مع ذلک , عرضاً ثرياً لصورة حياة الملوک وخصائصهم کأبطال وقادة محاربين منتصرين .                                                      

فإن الإحتمالات المفتوحة أمام تاريخ ممتد لثلاثة آلاف سنة , وتنوع الوظائف الملکية , وخصية کل ملک من الملوک , وبرنامجه البطولى , والمؤثرات المحلية والإقليمية والموهبة الخارقة أحياناً لمثال مبدع وفذ , وتعطى تنوعاً فى إنتاج تماثيل مختلفة ومتنوعة لشخص القائد والملک , على مر الزمان , فالمظهر يصنع الملک .

وبدءاً من الهيئة اللازمنية فى ظل الدولة القديمة , کان ملوک « منف » قد حددوا قواعد , بدؤوها منذ عصور ما قبل التاريخ من خلال الرسومات الصخرية , وعصور ما قبل الأسرات , من خلال مصنوعات نقادة العاجية والصلايات . ([2])

وکانت هيئة تماثيل الملک جامدة وجسده أملس نحيفاً ويقف بجواره الآلهة. أو أمامها , وکان ينحت تمثاله واقفاً , وساعديه متدليان على امتداد جسده أو يصور جالساً فوق عرش مکعب الشکل يبرز من کتلة حجرية , ظلت قائمة فى دعامة ظهر التماثيل أو فى الظهر العالى لمقعد , يستند عليه والحرکة التى تتجسد فى التماثيل , تعبر عن حرکات طقسية .

وکانت قامة الفرعون قامة قائد ومحارب , قامة بطولية , وجسده يتفجر نشاطاً وفى أوج نضجه البدنى , فيهيمن على من يضحى بهم فى أرض المعرکة , إن صفاته الملکية , إذ تعبر عن سلطانه , وتزيده عظمة ومجداً وتشير بعضها إلى عناصره الإلهية , إن ملک مصر العليا والسفلى وقائدها المحارب يرتدى غطاء الرأس « بشنت » الذى يجمع بين تاج مصر العليا الأبيض وتاج مصر السفلى الأحمر , وشأنه شأن الآلهة , فإنه يرتدى , مثبتاً فى حزام النقبة

« شنجت » , ذيل حيوان يتدلى خلف خصره , کإشارة إلى جلد الحيوان بعد صيده , کان الملک والقائد يظهر بلحية مستعارة , وإن صولجاناً برأس حيوان يتخذ هيئة الإله « ست » , يشير إلى قوته وعنفه , وعلى جبينه ينتصب الصل , بعنقه المنتفخ , والذى يحميه , بالهجوم على أعدائه , إذ يتخذ الملک وضعاً من أجل الأبدية . ([3])

وکان الملک يأمر تنفيذاً لذلک أن يشاد له تمثال فى ردهة المعبد , وکان الملک أحياناً يأمر مثاليه بنحت هذا التمثال وإقامته داخل المعبد ليکون بمثابة عطف سام  يميز به من يشاء من أشراف رجاله العظماء من القادة الأبطال , وکذلک کان شريف عصر الأهرم ينصب فى قبره أيضاً تمثالاً مـــن الحجر أو الخشب يمثل صورته الحقيقية تمثيلاً تاماً فى حجمه الطبيعى وملوناً بالألوان الطبيعية , وکان هذا التمثال يخفى فــــى حجرة سرية مخبوءة فى أصل بناء المزار , وکثيراً ما کان الملک يهدى أمثال هذه التماثيل  لزعماء الأشراف الممتازين من قادة ورجال حکومته وبلاطه .

ومن البديهى أن ذلک التمثال الذى يمثل المتوفى , وکان الغرض منه أن يقوم مکان المتوفى الذى ضاع جسمه ,  وبذلک يکون فى مقدوره أن يعود إلى المعبد ليتمتع على الأقل بشبه حضور جثمانى ( بتقمصه هذا التمثال ) ثم يعود بنفس تلک الطريقة إلى مزار قبره حيث يحتمل أن يجد صوراً أخرى لجسمه فى الحجر السرية الملاصقة للمزار فيتقمصها .([4])ومن أبدع تماثيل القادة والشخصيات البطولية فى الدولة القديمة :-                                                

1-   تمثال الملک « خفرع »:- شکل (1)

يعتبر تمثال الملک « خفرع » المحفوظ بالمتحف المصرى , من أروع التماثيل الملکية فى الدولة القديمة , والتى تجسد هيئة القائد والمحارب فى الدولة القديمة , فنشهد فيه فرعون جالساً على عرشه فى وضع يفيض هيبة وعظمة وجلالاً , وقد نحت التمثال من حجر الديوريت الأخضر  . ويمثل التمثال الملک والقائد المحارب « خفرع » بحجمه الطبيعى جالساً على کرسى العرش , ويصل طول التمثال 168سم , وقد عثر عليه فى معبد الوادى الخاص بالملک , ومنذ اکتشاف التمثال اعتبره النقاد أحسن النماذج المعبرة عن ألوهية الفراعنة قادة ومحاربين مصر القديمة , وأن هذا التمثال يمثل الثالوث المقدس : فالبطل « أوزوريس » ممثلاً فى شکل الملک  « خفرع » , و« إيزيس » ممثلة فى کرسى العرش , والإبن « حورس » ممثلاً فى الصقر ,         أما ملامح الملک فنرى فيها قوة وحزم وقد مثلها الفنان فى خطوط بسيطة واضحة تظهر فيها دقة تعبيرات الرجل والقائد البطل التى تجذبنا إليه,وروعة الملک والفرعون التى تحملناعلى           احترامه. ([5])

ويعتبر تمثال « خفرع » من روائع النحت على الأطلاق , فلقد أربى على الکمال بهيئته الملکية وتشکيله الفنى المثالى وصقله الممتاز وأصالته المعبرة , بل هو الصورة المثلى          للملک المؤله فى الدولة القديمة .

وهو هنا يتجلى فى نقبة الشنديت القصيرة ذات الثنايا واللحية المستعارة , مقتعداً عرشه باسطاً يده اليسرى على فخذه , ممسکاً بيميناه منديلاً يتدلى على کذلک على الفخذ , وهو معصباً قلنسوة النمس الملکية التى تنسدل على الکتفين والصدر بثنياتها العريضة , حيث يقوم على هامته الصل المقدس فى نقش أنيق رقيق . أماالعرش بظهره المرتفع فيکتنف مقعد الملک           منه أسدان على حين تحلى کل من جانبيه برمز اتحاد الوجهين حيث ينعقد البردى والسوسن           ( وهما شعارا الصعيد والدلتا ) من حوله علامة سما بمعنى الرباط .                             

أما الملک الأله فکأنما يرنو إلى بعيد فى سمو عن الزمان والمکان وذلک فى حماية الصقر الحر رب السماء من خلف الملک يحميه بجناحيه حيث لا يرى عند مواجهة تمثال الملک الذى يمثل الآله فى الأرض , وقد أتقن المثال تمثيل الصقر برأسه ومنقاره القصير وعينيه المدورتين . ([6])

 

 

 

 

 

 

 

 

                                   

شکل(1) تمثال الملک والقائد «خفرع»,الديوريت الأخضر , الارتفاع 160سم ,الأسرة رابعة,الدولة القديمة, محفوظ حالياً فى المتحف المصرى بالقاهرة

وفى ظل الدولة الوسطى وفى أعقاب اضطربات عصر الإنتقال الأول , ابدع المصريون فى فن النحت الذى يميل إلى البساطة والواقعية , فکانت تماثيل القادة والمحاربين من الفراعنة والملوک تصور ملامحها بواقعية تعبر عن اهتمامهم بشعبهم فى سبيل راحتهم وتوفير الأمن والآمان لهم مما يدل على قيام الملک بواجباته کقائد وحاکم أعلى  للبلاد . ([7])

والمتأمل فى تلک التماثيل يجد أنه حل محل القسمات الهادئة التى ميزت التماثيل الباکرة من الأسرة الثانية عشر نوع من الجهامة فى تشکيل الوجوه التى هرمت قبل الأوان فهى تبدو قلقة تتجلى فى صرامة قاسية لعواهل هذه الأسرة الشهيرة ,وکانوا غزاة محاربين بما أتبعوا من سياسة حربية توسعية أدت إلى إخضاع البلاد المجاورة . ويبدو کأن هؤلاء الملوک والقادة العسکريين کانوا على علم بما حملهم الآلهة من واجب إدارة البلاد وحسن تنظيمها على رأس جهاز إدارى منظم وبذلک فقد تغير النظام الملکى تغييراً ملحوظاً بدا فى تلک التماثيل الرائعة . فقد أصبح الملک منذ ذاک الراعى الصالح المسئول بين يدى الأرباب فى عمله ولم يعد کما کان فى الدولة القديمة , الممثل الوحيد للأرباب على الأرض ( أنظر تمثال خفرع ) , بل صار الملک يمثل بين أيديهم متعبداً بما تعبر عنه وضعية يديه کما فى تمثال« سنوسرت الثالث» شکل (2) فقد عثر على هذا التمثال بالطريق الصاعد أمام «معبد منتوحتب» فى الدير البحرى , ويجسد الملک فى وضع تعبدى متوجاً بالنمس المخطط والصل المقدس , وهو فى نقبة ذات ثنايا منتظمة متناسقة , أما سيماء الوجه فتتجلى فيها بعامة عظمة  الملکية , إذ نحت الجسم بروعة تصور قوة الشباب وبهاؤه مع إظهار شخصية القائد الحربى والفاتح العظيم فى تعبير جاد قاس تفرضه عينان ثقيلتان متعبتا بينهما تجاعيد تنطق عن واقع صادق مما يوحى بالهم والإجهاد وذقن بارز قليلاً وأذنان کبيرتان , وتلک الخصائص تنم عن حاکم وقائد بطل يستشعر واجباته ومسئولياته بحکم قيامه على رأس الدولة حاکماً فرداً دون سواه . ([8])  

وإذا ظهرت أبحاث تشکيلية , منذ مطلع الدولة الحديثة , فإن النحاتين والمثالين قد استفادوا من ذلک, ومن المکتسبات السابقة , فأجساد القادة والأبطال أجساد رياضيين , والوجوه ودودة إلى حد المثالية , مسترجعة اسلوب « منف »

, وتکشف عن أناقة الملوک والذوق الرفيع , وإن ارتدى القائــــــد والملک ثياباً , على طريقة عصره ، کانت عبارة عن   نقبة طويلة بجزء أمامى مثلث الشکل بثنايا رقيقة وقميص بکمين ,  وأيضاً عندما تستعيد « حتشبسوت » هيئة «أبو الهول»  ذى اللبدة ,  کما أبدعه « أمنمحات الثالث »  , کانت تستعيره من الدولة الوسطى . ([9])

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (2) تمثال للملک «سنوسرت جرانيت رمادى , أرتفاع 150 سم  , الأسرة الثانية عشر,الدولة الوسطى التمثال محفوظ  حالياً فى المتحف المصري, القاهرة. .

ولکنها قامت بتحويل اللبدة إلى حلية , وإزالت عضلات الحيوان الضارى , رغبة منها فى تحدى عنصر الفحولة , فقد لطفت من شراسة وتوحش النموذج الذى تحاکيه , وأيضاً رغبة منها فى التأکيد على قدرة المرأة على تولى منصب قيادى ذکورى , ومن ثم البقاء فى الغطاء القانونى للدولة  , کما يعززه إعتزامها على تأکيد شرعيتها من خلال استغلال تراث أسلافها  . ([10])           شکل (3)  

 

 

 

 

 

                                                   .                         

 

 

 

 

 

شکل(3) تمثال الملکة «حتشبسوت» فى هيئة«أبو الهول»,حجر جيرى الملون , الارتفاع 61 سم , الأسرة 18 , الدولة الحديثة , بمتحف المتروبوليتان للفن بنيويورک  .

وأما « تحتمس الثالث » البطل والقائد الحربى العظيم , والذى تولى العرش بعد وفاة « حتشبسوت » , وکان يتمتع إلى جانب عبقريته العسکرية شخصية قوية تتميز بالنبل والرفعة والعدالة والصدق, وکانت سياسته الداخلية تقوم على النظام والرفاهية .                  

وهناک العديد من التماثيل للملک والقائد المحارب « تحتمس الثالث » نذکر منها تمثاله المصنوع من الشست شکل (4)  , وقد بلغ فنانو الأسرة الثامنة عشر غاية أسمى فى تمثال هذا الملک , حيث شکله الشبابى وحواجبه المقوسة والوجه المبتسم , بإعتباره المثال للملک والقائد والمحارب البطل , ويمکن من خلاله الحکم بأن التمثال صنع فى بداية تنصيبه ملکاً , وهو يمثل الملک واقفاً بجسمرشيق وعضلات مشدودة , أما الرأس فهى آية فى دقة الصنع وجمال التعبير والتمثال معروض حالياً بالمتحف المصرى . ([11]) 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (4) تمثال القائد « تحتمس الثالث » من الشست , 1460ق.م , ارتفاع 90 سم , الأسرة الثامنة عشر , الدولة الحديثة , محفوظ حالياً بالمتحف المصرى بالقاهرة.

کما يعد نموج المعالجة لتماثيل الملک « أخناتون » شکل (5). فهى تعد أحد أهم السمات الفارقة فى الحضارة الفرعونية , حيث سمح الملک بتجسيد ملامحه کآدمى بشئ من المبالغة , تعتبر غير معهودة فى الفن المصرى القديم الذى کان يحاکى الملک فى صورة نصف إله , وبالمقارنة بين المعالجات النحتية لکل من تمثال « أخناتون »  فى الدولة الحديثة وتمثال « خفرع » فى الدولة القديمة نجد أن المثال المصرى القديم قد تخلى عن تجسيد الملک المزود بالسلطة الإلهية فى وقار ورصانة معالجته النحتية , ووضعية جلوسه الوقورة ذات الهيبة إلى الشکل الإنسانى الذى يصل إلى حد المبالغة فى التجسيد الإنسانى للملک « أخناتون »  ليقدم نقلة غير معهودة فى صياغة تماثيل ملوک الفراعنة .

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (5) تمثال ضخم للملک «أخناتون », من الحجرالملون , الأسرة 18 , «عصر العمارنة », من «الکرنک» , « بالمتحف المصرى », « بالقاهرة ».

حيث يجسد التمثال الملک واقفاً ممسکا صولجاني الحقا والمذبة ، وتم تجسيده بملامح مبالغ فيها بما في ذلک الکتفين الضيقين ، والبطن المنتفخ ، والفخذين الممتلئين، والذراعين الرقيقين ، ووجه طويل مميز للغاية مع أنف طويلة وعين ضيقة ومائلة وشفتين غليظتين.

ثانيا : النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات البطولية فى                   ( بلاد مابين النهرين ) .

قد عرفنا کيف توفر الحجر بأنواعه فى مصر وافتقدته العراق , فلم يکن بين يديها منه غير نوع مسامى , وعرفنا کيف مکن هذا المصريين أن ينحتوا تماثيلهم بأحجامها الطبيعية وفى أوقات جد سريعة , وإقتصار العراقيين على صنع التماثيل الصغيرة .

وقد إلتزم الشعبان قواعد أوقوانين مشترکة أساسها الإيجاز فى نسب حجم الإنسان . ولکن سرعان ما خرج المصريون عن هذه القواعد وبقى العراقيون يلتزمونها ولا سيما فى مرکز         « لجش »« تلو الحديثة » , ويجعلون مقاس الجسم ارتفاعاً أربعة رؤوس لا سبعة أو سبعة ونصف , کما انتهى إليه عند المصريين , وکان قعود العراقيين عن الأخذ بهذا المألوف الذى يتفق والواقع مرده إلى أنهم کانوا يذهبون إلى أن أول ما على الإنسان هو رأسه , وأن هذا الجسم , ما هو إلا دعامة عليها الرأس , من هنا جاء إيجازهم فى بنيته وقصورهم , عن أن يلتزموا فيه المألوف. ([12])

ثم أننا نلحظ أن ابتعاد النحت فى بلاد ما بين النهرين عن مراعاة النسب فى إرتفاع الجسم امتد إلى الوجه , وبدا به الفن العراقى ملحوظاً دالاً على نفسه , ففى العهد السومرى کان الأنف يبدو على شکل أقرب ما يکون إلى منقار النسر , وکانت الجبهة منخفضة , وقمة الرأس تمتد إلى المؤخرة , حيث تلتقى بالکتفين , وکأنه بلا رقبة .

وعلى حين نجد الأذرع مرخاه إلى جانب الجسم فى التماثيل المصرية نراها فى تماثيل سومر على الصدر , والأيدى متشابکة , أو متلاصقة  إشارة للتجلة والإحترام , وحتى يتحمل التمثال الصدمات ما أمکن , إذا کانت سلامة المرء المقبلة رهن بسلامة تمثاله ,  والشعور الذى أملى على العراقيين , هذا أملى مثله على المصريين , فنحتوا التماثيل القابعة , على الأرض ورکبها إلى أذقانها مکونة شکلاً مکعباَ . ([13])                                        

کما أن الشخص الذى يتطلع فى تماثيل القادة والشخصيات البطولية فى بلاد  النهرين يشعر بمهارة الفنان وخاصة فى إظهار التجسيم والحرکة فى عناصر موضوعاته , ومحاولاته فى إظهار الحالات النفسية فى شخوصه من ألم وقوة  وعظمة ووقار , کما ظهرت براعته فى إظهار الحرکة والحيوية فى أشکال التماثيل وتفاصيلها. ([14]) ونذکر بعض نماذج من تماثيل القــــــــــــادة والشخصيات البطولية فى بلاد ما بين النهرين فيما يلى :-

  • ·     رأس تمثال القائد والملک « سرجون الأکدى » ( 2350 - 2150 ق.م ):

ظهر القائد والمحارب « سرجون » فى مدينة « کيش » نحو 2350 قبل الميلاد , واستطاع أن ينتزع السلطة وشرع فى غزو المدن المجاورة حتى قضى على دويلات المدن السومرية , ثم وحد بلاد الرافدين بقسميها الشمالى والجنوبى , ثم فتح الأقطار المجاورة مثل الأناضول وسوريا وفلسطين وسواحل البحر المتوسط , وکانت هذه الإنتصارات تشبه إلى حد کبير انتصارات الملک والقائد « مينا » فى مصر قبل « سرجون » بنحو 850 سنة . وفى ظل هذه الإمبراطورية الأکدية السمحة التى حکمت قرابة قرنين من الزمان وجدت التقاليد السومرية ما يکفل لها الإستمرار , فعاشت عيشتها من قبل وکأن العهد لم يتغير , وليس أدل على ذلک من هذه الرأس البرونزية ذات الحجم الطبيعى التى عثر عليها فى « نينوى » , والتى تمثل « سرجون » نفسه شکل (6) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (6) رأس الحاکم «سرجون الأکدى», البرونز  , ارتفاع 30 سم , النصف الثانى من الألف الثالث ق.م  , نموذج للدقة فى النحت والسبک المجوف , نينوى , متحف

 بغداد , العراق.

 وتعد هى الشاهد الوحيد الرائع على النحت الأکدى الممتاز فى المعدن . وتدل على قدرة الفنان على نحت تماثيل القادة والشخصيات البطولية من المعادن , من المصبوبات الجوفاء حتى أرق الترصيعات , فبالرغم من أن هذه الرأس البرونزية لا تعتبر صورة شخصية بالمعنى المألوف لدينا إلا أنها تشدنا إلى التطلع نحو وجه أمير وقائد بطل من بيت « سرجون » البطولى العظيم . ([15]) ورغم عدم وجود نقوش توضح شخصية صاحبها إلا أن المنقبين استنتجوا من طابع الهيبة والعظمة الموجود على الوجه أنها تخص أول زعيم سامى کون إمبراطورية کبيرة فى بلاد النهرين . ويلاحظ التأثير السومرى فى صناعة هذه الرأس فنرى أن غطاء رأس الملک   « سارجون » فى إلتقاء الحواجب فوق الأنف.

وبمقارنة هذه الرأس بالنحت السومرى , يتضح تطور أهداف فن النحت فى العهد الأکادى , حيث لم يقتصر على صناعة تماثيل لأشخاص متعبدين بل تطور إلى التعبير عن إظهار شخصية الحاکم الذى يتسم وجهه بطابع الهيبة والقوة . ([16])

وتعتقد الباحثة أنه بمطالعة تمثال «سرجون» تتسم بعض معالم النحت العراقى فى معالجات المثال التى لا تطابق الواقع المرئى , فمعالجات اللحية والشارب ذات الخطوط المائلة فى الوجه , والخطوط الرأسية فى اللحية تتخذ طابعاً زخرفياً يجسد الشعر المجدول أو الأجعد , وذلک يحدث ترديداً بصرياً مع معالجات شعر الرأس وغطاؤها على مستوى ترديد إيقاع الکتلة والخطوط فى کل من شعر الرأس وغطاؤها واللحية , وملامح الوجه ذات العينين المتسعتين والأنف الحاد تعبيراً عن هيبة القائد «سرجون».                               

·     تمثال القائد « جوديا » (2060 ق.م ) : شکل (7)    

« جوديا » هو الملک الثانى عشر فى أسرة « لجش » الثانية , ففى منتصف القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد تقلد حکم لجش القائد والملک « جوديا » . ([17]) وإن تماثيل هذا الملک لتعد أروع ما بقى لنا فى فن النحت السومرى , وفى متحف اللوفر تمثال للحاکم « جوديا » من حجر الديوريت الأسود , وهو فى حالة من حالات الورع والولاء , قد عصب رأسه بعصابة غليظة ووضع يديه مطويتين فى حجره , ماثلاً بين يدى الآلهة فى تواضع المواطنين البسطاء وإن بدا واثقاً الثقة کلها , مرتدياً ثياب کثياب الرهبان , تکشف عن الکتف والذراع , وأن ملامحه لتدل على دهاء ودماثة خلق وتقوى , والمؤرخون يجعلون منه شبيهاً بالإمبراطور الرومانى « مارکوس أوريليوس » فى فلسفته وتفکيره . کما تظهر فى الوجه النظرة الحالمة بعيون محدقة ولا نرى أى تعبير على وجه التمثال , . ([18])

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (7) تمثال القائد « جوديا » جالساً حجر الديوريت الأسود , أرتفاعه 93. متر,الفترة السومريةالجديدة, 2100ق.م,بمتحف اللوفر,باريس.                              

کما يظهر من هذا التمثال دقة يد فنان ماهر تمکن إبراز عضلات وثنايا ثوب الحاکم فى مادة الديوريت الصلدة , کما استغل الکتل والسطوح فى الإستفادة من الضوء المنعکس على التمثال وثنايا ثوب الحاکم . ([19])کما نلاحظ تکتل العمل النحتى لتمثال القائد جوديا ليحوى الجسد الجالس والقاعدة التى تبرز من الجانبين قليلاً إلا أنه يوجد دخول عميق يرمى بظلاله فوق القاعدة عند القدمين , وربما يقلل هذا نسبياً الإحساس بصغر قامة الجسد , هذا بالإضافة إلى ترديد الإيقاع البصرى فى زخارف غطاء الرأس وتفاصيل الکتابات على الثوب فى الجزء السفلى من الجسد , وهذا ما يقلل الأحساس بأتساع سطوح الجزء السفلى فى الجسد.

ثالثاً:النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية  فى الحضارة اليونانية القديمة:

أقيمت تماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية لأغراض تذکارية کتخليد للإنتصارات الخالدة فى تاريخ اليونان وتمجيد الأبطال الرياضيين . ويمکن تحدد سمات نحت تماثيل القادة والشخصيات البطولية الإغريقية فيما يلى :-

کانت تمثل تماثيل القادة والشخصيات التاريخية الإغريقية البطولة من حيث العضلات البارزة وتوضيح نسب الجسم المختلفة والتشريح العضوى للجسم. ويتميز تمثال البطل الإغريقى بأن له مرکز ثقل واحد , أى أنه يرتکز على ساق واحدة بينما الأخرى , أحياناً تتقدم ساق عن الأخرى فيتخذ الجسم وضع مائل ذو ) وهو من أعمال المثال « ميرون » الذى قام بنحت التمثال فى الفترة ( 460-450 ق .م ) , ويصور هذا التمثال البطل الرياضى فى اللحظة التى يقذف فيها بالقرص .* ([20]) شکل (8)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (8) تمثال بطل رياضى ( رامى القرص ) , المثال « ميرون » , رخام ,460- 450 ق.م.  , نسخة رومانية , متحف تيرم , روما .

فنلاحظ إن جسم البطل محمل على القدم اليمنى التى تنقبض أصابعها على الأرض , بينما تزحف القدم اليسرى إلى الخلف لحفظ توازن الجسم , وبالرغم من الحرکة العنيفة التى يقوم بها البطل الرياضى إلا أن التعبير العام للتمثال يتسم بالهدوء والرصانة والإتزان.

  کما نجد أن هذا التمثال تتخلله  فراغات بين الأطراف وغالباً ما يؤدى حرکة أو عملاً وهذا يؤلف ظل ونور على الجسد فيؤکد على عمق الحرکة وإتجاهها , لذلک نجد تلک التماثيل حرة الحرکة يمکن وضعها فــــى أى مکان , وکانت توضع بهدف معين وتشکل خصيصاً         لهذا المکان .

وعندما نتأمل العمل النحتى للبطل الرياضى نجد أن  المثال الأغريقى کان حريصاً على يجسده بحيث يکون التمثال فى أغلبه عارٍ , وهذا کان مطلب ضرورى لإظهار الأکتاف العريضة وعضلات الصدر والبطن والجسم الذکرى عند الأبطال.

ومن الملاحظ أن أغلب تماثيل القادة والشخصيات البطولية الإغريقية نفذت فى الرخام والبرونز , وذلک لتوفر هذه الخامات فى البلاد . ([21]) ونذکر من من هذه الأمثلة رأس رخامية  لتمثال نصفى للقائد السياسى والعسکرى اليونانى « بيريکليس الأثينى » من خامة الرخام والتى تظهر مدى الواقعية ومراعاة التطابق فى الشبه بين التمثال والشخصية البطولية فى الواقع . شکل (9)                                                               .                                     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (9) للقائد والمحارب « بيريکليس » , من الرخام , 440ق.م,عهد «بيريکليس »  ,

«الفاتيکان» , «ايطاليا».                .

رابعاً: النشأة التاريخية لتماثيل رموز القادة والشخصيات التاريخية فى الحضارة الرومانية القديمة :

اشتغل فى النحت الرومانى کثير من نحاتى اليونان , فقد جعل الرومان بلاد الإغريق , بعد غزوهم لها , مقاطعة من مقاطعات الإمبراطورية الرومانية ( منتصف القرن الثانى ق.م ) وجلبوا معهم إلى روما عدداً کبيراً من فنانى اليونان . وکانت روما فى ذلک الوقت العاصمة التى يتجه نحوها کل من يريد العمل والشهرة . وقد صنع نحاتو اليونان تماثيل لمشاهير رجال روما من القادة والأباطرة والحکام . وقد اختص الفن الرومانى بهذا النوع من التماثيل فقد خلد کثيراً من عظماء الرجال والأبطال , وتجلت فى تماثيل الرومان ملامح هؤلاء القادة والأبطال وأرتسمت فيها عواطفهم وأخلاقهم.

فنجد تماثيل فخمة لعظماء الحکام والأباطرة الرومانيون , فقد خلدهم النحاتون فى تماثيل عديدة تمثلهم فى مختلف أطوار حياتهم . فقد کان النحات الرومانى يعمل جاهداً فى سبيل تخليد عظمة الإمبراطورية الرومانية عن طريق نحت تماثيل عديدة للأباطرة وعظماء الحکام . ومن الظريف أنه فى عصر الإضمحلال حيث کان الأباطرة والحکام يعزلون بعد اعتلائهم العرش بفترة وجيزة کان المثالون , اختصاراً للوقت , ينحتون مقدماً أجساماً مرتدية ملابس الإمبراطور وليس لرؤوسها ملامح حتى يتم تسجيل ملامح القيصر قبل الإطاحة به . وبمجرد إرتقاء الإمبراطور الجديد للعرش کانوا ينحتون تماثيل تمثل رأسه ويضعونها على الأجسام المجهزة من قبل وبهذه الطريقة کانوا يضمنون إقامة تمثال لکل إمبراطور طالت مدة حکمه أو قصرت . ([22])

وتعتبر تماثيل رموز الشخصيات البطولية التاريخية من القادة والأباطرة الرومانيون من أقوى التماثيل تعبيراً . وتظهر وجوهها بجلاء سحن الأشخاص کما يتبين من ملامحهاأخلاقهم وطبائعهم المختلفة على حقيقتها , ويمکن أن يقال بحق أن النحات الرومانى فنان محقق أى أنه يحاکى الطبيعة تماماً دون أن يضفى عليها ولو شيئاً قليلاً من الشاعريةأو الخيال . وکان الرومانيون يقيمون تماثيلهم فى کل مکان , فى الميادين والملاعب کما فى المنازل والحمامات العامة وغير ذلک , ولذلک فقد ترک لنا الفنان الرومانى عدداً هائلاً من التماثيل العظيمة أکثرها منحوت من الرخام والبرونز . ([23])

ومن أشهر التماثيل الرومانية لرموز القادة والأبطال من الأباطرة والحکام تمثال « أغسطس قيصر » , والذى يوضح تطابق الشبه ودقة النحات فى تجسيد ملامح الأمبراطور وشخصية القائد الجادة والصارمة فى زيه العسکرى شکل (10) , ويتضح من هذا التمثال إهتمام الفنان بتوضيح عظمة الإمبراطور.

فالأمبراطور يقف رافعاً يده اليمنى ويشير بأصابعه للجمهور , بينما يده اليسرى تحمل أطراف ثيابه الأنيقة ففى تمثال «أغسطس قيصر» نجد العمل النحتى يرتکز على نقطتين أرتکاز على قاعدة التمثال تتمثل فى قدمى التمثال وتشکل فراغاً محصوراً على شکل مثلث يخفف من کتلة التمثال ويوحى بنـــــــــــوع بالأتزان والأستقرار .وأستفاد الفنان من کتلة حجرية بجانب ساق التمثال اليمنى قامب نحتها على هيئة طفل يمسک اطراف ثياب الأمبراطور ليدعم التمثال ليتحمل ثقل التمثال .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (10) تمثال الامبراطور « أغسطس », رخام , ارتفاع مترين , 20ق.م , متحف  الفاتيکان , روما , الحضارة الرومانية القديمة .

    وهناک العديد من التماثيل الرومانية تتميز بالواقعية والفردية , ومن أجمل هذه الأمثلة رأس تمثال للقائد العسکرى الإمبراطور « هادريان » , ويتضح فيها الشبه الشديد الذى يطابق ملامح صاحبه . ([24]) شکل (11)

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (11) رأس الإمبراطور « هادريان » , من الرخام ,عهد « هادريان » 138- 161ق.م , المتحف الأهلى , روما . الحضارة الرومانية القديمة .     .

نتائج البحث

1-  استخدمت الأعمال النحتية لرموز القادة والشخصيات البطولية منذ بداية العصور وفى کل الحضارات للتعبير عن الحياة السياسية والدينية والأجتماعية والتعبير عن آراء وعادات وتقاليد الشعوب وفى تسجيل تاريخهم العريق .

2-  أنتج المصريون القدماء العديد من التماثيل والمنحوتات لرموز القادة والشخصيات البطولية   ,وذلک للتعبير عن عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وللتعبير عن عظمة وهيبة ووقار الملوک والقادة الحربيين , ثم تناقلت ذلک حضارات مابين النهرين ومن ثم الشعوب المختلفة على مر العصور .

3-  أستخدمت تماثيل رموز القادة والشخصيات البطولية عند الشعوب المختلفة لتکريم وتخليد ذکرى هؤلاء الشخصيات الهامة والتى أثرت فى التاريخ وقدمت أنجازات متنوعة للبشرية

4-  أختلف أسلوب نحت تماثيل رموز القادة والشخصيات البطولية من حضارة لأخرى عبر العصور المختلفة .

5-  يمکن حصر العديد من الخصائص والسمات التى تتميز بها تماثيل رموز القادة والشخصيات البطولية والتى تختلف من حضارة لأخرى .

 

التوصيات

6-  تشجيع البحث العلمى فى الأعمال النحتية لرموز القادة والشخصيات البطولية , حيث أنه هناک الکثير من تماثيل القادة والشخصيات البطولية التى تتميز بالقيم التشکيلية والجمالية.

7-  عقد ملتقيات للأعمال النحتية لرموز القادة والشخصيات البطولية , وعمل مسابقات لأختيار أفضل أفکاريمکن أن يوضع فىالشوارع والميادين العامة .

8-  الأهتمام بالتأکيد على الفوارق ما بين العصور المختلفة من حيث أثر الفکر والمزاج العام على تناول الفنان للعمل النحتى لرموز القادة والشخصيات التاريخية .

9-  محاولة البحث عن خصائص وسمات الأسلوب الفردى لتناول الأعمال النحتية لرموز القادة والشخصيات التاريخية وإلقاء الضوء عليها کونها ضئيلة وتکاد أن تتلاشى بين جميع الأعمال النحتية للعصر الواحد .

10-             الدراسة المقارنة بين أنتاج الثقافات المختلفة من الأعمال الفنية بعمق الدارس فکرياً وأدائياً فى صلب التخصص .

11-             الأهتمام بالزيارات والمحاضرات الميدانية داخل المتاحف لطلاب الفنون .

 

المراجع

أولاً :المراجع العربية :

12-  د/محمد صالح على ود/ هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الاعلى للآثار , القاهرة , 1930

13-   نعمت اسماعيل  علام , فنون الشرق الأوسط القديم , دار المعارف ,  القاهرة , 1969

14-  صبحى الشارونى,فن النحت فى مصر القديمة,الدار المصرية اللبنانية,القاهرة,1993, ص90                                                                                             

15-  أحمد عبد القادر الدسوقى,ملوک الفراعنة,هبة النيل العربية ,الجيزة ,2009م,ص 29

16-  محمد صالح ود/هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الأعلى للآثار ,القاهرة ,1999

17-  د/ زاهى حواس , مائة حقيقة مثيرة فى حياة  الفراعنة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , القاهرة , 2010م

18-  د/أمل عبد الله أحمد , تاريخ الفنون الإغريقية والرومانية والبيزنطية , حورس للطباعة والنشر , القاهرة

19-  أسد رستم , الروم , مؤسسة هنداوى , المملکة المتحدة , 2017م

20-  د/صبحى الشارونى , فنون الحضارات الکبرى ج2 , مکتبة الأنجلو المصرية , القاهرة , الطبعة الثانية , 1996م ,

ثانيا :المراجع المترجمة:

1-  جفرى بارندر , المعتقدات الدينية لدى الشعوب , ترجمة د/امام عبد الفتاح امام , المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب , الکويت

2-  جونيفييف هوسون , ودومينيک فالبيل , الدولة والمؤسسات فى مصر , ترجمة فؤاد الدهان  , دار الفکر , القاهرة , الطبعة الأولى , 1995,

3- مارى- أنج بونهيم ولوقا بفيرش , عالم المصريين , , ترجمة ماهر جويجاتى , المرکز القومى للترجمة ,, القاهرة , 2014م

 



([1])د/محمد صالح على ود/ هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الاعلى للآثار , القاهرة , 1999, ص 30         

([2])نعمت اسماعيل  علام , فنون الشرق الأوسط القديم , دار المعارف ,  القاهرة , 1969,  ص79

([3])مارى- أنج بونهيم و لوقا بفيرش , عالم المصريين , , ترجمة ماهر جويجاتى , المرکز القومى للترجمة , القاهرة , 2014م , ص 140

([4])صبحى الشارونى,فن النحت فى مصر القديمة,الدار المصرية اللبنانية,القاهرة,1993, ص90ة         ة                        

([5]) أحمد عبد القادر الدسوقى,ملوک الفراعنة,هبة النيل العربية ,الجيزة ,2009م,ص 29.

([6]) تأليف : محمد صالح ود/هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الأعلى للآثار ,القاهرة ,1999, ص56.                                               

([7]) د/ زاهى حواس , مائة حقيقة مثيرة فى حياة  الفراعنة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , القاهرة , 2010م , ص14

([8])تأليف: محمدصالح ود/هوريج سوروزيان,المتحف المصرى, مرجع سبق ذکره ص35

([9])جونيفييف هوسون , ودومينيک فالبيل , الدولة والمؤسسات فى مصر , ترجمة فؤاد الدهان  , دار الفکر , القاهرة , الطبعة الأولى , 1995, ص 19, 20                   

([10])مارى- أنج بونهيم و لوقا بفيرش , عالم المصريين , , مرجع سبق ذکره , ص 142

([11])أحمد عبد القادر الدسوقى , ملوک الفراعنة , مرجع سبق ذکره ص 58

([12])جفرى بارندر , المعتقدات الدينية لدى الشعوب , ترجمة د/امام عبد الفتاح امام , المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب , الکويت , ص24                               

([13])صبحى الشارونى , فن النحت فى مصر القديمة , مرجع سبق ذکره , ص104

([14]) نفس المرجع ص181                                                                          

([15]) المرجع السابق, ص 177                                                                           

([16])نعمت اسماعيل علام , فنون الشرق الأوسط والعالم القديم , مرجع سبق ذکره , ص161

([17])المرجع السابق ص 178                                                              

([18])صبحى الشارونى , فن النحت فى مصر القديمة , مرجع سبق ذکره , ص183   

([19])نعمت اسماعيل علام ,فنون الشرق الأوسط والعالم القديم,مرجع سبق ذکره , ص170

* هذا التمثال نسخة رومانية من الرخام نقلاً عن النحت الکلاسيکى الذى کان مصنوعاً من البرونز                                                                                           

([20])نعمت اسماعيل علام , فنون الشرق الأوسط والعالم القديم ,مرجع سبق ذکره , ص281

([21])د/أمل عبد الله أحمد , تاريخ الفنون الإغريقية والرومانية والبيزنطية , حورس للطباعة والنشر , القاهرة , ص 35

([22])أسد رستم , الروم , مؤسسة هنداوى , المملکة المتحدة , 2017م , ص 2

([23])د/صبحى الشارونى , فنون الحضارات الکبرى ج2 , مکتبة الأنجلو المصرية , القاهرة , الطبعة الثانية , 1996م , ص208

([24])نعمت اسماعيل علام , فنون الشرق الأوسط والعالم القديم , مرجع سبق ذکره , ص 305

المراجع
أولاً :المراجع العربية :
1-  د/محمد صالح على ود/ هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الاعلى للآثار , القاهرة , 1930
2-   نعمت اسماعيل  علام , فنون الشرق الأوسط القديم , دار المعارف ,  القاهرة , 1969
3-  صبحى الشارونى,فن النحت فى مصر القديمة,الدار المصرية اللبنانية,القاهرة,1993, ص90                                                                                             
4-  أحمد عبد القادر الدسوقى,ملوک الفراعنة,هبة النيل العربية ,الجيزة ,2009م,ص 29
5-  محمد صالح ود/هوريج سوروزيان , المتحف المصرى , المجلس الأعلى للآثار ,القاهرة ,1999
6-  د/ زاهى حواس , مائة حقيقة مثيرة فى حياة  الفراعنة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , القاهرة , 2010م
7-  د/أمل عبد الله أحمد , تاريخ الفنون الإغريقية والرومانية والبيزنطية , حورس للطباعة والنشر , القاهرة
8-  أسد رستم , الروم , مؤسسة هنداوى , المملکة المتحدة , 2017م
9-  د/صبحى الشارونى , فنون الحضارات الکبرى ج2 , مکتبة الأنجلو المصرية , القاهرة , الطبعة الثانية , 1996م ,
ثانيا :المراجع المترجمة:
1-  جفرى بارندر , المعتقدات الدينية لدى الشعوب , ترجمة د/امام عبد الفتاح امام , المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب , الکويت
2-  جونيفييف هوسون , ودومينيک فالبيل , الدولة والمؤسسات فى مصر , ترجمة فؤاد الدهان  , دار الفکر , القاهرة , الطبعة الأولى , 1995,
3- مارى- أنج بونهيم ولوقا بفيرش , عالم المصريين , , ترجمة ماهر جويجاتى , المرکز القومى للترجمة ,, القاهرة , 2014م