المضامين التربوية في نونية أبي الفتح البستي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم أصول التربية – کلية التربية – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

المستخلص

هدف البحث إلى استنباط المضامين التربوية في نونية أبي الفتح البُستي، وذلک من خلال بيان الأساس الفکري للتربية المتضمن في القصيدة، والتعرف على المبادئ والقيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي والمتربي من خلال القصيدة، والکشف عن الأساليب التربوية المتضمنة فيها. واعتمد الباحث لتحقيق أهداف البحث على المنهج الاستنباطي. وقد توصل إلى جملة من النتائج، أبرزها: أن الخلفية العقدية والفکرية لأبي الفتح البُستي أسهمت في تشکيل آرائه التربوية، فتجدها تنبع من مصادر التربية الإسلامية، کما أبان البحث عن أساس التربية الفکري في القصيدة من خلال صياغة نظرته للطبيعة الإنسانية بمکوناتها الثلاثة (الجسم والعقل والروح) وأن التقوى مصدر استمداد الکرامة، والتغيير للطباع هو جوهر التربية ولبّها، ونظرته للحياة کونها مجبولة على الفناء، وتفاوت معاييرها المادية عن المعايير الأخروية، وحرية العمل فيها المقرونة بمسؤولية الجزاء وحتميته. وقد کان من أبرز المبادئ الموجهة لعلاقة المربي بالمتربي في القصيدة: تقوى الله والاستعانة به والذي يمثل الزاد الإيماني للمربي، ومراعاة الفروق الفردية، وحفظ خصوصيات المتربين، والتفاؤل وفتح الأمل لهم، والاستشارة، والفصاحة في القول، وحفظ المعروف، وطلاقة الوجه، والاستغناء عن الناس، والتخفف من الأحزان. ومن أبرز القيم الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي المتضمنة في النونية: الإحسان، والتعاون، والتعايش، والقناعة، والعدل، والتأني، والرفق، والعطاء. کما توصل البحث إلى الأساليب التربوية التي وظفها الناظم، وهي: أسلوب التشويق والإغراء بالمحتوى التربوي، وضرب المثل، والموعظة، والتواصي بين المربين.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


 

                                     کلية التربية

        کلية معتمدة من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم

        إدارة: البحوث والنشر العلمي ( المجلة العلمية)

                       =======

 

 

 

 

 

 

المضامين التربوية في نونية أبي الفتح البستي

 

 

 

 

إعــــــــــداد

د/ نايف بن يوسف بن حمد القاضي

أستاذ التربية الإسلامية المساعد

قسم أصول التربية – کلية التربية – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 

 

 

}     المجلد السابع والثلاثون– العدد السابع –  يوليو 2021م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

مستخلص البحث:

هدف البحث إلى استنباط المضامين التربوية في نونية أبي الفتح البُستي، وذلک من خلال بيان الأساس الفکري للتربية المتضمن في القصيدة، والتعرف على المبادئ والقيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي والمتربي من خلال القصيدة، والکشف عن الأساليب التربوية المتضمنة فيها. واعتمد الباحث لتحقيق أهداف البحث على المنهج الاستنباطي. وقد توصل إلى جملة من النتائج، أبرزها: أن الخلفية العقدية والفکرية لأبي الفتح البُستي أسهمت في تشکيل آرائه التربوية، فتجدها تنبع من مصادر التربية الإسلامية، کما أبان البحث عن أساس التربية الفکري في القصيدة من خلال صياغة نظرته للطبيعة الإنسانية بمکوناتها الثلاثة (الجسم والعقل والروح) وأن التقوى مصدر استمداد الکرامة، والتغيير للطباع هو جوهر التربية ولبّها، ونظرته للحياة کونها مجبولة على الفناء، وتفاوت معاييرها المادية عن المعايير الأخروية، وحرية العمل فيها المقرونة بمسؤولية الجزاء وحتميته. وقد کان من أبرز المبادئ الموجهة لعلاقة المربي بالمتربي في القصيدة: تقوى الله والاستعانة به والذي يمثل الزاد الإيماني للمربي، ومراعاة الفروق الفردية، وحفظ خصوصيات المتربين، والتفاؤل وفتح الأمل لهم، والاستشارة، والفصاحة في القول، وحفظ المعروف، وطلاقة الوجه، والاستغناء عن الناس، والتخفف من الأحزان. ومن أبرز القيم الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي المتضمنة في النونية: الإحسان، والتعاون، والتعايش، والقناعة، والعدل، والتأني، والرفق، والعطاء. کما توصل البحث إلى الأساليب التربوية التي وظفها الناظم، وهي: أسلوب التشويق والإغراء بالمحتوى التربوي، وضرب المثل، والموعظة، والتواصي بين المربين.

الکلمات الدلالية:

      الأساس الفکري للتربية، المبادئ والقيم التربوية، الأساليب التربوية، عنوان الحکم،            القصيدة البُستية.

 

Abstract

      The research aimed to derive the educational implications in Nuniyah Abi Al-Fath Al-Bosti, by explaining the intellectual basis for education included in the poem, and identifying the educational principles and values that regulate the relationship between the educator and the learner through the poem, and revealing the educational methods included in it. The researcher used the deductive approach. The results showed that the ideological and intellectual background of Abu Al-Fath Al-Bosti contributed to the formation of his educational views, so you find them emanating from the sources of Islamic education. The research revealed the basis of intellectual education in the poem showed through the formulation of his view of human nature with its three components (body, mind, and spirit) and that devoutness is the source of deriving dignity, change of character is the essence of education, his view of life as being created to perishability, its material standards differ from eschatological standards and the freedom to work in it coupled with the responsibility and inevitability of punishment. Among the most prominent principles guiding the relationship between the educator and the learner in the poem: the fear of God and seeking his help, which represents the provision of faith for the educator, the consideration of individual differences, maintaining the learners’ privacy, the optimism and providing them with hope, advice, and eloquence, retaining favor, cheerfulness, dispensing with people, and relieve sorrows. Among the most prominent values that regulate the relationship between the educator and the learner included in the Noniyeh are: charity, cooperation, coexistence, contentment, justice, patience, kindness, and giving. The research also found the educational methods employed by the poet, namely: the method of suspense and persuasion, giving an example, preaching, and consolation among educators.

Keywords: 

     Intellectual Basis of Education, Educational Principles and Values, title of wisdom, Educational methods, Al-Bosti’s poem.

 

المقدمة:

          ترتبط التربية والشعر بعلاقة وثيقة الصلة يخدم من خلالها کلٌ منهما الآخر، فالشعر مکوِّن رئيس من مکونات الأدب الإسلامي، والأدب رکن من أرکان اللغة العربية التي تعد مقومًا من مقومات الهوية الإسلامية للفرد المسلم والمجتمع المسلم.

          وتبرز الأهمية التربوية للشعر خصوصًا وللأدب عمومًا في أن لها تأثيرًا فاعلًا على النفوس البشرية، فالأدب البنَّاء الذي يشحذ الهمم نحو السمو الخُلُقي يظهر تأثيره التربوي           بتفاعل القلوب والأذهان والأفهام، فأسلوبه البارع ينقل المضامين الفکرية والتوجيهية إلى الأذهان والقلوب والنفوس، ويجعلها فعَّالة وموجهة للسلوک. وفي الأدب تربية للسان على استخدام           جميل الألفاظ وأحسن العبارات وأدق المعاني، کما أن فيه تربية لخصوبة الخيال؛ لما               يشتمل عليه من تصوير للمعاني وتقريبها للأفهام بألفاظ وصور في غاية الحسن والإبداع. (الحازمي، ١٤٢٤ه، ص ص ٤٥٤-٤٥٥).

          ويمکن للشعر التربوي أن يلبي احتياجات الناشئة النفسية ويسهم في إشباع حاجاتهم العقلية ويربي أذواقهم ويصقل مشاعرهم وإحساسهم ويمکنهم من التصدي للحياة ومتغيراتها بإيجابية ووعي في ظل عقيدة سليمة ووازع ديني قوي. (القرني، ١٤٢٥ه، ص ٧٩).

          ويبين القابسي (١٩٦٨م، ص٣٠٤) أن الاتفاق معقود على أن الشعر الخُلقي وروايته وحفظه مصدر مهم في توجيه السلوک وتحريک النفوس نحو الفضيلة والخير.

ولا شک أن التراث الإسلامي حافلٌ بالشعر التربوي، المليء بالحکم والأمثال، فقد نظم أعلام الفکر التربوي الإسلامي العديد من القصائد والمنظومات الموجهة إلى الناشئة عمومًا وإلى طلاب العلم منهم على وجه الخصوص؛ مثل نونية القحطاني (ت: ٣٨٣ه)، وتائية أبي إسحاق الألبيري (ت: ٤٥٩ه)، ولامية ابن تيمية (ت: ٧٢٨ه)، ولامية ابن الوردي (ت: ٧٤٩ه)، ونونية ابن القيم (ت: ٧٥١)، وغيرها الکثير، إضافة إلى المنظومات التي استهدف تبسيط العلوم والفنون وصياغتها بشکل أدبي.

ومن هذه القصائد التي ذاع صيتها، وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل؛ القصيدة النونية لأبي الفتح علي بن محمد البُستي، والتي تعرف أحيانًا بالقصيدة البُستية، والقصيدة النونية، وقصيدة عنوان الحکم، وقد اهتم بها العلماء وشرحوها شروحًا مستفيضة، وعلموها لطلابهم وللمجتمع بشکل عام. فممن تناولها عبدالملک الثعالبي في کتابه (يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر) وشرحها من المتأخرين حسين عوني العربکري، ومحمد مرسي الخولي وغيرهم.

موضوع الدراسة:

تُمثل المنظومات الشعرية رافدًا تربويًا مهمًا في توجيه سلوک المتربين، وبناء عقولهم، وصياغة تفکيرهم، وتهذيب نفوسهم، ولقد اهتم المربون المسلمون الأوائل بها وأولها عناية کبيرة، حُفظت من خلالها تلک المنظومات حتى دام عطاؤها واستمر ثأثيرها إلى العصر الحاضر.

والقصيدة النونية لأبي الفتح البُستي تأتي في طرة تلک المنظومات التي جمعت الکثير من الآداب والقيم والمبادئ والأساليب التربوية، التي تسهم في بناء الفرد وإصلاحه، وبناء المجتمع وإصلاحه، فقد تألفت من (٦٣) بيتًا حوت من خلالها عددًا من التوجيهات التربوية في المجالات الإيمانية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية.

ويؤکد محمد (١٤٣٧ه، ص٥) أن هذه القصيدة تعد إسهامًا رئيسًا من إسهامات أبي الفتح البُستي المتعلقة بالتربية الإسلامية، فهي من أشهر قصائد الحکمة والزهد، ومن خير الشعر الحِکمي وأبلغه؛ إذ اشتملت على مواعظ بليغة، ونصائح ثمينة، وحکم عظيمة.

وقد دعت دراسة محمد (١٤٣٧ه) إلى الکشف عن التوجيهات والمضامين التربوية في قصائد السلف بشکل عام وإلى الاهتمام بالقصيدة النونية للبُستي "عنوان الحکم" على وجه الخصوص ودراسة الجوانب التربوية فيها؛ إذ لم تزل هناک جوانب تربوية متعددة بحاجة لدراستها واستنباط المضامين التربوية فيها.

ولأهمية بعض المضامين التربوية في هذه القصيدة التي تناولت الأساس الفکري والتصور المنهجي لعدد من القضايا الکبرى، ولرسالية علاقة المربي بالمتربي والحاجة إلى ما يَنْظِمها ويوجهها؛ جاءت هذه الدراسة لتتناول الأساس الفکري للتربية، والمبادئ والقيم الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي، والأساليب التربوية المتضمنة في نونية أبي الفتح البُستي.

أسئلة الدراسة:

تجيب الدراسة الحالية عن الأسئلة الآتية:

-      ما الأساس الفکري للتربية من خلال نونية أبي الفتح البستي؟

-      ما المضامين التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي في نونية أبي الفتح البستي؟

-      ما الأساليب التربوية التي وظفها البُستي في نونيِّته؟

أهداف الدراسة:

تسعى الدراسة الحالية إلى تحقيق الأهداف الآتية:

-           بيان الأساس الفکري للتربية من خلال نونية أبي الفتح البستي.

-           استنباط المضامين التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي من نونية أبي الفتح البستي.

-           الکشف عن الأساليب التربوية المتضمنة في نونية أبي الفتح البستي.

أهمية الدراسة:

تتحدد أهمية الدراسة في النقاط الآتية:

-           قد تسهم الدراسة في تعزيز خدمة التراث التربوي الإسلامي بتناول إحدى مقطوعاته الشعرية المليئة بالحکم والقضايا التربوية.

-           تعد الدراسة الحالية محاولة من المحاولات الجادة في الاهتمام بالأثر التربوي للغة العربية عمومًا، وفي الشعر على وجه الخصوص.

-           تسعى الدراسة الحالية للمشارکة في إحياء البحث في أعلام الفکر التربوي الإسلامي ودراسة إنتاجهم الفکري في تناولها لجزء من الإنتاج الفکري لأبي الفتح البُستي.

-           يؤمل من الدراسة الحالية إفادة المربين بالمبادئ والقيم التربوية الناظمة لعلاقاتهم مع المتربين، مما يعزز من قوة العلاقة وسموها وتحقيق أهدافها.

حدود الدراسة:

تقتصر الدراسة الحالية على استنباط المضامين التربوية في القصيدة النونية لأبي الفتح البستي وهي: الأساس الفکري للتربية، والمضامين التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي، والأساليب التربوية.

مصطلحات الدراسة:

المضامين التربوية: يعرفها العيسى (٢٠١٢م، ص١٢٦٣) بأنها: کل قيمة أو أسلوب أو هدف أو وسيلة أو مبدأ أو نحو ما سبق يتعلق بتنشئة الإنسان في أي جانب من جوانب شخصيته وفي أي مرحلة من مراحل عمره وفي علاقته بربه أو بنفسه أو بغيره من سائر الناس أو بالحياة عامة بکل ما فيها من وجودات".

ويعرفها الباحث إجرائيًا بأنها: الأساس الفکري للتربية، والمبادئ والقيم الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي والأساليب التربوية التي يمکن استنباطها من القصيدة النونية لأبي الفتح البُستي.

     نونية أبي الفتح البستي: قصيدة في غرض الحکمة مکونة من )٦٣( بيتًا، ناظمها أبو الفتح علي بن الحسين بن محمد البستي وتسمى القصيدة البُستية، وقصيدة عنوان الحکم.

منهج الدراسة:

اعتمد الباحث في دراسته المنهج الاستنباطي؛ نظرًا لطبيعتها حيث قام باستنباط المضامين التربوية من نونية أبي الفتح البستي. ويعرف يالجن (١٤١٩ه، ص١٣٩) المنهج الاستنباطي بأنه: "طريقة من طرق البحث لاستنتاج أفکار ومعلومات من النصوص وغيرها وفق ضوابط وقواعد محددة ومتعارف عليها".

وقد قام الباحث بعدد من الإجراءات المنهجية لتحقيق أهداف الدراسة، وهي کما يلي:

1. اعتماد نسخة القصيدة النونية من خلال ما توصل له المحقق الخولي (١٩٨٠م).

2. الاطلاع على شروح القصيدة، وهي: شرح العربکري (١٣١٢ه)، وشرح أبو غدة (١٤٢٧ه)، وشرح القاضي (١٤٣٨ه) في حلقة مرئية مسجلة، وشرح البدر (١٤٣٨ه) في مادة  صوتية مسجلة.

3. الاطلاع على الدراسات السابقة ومعرفة موضع الدراسة الحالية منها.

4. استنباط المضامين التربوية من خلال القصيدة وشروحها.

5. توظيف المضامين وتدعيمها تربويًا من خلال الأدبيات في التراث التربوي الإسلامي والمصادر المعاصرة.

الإطار المفهومي:

          يتناول الباحث في الإطار المفهومي الحديث عن ناظم القصيدة موضع الدراسة            أبي الفتح البستي، وکذلک التعريف بقصيدته النونية التي تسمى بـ "عنوان الحکم" أو             "القصيدة البستية".

أولاً: التعريف بناظم القصيدة النونيَّة:

هو أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن محمد بن عبدالعزيز البستي (ابن خلکان، د ت، ٣/٣٧٨)، والبُستي نسبة إلى بُسْت بضم أوله وإسکان ثانيه، وهي مدينة معلومة بسجستان، يقول الحموي (١٩٧٩م، ١/٤١٤) أنها "تقع بين سجستان وغزنة وهراة وأظنها من أعمال کابل" وهي الآن تقع في أفغانستان قريبًا من حدودها مع إيران. يصفه أبو غدة (١٤٢٧ه، ص٥) بأنه: الشاعر الناثر، والأديب الأريب، والمحدث الفاضل، والفقيه الشافعي، وقد ولد في مدينة بُست في حدود سنة (٣٣٠ه)، وهذا التحديد للتاريخ إنما هو تقريبي من أبي غدة؛ إذ لم تنقل المصادر تاريخ ولادته بشکل دقيق وصحيح، ويعزو هذا التقدير لتاريخ ولادته بأن أبا الفتح البستي أخذ الحديث عن الإمام أبي حاتم بن حبان البستي الذي توفي عام (٣٥٤ه)، وقد أکثر من سماع الحديث من شيخه ابن حبان، فعلى أقل تقدير ينبغي أن يکون عمره في سنة وفاة شيخه بين ٢٠-٢٥ سنة.

وقد تتلمذ أبو الفتح البستي على عدد من الشيوخ، فيذکر السمعاني                       (١٩٨٨م، ١/٣٤٨) نقلاً عن الحاکم أبي عبدالله في تاريخه أنه: "ذکر لي سماعه بتلک الديار من أصحاب علي بن عبدالعزيز وأقرانه وأکثر عن أبي حاتم وأهل عصره". والمقصود بعلي بن عبدالعزيز وهو الحافظ علي بن عبدالعزيز بن المرزبان بن سابور أبو الحسن البغوي شيخ الحرم المتوفى سنة (٢٨٦ه). کما يبين الذهبي (١٣٧٤ه، ٣/٦٢٣) أنه قد روى عنه خلق کثير، منهم ابن خيه أبو القاسم البغوي، وعلي بن محمد بن مهرويه القزويني، وأبو علي حامد الرفاء، وأبو الحسن بن سلمة القطان، وعبدالمؤمن بن خلف النسفي، والطبراني وأمم سواهم.              فهؤلاء هم کبار أصحاب علي بن عبدالعزيز الذين أخذ عنهم البُستي. لکنه أکثر من السماع وملازمة ابن حبان کما مر سابقًا، فيکون ابن حبان أهم شخصية علمية في حياة أبي الفتح (حماد، ١٤٢٧ه، ص٤٥)، والذي عرّف به الزرکلي (٢٠٠٢م، ٦/٧٨) بأنه "محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي ... مؤرخ، علامة، جغرافي، محدث، ولد في بُسْت من بلاد سجستان، وتنقل في الأقطار، ورحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة،           تولى قضاء سمرقند مدة، ثم عاد إلى نيسابور ومنها إلى بلدة بُسْت، وهو أحد المکثرين          من التصانيف".

أما عن تلاميذه فيبيِّن حماد (١٤٢٧ه، ص٤٦) أنه لم يرد في المصادر عن تلاميذه إلا ما جاء في معجم البلدان أنه روى عنه الحاکم، وأبو عثمان الصابوني، والحسين بن علي البرادعي. والحاکم النيسابوري هو صاحب المستدرک على الصحيحين الذي أورد فيه الأحاديث على شرطي البخاري ومسلم مما لم يورداه.

وذکر الثعالبي (١٤٢٠ه، ٥/٢٠١) عن أبي الفتح البستي أنه کان في مبدأ أمره وأول شانه يعمل معلمًا للصبية، وهذا الذي يلفت النظر لهذه الشخصية والبُعد التربوي التي تضطلع به، حيث کان التعليم أول مهنة يمارسها، ثم انخرط بعد ذلک في العمل السياسي، لذا عند کتابته لقصيدته النونية، تراه وکأنه ارتدى عباءته التعليمية السابقة ثم نظمها مع اختلافٍ في الفئة المستهدفة حيث کان تعليمه في السابق منحصرًا على الصبيان، بينما وجَّه قصيدته النونية  لعموم الناس.

وأما عن بداية حياته السياسية فيذکر الثعالبي (١٤٢٠ه، ٤/٣٤٦) "أنه کان في عنفوان شبابه وأمره کاتب الباتيوز "صاحب بُست"، ثم بعد ذلک جعله وزيرًا له حتى سار طغان "أمير بُست" المسلوبُ حقَّه إلى الأمير ناصر الدين سبکتکين في غزنة ليعينه على إعادة            حقِّه فيها، وبالفعل تحرکت الجيوش من غزنة ودخلت بُست فهرب باتيوز ومعه البستي، لکنه لاحقًا عرف مکان البستي وأُحضر للأمير واعتمده کما کان قبل ذلک؛ إذ کان محتاجًا إلى            مثله في آلته وکفايته ومعرفته وهوايته وحنکته ودرايته (الثعالبي، ١٤٢٠ه، ٤/٣٤٦). وقضى البُستي عشرين عامًا في خدمة الأمير سبکتکين المؤسس الحقيقي للدولة الغزنوية في الکتابة للإمارات المجاورة، وانتدابه رسولاً لتوطيد علاقة الدولة الغزنوية بمن حولها. وبعد وفاة           الأمير ناصر الدين سبکتکين، استقر الأمر لابنه الأکبر محمود يمين الدولة، لکن انقلب          ظهر المجن على البُستي في عهد الأمير محمود ولم يمضِ وقتًا طويلًا حتى نُفي عن الدولة (حماد، ١٤٢٧ه، ص ص ٦٦-٧٤).

ويوضح الثعالبي (١٤٢٠ه، ٤/٣٤٧) أن أبا الفتح کتب للسلطان محمود عدة فتوح، وظل في خدمته إلى أن زحزحه القضاء عنها، ونبذه إلى ديار الترک على غير قصده           وإرادته، فتوفي بها سنة أربعمائة من الهجرة النبوية. ولم ينُقل سبب واضح لنفي البُستي من  خلال المصادر.

توفي البُستي في منفاه بلاد الترک في بخارى تحديدًا سنة (٤٠٠ه) حسب               ما أيَّده الحموي (١٩٧٩م، ١/٤١٥) وابن کثير (١٤٢٣ه، ١١/٣٩٦)، غير أن الذهبي (١٤١٣ه ،١٧/١٤٧) ذکر أن وفاته کانت في سنة (٤٠١ه).

ثانيًا: التعريف بالقصيدة النونيَّة:

يذکر الخولي (١٩٨٠م، ص ص ١٠٣-١٠٨) أن أبا الفتح البستي نظم الشعر في کثير من الأغراض التي طرقها الشعراء قبله على مر العصور، وتناول هذه الأغراض بما يلائم نفسه وبيئته وشخصيته، فمدح وهجا، وقال في الفخر والتغزل والإخوانيات والشکوى والحکمة والمواعظ والأمثال وغيرها. وشعره شعرٌ سيَّارٌ، حتى أن نونيَّته الشهيرة -موضع الدراسة الحالية- کانت تُحَفَّظُ للتلاميذ في کل العالم الإسلامي، لکثرة فوائدها وعظيم عوائدها.

          وقد يکون لاشتغال أبي الفتح بالتعليم في أول أمره علاقة في ميله إلى إسداء النصح وتوجيه الموعظة، علاوة على ما يمتاز به من نفس خيِّرة تحب الناس جميعًا، وترجو لهم الهداية والسداد الذي کان له أکبر الأثر في ذلک. فيتضح أنه عاد إلى ارتداء ثوب المعلم بطريقة قوية مباشرة، فقد کرَّس جهده وبلاغته لهذه القصيدة وأطال فيها حتى بلغ عدد أبياتها (٦٣) بيتًا، وکأنه في حلقة درس بين طلبةٍ يوجههم ويعلمهم، کما کان سابقًا في شبابه؛ لکنه الآن عاد محمَّلاً بالکثير من التجارب التي اکتسبها من حياته الاجتماعية والسياسية، واحتکاکه بالکثير من النماذج البشرية. (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص ص ١٦-٢٦).

لقد استمد أبو الفتح حکمته وشعره التعليمي الذي شمل معظم نواحي الحياة والمجتمع والکون من مصادر عديدة، يبين أهمها أبو غدة (١٤٢٧ه، ص١٧):

1. تجاربه وآراؤه الخاصة في الحياة، ولقد کانت نفسه غنيَّةً بذلک؛ لأنه تقلب بين سراء العيش وضرائه، وذاق شُهدَه وصابَه، واتصل بالناس اتصالاً وثيقًا عميقًا، على اختلاف طبقاتهم وتنوع مذاهبهم ومشاربهم.

2. ثقافته الواسعة التي کانت تشمل الثقافة العربية الإسلامية، ثم الثقافة الفارسية بحکم بيئته وموطنه، ثم الثقافة اليونانية التي تعلمها المسلمون في وقتٍ مبکرٍ وبرعوا فيها، وأخيرًا الثقافة الهندية. التي عرفها المسلمون وکان الفضل في ذلک يرجع إلى أمير غَزْنَة ناصر الدين سُبُکْتکين، ثم إلى ابنه السلطان محمود من بعده وغزواتهما الموفقة فيها.

وهذان المصدران لم يکونا منفصلين في شعره، بل کل منهما يأخذ من الآخر، بحيث تلازما ولم يطغَ أحدهما على الآخر، فثقافته کانت تقرر تجاربه وتؤکدها، کما أن تجاربه کانت تُبرز هذه الثقافة وتجعلها نابضة بالحياة.

وعلى سبيل التأکيد على حکمة أبي الفتح البستي في شعره، وسعة نظرته للحياة في مختلف مناحيها، وما استخدمه لتوضيحها وتقريرها من ألوان ثقافاته المختلفة، ما جاء في بعض أشعاره، مثل:

خذ العفو وأمر بعرف کما             أُمرت وأعرض عن الجاهلين

ولِنْ في الکلام لکل الأنام           فمستحسن من ذوي الجاه لين

فالبيت الأول مقتبس من قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: ١٩٩]، والبيت الثاني من قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ... الآية} [آل عمران: ١٥٩]. وله أشعار أخرى تؤکد توظيفه للحکم من الثقافات الفارسية واليونانية والهندية فيها، وقد أورد شواهدها کلٌ من الخولي (١٩٨٠م) وأبو غدة (١٤٢٧ه، ص ص ١٨-٢٠).

أما هذه القصيدة الحالية موضوع الدراسة، فقد عُرفت بعدد من المسميات منها "القصيدة النونية"، وتُنسب إليه فتسمى "القصيدة البستية"، وتسمى أيضًا "عنوان الحکم" کما نقل ذلک السُّبکي في طبقات الشافعية الکبرى عند ترجمته لأبي الفتح البستي (١٣٨٣ه، ٥/٢٩٤). غير أن الناظم لم يضع لها عنوانًا ينقل عنه، وإنما هذه التسميات جاءت ممن نقل القصيدة من بعده، لذا اعتمد الباحث تسميتها بالقصيدة النونية جريًا على عادة الناظمين بتسمية قصائدهم بحرف قافيتها.

وقد وصف هذه القصيدة الدميري (١٤٢٤ه، ١/٢٤٤) بأنها "قصيدة طويلة طنَّانة تشتمل على مواعظ وحکم". ونظم أبو الفتح تلک القصيدة من بحر البسيط الکامل في تفاعيله، وأودع فيها کثيرًا مما تفرَّق من قوله في الحکمة في ديوانه، مبسطًا لها ملخصًا إياها                (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٢١).

وهذه القصيدة افتتحها الناظم بمقدمة حول بعض الحقائق الکبرى المتعلقة بالإنسان والحياة، وانتقل بعدها للتأکيد عليها ببعض الأمثلة الحسية، وبعدها بدأ بتوجيه بعض النصائح، وإيراد الأمثال والفضائل النفسانية الجالبة للسعادة الحقيقية، والحث على التقوى والتمسک بحبل الله، والحث على الإحسان والتي جعلت من  هذه القضية قضية مرکزية في القصيدة،  وأکمل الناظم قصيدته بالتأکيد على بعض الفضائل والنهي عن ضدها، والحديث عن بعض الحقائق المؤسفة في المجتمع التي تمثل مقاييس خاطئة في التعامل مع الآخرين من ذوي الجاه والسلطان، أخيرًا فقد ختم الناظم قصيدته بالحثِّ على حفظها والحرص عليها، فهي أمثال سائرة مهذبة بالتجربة، ولا يضرها أن لم يقلها شاعرٌ فَحْلٌ مثل حسان بن ثابت رضي الله عنه، فالعبرة بالقول نفسه لا بقائله.

          وقد حظيت هذه القصيدة بانتشار واسع في مختلف أقطار العالم الإسلامي، ويعزو أبو غدة (١٤٢٧ه، ص ٢٩) سبب انتشارها إلى أن المعلمين والمهتمين بتربية النشء وجدوا فيها من الإشارة إلى الفضائل الحميدة دون إسرافٍ في الحجج العقلية أو الفلسفية، ولا تطرُّفٍ في الدعوة إلى مذهب أو مسلک خاص في الحياة، إضافة إلى عناية ناظمها بها وتألقه بنسجها، وتخيُّره لألفاظها وأساليبها. کما حظيت بعناية العلماء والأدباء بشرحها في مختلف العصور.

الدراسات السابقة:

استقصى الباحث الدراسات التي تناولت استنباط المضامين التربوية في الشعر عمومًا وفي شعر الحکمة على وجه الخصوص من خلال الرجوع لمکتبة الملک فهد الوطنية وأدلة تکشيف الرسائل في الجامعات وقواعد المعلومات الرقمية، وقام بعرضها مرتبة من الاقدم إلى الأحدث بذکر هدفها ومنهجها وأبرز نتائجها.

فقد أجرت زينب فلمبان (١٤٠٩ه) دراسة هدفت إلى التعرف على المبادئ التربوية في ديوان الإمام الشافعي. وقد استخدمت الباحثة المنهج التاريخي والمنهج التحليلي. وقد توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج، منها: ساعد الشافعي في إعمال العقل والتفکير واستنباط أصول المسائل الصحيحة مما أدى إلى المنهج العقلي الواضح والقدرة على تربية المجتمع. اهتم الشافعي في تربيته بکرامة الإنسان ورقيه مما يستلزم تزکية النفس والبدن والعقل والروح. اعتماد الشافعي في توجيهاته التربوية على أسلوب الاقتداء وضرب المثل. تلتقي مبادئ الشافعي التربوية بکثير من الآراء التربوية في العصر الحاضر مثل مفهوم الفکر والسلوک والآداب التربوية والمنهج التعليمي.

وفي سياق أکثر شمولاً استهدف الحازمي (١٤٢٤ه) إبراز الأهمية التربوية للغة العربية، والآثار التربوية لها في الجانبين اللفظي والفکري، والآثار العلمية والخلقية لها. معتمدًا في ذلک على المنهج الوصفي الاستنباطي؛ من خلال استنتاج المؤثرات التربوية من النصوص الأدبية، وخصائص اللغة العربية. وکان من أبرز نتائج هذه الدراسة: اهتمام العلماء والخلفاء من سلف الأمة بدراسة اللغة العربية واتخاذ المؤدبين لأبنائهم، وبتعليم أبنائهم علوم اللغة العربية. کما توصلت للآثار التربوية للغة العربية على الذوق اللفظي بما يتعکس على تفعيل العواطف والعقول والسلوک من خلال الکلمة العذبة الرصينة. کما أسهمت اللغة العربية في تسهيل العلم ونقله وحفظه، من خلال نظم المعرفة في قصائد شعرية يتناقلها الطلاب والعلماء، إضافة إلى إسهامها في نقل وتشجيع المعارف بما نظم فيها من قصائد المديح. کما للغة العربية آثار تربوية في اکتساب الفضائل وهجر الرذائل في الأخلاق والسلوک، بما اشتمل عليه الأدب النثري والشعري من حث على مکارم الأخلاق.

وجاءت دراسة القرني (١٤٢٥ه) لتستهدف التعرف على القيم التربوية المتضمنة في النصوص الشعرية المقررة في أدب المرحلة الثانوية بالمملکة العربية السعودية، وعمل خطة مقترحة لغرسها في نفوس الطلاب. وقد کان المنهج المعتمد في الدراسة المنهج الوصفي التحليلي. وتوصلت الدراسة إلى جملة من النتائج، أهمها: أن الشعر وسيلة تربوية ناجحة في إکساب القيم التربوية للطلاب وتنمية استعداداتهم وعلاج عيوبهم بشرط وجود المقرر المناسب والمعلم القادر. کما توصلت إلى أن بناء القيم التربوية وإکسابها لطلاب المرحلة الثانوية يتطلب تخطيطًا تربويًا عميقًا تشترک فيه جميع وسائط التربية. وتوصلت إلى أن القيم التربوية الثمان تکررت في النصوص الشرعية المقررة في الصف الثالث ثانوي (٢٨٤) مرة، بينما تکررت في أدب الصف الثاني ثانوي (٢٢٦) مرة، وتکررت في الصف الأول الثانوي (١٧٣) مرة. وقد کان أکثر القيم التربوية تکرارًا القيم التربوية الأخلاقية ثم الاجتماعية ثم العقدية ثم الوطنية ثم الثقافية ثم الترويحية ثم التعبدية ثم العملية.

أما دراسة الغامدي (١٤٣٣ه) فکان هدفها استنباط المضامين التربوية وتطبيقاتها في الأسرة والمسجد والمدرسة من خلال منظومة (حرز الأماني ووجه التهاني) للشاطبي. قد استخدم الباحث المنهج الوصفي الاستنباطي. وکان أبرز نتائج دراسته: الأثر الکبير للعوامل الاجتماعية والسياسية والدينية والعلمية في حياة الشاطبي وتميزه الديني والعلمي. کما حوت المنظومة الکثير من المضامين التربوية العقدية، والتعبدية، والاجتماعية، والخلقية، التي تعود بالنفع والصلاح على الفرد والمجتمع.

کما هدفت دراسة البصيري (١٤٣٥ه) إلى التعرف على شعر الحکمة وأهميته في التربية الإسلامية وتحليل واستخراج المضامين والأساليب التربوية التي تضمنها، واستخلاص التطبيقات التربوية التي يمکن للمربي الاستفادة منها. وقد اعتمد الباحث على المنهج الاستنباطي. وتوصل إلى عدد من النتائج، منها: السبق التربوي للحضارة الإسلامية المتمثل في الثراء الفکري عند المسلمين واهتمامهم بالجانب التربوي وبشعر الحکمة؛ لأنه وسيلة إصلاح وتهذيب وتوجيه. تضمن شعر الحکمة مضامين تربوية في الجوانب الإيمانية والخلقية والعلمية والاجتماعية تهدف إلى بناء الإنسان المسلم الصالح القادر على بناء مجتمعه، کما أنه يبني الأمة القوية المترابطة المتعاونة. يعد شعر الحکمة مادة تربوية خصبة تستفيد منها الأسرة وبقية المؤسسات التربوية کالمدرسة، وتوظيفها في وسائل الإعلام المختلفة.

وتناولت دراسة منيرة کليب (١٤٣٥ه) نصوص کعب بن زهير الشعرية وتحليلها، وبيان ما تضمنته من قيم إسلامية صُنفت إلى قيم إيمانية، وأخلاقية، ووجدانية، واجتماعية، وثقافية. کما هدفت إلى إبراز الأساليب التربوية التي يمکن من خلالها تنمية القيم الإسلامية لدى الطلبة. وقد اعتمدت الباحثة على المنهج الوصفي من خلال أسلوب تحليل المحتوى (الکيفي) والمنهج الاستنباطي. وتوصلت إلى أن العديد من الأبيات الشعرية لکعب بن زهير لا تخلو         من أداء وظيفة تربوية قيمية في المجالات التالية: المجال الإيماني والأخلاقي والوجداني والاجتماعي والثقافي.

أما محمد (١٤٣٧ه) فقد سعت دراسته للتعرف على قصيدة عنوان الحکم وبيان مدى أهميتها في التربية الإسلامية، واستخراج التوجيهات والأساليب التربوية منها. وکان منهج دراسته هو المنهج الوصفي والاستنباطي. وخلص في بحثه إلى عدد من التوجيهات التربوية في المجالات الإيمانية والعلمية والخلقية والاجتماعية. منها: الاهتمام بالآخرة والإعراض عن الدنيا، والإخلاص، وبيان فوائد العلم ومساوئ الجهل، والحث على عدد من الأخلاق الحميدة، والتحذير من عدد من الأخلاق الذميمة، کما توصل إلى أن التربية الإيمانية رکيزة إعداد الإنسان الصالح، وأن التربية العلمية ضرورة بشرية سعادة الشعب مقرونة بها، وأن التربية الخلقية وسيلة لبناء فرد فعال ومجتمع عظيم وخير حضارة إنسانية، وأن التربية الاجتماعية تساعد الفرد على التکيف مع محيطه في ضوء التربية الإسلامية.

وللکشف عن الجوانب التربوية في منظومة الآداب لابن عبدالقوي في المجالات التعبدية والتعليمية والاجتماعية جاءت دراسة ابن حسن (١٤٣٨ه) والذي اعتمدت منهج تحليل المحتوى، والمنهج الاستنباطي لتحقيق أهداف الدراسة. وقد توصل الباحث من خلال دراسته إلى جملة من النتائج، أهمها: من أبرز الجوانب التربوية في المنظومة المتعلقة بالجانب التعبدي: حفظ الجوارح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، تعظيم ذکر الله، آداب العطاس والتثاؤب. ومن أبرز الجوانب التربوية في المنظومة في الجانب التعليمي: البدء بحمد الله المنعم بالعلم، اعتماد العلماء وطلابهم على الرجوع للکتاب والسنة. کما توصل لأبرز الجوانب التربوية في المنظومة المتعلقة بالجانب الاجتماعي: بر الوالدين وصلة الرحم، آداب اللقاء والسلام           والاستئذان والمصافحة.

واستهدفت فاطمة نمازي (١٤٣٩ه) في دراستها التعرف على القيم التربوية            (العقدية والتعبدية والخلقية والاجتماعية والمعرفية) المتضمنة في المنظومة الميمية                   (في الوصايا والآداب العلمية) للشيخ حافظ الحکمي وتحديد الأساليب التربوية التي استخدمها الناظم، والکشف عن التطبيقات التربوية المستفادة من القيم التربوية المستنبطة من المنظومة في الأسرة والمسجد والمدرسة. واعتمدت الباحثة على المنهج الوصفي الوثائقي، وتوصلت إلى مجموعة من النتائج، أهمها: من القيم التربوية المتضمنة في المنظومة الميمية: الإيمان بالله، والحمد والثناء لله، والإخلاص، والصدق. کما توصلت إلى عدد من الأساليب التربوية التي استخدمها الناظم وهي: الموعظة، والترغيب والترهيب، والقدوة.

التعليق على الدراسات السابقة:

          اتفقت الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة في المجال العام کونها تبحث في الجوانب التربوية في الشعر، فتناولت دراسة زينب فلمبان (١٤٠٩ه) ديوان الشافعي، ودراسة القرني (١٤٢٥ه) النصوص الشعرية في أدب المرحلة الثانوية، ودراسة الغامدي (١٤٣٣ه) منظومة حرز الأماني للشاطبي، ودراسة البصيري (١٤٣٥ه) شعر الحکمة عمومًا، ودراسة منيرة بن کليب (١٤٣٥ه) شعر کعب بن زهير، ودراسة محمد (١٤٣٧ه) قصيدة عنوان الحکم للبُستي، ودراسة ابن حسن (١٤٣٨ه) منظومة الآداب لابن عبدالقوي، ودراسة فاطمة نمازي (١٤٣٩ه) المنظومة الميمية لحافظ الحکمي.

          کما اتفقت الدراسة الحالية مع دراسة محمد (١٤٣٧ه) في تناولها للقصيدة النونية (عنوان الحکم) للبُستي، لکنها اختلفت في القضايا التربوية المستنبطة منها، فاقتصرت دراسة محمد على التوجيهات التربوية وفق المجالات الإيمانية والعلمية والخلقية والاجتماعية، بينما الدراسة الحالية تناولت الأساس الفکري للتربية في القصيدة، والمبادئ والقيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي المستنبطة منها.

          أما في المنهج المستخدم فاتفقت الدراسة الحالية مع دراسة کل من: الحازمي (١٤٢٤ه)، والغامدي (١٤٣٣ه)، والبصيري (١٤٣٥ه)، ومنيرة بن کليب (١٤٣٥ه)، ومحمد (١٤٣٧ه)، وابن حسن (١٤٣٨ه)، في اعتمادها على المنهج الاستنباطي. بينما اختلفت مع دراسة زينب فلمبان (١٤٠٩ه) التي اعتمدت المنهج التاريخي والمنهج التحليلي، ودراسة القرني (١٤٢٥ه) استخدمت المنهج الوصفي التحليلي بأسلوب تحليل المحتوى، ودراسة فاطمة نمازي (١٤٣٩ه) التي اعتمدت المنهج الوثائقي.

الإجابة عن أسئلة الدراسة:

إجابة السؤال الأول:

ينص السؤال الأول من أسئلة الدراسة على: ما المضامين المتعلقة بالأساس الفکري للتربية في نونيِّة أبي الفتح البستي؟ وللإجابة عن هذا السؤال قام الباحث باستنباط المضامين المتعلقة بالأساس الفکري للتربية من القصيدة النونية:

والباحث في الأصول الفکرية والفلسفية للتربية يجد أنها ترتکز على عدد من القضايا الکلية تمثل في مجموعها أساسًا متينًا يوجه النظريات والعمليات التربوية، بدءًا من قضايا الوجود (الأنطولوجيا) وما تتضمنه من التصور عن الإنسان والکون والحياة، مرورًا بقضية المعرفة (الأبستمولوجيا)، وکذلک القيم (الأکسيولوجيا). ويکتفي الباحث في إجابة السؤال الأول باستنباط ما له علاقة بالأساس الفکري للتربية من خلال القصيدة محل الدراسة، وسيتناول قضيتين من قضايا الأساس الفکري للتربية، هما: النظرة إلى الحياة، والنظرة إلى الطبيعة الإنسانية.

ولا شک أن انتماء الناظم الإسلامي وعقيدته السُّنيَّة هي الموجه الرئيس لصياغة نظرته للحياة وللطبيعة الإنسانية، فهو يصدر في ذلک من المصدر الرئيس وهو الوحي؛ لذا ليس الهدف من الإجابة عن هذا السؤال البحث عن منطلقات الناظم الفلسفية، وإنما التأکيد على مصدرية الوحي للرؤى الفلسفية التي يرتکز عليها ويضمنها إنتاجه الفکري من شعرٍ ونثرٍ.

أولًا: النظرة إلى الحياة:

يرى الباحث أنه من خلال قراءة القصيدة والتأمل في معانيها ومدلولاتها، يمکن الخروج ببعض الرؤى المتعلقة بصياغة نظرة الناظم للحياة، والتي يمکن تفصيلها في النقاط الآتية:

المضمون الأول: الحياة الدنيا ظلٌ زائلٌ وحطامٌ فانٍ، ومن صفاتها الفناء والخراب.

-          الشاهد من القصيدة:

       يا عامرًا لخراب الدار مجتهدًا                      بالله هل لخراب العمر عمران؟

-          التعليق:

وهذه الرؤية التي تقوم على کون الحياة الدنيا متاع مؤقت تؤکد أنه ليس له أن يجعلها هدفًا وغايةً ينسى من خلالها الهدف الذي من أجله خلقه الله تعالى، فالحياة الأخرى هي دار البقاء والخلود، والحياة الدنيا هي دار الفناء والخراب لا يستقيم بيع الأولى بالأخرى: {أولئک الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} [البقرة: ٨٦].

وهذه الرؤية هي فرق ما بين التصور الإسلامي والتصورات لدى الماديين النفعيين البراجماتيين الذرائعيين، إذ لا يجعلون من الحياة الأخرى زادًا مُلهمًا لإصلاح الدنيا، وتحقيقًا تربويًا لمراد الخالق سبحانه، وتوظيفًا لعالم الغيب کي يضبط سلوک الناس في عالم الشهادة، وتنحصر لديهم الحياة في العالم المادي المحسوس بعيدًا عن العالم الغيبي الأخروي (الميتافيزيقي) الذي لا يُحسّ ولا يقاس ولا يخضع للتجربة. (الحدري، ٢٠١٧م، ص٣٥).

المضمون الثاني: جامعة الأضداد " تفاوت الحقائق والأماني في الدنيا ".

-          الشاهد من القصيدة:

وله من القصيدة عدة شواهد، هي:

زيادة المرء في دنياه نقصان                      وربحه غير محض الخير خسران

وکل وِجدانِ حظٍّ لا ثبات له                       فإن معناه في التحقيق فقدان

يا عامرًا لخراب الدار مجتهدًا                      بالله هل لخراب العمر عمران؟

ويا حريصًا على الأموال تجمعها                   أُنسيتَ أن سرور المال أحزان

زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها                      فصفوها کدرٌ والوصل هجران

-          التعليق:

تتفاوت الرؤى والنظرات تجاه أي حقيقة أو قضية معينة، وهذا التفاوت يکون دائمًا مرجعه إلى تفاوت معايير الحکم، واختلاف زوايا النظر لهذه الحقائق والقضايا، والتنازع في القاعدة المشترکة التي من خلالها تُبنى التصورات حيال قضيةٍ ما. ويزداد الأمر تعقيدًا فيما لو کان من الأطراف المؤثرة في صياغة التصورات وجود عالم غيبي (ميتافيزيقي) غير قابل للحس والمشاهدة والتجربة، والاعتماد في تقرير الحقائق في هذا العالم من خلال طريق واحد هو طريق الوحي المعصوم.

ومن التطبيقات التي تتجلى فيها تفاوت المعايير؛ ما يحدث من تفاوت بين المعيار الدنيوي (الفيزيقي) والمعيار الأخروي (الميتافيزيقي) في النظرة إلى جزئيات الحياة وتفصيلاتها، فکثيرٌ من الحقائق وفق المعيار الدنيوي هي: زيادة، وربح، ووجدان، وعمران، وسرور، وصفو، ووصل! لکن لو تم وزنها وفق المعيار الآخر الذي يغيب عن الفلسفات المنغمسة في العوالم المادية تجد أنها: نقصان، وخسران، وفقدان، وخراب، وأحزان، وکدر، وهجران!

ومرجع هذا التفاوت قصر النظر في التعاطي مع مثل هذه الحقائق، وإنکار کل طريق يوصل إلى العالم الغيبي، والاکتفاء بالعالم المشاهد والمحسوس. هذا في حق أرباب الفلسفات المادية، أما في حق بعض المنتمين للفلسفة الإسلامية فقد ينفصل لديهم التنظير عن ميدان التطبيق أو يغيب عن توجيهه، فيرى أن السرور يکمن في السعي نحو تحقيق اللذة والمنفعة في الدنيا، ويغيب عن تلک الرؤية السعادة الأبدية والنعيم الأخروي، وسبيل تحقيقه في دار العمل.

ولا يفهم من الطرح السابق ترک العمل والسعي لتحقيق متطلبات الحياة الدنيا، لکن ما يفسر هذا الأمر هو أن التصور يقوم على مبدأ التوازن بين متطلبات الدنيا ومتطلبات الآخرة، فالانغماس في الدنيا والتکثر منها دون وجود دافع الخير وغاية العبودية إنما هو نقص وخسران على صاحبها. فالإسلام يدعو إلى ربط الإنسان عمله الدنيوي بالدار الآخرة، وألا يقصر أهدافه وأعماله على الحياة الدنيا فقط وينسى الإعداد للآخرة؛ يقول تعالى: {من کان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون- أولئک الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما کانوا يعملون} [هود: ١٥-١٦].

وقد حدد الله لکل حياة مواصفاتها ومهامها وحدد فيها علاقتها ومآلاتها، يقول تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق- ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار- أولئک لهم نصيب ما کسبو والله سريع الحساب} [البقرة: ٢٠٠-٢٠٢].

المضمون الثالث: التلازم بين جمع المال لذات المال وحصول الحزن.

-          الشاهد من القصيدة:

ويا حريصًا على الأموال تجمعها                 أُنسيتَ أن سرور المال أحزان

وأيضًا: هما رضيعا لبانٍ: حکمةٌ وتقىً            وساکنا وطنٍ: مالٌ وطغيان

-          التعليق:

خلق الله الإنسان وهو أعلم به وبما رکب فيه من غرائز وخصائص يتعامل من خلالها مع معطيات الحياة ومتطلباتها، قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}                [الملک: ١٤]. من هذه الخصائص التي رکبها الخالق في الإنسان حب المال؛ فقال تعالى: {وتحبون المال حبًا جمًا} [الفجر: ٢٠] فمحبة المال وجمعه هي أمر غريزي في الإنسان؛ لکن المهم في هذا السياق أن غريزية الشيء لا تعني الانسياق خلف سرابه، والتسليم لرغباته.

والناظم أشار إلى هذه الحقيقة التي تجعل الإنسان المنساق خلف المال جمعًا وحرصًا وتکثرًا ينسى عاقبة سعيه والانغماس في تحقيق رغباته، وأشار إلى اقتران جمع المال لذات  جمعه بحصول الحزن؛ لأن المرء الذي يلهث في جمع المال دون نية الخير إما مهموم لجمعه، أو قلق على فقده، أو متحسر على ما يفوته، وهذه الحالات النفسية لا تحقق الطمأنينة والاستقرار النفسي.

کما يشير الناظم في موضع آخر إلى اقتران المال بالطغيان، ووصفهما بأنهما ساکنا وطن واحد دلالة على القرب والتلازم؛ فالمال غير محض الخير ملازم للطغيان ولا يفارقه، والطغيان مصطلح واسع يضم کل ما کان فيه جامع المال مجاوزًا للحد في علاقته بخالقه أو بنفسه أو بمجتمعه أو بالخلق أجمعين. (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٣٩).

المضمون الرابع: السرور فيها غير دائم.

-          الشاهد من القصيدة:

    زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها                          فصفوها کدرٌ والوصل هجران

وأيضًا: لا تحسبن سرورًا دائمًا أبدًا                       من سرَّه زمنٌ ساءته أزمان

-          التعليق:

وهذه النظرة مستمدة من جعل الله تعالى الحياة الدنيا دار ابتلاء لا يدوم فيها حال؛ فقال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوکم أيکم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور} [الملک: ٢]، ومن جعل الله تعالى حياة الإنسان مجبولة على المکابدة والعناء، وأن أصفى ما فيها مشوب بالکدر؛ فقال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في کبد} [البلد: ٤].

والتربية على هذه النظرة مهمتها إعداد الإنسان للوعي بالابتلاءات والممارسات الصحيحة إزاءها؛ الابتلاء هو تربية بالخبرة هدفها فهم الخير وتذوق جماله، وفهم الشر والنفور من قبحه، ومن خلال هذا الفهم يتحقق إدراک عظمة النعم الإلهية على الإنسان؛ إذ من ثمرات الابتلاء الترقي العقلي والنفسي والاجتماعي. (مجاهد، ١٤٣٢ه، ص ص ١٠٧-١١٠).

ولا يحسن الإنسان اختيار الوسائل المناسبة خلال الابتلاء بالخير أو الشر، ولا يملک الإرادة العازمة، ولا المهارات التي تمکنه من استخراج ما أودع الله فيه من "وسع" إلا إذا تدرب على ذلک في ظل نظام تربوي يتوافق مع سنن الله في الابتلاء وحکمة الخلق، وهذا ما تُوجه إليه التربية الإسلامية. (الکيلاني، ١٤٢٧ه، ص٢٢٤).

المضمون الخامس: حرية العمل وحتمية الجزاء.

-          الشاهد من القصيدة:

     من يتَّقِ الله يُحمد في عواقبه                 ويکفِهِ شرَّ من عزُّوا ومن هانوا

وأيضًا:   من يزرع الشَّرَّ يحصد في عواقبه                         ندامةً، ولحصد الزرع إبَّان

-          التعليق:

يشير الناظم إلى أن أفعال الإنسان في الحياة، خاضعة للحساب الذي يرفع من حس المسؤولية لديه، فالإنسان وفق التصور الإسلامي لديه الحرية في العمل، لکن هذه الحرية مقرونة بالمسؤولية والجزاء، کما أن الإنسان علاقته بالحياة الآخرة علاقة جزاء ومسؤولية فکذلک جزء من الجزاء معجل له في الدنيا.

وقد ضرب البُستي في قصيدته مثالين أحدهما لعمل محمود وعاقبة محمودة، والآخر نقيضه، فبيّن أن تقوى الله محمودة العواقب، ومن هذه العواقب المحمودة کفاية شر الخلائق عزيزهم وذليلهم، کما أن من زرع الشر لا شک أنه سيحصد إبان زرعه ندامة وحسرة على ما زرع، فالجزاء من جنس العمل.

ثانيًا: النظرة إلى الطبيعة الإنسانية:

          الإنسان هدف التربية الأساس؛ لأنه المعني بالتربية والمکلف بأدائها باعتبارها أمرًا حتميًا، ولهذا تتناوله فلسفة التربية في کل الفلسفات والنظم على اعتبار أن النظرة الکلية إليه -وهي الفلسفة التي تقوم عليها تربيته وإعداده للحياة-. ولهذا فإن فلسفة التربية في الإسلام مؤسسة على قاعدة ثابتة هي أن النظرة الکلية للإنسان لا تأتي من علمه هو بنفسه؛ بل من علم خالقه به وهو الله تعالى. (علي، ١٤٢١ه، ص٢٤٧).

المضمون الأول: الکرامة الإنسانية ومصدر استمدادها.

-          الشاهد من القصيدة:

من يتَّقِ الله يُحمد في عواقبه                    ويکفِهِ شرَّ من عزُّوا ومن هانوا

-          التعليق:

والکرامة الإنسانية منحة ربانية لجنس الإنسان أکدها الله عز وجل في القرآن الکريم بقوله: {ولقد کرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطبيبات وفضلناهم على کثير ممن خلقنا تفضيلاً}. [الإسراء: ٧٠] وهذه الکرامة لها مظاهر کثيرة ليس هذا موضع بسطها. غير أن هناک معنىً زائدًا للکرامة مختص بالمؤمنين، وطريق هذه الکرامة ومصدر استمدادها هو تقوى الله تعالى. ويرسم هذا المعنى ابن تيمية (١٤٠٥ه، ص١٨٧) بقوله: "وإنما غاية الکرامة: لزوم الاستقامة، فلم يکرم اللهُ عبدًا بمثلِ أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه، ويرفع به درجته".

ويشير الناظم إلى ذلک في القصيدة بالعاقبة الحميدة في جميع الأمور، وکفاية شر الخلائق عزيزهم وذليلهم، والذي يُعد مظهرًا لافتًا للکرامة الإنسانية للمتقين.

المضمون الثاني: مکونات الإنسان (جسم ونفس وعقل) والزينة والجمال الحقيقي في النفس لا الجسم.

-          الشاهد من القصيدة:

       أقبل على النفس واستکمل فضائلها                   فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وأيضًا:  من کان للعقل سلطانٌ عليه غدا                     وما على نفسه للحرص سلطان

-          التعليق:

ويؤکد عبدالعال (١٤٠٥ه، ص٧٦) أن نظر الإسلام إلى الذات الإنسانية على أنها کل متکامل لا تتکون من جسم أضيف إليه عقل، وأن الإنسان کيان متفرد له خصائصه            التي تميزه عن بقية الکائنات، وأنه يمثل وحدة حيوية متکاملة الجوانب متداخلة العناصر          متوازنة البنيان.

ولا شک أن هذا المفهوم المتکامل المتوازن للطبيعة الإنسانية ترک آثاره الإيجابية على العملية التربوية في الإسلام، فمن حيث الأهداف کان هدف التربية تنمية الإنسان ککل، ولم يقتصر الهدف على تنمية العقل وتدريبه وإهمال الجسم باعتباره معوقًا لعمل العقل، بل اهتمت التربية بالجسم في إطار تربية الإنسان لارتباط الجسم بالعقل والنفس وتأثيره في الحياة العقلية للإنسان، وتأثيره في النمو النفسي وعلاقته بالنمو الاجتماعي، تلک العلاقة التي تبدو آثارها ومظاهرها واضحة في السلوک الإنساني. (عبدالعال، ١٤٠٥ه، ص ص ٧٤-٧٥).

وبثبوت هذه الحقيقة (ثلاثية مکونات الإنسان) يتأکد أن لکل مکوّن متطلبه الذي لا بد من تلبيته کي يحدث التوازن بين هذه المکونات، فمکوّن الجسد متطلبه المتاع المادي بکل أصنافه ومجالاته من الطعام والشراب واللباس والنکاح والنوم والحرکة والسکون والمرح وغيرها. ومکوّن النفس (الروح) متطلبه الإيمان بالله تعالى وما ينبعث عن ذلک من عبادات القلب واللسان والجوارح. ومکوّن العقل متطلبه في العلم والمعرفة وممارسة مهارات التفکير المتنوعة بمستوياتها المختلفة العليا والدنيا. (الحدري، ٢٠١٧م، ص ٢٩).

کما يبين البُستي أن الجمال والزينة الحقيقية للإنسان. تکمن في النفس (الروح) وهذا مستفاد من الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صورکم وأموالکم، ولکن ينظر إلى قلوبکم وأعمالکم" رواه مسلم (النيسابوري، د ت، ٤/١٩٨٧ حديث رقم ٢٥٦٤).

المضمون الثالث: من الأدوات البشرية التي يتحصل بها الإنسان على المعرفة العقل، والحواس.

-      الشاهد من القصيدة:

    وأَرْعِ سمعک أمثالاً أفصِّلُها                   کما يُفَصَّلُ ياقوتٌ ومرجانٌ

وأيضًا: من کان للعقل سلطانٌ عليه غدا                     وما على نفسه للحرص سلطان

وأيضًا: حسب الفتى عقلُه خلاًّ يُعاشره                    إذا تحاماه إخوانٌ وخلَّان

-          التعليق:

يشير البُستي في أکثر من موضع إلى الأدوات التي يستطيع الإنسان من خلالها الوصول إلى المعرفة، فمنها الحواس وتحديدًا السمع، وذلک من خلال دعوته لمتلقي القصيدة وسامعها بإلقاء السمع بالاستماع لها وصولًا إلى الهدف من السماع وهو الانتفاع. وأشار کذلک إلى العقل ودوره المحوري في الإرشاد والتوجيه والوصول إلى الحقيقة في ظل غياب المرشدين والمؤنسين ممن حوله.

وأدوات المعرفة في التربية الإسلامية ثلاث، هي: الوحي والعقل والحواس. فالوحي هو أداة المعرفة في ميدانها الأول -ميدان الغيب-، والعقل والحواس هما أداتا السير المعرفي في الميادين وعلى المسارات التي يوجه إليها الوحي، وأداتا التعرف على "الحقائق" التي تشاهد في هذه الميادين والمسارات. واجتهاد العقل والحواس للبحث إذا کان في ضوء الوحي فهو الاجتهاد في البحث عن الشيء الخفي في النهار أو الضوء، والاجتهاد بدونه کالبحث عن الشيء الخفي في الظلمة. (الکيلاني، ١٤٢٧ه، ص ص ٢٨٩-٢٩١).

المضمون الرابع: مکانة العقل في الإنسان ودوره.

-          الشاهد من القصيدة:

من کان للعقل سلطانٌ عليه غدا                    وما على نفسه للحرص سلطان

من مدَّ طرفًا لفرط الجهل نحو هوىً                        أغضى على الحق يومًا وهو خَزْيان

-          التعليق:

للعقل مکانة في الإنسان ودور مهم بين بقية مکونات الجسم في سبيل الوصول إلى الحقائق؛ "فمن عمل بالعقل وفَکَّر في أمور الدنيا، غدا زاهدًا. في حُطامها، وليس للحرص والصمت عليه سيطرة" (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٣٥). ومن المهارات العقلية اللازمة لتحقيق ذلک تحليل الأحداث والأقوال، والنظر العقلي للأمور، ولا شک أن ذلک يبعده عن الحرص المذموم بخلاف من يتعامل مع الأمور بالطيش والاندفاع.

وقد ناسب الحديث عن الهوى في البيت التالي بعد الحديث عن العقل في البيت السابق (من مد طرفًا لفرط الجهل نحو هوى ...)، "فمن أطلق بصره نحو الهوى والشهوات المحرمة، تثاقل عن نصر الحق، وباء بالذِّلِّة والخزي" (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٣٥). فالهوى عدو العقل ومن أبرز معوقات التربية العقلية.

وعندما يکون الهوى هو المحرک والموجه للتصرفات، والمعيار والمرجع في             الانتماءات والعلاقات، فإن ذلک يعد تعطيلاً للعقل عن عمله، وتجريدًا له عن مهامه،          فيقوم الهوى مقامه، فالهوى ضد العقل، وبتحکيمه هدم لتربية العقل وبنائه البناء السليم. (القاضي، ١٤٣٩ه، ص ١٣١).

المضمون الخامس: من طبيعة الإنسان وقوع الخطأ وعدم العصمة.

-          الشاهد من القصيدة:

من عاشر الناس لاقى منهمُ نَصَبًا                  لأن سُوْسَهُمُ بغْيٌ وعُدْوان

   ومن يُفَتِّشْ عن الإخوان يَقْلِهِمُ                   فجُلُّ إخوانِ هذا العصر خَوَّان

-          التعليق:

يُبين الناظم أن الذي يعاشر الناس سيجد منهم التعب والمشقة لا محالة، وهذه طبيعة البشر وهي عدم العصمة، فيقع منهم الخطأ والتقصير؛ لذا کان التوجيه النبوي في الحديث الصحيح: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (البخاري، ١٤١٨ه، ص١٥٣، حديث رقم ٣٠٠). فهذه الحقيقة عن طبيعة الإنسان تستوجب إدراکها والصبر عليها ومحاولة تهذيبها وإصلاحها.

          لذا ناسب أن ينتقل الناظم في البيت الذي يليه إلى تأثير هذه الطبيعة على العلاقات الإنسانية خصوصًا علاقة الصداقة والأخوة، فالذي يفتش وينبش في عيوب من حوله؛ سيقع في کرههم وبغضهم، وتنقلب الصداقة إلى عداوة، والوصل إلى هجران. ويقصد الناظم بالخيانة في ختام البيت ما تم الإشارة إليه من الخطأ والتقصير في حق الإخوة وعدم العصمة.

المضمون السادس: التغيير للطباع البشرية هو جوهر التربية.

-          الشاهد من القصيدة:

أقبل على النفس واستکمل فضائلها               فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

-          التعليق:

خلق الله الإنسان ووصفه بأنه ظلوم جهول: {إنه کان ظلومًا جهولاً} [الأحزاب: ٧٢]، وخلقه ووصفه بأنه عجول: {خُلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: ٣٧]، وخلقه ووصفه بأنه ضعيف: {وخُلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: ٢٨]. ففي طبعه ضعف البُنية، ضعف القوة، ضعف الإرادة، ضعف الهمة، ضعف العلم.

وتغيير الطباع من أشق الأمور على النفس، والطبع غلَّاب کما تقول العرب،             لکن التغيير ممکن وإن کان شاقًّا، فالإنسان يحمل في نفسه کوامن الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والتقوى والفجور، والنشاط والکسل، وعلو الهمة ودنو الهمة {وهديناه النجدين}            [البلد: ١٠]، فهو قادر على تزکية نفسه ببعث أحد الخُلقين، وکبت المقابل له، فالأصل           استعداد النفس لقبول الحق، ففي الحديث الصحيح: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة". (النيسابوري، د ت، ٤/٢٠٤٨، حديث رقم ٢٦٥٨).

وقد وجه البُستي إلى الإقبال على النفس لتغييرها إلى الأفضل منطلقًا من حقيقة   إمکان التغيير للطباع البشرية، وأن ذلک هو جوهر التربية ولُبَّها، وقد أشار ابن حزم            (١٣٩٩ه، ص٣٣) إلى هذه الحقيقة من خلال تجربته الشخصية في قوله: "فلم أزل بالرياضة، واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم، والأفاضل من الحکماء المتأخرين  والمتقدمين في الأخلاق وفي آداب النفس، أعاني مداواتها حتى أعان الله عز وجل على أکثر ذلک بتوفيقه ومنه".

إجابة السؤال الثاني:

للإجابة عن السؤال الثاني من أسئلة الدراسة الذي نصه: ما المضامين الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي في نونيِّة أبي الفتح البُستي؟ قام الباحث باستنباط هذه المضامين التي تمثل المبادئ والقيم التي توجه وتنظم علاقة المربي بالمتربي من خلال القصيدة النونية للبُستي.

وقبل عرض المضامين التربوية المستنبطة يوضح الباحث المراد بالمبادئ والقيم والعلاقة بينهما. فالمبدأ في التربية: "قاعدة تنظم سلوکًا، أو فکرة عامة شاملة تنبثق عنها أفکار فرعية تنظم في ضوئها العمليات التربوية" (خياط، ١٤٠٧ه، ص ص ٢٠-٢١). أما القيم فتعرف بأنها: "تلک المعايير التي دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام والتمسک بها من             خلال القرآن الکريم والسنة المطهرة وأصبحت محل اعتقاد واتفاق واهتمام بين المسلمين.               (إبراهيم، ١٩٩٧م، ص٤٠). والمبادئ والقيم مفهومان مترابطان، ويسيران في نسق واحد؛ غير أن المبدأ أعم من القيمة، کما أن القيمة تُستقى من المبدأ.

وتمثل العلاقة بين المربي والمتربي واحدةً من أرقى العلاقات الإنسانية هدفًا، وأسماها رسالةً، والتي يقوم جوهرها على ترقية المتربي في مراقي الصعود، وتحقيقه عبودية الخالق، وتمثله لوظيفة الاستخلاف في الأرض وعمارتها وفق مراد الله تعالى. وهذه العلاقة السامية توجهها مبادئ وقيم تربوية لتحقيق أهدافها في طرفي العلاقة -المربي والمتربي-، والقصيدة النونية للبُستي الذي اشتاق لمقامه معلمًا للنشء وموجهًا لهم حوت عددًا من المبادئ والقيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي. وفيما يلي عرض لهذه المضامين الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي:

أولاً: المبادئ التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي في نونيِّة البُستي:

تضمنت القصيدة النونيِّة لأبي الفتح البُستي عددًا من المبادئ التربوية الموجهة للعلاقة بين المربي والمتربي، يوردها الباحث کما يلي:

المبدأ الأول: الزاد الإيماني للمربي (تقوى الله والاستعانة به والاعتصام بحبله).

-      الشاهد من القصيدة:

         من استعان بغير الله في طَلَبٍ                     فإنَّ ناصره عجزٌ وخِذْلان

وأيضًا: واشدد يديک بحبل الله معتصمًا           فإنه الرکن إن خانتک أرکان

وأيضًا: من يتَّقِ الله يُحمد في عواقبه             ويکفِهِ شرَّ من عزُّوا ومن هانوا

     وأيضًا: لا ظلَّ للمرء يعْرى من تُقىً ونُهىً                     وإن أظلَّتْه أوراقٌ وأفنان

-      التعليق:

وظيفة التربية وظيفة الأنبياء والمرسلين، فمن خلالها تنتقل المعرفة والسلوک، وتُبنى المهارات، وتُزکى النفوس. وهذه العلاقة الرسالية بحاجة إلى مددٍ يقويها، وزادٍ يمد المربي بالتزکية والإلهام. وأهم زاد يبلغ المربي کماله التربوي هو تقوى الله، والاستعانة به، والالتجاء إليه، والاعتصام بحبله، وقد أشار الناظم إلى مکونات هذا الزاد في قصيدته، فالاستعانة بغير الله في کل الأمور ومنها التربية مردها العجز والخذلان، کما أن التمسک بحبل الله والاعتصام به هو المستند والرکن الذي يأوي إليه المربي ويستمد منه قوته وعزمه.

ويبين البُستي أنه ثمة تلازمٌ بين التُقى والنُهى ويراد بهما (الدين والعقل)، وأنهما يحولان دون الوقوع فيما لا يليق، فالمربي وفق هذه النظرة لا بد له من إيمان يزکيه، وعقل يوجهه ويهديه، فبدونهما قد يتعرض المربي لضياع الوجهة والهدف والانحراف عنها. والعواصم التي تقي من الانحراف بشکل عام هي: الدين المهيمن، والعلم النافع المثمر، والعقل الناضج المدبر، والخلق الحميد وهو طبع المربي وسجيته.

المبدأ الثاني: حفظ خصوصيات المتربين.

-          الشاهد من القصيدة:

لا تُودعَ السِّرَّ وشَّاءً يبوح به                     فما رعى غنمًا في الدَّوِّ سِرْحان

-          التعليق:

يوجه البُستي المربين إلى مبدأ ذي أهمية کبيرة للعلاقة بين المربي والمتربي، والتي تقوم على قيم الأمانة، والوفاء، فطبيعة هذه العلاقة تقوم على وجود الخصوصيات للمتربين، واطلاع المربي عليها، والتي يقوم الميثاق الأخلاقي لمهنة التربية والتعليم بالمحافظة عليها واحترامها.

وهذا المبدأ قد جاءت به التربية الإسلامية وأکدت عليه مصادرها؛ فالإسلام دين يحفظ حقوق الإنسان ويحترم کيانه، ويمنع المساس بها، ومن أبرز حقوق الإنسان حفظ أسراره، ولذا نهى عن التجسس في الأمور المستورة، وحذر من الاطلاع على العورات، ومن نقل أحاديث المجالس، وأمر بتعليم الأطفال أدب الاستئذان، ونهى عن إشاعة الفاحشة، وأمر بستر الخطايا. (الجعيثن، ١٤٣٤ه، ص ج).

المبدأ الثالث: مراعاة الفروق الفردية.

-          الشاهد من القصيدة:

لا تحسَب الناس طبعًا واحدًا فلهم                  غرائزٌ لستَ تُحْصِيهنَّ ألوان

ما کلُّ ماءٍ کصَدَّاءٍ لوارِدِهِ.                        نعم، ولا کلُّ نَبْتٍ فهو سَعْدان

-          التعليق:

حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار فهمهم             واستعيابهم، وفهم طبائعهم وغرائزهم؛ فقد أورد الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "ما أنت بمحدثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا کان لبعضهم فتنة" (النيسابوري، د ت، ١/١١). وکذلک ورد عن علي رضي الله عنه قوله: "حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يکذّب الله ورسوله؟" (البخاري، ١٤٢٢ه، ١/٣٧، حديث رقم ١٢٧).

وهذا المبدأ المهم الذي يرسم السبق التربوي للتربية الإسلامية في تقريره، حيث تشکل مراعاة الفروق الفردية مبدأً تعتمد عليه العملية التعليمية الحديثة، وقد أشار البُستي إلى هذا المبدأ في توجيهه إلى أن الناس ليسوا طبعًا واحدًا، فهم متفاوتون في الطباع والغرائز، ومختلفون في القدرات والمستويات، وضرب مثلاً لذلک بالماء وبالزرع، فليس کل ماء صالح للشرب، وليس کل نبت طيب للأکل والمرعى مثل نبات السعدان الذي يضرب به المثل سابقًا بقولهم: "مرعى           ولا کالسعدان".

والمربي في تعامله مع المتربين يجب أن يؤسس هذا التعامل على هذا المبدأ، فکما وزّع الله الأرزاق فقد وزّع القدرات، فينظر إلى اختلافاتهم في الصفات والخصائص، ويعکس هذا الاختلاف على علاقته بهم وتعامله معهم، فليست کل طريقة أو أسلوب أو استراتيجية مناسبة للجميع، کما أن التفاوت بينهم حاضرٌ في الجانب الوجداني سواء في التلقي أو التعبير، وإدراک المربي لذلک يجعله يفقه التعامل الأمثل مع المشاعر إضافة إلى التعامل مع الاختلافات المعرفية والمهارية وعلى مستوى الغرائز والطباع.

المبدأ الرابع: حفظ المعروف وأداء حقه وعدم الترفع عنه وخدشه وهو أدنى الجرح.

-      الشاهد من القصيدة:

لا تَخْدِشَنَّ بمَطْلٍ وَجْهَ عارفةٍ                    فالبِرُّ يَخْدِشُه مَطْلٌ ولَيَّان

-      التعليق:

العلاقات الإنسانية تقوم على قيم أخلاقية ضابطة لها، ومن أهم هذه القيم قيمة الوفاء وحفظ العهد، کما أنه سبق الحديث عن رسالية العلاقة بين المربي والمتربي، وهذه الرسالية في العلاقة يوجهها مبدأ حفظ المعروف من الطرفين، وإن کان في حق المتربي أظهر وأجلى، فما يقدمه المربي للمتربي يعد من أعظم المعروف وأزکاه للمتربي.

وهذا المعروف وإن طوته صروف الدهر وتوارى في دهاليز النسيان فلا يکن دافعًا للمربي في مغادرته مکانه، والتنازل عن رسالته، کما أن المربي في تقديمه للمعروف فلا يؤخره أو يتباطئ في إسدائه، فليس من تمام الإحسان التأخير؛ ويبيّن ذلک الناظم حين يوجه حديثه للمربي بنهيه عن أن يجرح معروفه وإحسانه للمتربي بالتأخير أو التسويف، فخير البر عاجله. (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٣٨). وعبَّر عن ذلک بالخدش وهو أدنى الجرح لزيادة الدلالة على النهي عنه.

المبدأ الخامس: الاستشارة.

لا تَسْتَشِرْ غيرَ نَدْبٍ حازمٍ يقِظٍ                  قد استوى فيه إسرارٌ وإعلان

-      التعليق:

الاستشارة مما جبل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة -أي فَطَرَه على محبة الصلاح-، ولذا قرن الله تعالى خلق أصل البشر بالتشاور في شأنه؛ إذ قال للملائکة: {وإذ قال ربک للملائکة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفک الدماء ونحن نسبح بحمدک ونقدس لک قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: ٣٠]، فالله غنيٌ عن إعانة المخلوقات في الرأي، ولکنه عرض على الملائکة مراده ليکون التشاور سنة في البشر ضرورة أنه مقترن بتکوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التکوين يوجب إلفه وتعارفه، ولما کانت الشورى معنى من المعاني لا ذات لها في الوجود جعل الله إلفها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التکوين. (ابن عاشور، ١٩٨٤م، ٤/١٤٨).

ومن منطلق أن الاستشارة فطرة في الطبيعة الإنسانية لم يوجه الناظم المربي والمتربي للأخذ بالاستشارة؛ لأن ذلک متقرر في النفوس، وإنما وجه الحديث إلى رکن مهم من أرکان الاستشارة ألا وهو المستشار، وکيفية التعرف عليه؛ لأنه هو الذي يستخرج لک الصواب           والحق، فقد ذکر عددًا من الصفات التي يرى توافرها في المستشار، يشرح معانيها أبو غدة (١٤٢٧ه، ص٣٨) بقوله: الصفة الأولى: ندب، أي: منجد وهو صاحب النجدة، الصفة الثانية: حازم، أي: ضابط للأمور، الصفة الثالثة: يقظ، أي: نبيهٍ واعٍ، ليس من أصحاب الأهواء ولا تحرکه الانطباعات الشخصية. والمعنى: لا تعتمد في استشارتک إلا على الرجل الشهم المنجد، والضابط النبيه النقيِّ النفس، الذي عرفت سريرته کعلانيته.

يقول المناوي (١٣٥٦ه، ١/٢٧٥) عن المستشار: "لکن لا يشاور إلا أمينًا حاذقًا ناصحًا مجربًا ثابت الجأش، غير معجب بنفسه، ولا متلون في رأيه، ولا کاذب في مقاله، فمن کذب لسانه کذب رأيه، ويجب أن يکون فارغ البال وقت الاستشارة".

المبدأ السادس: الاستغناء عن الناس.

-      الشاهد من القصيدة:

کفى من العيش ما قد سَدَّ من عَوَزٍ                ففيه للحُرِّ إن حقَّقتَ غُنْيَان

-      التعليق:

يوجه الناظم في هذا البيت المتلقي أيًا کان مربيًا أو متربيًا إلى مبدأ غاية في الأهمية، مبدأ قائم على الکرامة الإنسانية، وعزة النفس، وهو الاستغناء عن الناس، وعدم التعلق بما في يديهم لتقديمه للمتأمل فيه. وهذا لا بد فيه من قصر النظر على ما لدى الفرد دون النظر لما لدى الآخرين. فالحياة يکفيها ما يسد الحاجة وما يُتبلَّغ به من رزق.

وکأن الناظم يشير إلى نقطة جديرة بالملاحظة وهي أن تعلق المربي بما لدى الآخرين قد يُضعف من أدائه المهني مع المتربين؛ لأن التشوف والتطلع للمفقود يجعل النفس متعلقة به، ويصرف الجهد عن الدور الحقيقي للمربي الذي يُتصور أن يکون مرکزًا في رسالته          وأهدافه التعليمية دون النظر لما يصرفه عنها ويقطعه عن تحقيقها. ويشير ابن جماعة في (شمس الدين، ١٩٨٤م، ص ٧٨) إلى أن المعلم عليه أن ينزه علمه عن دني المکاسب ورذيلها، وعن مکروه عادةً وشرعًا کالحجارة والدباغة والصرف والصياغة.

ويتفق هذا المبدأ مع التوجيهات النبوية التي بيّنت أن سرَّ محبة الناس -وهو مطلب مُلِحٌ للمربي- هو الزهد فيما عندهم، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رجل           إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقل: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله            وأحبني الناس. فقال: "ازهد في الدنيا يحبک الله، وازهد فيما عند الناس يحبک الناس"   (العسقلاني، ١٤٢٤ه، ١/٤٤٧).

المبدأ السابع: التخفف من الأحزان.

-          الشاهد من القصيدة:

وذو القناعة راضٍ من معيشتهِ                   وصاحب الحِرْصِ إن أَثْرَى فغَضْبان

-          التعليق:

استنبط الباحث من البيت السابق أن من المبادئ التي تؤثر في علاقة المربي بالمتربي، التخفف من الأحزان؛ لأن هناک علاقة بين ما في القلب وما في اللسان، هذه العلاقة بيّنها الله في القرآن الکريم على لسان موسى عليه السلام في قوله: {ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون} [الشعراء: ١٣]. ويحدث في الواقع المشاهد انعقاد اللسان عن التعبير عن مکنون القلب، لأسباب متعددة منها الضغوطات النفسية التي تواجه الفرد.

وللوصول إلى هذه المرحلة من السلام الدخلي والطمأنينة النفسية يشير البُستي إلى سبيل تحقيقها بلزوم القناعة والرضا عن أقدار الله المقسومة له في جميع شؤونه ومن أبرزها الرزق؛ ويبين أبو غدة (١٤٢٧ه، ص٣٩) سبب ذلک في شرحه للبيت بأن صاحب الحرص وإن أثرى فغضبان؛ لطمعه المتزايد، فيرى نفسه دائمًا في حاجة إلى المزيد من الثراء، ويغضب إذا لم ينل ذلک. لذا ينبغي على المربي التخفف من الأحزان ما استطاع لينشرح صدره وينطلق لسانه ويتحقق الأثر المقصود من تربيته.

المبدأ الثامن: فتح الأمل والتفاؤل للمتربي.

-          الشاهد من القصيدة:

کلُّ الذنوبِ فإِنَّ اللهَ يغفرها                                   إنْ شَيَّعَ المَرْءَ إخلاصٌ وإيمان

-          التعليق:

يقرر البُستي في قصيدته النونيِّة مبدأً ذا أهمية في التعامل مع المتربي خصوصًا إذا صاحبه نوع من الإحباط أو اليأس من تحقيق بعض الطموحات والأهداف، واستنبط الباحث هذا المبدأ من خلال تقرير الناظم للمبدأ الشرعي في أن الله عزو جل يغفر الذنوب جميعًا، إذا صاحب ذلک الإخلاص والإيمان، وهو مبدأ مستمد من قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}           [الزمر: ٥٣].

فإذا کان ذلک في التقصير في حق الله تبارک وتعالى ومع ذلک فهناک طريق للعودة، وبوابة أمل يشع منها نور الرحمة، فينسحب هذا المبدأ على کل عثرات المتربي وأخطائه، فيُشبَّع بالتفاؤل والأمل الذي يقوده إلى السلوک والعمل؛ لأن هناک أمانٍ باطلة توهم المؤمل بها أنه في طريق التفاؤل لکنه في واقع الأمر في طريق الأماني الباطلة الخالية من العمل.

المبدأ التاسع: الفصاحة في القول.

-          الشاهد من القصيدة:

(سَحْبانُ) من غيرِ مالٍ (باقِلٌ) حَصِرٌ               و(باقِلٌ) في ثَراءِ المالِ (سَحْبان)

-          التعليق:

وقد ضرب الناظم مثالاً لرجلين أحدهما فصيح وهو سحبان، والآخر عيي وهو باقل. سحبان من بني وائل مشهور بالفصاحة، وباقل من بني إياد مشهور بالعي والفهاهة. بعض الناس يستطيع الوصول لمقصوده بحسن العبارة والفصاحة والبعض عکس ذلک. والهدف اغتناء الشخص عن الناس وعدم الحاجة لهم. والإشارة إلى مقاييس الناس الخاطئة في کون المال يجعل العيي بليغًا، وعدمه يجعل أفصح الفصحاء عييًا (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٢٤). لکن المقياس الحقيقي هو في فصل تأثير المال والجاه عن منطق الرجل وفصاحته. ويستفاد کذلک من هذا البيت في تقرير المبدأ السادس السابق ذکره وهو الاستغناء عن الناس.

ويشير عبدالرحيم (١٩٩٣م، ص٢٠٠) إلى أن على المربي أن يراعي في إلقاء درسه الوضوح في اللفظ والنطق، فيصل في درسه ما ينبغي وصله، ويقف في مواضع الوقف ومنقطع الکلام، ولا يرفع صوته رفعًا زائدًا عن الحاجة ولا يخفضه خفضًا لايحصل معه کمال الفائدة.

المبدأ العاشر: طلاقة الوجه والبشاشة والابتسامة.

-          الشاهد من القصيدة:

کُنْ رَيَّقَ البِشْرِ إن الحُرَّ هِمَّتُه                    صَحِيفةٌ وعليها البِشْرُ عُنْوان

وأيضًا: فإنْ لقِيتَ عَدُوًّا فالْقَهُ أبدًا                  والوَجْه بالبِشْرِ والإِشراقِ غَضَّان

-          التعليق:

يؤکد البُستي في البيتين السابقين على مقوم مهم من مقومات المربي، ورکن رکين من التکوين الأخلاقي له، وهو البشاشة وطلاقة الوجه، فهي عنوان الإنسان. وبشکل عام يُمثل المبدأ الخُلقي سلطة حاضرة لا تقل سطوتها عن التمکن العلمي، فإن العلم والجاه والمال لا يسع بها الإنسان الآخرين، ولعل ما يؤکد هذا المفهوم ما ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنکم لن تسعوا الناس بأموالکم، ولکن يسعهم منکم بسط الوجه وحُسن الخُلُق". (العسقلاني، ١٣٧٩ه، ١٠/٤٥٩).

ويرى الحدري (١٤٣٦ه، ص١٢٩٢) أن المعيار الخُلقي لا بد من تحققه عند اختيار المعلم عبر عدد من المؤشرات التي يمکن الاستعانة بها لمعرفة أخلاقه وحسن تعامله، فکم من عِلْمٍ أعرض عنه الناس لسوء خُلق صاحبه، وکم من معلم متمکن من مادته العلمية ينفر منه طلابه؛ لافتقاده لسلطة الخُلق التي يمتلک بها النفوس.

ومن أبرز مظاهر السمو الأخلاقي طلاقة الوجه والابتسامة، والتي يتعيّن على المربي الاتصاف بها مع المتربين على وجه الخصوص، ومع جميع من يقابلهم في الحياة العامة. وقد جاء في حديث أبي ذر الغفاري قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاک بوجهٍ طَلْقٍ". (النيسابوري، د ت، ٤/٢٠٢٦، حديث              رقم ٢٦٢٦).

وهذا المبدأ التربوي له تأثير مباشر في استجابة المتربين؛ لأنها طريق إلى تحقيق المحبة والقبول التي توصل العلاقة التربوية إلى مراحل متقدمة من الاستجابة والتأثر،            ويوکد هذا المعنى ما سبق إيراده من الحديث النبوي حول القدرة على سعة الناس ببسط الوجه وحُسن الخلق.

المبدأ الحادي عشر: لا بأس بأن يزيد في العلم وينقله من هو أقل علمًا.

-          الشاهد من القصيدة:

ما ضَرَّ حَسَّانَها والطَّبْعُ صائِغُها                   أنْ لم يَصُغْها قَرِيعُ الشِّعْرِ حَسَّان

-          التعليق:

واستنبط الباحث هذا المبدأ التربوي المهم في توجيه علاقات المربي بالمحيط التربوي مِن حوله من آخر بيتٍ في القصيدة الذي قال الناظم فيه:

"ما ضَرَّ حَسَّانَها والطَّبْعُ صائِغُها                 أنْ لم يَصُغْها قَرِيعُ الشِّعْرِ حَسَّان"

      ويُقصد بالقريع: السيِّد. فالمربي يوطِّن نفسه على الاستفادة ممن يصغره من المربين بل حتى من المتربين، ويربيهم على هذا المبدأ.

وفي ذلک إشارة أخرى إلى أن المربي يجب أن يتصف بالجد والاجتهاد ومواصلة النمو العلمي والمهني؛ ذلک أن المربي بحاجة دائمًا إلى المعرفة الممتازة حتى يکون معلمًا فعالاً ناجحًا (عبدالرحيم، ١٩٩٣م، ص١٩٨). ويوصي ابن جماعة في (شمس الدين، ١٩٨٤م، ص ص ٨٢-٨٤) المربي بألا يستنکف أن يستفيد ما لا يعلمه ممن هو دونه منصبًا أو نسبًا أو سنًا، بل يکون حريصًا على الفائدة حيث کانت، فالحکمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها.

ثانيًا: القيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي في نونيِّة البُستي:

          تضمنت القصيدة النونيِّة لأبي الفتح البُستي عددًا من القيم التربوية الموجهة للعلاقة بين المربي والمتربي، يوردها الباحث کما يلي:

القيمة الأولى: الإحسان.

-      الشاهد من القصيدة:

أحسِنْ إلى الناس تَسْتَعبِدْ قُلوبَهُمُ                             فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إحسان

وأيضًا: وإن أساء مسيءٌ فليکُنْ لک في                      عُرُوض زَلَّتِه صَفْحٌ وغُفران

وأيضًا: أحسِنْ إذا کان إمکانٌ ومَقْدِرَةٌ                      فلن يَدُومَ على الإحسان إمکان

فالقروض يزدانُ بالأنوارِ فاغِمةً                           والحُرِّ بالعَدْل والإحسان يَزْدَان

-      التعليق:

والإحسان في القصيدة يمثل قضية مرکزية، وقيمة جوهرية، فتناولها الناظم بمصطلح (الإحسان) بعدد من الأبيات، کما تناول جزئيات الإحسان ومضامينه في أبيات أخرى. وکأنه يخاطب المربي ويلفت نظره إلى أن حجر الزاوية في العلاقة التعليمية معتمدٌ على الإحسان، فلا يُمکن أن يُتصور علاقةٌ بين مربٍّ ومتربٍّ دون إحسان، وسمو هذه العلاقة ورساليتها دافعٌ لممارسة الإحسان والالتزام بميثاقه.

ويوضح البُستي أن من الإحسان: التغاضي عن إساءات الناس عمومًا والمتربين خصوصًا، والصفح عنهم؛ فقد قال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لکم} [النور: ٢٢]، وقال تعالى في موضع آخر: {فاصفح الصفح الجميل} [الحجر: ٨٥]. ولا شک أن أي علاقة إنسانية معرضة للخطأ والزلل والتقصير؛ لطبيعة الإنسان الخَطَّاء، ومن هذه العلاقات علاقة المربي بالمتربي التي تقوم على المعايشة الزمانية والمکانية والتي تزيد من فرص وقوع الخطأ من المتربي، فالتوجيه في مثل هذا الأمر هو الصفح والتغاضي، مع استثمار الفرص لتصحيح الأخطاء ومعالجتها. 

وانتقل الناظم إلى معنى زائد في الإحسان، لا يتوقف عند الإحسان فقط؛ بل اغتنام فرص الإمکان للإحسان بقوله:

"أحسِنْ إذا کان إمکانٌ ومَقْدِرَةٌ                      فلن يَدُومَ على الإحسان إمکان"

فالفرص التي تتاح للإحسان قد تفوت إما لمغادرة المربي لمقامه التربوي، أو طارئ يحجب إمکانية إحسانه، ويوجه إلى الاستثمار الأمثل لهذه الفرص وتقديم کل صروف الإحسان للمتربي من إحسان قولي وفعلي.  

القيمة الثانية: التعاون.

-      الشاهد من القصيدة:

وکُنْ على الدهر مِعْوانًا لذي أَمَلٍ                   يَرجُو نَدَاک فإنَّ الحُرَّ مِعْوان

-      التعليق:

تقتضي طبيعة العلاقات الإنسانية التکامل في تحقيق المهام والاحتياجات، وتوازن الصفات بين أفراد المجتمع، تبعًا للتفاوت البشري الذي قدره الله عزو جل بين الناس، وهذ التکامل يقوم على عدد من القيم الاجتماعية التي توجه العلاقات بين الناس وتنظمها. ومن أبرز هذه القيم قيمة التعاون. وهي ما أشار لها أبو الفتح في نونيته بتوجيه الأمر بتقديم العون والمساعدة لمن يطلبه ويرجو کرمک وعطاءک. وهذا التوجيه استفاده الناظم من عموم قول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: ٢].

وتأتي العلاقة بين المربي والمتربي من جملة العلاقات الإنسانية التي تحتاج إلى قيمة التعاون لتنظيم علاقات أعضاء المؤسسة التربوية فيما بينهم. وقيمة التعاون من القيم التي يعتمد عليها العمل الجماعي والمؤسسي، فکل فرد يتعاون مع زميله الآخر في عملهم المشترک لتأدية مهامهم وأعمالهم، والمربي جزء من هذه المنظومة التي يتکامل فيها مع المربين ويغرسها لدى المتربين الذين يقصدون علمه ويرجون نفعه.

ومن التطبيقات الحديثة في الميدان التربوي لهذه القيمة؛ استراتيجية التعلم التعاوني، والتي تقوم على أساس تقسيم الطلاب إلى مجموعات يتعاون أفراد کل مجموعة منها لإنجاز مهام تعليمية محددة. وتعتمد على التکافؤ بين المجموعات، وعدم التجانس بين أفراد المجموعة الواحدة، حيث تنمي هذه الاستراتيجية المهارات الاجتماعية المرتبطة بالتعلم التعاوني، مثل: التعاون، وآداب الحوار، وتقبل الرأي الآخر. (عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد، د ت، ص ص ٤٩-٥٠).

القيمة الثالثة: التعايش.

-          الشاهد من القصيدة:

من سالَمَ الناسَ يَسْلَمْ من غوائِلِهم                 وعاش وهْوَ قَريرُ العين جَذْلان

-          التعليق:

إن التربية هي التي يُعَوَّل عليها أن تترقى بالمسلم وتبرز خصائصه الإنسانية العالية، تطهره من کل أدران الذنوب والأخطاء والمعاصي التي تتنافى مع أصالته وفطرته وکمال إنسانيته، بحيث تصوغ المسلم في تعايشه مع الآخر فکرًا وسلوکًا وروحًا وشعورًا على ضوء الکتاب والسنة وثوابتهما التي لا تتغير. (الأسمري، ١٤٢٥ه، ص٢٢٢).

والتربية هي التنشئة على کل ما يحفظ للمسلم معتقده ودينه في تعايشه مع الآخر والکون بالقسط الذي أمرنا الله به، يعلق التويجري (١٤١٩ه، ص٢٠) قائلاً: ومن ضروب القسط أن يسود التعايش بين الأمم والشعوب بالمعنى الراقي للتعايش الذي يقوم على أساس العدل في المعاملة والمساواة في العلاقة، وبهذا المعنى فهم المسلمون القسط في قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الکتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} [الحديد: ٢٥]. وقد طبق المسلمون القسط على المستوى اللائق بالإنسان سواء في معاملة من لا يؤمن بالإسلام وبمبادئه، أو في نظافة المجتمع من الفاحشة، أو في الخدمات الإنسانية التي تقدم للناس، أو في التعاون على البر والتقوى.

وفي نونيِّة البُستي يدعو إلى مسالمة الناس للسلامة من شرورهم وأذاهم، والمربي في طبيعة عمله تقتضي وجود الأذى؛ لصغر سن التلاميذ وطيش عقولهم، أو تفاوت مدارک أولياء أمورهم أثناء تواصلهم معه. وفي سياق أکبر فإن بعض الوسائط التربوية تتکون في مجتمعات ذات تعددية ثقافية، تدفع المربي إلى تحقيق المسالمة والتعايش مع سائر مکونات المجتمع.

وفي التوجيهات النبوية ما يؤکد هذه القيمة؛ فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (النيسابوري، د ت، ١/٦٥، حديث رقم ٤١). وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "لا يدخل الجنة من لا يأمنُ جارُهُ بوائقَهُ" (النيسابوري، د ت، ١/٦٨، حديث رقم ٤٦). وقبل ذلک وذاک التوجيه الرباني في القرآن الکريم: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينک وبينه عداوة کأنه ولي حميم}. [فصلت: ٣٤].

القيمة الرابعة: القناعة.

-          الشاهد من القصيدة:

کفى من العيش ما قد سَدَّ من عَوَزٍ                   ففيه للحُرِّ إن حقَّقتَ غُنْيَان

وذو القناعة راضٍ من معيشتهِ                   وصاحب الحِرْصِ إن أَثْرَى فغَضْبان

-          التعليق:

يقرر الناظم قيمة القناعة في البيتين السابقين، وأن المرء يکفيه من الحياة ما يسد به حاجته، وأن ذلک خير له من أن يتعلق بمتاع الدنيا وما لدى الآخرين من زهرته فيصيبه ذلک بازدراء ما لديه من نِعَم، والتشوف لما لديهم، وحتى لو نال ما تمنى فسيبقى بعيدًا عن الرضا، وملازمًا للغضب في فوات تحصيل المقصود، لذا وجه الناظم إلى لزوم القناعة وعلاقتها بتحقيق الرضا والطمأنينة النفسية.

وقيمة القناعة لها أثر کبير في ترکيز المربي في أدواره مع المتربي، وعدم التشوف للحظوظ الدنيوية التي تؤثر في تربيته له وتصرفه عنها. وهذه القيمة کما يشير کلٌ من علي (٢٠١٠م، ص١٩٥) وناصر (١٤٣٠ه، ص١٥١) تستهدف العلاقة التربوية لتحقيق عدة أمور، منها: تحقيق الأمن والطمأنينة، وإشباع الحاجات النفسية وذلک بتعزيز عواطف الغيرية کالصداقة والتعاون والإيثار والإحسان، وتعزيز القيم الاقتصادية المتعلقة کالعمل والإنتاج.

کما لا يفهم من التأکيد على قيمة القناعة ودورها في توجيه علاقة المربي بالمتربي الدعوة للکسل والدعة وترک العمل، وإنما تعني کما يوضح الشراري (٢٠١٥م، ص٨٢) الرضا بما قسم الله تعالى مع العمل وبذل الجهد والسعي وراء الأفضل.

القيمة الخامسة: الرفق.

-      الشاهد من القصيدة:

وراِفقِ الرِّفْقَ في کلِّ الأمور فلم                  يَندَمْ رفيقٌ ولم يَذْمُمْهُ إنسان

-      التعليق:

يوجه البُستي في البيت السابق إلى الأمر بلزوم الرفق ومرافقته في جميع الأحوال، ويعلل سبب الأمر بذلک أنه لم يسبق أن ندم إنسان على رفقه، ولم يحصل أن انتقصه أحد. ويؤکد هذا المعنى الحديث الذي رواه جرير بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى عليه وسلم، قال: "من يُحرم الرفق، يُحرم الخير". (النيسابوري، د ت، ٤/٢٠٠٣، حديث رقم ٢٥٩٢). وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه". (النيسابوري، د ت، ٤/٢٠٠٣، حديث رقم ٢٥٩٣). وفي حالحديث الآخر: "إن الرفق لا يکون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه". (النيسابوري، د ت، ٤/٢٠٠٤، حديث رقم ٢٥٩٤).

وفي الشواهد من التطبيقات النبوية على الرفق الشيء الکثير، منها: رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي الذي بال في المسجد، وحادثة تشميت معاوية رضي الله عنه للعاطس في الصلاة وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها مما ورد في السنة النبوية.

يُبيّن الغزالي (١٩٨٦م، ص٩٣) أن من واجب المربي الشفقة على المتربين وأن يجريهم مجرى بنيه، وهو ما يوافق رأي القاسي إذ يأمر المربين بالرفق مع الصبيان محتجًا بأن العفو محبوب مع المذنبين من الکبار وقد حث الله عليه ولذلک فهو واجب مع الصبيان لصغر سنهم، وطيش أعمالهم وضيق عقولهم وقلة مدارکهم فيوصيهم قائلاً: ومن حسن رعايتهم أن يکون بهم رقيقًا معتمدًا على المأثور من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه:  "إن الله يحب الرفق في الأمر کله وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"، والرفق عنده من حسن السياسة ونفع الرياضة اللازمة للمربي مع الأطفال لأنه يقوم مقام آبائهم. (الأهواني، ١٩٦٨م، ص ص ١٤٤-١٤٥).

القيمة السادسة: التأني والروية.

-      الشاهد من القصيدة:

فلا تکُنْ عَجِلاً بالأمر تَطْلُبُهُ                               فليس يُحمَدُ قبلَ النُّضْجِ بُحْرَان

وأيضًا: ولا يَغُرَّنْکَ حَظٌّ جَرَّه ُخَرَقٌ                                  فالخُرْقُ هدْمٌ ورفق المرءِ بُنْيَان

-      التعليق:

يُبيّن البُستي أن من القيم التربوية اللازم توافرها في طرفي العلاقة التربوية: التأني والروية، فمن تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ، أشجِّ عبدالقيس: "إن فيک خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" (النيسابوري، د ت، ١/٤٨، حديث رقم ١٧).

وحتى يوضح الناظم هذه القيمة التربوية، بيّن أثرها في صورة فنية بقوله: "فليس يُحمَدُ قبلَ النُّضْجِ بُحْرَان" والبُحران بضمِّ الباء وسکون الحاء لفظ مولد، يوناني الأصل، وهو عند الأطباء: التغيّر الذي يحدث للعليل دفعة واحدة في الأمراض الحادة إلى الصحة أو إلى المرض، فإن وقع بعد نضج مادة المرض فهو علامة الصحة والشفاء، وإن وقع قبل نضجها فهو علامة الموت والهلاک. (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٣٨). ويُقصد بالتغيُّر؛ صحوة المريض قبل نضج مرضه وهو ما يسميه البعض صحوة الموت. وهذا يکون حتى في الدين فيترقى في سلم العبادة بيسر فإن "لکل عابد شِرَّة" فالسير يکون مترفقًا حثيثًا، ولا يکنْ کالمُنْبَتِّ لا أرضًا قطع ولا            ظهرًا أبقى.

کما يشير البُستي في موضع آخر لتأکيد هذه القيمة بعدم الاستعجال والاغترار بالنجاحات التي جاءت من سفه وحمق فعاقبتها زوال فقال:

ولا يَغُرَّنْکَ حَظٌّ جَرَّه ُخَرَقٌ                        فالخُرْقُ هدْمٌ ورفق المرءِ بُنْيَان

       والمعنى المراد في هذا البيت: لا تغتر بطيش الأحمق إن صاحبه فوزٌ في أمر من الأمور، فالرفق بنَّاء، والحُمْق هدّام، وفي الحديث الشريف: "من يُحرم الرفق يُحرم الخير کله". (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص ٣٦).

القيمة السابعة: العدل.

-      الشاهد من القصيدة:

     يا ظالِمًا فَرِحًا بالعِزِّ سَاعَدَهُ                  إن کنت في سِنَةٍ فالدَّهْرُ يَقْظان

ما استَمْرأَ الظُّلْمَ لو أنصفتَ آکِلُهُ                  وهل يَلَذُّ مَذاقَ المَرْءِ خُطْبَان

-      التعليق:

يخاطب الناظم في قصيدته الظالم فيقول: أيها الظالم السادر في غيِّه، لا             يغرنک ما أنت فيه من سطوة وسلطان، إن کنت في غفلة عن هذا فإن عين الله لا تنام            عنک، وما أسرع ما ينتقم منک. ولو أنصفتَ أيها الظالم لأقررتَ بأن الظلم مذاقه مرٌّ کالحنظل. (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٤٠).

لذا فإن من القيم التربوية الناظمة لعلاقة المربي بالمتربي قيمة العدل؛ حيث يوضح ابن جماعة في (شمس الدين، ١٩٨٤م، ص١٠٤) أن على المربي ألا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودة، أو اعتناء مع تساويهم في الصفات، فإن ذلک ربما يوحش الصدر، وينفر القلب، فإن کان بعضهم أکثر تحصيلاً وأشد اجتهادًا وأحسن أدبًا، فأظهر إکرامه لتلک الأسباب فلا بأس بذلک؛ لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلک الصفات.

والمربي مطالبٌ بالعدل بين طلابه، وألا يفرق بينهم على أساس من الجنس أو الطبقة أو المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو التحصيل، وعدم التفرقة لا يعني المساواة؛ بل التکافؤ. ووجود بعض مظاهر التحيز لدى المربين قد يضر بالعملية التعليمية؛ لأن التعليم يتم بشکل أفضل في الجماعات ذات الجو الاجتماعي الإيجابي. (عبدالرحيم، ١٩٩٣م، ص٢٠٦).

القيمة الثامنة: العطاء.

-          الشاهد من القصيدة:

  من کان للخير منَّاعًا فليس له                   على الحقيقة إخوانٌ وأخْدان

من جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطِبةً                   إليه والمالُ للإنسانِ فَتَّان

-          التعليق:

من سمات المربي العطاء، وقد أشار البُستي إلى نوع من أنواع العطاء. وهو العطاء بالمال في قوله:

من جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطِبةً                  إليه والمالُ للإنسانِ فَتَّان

      والعطاء معنى واسع منه العطاء بالمال والعطاء بالعلم، وبالجاه وبالمشاعر وغير ذلک من أنواع العطاء المتنوعة. وطبيعة عمل المربي قائمة على النفع المتعدي، وتعليم الغير، ونشر العلم والفضل للآخرين.

ويستفاد في تقرير هذه القيمة "قيمة العطاء" من بيت آخر للناظم بدلالة مفهوم المخالفة في البيت الآتي:

من کان للخير منَّاعًا فليس له                    على الحقيقة إخوانٌ وأخْدان

      فضد العطاء هو المنع، والذي يألف المنع حتى يصل به الحال إلى کونه (منّاعًا) بصيغة المبالغة، ونتيجة التخلي عن قيمة العطاء والاتصاف بالمنع هي فقدان الإخوة والأصحاب والرفاق؛ لأن الحياة قائمة على مبدأ الاخذ والعطاء، ومن يدمن العطاء دون الأخذ فسيجد نفسه يومًا خالي الزاد، ومن يدمن العکس فسينفض الناس من حوله ويبقى وحيدًا. والمربي لابد له من استمرار التزود والبناء حتى يستمر في العطاء والإنتاج، کما لا بد من العطاء الذي هو سمة عمله التربوي وطبيعته.

إجابة السؤال الثالث:

للإجابة عن السؤال الثالث من أسئلة الدراسة التي ينص على: ما الأساليب التربوية في نونيِّة البُستي؟ ويُقصد بالأساليب التربوية: "الطرق التربوية التي يستخدمها المربي لتنشئة المتربين التنشئة الصالحة". (الحازمي، ١٤٢٠ه، ص٣٧٥). وقد قام الباحث باستنباط الأساليب التربوية المتضمنة في القصيدة النونيِّة، وقد توصل إلى عدد من الأساليب التربوية، يعرضها کما يلي:

الأساليب التربوية في نونيِّة البُستي:

الأسلوب الأول: أسلوب التشويق والإغراء بالمحتوى التربوي.

-      الشاهد من القصيدة:

وأَرْعِ سمعک أمثالاً أفصِّلُها                                  کما يُفَصَّلُ ياقوتٌ ومرجانٌ

-      التعليق:

امتدح الناظم بضاعته وهي قصيدته في أبياتها الأولى بتشبيهه الأمثال التي سيوردها فيها بالياقوت والمرجان وهي الأحجار الکريمة ذات القيمة العالية، وکأنه يرغب المستمع والقارئ لها بهذا المحتوى وقيمته وتشبيهه بقيمة الياقوت والمرجان.

والمربي لا بد من قناعته بمحتواه أولًا حتى يستطيع تشويق المتربي وإغرائه به، فمن المشکلات التي قد تعترض المربي في تربيته ضعف قناعته بالمحتوى الذي يقدمه، ومن هنا ينسحب هذا الضعف إلى المتربي بشکل تلقائي فيضعف وصول المحتوى التربوي المستهدف           أو يتعذر.

ومن التطبيقات الحديثة لهذا الأسلوب ما يطبق في الاسترتيجيات التدريسية تحت ما يسمى بمهارة التهيئة للدرس (التمهيد)، حيث تعتمد هذه المهارة على جذب انتباه المتعلم للتعلم وتشويقهم إليه وحفزهم على متابعته، ولها عدد من الأمثلة، مثل: طرح أسئلة مثيرة للتفکير، أو الحديث عن قضية مجتمعية تهم الطلاب، أو سرد قصة قصيرة شيقة بأسلوب جذاب، أو إبراز أهمية الدرس للطلبة وقيمته وفائدته في حياتهم. (عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد، د ت، ص ٥٤-٥٥).

الأسلوب الثاني: أسلوب ضرب الأمثال.

-      الشاهد من القصيدة:

وأَرْعِ سمعک أمثالاً أفصِّلُها                       کما يُفَصَّلُ ياقوتٌ ومرجانٌ

وأيضًا: خُذْها سَوائرَ أمثالٍ مُهَذَّبةً                فيها لمن يَبتَغي التِّبيانَ تِبيان

-      التعليق:

اهتم البُستي في قصيدته النونيّة بتجميلها بعدد من الأمثلة التي أسهمت في تقريب المعاني، وإيصال المراد بصورة محسوسة. ومن هذه الأمثلة: تشبيهه للإحسان بالاستعباد وهي عبودية الرق (الاستمالة والجذب) کما ضرب في قصيدته أمثلة متعددة؛ بل أبان في مطلعها طلبه للمتلقي بإصغاء السمع للأمثال المفصلة في القصيدة وعنايته بها کالعناية بالياقوت والمرجان. وختم القصيدة بطلبه أخذ الأمثال المهذبة فيها وأن فيها التبيان والإيضاح لکثير من الحقائق لمن أراد ذلک.

وتکمن أهمية أسلوب ضرب المثل في التربية بأنه أبلغ أثرًا، وأعمق معنىً من التلقين المباشر؛ لأنه يثير عواطف المتلقي، ويجسد المعاني المجردة، مما يجعلها سهلة الفهم، قريبة المأخذ، ويساعد على تکوين القيم والاتجاهات، وإحداث تغيير في العقول والمواقف.               (يالجن، ٢٠٠٧م، ص٢٣٠).

وهذا الأسلوب کما ضمنّه الناظم في قصيدته، فهو متضمن في شعر الحکمة بشکل عام کما أکدت ذلک دراسة البصيري (١٤٣٥ه) من أن شعر الحکمة جاء بأساليب تهدف إلى تهذيب المسلم، وتقويم سلوکه العقدي والسلوکي، ليصل إلى أقصى غايات الکمال الإنساني، ومن أهم هذه الأساليب أسلوب ضرب المثل، إضافة لعدد من الأساليب التربوية الأخرى.

الأسلوب الثالث: أسلوب الموعظة.

-      الشاهد من القصيدة:

لا تحسبن سرورًا دائمًا أبدًا                        من سرَّه زمنٌ ساءته أزمان

وأيضًا: يا رافلاً في الشبابِ الرَّحْبِ مُنْتَشِيًا    من کأسِهِ، هل أصاب الرُّشْدَ نَشوان؟

لا تَغْتَرِرْ بشبابٍ رائقٍ نَضِرٍ                      فکم تَقدَّمَ قبلَ الشِّيب شُبَّان

ويا أخا الشَّيب لو ناصحتَ نفسکَ لم         يکن لمثلِکَ في اللَّذَّاتِ إمعان

هَبِ الشَّبيبةَ تُبْدي عُذْرَ صاحبِها            ما عُذْرُ أشْيَبَ يستهويه شيطان

-      التعليق:

وقد وظَّف البُستي هذا الأسلوب في تقرير عدد من الحقائق وإيصالها للمستهدف من قصيدته، منها: التحذير من الاغترار والإعجاب بعنفوان الشباب وتأجج القوة، فالشباب عرض زائل. والانتشاء به حاجب للعقل عن الهداية والرشاد، کما قال الإمام أحمد بن حنبل: ما شبهت الشباب إلا بشيء کان في کُمِّي فسقط! (أبو غدة، ١٤٢٧ه، ص٤١).

وفي العملية التربوية يعد هذا الأسلوب من أکثر الأساليب انتشارًا وأسهلها أداءًا، لکن قد يضعف أثره مع کثرة التکرار ووفرة المشتتات، ومما يعزز هذا الأسلوب ويقويه، انتقاء الوسائل التي تکون ذا أثر في نفس المتربي، وإيجاز الموعظة، والتشويق في العرض، وأن تکون نابعة من قلب المربي، وألا يتم تکرارها بشکل يفضي إلى السآمة.

الأسلوب الرابع: أسلوب التواصي بين المعلمين والمربين.

-      الشاهد من القصيدة:

يا أيها العالِمُ المَرْضِيُّ سِيرَتُهُ                         أبشِرْ فأنتَ بغيرِ المالءِ رَيَّان

-      التعليق:

وقد وظف الناظم هذا الأسلوب حيث خاطب العلماء والمعلمين بحکم مهنته السابقة أول سنوات حياته بقوله:

يا أيها العالِمُ المَرْضِيُّ سِيرَتُهُ             أبشِرْ فأنتَ بغيرِ المالءِ رَيَّان

      ويمثل هذا الخطاب نوعًا من التواصي بين العلماء والمعلمين السائرين في ذات الطريق، الذي يثبتهم على طريقهم في تعليم العلم وتربية النشء. فهو بذلک ينصح کل عالم ومعلم؛ فالعلم النافع ما أورث خشية الله ونفع الناس.

ولا شک أن هذا الأسلوب التربوي من الأساليب المهمة التي تحتاجها المؤسسات التربوية في الوقت الحاضر، فالمعلم والمربي قد يضعف أو يخطئ أو يحتاج إلى دعم نفسي يساعده على مواصلة مسيرته المهنية بشکل أفضل، ومن تطبيقات هذا الأسلوب التواصي بين الآباء والأمهات فيما يطور معارفهم ومهاراتهم التربوية، وکذلک التواصي بين المعلمين ومن ذلک الزيارات الدورية بينهم أثناء تنفيذ الدروس وتبادل الخبرات وتقويم الممارسات.

النتائج:

توصل البحث إلى عدد من النتائج، أهمها:

-           أن الخلفية العقدية والفکرية لأبي الفتح البُستي أسهمت في تشکيل آرائه التربوية، فتجدها تنبع من مصادر التربية الإسلامية.

-           تکونت نظرة البُستي للحياة من عدد من الأمور، هي: أنها حطامٌ فانٍ وظلٌ زائلٌ. وأن الحقائق فيها تتفاوت عن الأماني. وأن هناک تلازم بن جمع المال لذات المال وحصول الحزن. وأن السرور فيها غير دائم. وأيضًا حرية العمل وحتمية المسؤولية والجزاء.

-           کما تضمن تصوره عن الطبيعة الإنسانية أن الکرامة الإنسانية مصدر استمدادها التقوى، وأن الإنسان مکون من جسم وعقل ونفس، وأن الجمال الحقيقي في النفس لا بالجسم، وأن السمع والعقل من الأدوات التي يتحصل بها الإنسان على المعرفة والحقيقية. وأن الإنسان من طبيعته الوقوع في الخطأ، وأن جوهر التربية يکمن في التغيير للطباع البشرية.

-           تضمنت القصيدة عددًا من المبادئ التربوية الموجهة لعلاقة المربي بالمتربي، أبرزها: التسلح بالزاد الإيماني للمربي وهو تقوى الله والاستعانة به والاعتصام بحبله، وحفظ خصوصيات المتربين، ومراعاة الفروق الفردية، وحفظ المعروف وعدم خدشه، والاستشارة، والاستغناء عن الناس، والتخفف من الأحزان، وفتح الأمل والتفاؤل للمتربي، وطلاقة الوجه، وأنه لا بأس بأن يزيد في العلم وينقله من هو أقل علمًا.

-           حوت نونيّة البُستي عددًا من القيم التربوية الناظمة للعلاقة بين المربي والمتربي، ومن هذه القيم: الإحسان، والتعاون، والتعايش، والقناعة، والرفق، والتأني والروية، والعدل، والعطاء.

-           استخدم الناظم عددًا من الأساليب التربوية في قصيدته، وهي: أسلوب التشويق والإغراء بالمحتوى التربوي، وأسلوب ضرب المثل، وأسلوب الموعظة، وأسلوب التواصي بين المربين.

 

التوصيات:

يوصي البحث بعدد من التوصيات في ضوء النتائج التي توصل إليها، وهي کما يلي:

-           تضمين القصيدة أو عددٍ من أبياتها في مناهج اللغة والأدب في المراحل التعليمية المختلفة، والاستفادة من شواهدها الشعرية لتقرير القيم والمبادئ في مناهج الدراسات الإسلامية.

-           التأکيد على المربين بربط العمليات التربوية التطبيقية بالأساس الفکري للتربية والانطلاق منه. وإبراز انعکاسه عليها.

-           وضع دستور مهني يوضح أبعاد العلاقة بين المربي والمتربي، يرتکز في بنائه على ما جاء في القصيدة وما جاء في التراث التربوي الإسلامي بشکل عام..

-           توجيه المربين من آباء وأمهات ومعلمين لتوظيف الأساليب التربوية الواردة في القصيدة وتطبيقها في المؤسسات التربوية المختلفة.

-           توجيه الباحثين إلى مزيد من العناية التربوية بالقصيدة محل الدراسة وبقية قصائد شعر الحکمة والمنظومات التعليمية في التراث التربوي الإسلامي.

 

المراجع:

إبراهيم، نجيب إسکندر (١٩٩٧م). قيمنا الاجتماعية وأثرها في تکوين الشخصية. مکتبة النهضة المصرية: القاهرة.

الأسمري، عبدالله بن سعيد (١٤٢٥ه). دور التربية في التعايش مع الآخر من منظور إسلامي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدراسات العليا، جامعة النيلين: الخرطوم.

الأهواني، أحمد بن فؤاد (١٩٦٨م). التربية في الإسلام. دار المعارف: القاهرة.

البخاري، محمد بن إسماعيل (١٤١٨ه). صحيح الأدب المفرد. دار الصديق للنشر والتوزيع، ط٤.

البخاري، محمد بن إسماعيل (١٤٢٢ه). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وأيامه. دار طوق النجاة.

البصيري، محمد بن عبدالله (١٤٣٥ه). المضامين التربوية في شعر الحکمة خلال القرن الأول والثاني الهجري. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.

التويجري، عبدالعزيز بن عثمان (١٤١٩ه). الإسلام والتعايش بين الأديان في أفق القرن الواحد والعشرين. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسکو).

ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم (١٤٠٥ه). الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. دار البيان: دمشق.

الثعالبي، عبدالملک (١٤٢٠ه). يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. دار الکتب العلمية: بيروت.

الجعيثن، خالد بن إبراهيم (١٤٣٤ه). الدور التربوي للأسرة في حفظ السر. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.

الحازمي، خالد بن حامد (١٤٢٠ه). أصول التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.

الحازمي، خالد بن حامد (١٤٢٤ه). الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. العدد (١٢١) السنة (٣٥) ١٤٢٤ه، ص ص ٤٤١-٥١٨.

الحدري، خليل بن عبدالله (١٤٣٦ه). تطوير معايير إعداد معلم المستقبل في ضوء أهداف التربية الإسلامية. المؤتمر الدولي الأول: التربية آفاق مستقبلية، جامعة الباحة. ص ص 1283-1296.

الحدري، خليل بن عبدالله (2017م). التطبيقات التربوية للطبيعة الإنسانية في ضوء قصة بدء الخليقة. مجلة البحث العلمي في التربية، جامعة عين شمس-القاهرة، العدد 18، ج٢. ص ص 23–55.

ابن حزم، علي بن أحمد (١٣٩٩ه). الأخلاق والسير في مداواة النفوس. دار الآفاق الجديدة: بيروت.

بن حسن، عبدالملک بن حسن (١٤٣٨ه). الجوانب التربوية في منظومة الآداب لابن عبدالقوي -دراسة تحليلية-. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.

الحموي، ياقوت (١٩٧٩م). معجم البلدان. دار الفکر: بيروت.

ابن خلکان، أحمد بن محمد (د ت). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. دار الثقافة: لبنان.

الخولي، محمد بن مرسي (١٩٨٠م). أبو الفتح البستي حياته وشعره. دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع: بيروت.

خياط، محمد بن جميل (١٤٠٧ه). النظرية التربوية الإسلامية. مکتبة التراث: مکة المکرمة.

الدميري، محمد بن موسى (١٤٢٤ه). حياة الحيوان الکبرى. دار الکتب العلمية: بيروت، ط٢.

الذهبي، محمد بن أحمد (١٣٧٤ه). تذکرة الحفاظ. الناشر دائرة المعارف العثمانية.

الذهبي، محمد بن أحمد (١٤١٣ه). سير أعلام النبلاء. مؤسسة الرسالة: بيروت، ط٩.

الزرکلي، خير الدين بن محمود (٢٠٠٢م). الأعلام. دار العلم للملايين: بيروت، ط١٥.

السبکي، تاج الدين عبدالوهاب بن علي (١٣٨٣ه). طبقات الشافعية الکبرى. مطبعة فيصل عيسى البابي الحلبي: القاهرة.

السمعاني، عبدالکريم بن محمد (١٩٨٨م). الأنساب. دار الجنان: بيروت.

الشراري، حمدان بن مطني (٢٠١٥م). القناعة في القرآن الکريم: دراسة موضوعية. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة: الأردن.

شمس الدين، عبدالأمير (١٩٨٤م). المذهب التربوي عند ابن جماعة. دار اقرأ: بيروت.

ابن عاشور، محمد الطاهر (١٩٨٤م). التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر: تونس.

عبدالرحيم، سامح بن جميل (١٩٩٣م). دستور مقترح لمهنة التدريس في ضوء آداب المعلمين في التراث التربوي الإسلامي. دراسات تربوية: رابطة التربية الحديثة مج ٨، ج٥٣ (١٩٩٣م) ص ص ١٧١-٢٣٠.

عبدالعال، حسن بن إبراهيم (١٤٠٥ه). مقدمة في فلسفة التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.

العسقلاني، أحمد بن علي (١٣٧٩ه). فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار المعرفة: بيروت.

العسقلاني، أحمد بن علي (١٤٢٤ه). بلوغ المرام من أدلة الأحکام. دار الفلق: الرياض، ط٧.

العصيمي، صالح بن عبدالله والدهمشي، محمد بن عاني (د ت). عنوان الحکم القصيدة البستية في المواعظ والأمثال.

 https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single_02/ar-nwnyt-albsty.pdf مسترجع بتاريخ ١٧/٤/٢٠٢١م.

علي، سعيد بن إسماعيل (١٤٢١ه). القرآن الکريم روية تربوية. دار الفکر العربي: القاهرة.

علي، سعيد بن إسماعيل (٢٠١٠م). أصول التربية الإسلامية. دار المسيرة: الأردن-عمان.

عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد (د ت). التربية العمليّة بأسلوب التدريس المصغر. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد- إدارة الشؤون التعليمية.

العيسى، إبراهيم بن محمد (٢٠١٢م). منهج الاستنباط من القرآن الکريم والسنة النبوية (نماذج تطبيقية في التربية الإسلامية). مجلة البحث العلمي في التربية، جامعة عين شمس-القاهرة، العدد ١٣، ج٢. ص ص ١٢٥٦–١٢٧٢.

الغامدي، علي بن عبدالله (١٤٣٣ه). المضامين التربوية المستنبطة من منظومة حرز الأماني ووجه التهاني للإمام الشاطبي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.

أبو غدة، عبدالفتاح (١٤٢٧ه). قصيدة عنوان الحکم للشاعر الأديب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البُستي. مکتبة المطبوعات الإسلامية: بيروت، ط٥.

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (١٩٨٦م). إحياء علوم الدين. دار الغد العربي: القاهرة، ط٢.

فلمبان، زينت بنت جمال الدين (١٤٠٩ه). مبادئ تربوية من ديوان الإمام الشافعي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.

القابسي، علي بن محمد (١٩٦٨م). أحوال المتعلمين وأحکام المعلمين والمتعلمين. ضمن کتاب "التربية في الإسلام" لأحمد فؤاد الأهواني. دار المعارف: القاهرة.

القاضي، نايف بن يوسف (١٤٣٩ه). تصور مقترح لتطوير دور الجامعات السعودية في التربية العقلية لطلابها في ظل التحديات المعاصرة من منظور التربية الإسلامية. رسالة دکتوراه غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.

القرني، حسن بن عبدالله (١٤٢٥ه). القيم التربوية المتضمنة في النصوص الشعرية المقررة في أدب المرحلة الثانوية. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.

ابن کثير، إسماعيل بن عمر (١٤٢٣ه). البداية والنهاية. دار الحديث: القاهرة، ط٦.

کليب، منيرة بنت عايش (١٤٣٥ه). القيم الإسلامية المتضمنة في شعر کعب بن زهير والأساليب التربوية المقترحة لتنميتها لدى الطلبة. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.

الکيلاني، ماجد بن عرسان (١٤٢٧ه). أصول التربية الإسلامية. دار القلم: دبي.

مجاهد، صفاء محمد علي (١٤٣٢ه). أصول التربية الإسلامية والقضايا المعاصرة. دار النشر الدولي: الرياض.

محمد، باوا (١٤٣٧ه). التوجيهات التربوية المستنبطة من قصيدة عنوان الحکم لأبي الفتح البستي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.

المناوي، عبدالرؤوف بن تاج العارفين (١٣٥٦ه). فيض القدير شرح الجامع الصغير. المکتبة التجارية الکبرى: مصر.

ناصر، إبراهيم (١٤٣٠ه). مقدمة في التربية. دار عمار: الأردن-عمان.

نمازي، فاطمة بنت محمد (١٤٣٩ه). القيم التربوية المتضمنة في المنظومة الميمية (في الوصايا والآداب العلمية) للشيخ حافظ الحکمي وتطبيقاتها في الأسرة والمسجد والمدرسة. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.

النيسابوري، مسلم بن الحجاج (د ت). المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. دار إحياء التراث العربي: بيروت.

يالجن، مقداد بن محمد (١٤١٩ه). مناهج البحث وتطبيقاتها فيي التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.

يالجن، مقداد بن محمد (٢٠٠٧م). منهج أصول التربية الإسلامية المطور. دار عالم الکتب: الرياض.

إبراهيم، نجيب إسکندر (١٩٩٧م). قيمنا الاجتماعية وأثرها في تکوين الشخصية. مکتبة النهضة المصرية: القاهرة.
الأسمري، عبدالله بن سعيد (١٤٢٥ه). دور التربية في التعايش مع الآخر من منظور إسلامي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدراسات العليا، جامعة النيلين: الخرطوم.
الأهواني، أحمد بن فؤاد (١٩٦٨م). التربية في الإسلام. دار المعارف: القاهرة.
البخاري، محمد بن إسماعيل (١٤١٨ه). صحيح الأدب المفرد. دار الصديق للنشر والتوزيع، ط٤.
البخاري، محمد بن إسماعيل (١٤٢٢ه). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وأيامه. دار طوق النجاة.
البصيري، محمد بن عبدالله (١٤٣٥ه). المضامين التربوية في شعر الحکمة خلال القرن الأول والثاني الهجري. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.
التويجري، عبدالعزيز بن عثمان (١٤١٩ه). الإسلام والتعايش بين الأديان في أفق القرن الواحد والعشرين. المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسکو).
ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم (١٤٠٥ه). الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. دار البيان: دمشق.
الثعالبي، عبدالملک (١٤٢٠ه). يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. دار الکتب العلمية: بيروت.
الجعيثن، خالد بن إبراهيم (١٤٣٤ه). الدور التربوي للأسرة في حفظ السر. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.
الحازمي، خالد بن حامد (١٤٢٠ه). أصول التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.
الحازمي، خالد بن حامد (١٤٢٤ه). الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. العدد (١٢١) السنة (٣٥) ١٤٢٤ه، ص ص ٤٤١-٥١٨.
الحدري، خليل بن عبدالله (١٤٣٦ه). تطوير معايير إعداد معلم المستقبل في ضوء أهداف التربية الإسلامية. المؤتمر الدولي الأول: التربية آفاق مستقبلية، جامعة الباحة. ص ص 1283-1296.
الحدري، خليل بن عبدالله (2017م). التطبيقات التربوية للطبيعة الإنسانية في ضوء قصة بدء الخليقة. مجلة البحث العلمي في التربية، جامعة عين شمس-القاهرة، العدد 18، ج٢. ص ص 23–55.
ابن حزم، علي بن أحمد (١٣٩٩ه). الأخلاق والسير في مداواة النفوس. دار الآفاق الجديدة: بيروت.
بن حسن، عبدالملک بن حسن (١٤٣٨ه). الجوانب التربوية في منظومة الآداب لابن عبدالقوي -دراسة تحليلية-. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.
الحموي، ياقوت (١٩٧٩م). معجم البلدان. دار الفکر: بيروت.
ابن خلکان، أحمد بن محمد (د ت). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. دار الثقافة: لبنان.
الخولي، محمد بن مرسي (١٩٨٠م). أبو الفتح البستي حياته وشعره. دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع: بيروت.
خياط، محمد بن جميل (١٤٠٧ه). النظرية التربوية الإسلامية. مکتبة التراث: مکة المکرمة.
الدميري، محمد بن موسى (١٤٢٤ه). حياة الحيوان الکبرى. دار الکتب العلمية: بيروت، ط٢.
الذهبي، محمد بن أحمد (١٣٧٤ه). تذکرة الحفاظ. الناشر دائرة المعارف العثمانية.
الذهبي، محمد بن أحمد (١٤١٣ه). سير أعلام النبلاء. مؤسسة الرسالة: بيروت، ط٩.
الزرکلي، خير الدين بن محمود (٢٠٠٢م). الأعلام. دار العلم للملايين: بيروت، ط١٥.
السبکي، تاج الدين عبدالوهاب بن علي (١٣٨٣ه). طبقات الشافعية الکبرى. مطبعة فيصل عيسى البابي الحلبي: القاهرة.
السمعاني، عبدالکريم بن محمد (١٩٨٨م). الأنساب. دار الجنان: بيروت.
الشراري، حمدان بن مطني (٢٠١٥م). القناعة في القرآن الکريم: دراسة موضوعية. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة: الأردن.
شمس الدين، عبدالأمير (١٩٨٤م). المذهب التربوي عند ابن جماعة. دار اقرأ: بيروت.
ابن عاشور، محمد الطاهر (١٩٨٤م). التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر: تونس.
عبدالرحيم، سامح بن جميل (١٩٩٣م). دستور مقترح لمهنة التدريس في ضوء آداب المعلمين في التراث التربوي الإسلامي. دراسات تربوية: رابطة التربية الحديثة مج ٨، ج٥٣ (١٩٩٣م) ص ص ١٧١-٢٣٠.
عبدالعال، حسن بن إبراهيم (١٤٠٥ه). مقدمة في فلسفة التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.
العسقلاني، أحمد بن علي (١٣٧٩ه). فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار المعرفة: بيروت.
العسقلاني، أحمد بن علي (١٤٢٤ه). بلوغ المرام من أدلة الأحکام. دار الفلق: الرياض، ط٧.
العصيمي، صالح بن عبدالله والدهمشي، محمد بن عاني (د ت). عنوان الحکم القصيدة البستية في المواعظ والأمثال.
 https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single_02/ar-nwnyt-albsty.pdf مسترجع بتاريخ ١٧/٤/٢٠٢١م.
علي، سعيد بن إسماعيل (١٤٢١ه). القرآن الکريم روية تربوية. دار الفکر العربي: القاهرة.
علي، سعيد بن إسماعيل (٢٠١٠م). أصول التربية الإسلامية. دار المسيرة: الأردن-عمان.
عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد (د ت). التربية العمليّة بأسلوب التدريس المصغر. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- عمادة التعلم الالکتروني والتعليم عن بعد- إدارة الشؤون التعليمية.
العيسى، إبراهيم بن محمد (٢٠١٢م). منهج الاستنباط من القرآن الکريم والسنة النبوية (نماذج تطبيقية في التربية الإسلامية). مجلة البحث العلمي في التربية، جامعة عين شمس-القاهرة، العدد ١٣، ج٢. ص ص ١٢٥٦–١٢٧٢.
الغامدي، علي بن عبدالله (١٤٣٣ه). المضامين التربوية المستنبطة من منظومة حرز الأماني ووجه التهاني للإمام الشاطبي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.
أبو غدة، عبدالفتاح (١٤٢٧ه). قصيدة عنوان الحکم للشاعر الأديب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البُستي. مکتبة المطبوعات الإسلامية: بيروت، ط٥.
الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (١٩٨٦م). إحياء علوم الدين. دار الغد العربي: القاهرة، ط٢.
فلمبان، زينت بنت جمال الدين (١٤٠٩ه). مبادئ تربوية من ديوان الإمام الشافعي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.
القابسي، علي بن محمد (١٩٦٨م). أحوال المتعلمين وأحکام المعلمين والمتعلمين. ضمن کتاب "التربية في الإسلام" لأحمد فؤاد الأهواني. دار المعارف: القاهرة.
القاضي، نايف بن يوسف (١٤٣٩ه). تصور مقترح لتطوير دور الجامعات السعودية في التربية العقلية لطلابها في ظل التحديات المعاصرة من منظور التربية الإسلامية. رسالة دکتوراه غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.
القرني، حسن بن عبدالله (١٤٢٥ه). القيم التربوية المتضمنة في النصوص الشعرية المقررة في أدب المرحلة الثانوية. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.
ابن کثير، إسماعيل بن عمر (١٤٢٣ه). البداية والنهاية. دار الحديث: القاهرة، ط٦.
کليب، منيرة بنت عايش (١٤٣٥ه). القيم الإسلامية المتضمنة في شعر کعب بن زهير والأساليب التربوية المقترحة لتنميتها لدى الطلبة. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة أم القرى: مکة المکرمة.
الکيلاني، ماجد بن عرسان (١٤٢٧ه). أصول التربية الإسلامية. دار القلم: دبي.
مجاهد، صفاء محمد علي (١٤٣٢ه). أصول التربية الإسلامية والقضايا المعاصرة. دار النشر الدولي: الرياض.
محمد، باوا (١٤٣٧ه). التوجيهات التربوية المستنبطة من قصيدة عنوان الحکم لأبي الفتح البستي. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية: المدينة المنورة.
المناوي، عبدالرؤوف بن تاج العارفين (١٣٥٦ه). فيض القدير شرح الجامع الصغير. المکتبة التجارية الکبرى: مصر.
ناصر، إبراهيم (١٤٣٠ه). مقدمة في التربية. دار عمار: الأردن-عمان.
نمازي، فاطمة بنت محمد (١٤٣٩ه). القيم التربوية المتضمنة في المنظومة الميمية (في الوصايا والآداب العلمية) للشيخ حافظ الحکمي وتطبيقاتها في الأسرة والمسجد والمدرسة. رسالة ماجستير غير منشورة، کلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الرياض.
النيسابوري، مسلم بن الحجاج (د ت). المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. دار إحياء التراث العربي: بيروت.
يالجن، مقداد بن محمد (١٤١٩ه). مناهج البحث وتطبيقاتها فيي التربية الإسلامية. دار عالم الکتب: الرياض.
يالجن، مقداد بن محمد (٢٠٠٧م). منهج أصول التربية الإسلامية المطور. دار عالم الکتب: الرياض.