نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ الأصول الإسلامية للتربية المشارک بجامعة أم القرى
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الموضوعات الرئيسية
کلية التربية
کلية معتمدة من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم
إدارة: البحوث والنشر العلمي ( المجلة العلمية)
=======
التعددية الثقافية العالمية في ضوء القيم الإسلامية للحوار الحضاري (دراسة تحليلية)
إعــــــــــداد
د/ فاطمة سالم باجابر
أستاذ الأصول الإسلامية للتربية المشارک بجامعة أم القرى
} المجلد السابع والثلاثون– العدد الثاني – فبراير 2021م {
http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic
هذه الدراسة تسعى إلى توضيح بعض القيم الإسلامية للحوار الحضاري في التعددية الثقافية التي يمکن الاستناد عليها وتطبيقها والاستفادة منها؛ للوصول إلى مجتمعات آمنة، وقد سعت منظمات کبيرة ومؤسسات جسيمة لحل هذه النزاعات، وما زال المفکرون والسياسيون والتربويون، کُلا يسعى من جانبه لإيجاد سبل مقننة لتخفيف من حدة الصراع المتصاعد في العالم، فکثرة الدراسات في هذا الجانب تزيد من أهميته ويصل صداها کافة المجتمعات المتعددة الثقافة وهدفت الدراسة الي إيضاح المنظور الإسلامي للتعددية الثقافية العالمية، وموقف الفکر الغربي منها، إبراز القيم الإسلامية في مجال الحوار الحضاري لمواجهة التعددية الثقافية العالمية، ووضع اقتراح التطبيقات التربوية للقيم الإسلامية للحوار الحضاري لتکون منهج حياة في مجتمعات التعددية الثقافية.
الکلمات المفتاحية: التعددية الثقافية- القيم الإسلامية - الحوار الحضاري .
Abstract
This study seeks to clarify some of the Islamic values of civilizational dialogue in cultural pluralism that can be relied upon, applied and benefited from. To reach safe societies, large organizations and enormous institutions have sought to resolve these conflicts, and thinkers, politicians, and educators are still seeking, on their part, to find codified ways to mitigate the escalating conflict in the world, as the abundance of studies in this aspect increases its importance and resonates with all multicultural societies. The study aimed to clarify the Islamic perspective on global cultural pluralism, and the stance of Western thought towards it, to highlight Islamic values in the field of civilized dialogue to confront global cultural pluralism, and to develop a proposal for educational applications of Islamic values for civilized dialogue as a way of life in multicultural societies.
Key words: cultural pluralism - Islamic values - civilizational dialogue .
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الذي وهبنا العلم وجعله لنا نورًا ونبراس نهتدي به، الحمد لله الذي بيده کل الخير وبه تتم کل الصالحات، سبحانه لا إله إلا هو نحمده ونشکر فضله في کل وقت وحين، ونشهد أن نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.
إن بداية الإنسانية أسرة واحدة تفرع منها الناس کافة، وتکاثروا، وسلکوا سبلاً مختلفة في بقاع الأرض، فاختلف الناس في طريقة معيشتهم نتيجة البيئة والظروف المحيطة بهم، وهذا أمر حتمي لا يمکن تغييره أو تبديله، فهذه سنة کونية وحکمة إلهية، ولکن رغم هذا التباين وتعدد الثقافات بين الشعوب والقبائل، فقد أمر عز وجل أن يتعارفوا ، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ) الحجرات : ١٣
وتوطد أواصر هذه العلاقات الإنسانية بالتعارف والتواصل الإيجابي بين الثقافات المتعددة يحقق الألفة والتعاون والاستقرار الاجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس على قاعدة المساواة والاشتراک في الآدمية والإنسانية، ووفر لهم الإمکانيات؛ ليکون بينهم التعارف المؤدي إلى التآلف، ويتحقق التعاون والتکامل الثقافي، رغم الاختلاف والتباين والتعدد الثقافي فيما بينهم في الدين واللغة والقيم والأيدولوجيات، إلا أنه يوجد مقياس للتعارف بينهم، وهو التقوى أي العمل بما أوجبه الله، ويشمل صلاح القلب والعمل والسلوک، أي صلاح الظاهر والباطن.
وقد وردت آيات في القرآن الکريم تبين أن أصل الناس سواء، ثم حدث الاختلاف، والتعايش بين الناس مهما کان التباين والتعدد الثقافي، ومنها قوله ﭨﭐ ( وَمَا کَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) ) سورة يونس: آية19
وبينت السنة النبوية الجانب القيمي والأخلاقي والسلوکي في العلاقات والتواصل بين الناس في جميع شؤون حياتهم، وظهرت صورة العلاقات بين الجماعات المختلفة واضحة جلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، وتعامل مع اليهود فحافظ على حقوقهم رغم اختلاف دينهم وتعدد قبائلهم، وامتددت جسور تطبيق القيم الإسلامية في العلاقات الإنسانية في عهد الخلفاء الراشدين، والعصور التي بعدها، وتجسدت القيم الإسلامية للحوار الحضاري في تعاملات القادة المسلمين مع شعوب وقبائل البلدان التي فتحها المسلمون وذاع صيت عدلهم، وقيمهم الإسلامية التي کانت منهج حياة، ونظام سائد في ذلک الوقت، فکل شخص يمارس معتقداته الدينية بُحرية مع تبادل الاحترام بين الأطراف المتعددة، وتقبل رأي الآخر، والحوار الهادف، بقيمه الإسلامية العالمية، فعم الأمن والسلام، والتعايش السلمي، والأمان والاستقرار، وهذه من القيم الحضارية التي کانت سائدة في عصر الدولة الإسلامية القوية، فانتشر الإسلام والسلام.
وتباين الناس واختلافهم في معتقداتهم وأيديولوجياتهم مستمر إلى مالا نهاية، ولقد وُضعت له عدة مصطلحات منها التعددية الثقافية وهي في حد ذاتها ليست إشکالية، فکل مجتمع له ثقافته وقيمه الخاصة به ومن حقه الحفاظ عليها، وتنحى التعددية الثقافية إلى مسارين الأول: أنها تکون عامل للتطور والتقدم والتنمية في عدد من المجتمعات، والثاني: أنها تکون ذات أثر سلبي في مجتمعات أخرى، ويتحول الأمر إلى صراع ونزاع، وهي المجتمعات التي تسعى للسيطرة وتنادي بالعولمة، وتحاول أن تستبدل قيم المجتمعات وحضاراتها وثقافتها بقيمها، متجاهلة قيم الحوار، ووضعت نصب عينيها أنها بقوتها تصل إلى غايتها.
وموقف الحضارات والثقافات المغايرة في تلقي القيم الدخيلة تکون على ثلاث منعطفات إما القبول الکامل بالثقافات الدخيلة، فتکون التبعية الثقافية العمياء، وإما الصمود أمام التحديات ورفضها، وهنا يکون الصراع الحضاري، وإما الوسطية والسعي لتقارب وجهات النظر وأخذ القيم التي تتماشى مع ثقافة المجتمع، وقد يغلب على المجتمع سيادة الثقافة الأقوى، فتبدأ نقطة الصراع الحضاري والتباين الثقافي بين الجماعات في المجتمعات استنادا على الرفض والقبول.
فالنظرة العدائية أو الصدامية، أو الصراعية لن تفيد بل تزيد من تأزم واقع العرب والمسلمين وسيعزلهم عن العالم وعن مسايرة رکب الحضارة الإنسانية التي هي ملک للجميع (بوعود، 2006م).
ولا يعني ذلک ألا يعرض العرب قيمهم، ففرق کبير بين عرض القيم، وبين فرضها، والتعددية داخل أي مجتمع من المجتمعات، لا تتم إلا بوجود المرجعية الواحدة، فلو انتفت المرجعية الموحدة للثقافة انتفى معنى التعددية في المجتمع (عمارة، 1998م)
والاختلاف والتعددية الثقافية ليس للجفاء والتباعد، والتصادم في وجهات النظر، وليس مدعاة للنبذ والنفي والتقليل من شأن الآخر، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَلِذَلِکَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) )(هود: ١١٨ - 119) .
وبينت دراسة بن جماعة تجارب ست دول في تطبيق سياسة التعدد الثقافي هي: أستراليا، الهند، هولندا، سنغفورة، جنوب أفريقيا،و کندا، وسلط الضوء على التجربة الکندية بسبب ترکيبته الجامعة بين الهنود الحمر (أو الأمم الأولى) والفرنسيين والإنجليز، وبسبب الانفتاح وقبول المهاجرين فالنموذج الأول يعرف بالتعددية الثقافية ( Multiculturalism ( ومعتمد من الحکومة الفيدرالية الکندية، أما الثاني فهو معتمد من قبل مقاطعة کيوبک ويعرف باسم التفاعل الثقافي( Interculturalism ) (ابن جماعة ،2009).
ويصف ( ( Simon Bekker التعددية الثقافية بأنها مصطلح يستعمل بثلاثة معان مختلفة ،کوصف لحالة التنوع في مجتمع ما، وکأيديولوجية تهدف إلى دمج التنوع العرقي في المجتمع، وکسياسات عامة تهدف لخلق الوحدة الوطنية من خلال التنوع العرقي في المجتمع (. Bekker .2003).
ويرى المنظرون أن إشکالية التطبيق للتعددية الثقافية تنبثق من عدة تساؤلات منها: "کيف يمکن أن نقترب من الثقافات الأخرى دون فقدان هويتنا الخاصة؟ وهل نظرية التعددية الثقافية صالحة، أم أنها تقوم على افتراضات مثالية لا تصمد في العالم الحقيقي؟ وهل يمکن للدولة الديموقراطية الليبرالية أن تعطي لأقلية ما حقها وتقمع الفرد داخلها باعتبار فکرة الفردانية تضاد خصوصيات هذه الأقلية؟ وهل يؤدى التدخل لمصلحة الفرد إذا حدث إلى تفکک الجماعة في نهاية المطاف وذوبانها في الغالبية السياسية/ الثقافية؟" (ابو سکين، د.ت)
وتؤکد دراسة أبو الوفاء (2000م) على أن المجتمع المتعدد الثقافات لا يعني مجرد تجاور أو تعايش عدة ثقافات جنبا إلى جنب؛ بل يعني حدوث عدة اتصالات وتفاعلات وتداخلات، ولا يتم ذلک في مدارس تمارس الفصل والتمييز، وإنما يتم من خلال إقامة صلة تواصل شاملة بين اللغات والثقافات المختلفة.
وظهرت في الآونة الأخيرة مجتمعات ذابت هويتها الثقافية فأصبحت لا غربية ولا عربية، حيث انبهرت بثقافات أخرى وتقبلتها، دون تمييز بين الحق والباطل، ودون موازنة بين القيم المناسبة لثقافة مجتمعها، وتجاوزت المجتمعات ذات السيادة حدودها، وفرضت هيمنتها، لنشر العولمة، فکانت نتائجها فرض قيم معينة على مجتمعات ذات طابع ثقافي مختلف لا تتماشى قيمه مع الثقافات الدخيلة، فتولد الصراع، وفقدان التماسک الاجتماعي.
وقد تکون التعددية الثقافية في مجتمع واحد، وهم يتعايشون معا في دولة واحدة ويتقبلون ثقافة بعضهم ويحترم کل منهم قيم الآخر، کما في الدول الإسلامية والعربية يعيش فيها أصول عرقية وثقافية متباينة ويعيشون في تناغم جميعهم تحت مظلة القيم الإسلامية للحوار الحضاري، التي تدعو إلى السلام والأمن والأمان والاستقرار والتعايش السلمي، فهي قيم عالمية مصدرها منهج رباني، تدعو إلى تقبل ثقافة الآخر؛ فتسير ثقافة المجتمعات باتجاه حضاري راقي تُحترم فيه القيم بين الجماعات، وبالتالي لن يکون هناک صراعات، وأرى في مثل هذه الحالة لا يلزم استخدام مصطلح تعددية ثقافية بل يستخدم مصطلح تکامل ثقافي أو تلاقح ثقافي، لأنه رغم اختلاف الثقافات إلا إنه يوجد تناغم بين الأفراد في المجتمعات، أما نقيض ذلک فهو الذي يولد الصراعات والمنازعات العدائية والاختلافات والعنصرية المتناحرة..
مشکلة الدراسة
إن موضوع التعددية الثقافية العالمية، وقيم الحوار الحضاري حري بالدراسة والأبحاث المستفيضة والتحليل، حيث يعد من الأولويات التي ينبغي الاهتمام بها، وإعادة هيکلتها؛ کي تتناسب مع الإنسان المعاصر في محيط الثوابت الإسلامية، وينبغي ترسيخ القيم في هذه الظروف التي اختل فيها التوازن وامتددت جسور مصطلح التعددية الثقافية أکثر من ذي قبل، وغلبت عليه القيم الفردية والمادية، واضمحلت القيم الروحية والإنسانية.
ولوضع خطوط حمراء تقف عندها المجتمعات المتصارعة، وتحترم فيها قيم الآخر وثقافته، ويلتزم المجتمع بحدوده ولا يتجاوزها؛ يحتاج الأمر إلى إقناع المجتمعات الإنسانية ثقافيا ومعرفيا بطرق حکيمة؛ حتى تلتزم فيها بالقيم الإسلامية للحوار الحضاري اقتناعا، وليس فرضا أو أمرا - لأنها تسير وفق منهج رباني عالمي- وبذلک تحقق التعددية الثقافية التعايش السلمي الآمن بشکل اجتماعي واقتصادي ونفسي؛ ولو رجعت المجتمعات ودرست الکيفية التي تعايش فيها المسلمون قبل حقبة من الزمن مع المجتمعات التي لها ثقافات متعددة؛ لظهر لها ذلک جليا في السيرة النبوية بکل مراحلها وأطوارها، فقد أرست قيم الحوار الحضاري وغرستها في نفوس الناس، وعقولهم، فظهر ذلک في سلوکهم فردا وجماعة، فامتدت جسور الحوار الحضاري بقيمه الإسلامية المحايدة والهادفة، في تلک مجتمعات.
فالمجتمعات العالمية المعاصرة هيمن فيها القوي على الضعيف، وذابت کرامة بعض المجتمعات أمام العولمة، وحدث هذا التغير باسم الحداثة والتطور والتجديد فباتت الدول التي کانت قوية بالأمس البعيد ضعيفة ومهمشة، وبعيدة عن متطلبات المشارکة والمساهمة الإيجابية في أحداث العالم، وهذه المجتمعات تحتاج إلى مرتکز لتنهض من جديد وتسترد عزها وقوتها، وهذا يکون بإعادة البنية الأساسية من أجل الوصول إلى تطبيق قيم الحوار الحضاري مع المجتمعات المتعددة الثقافات،وتحديد المفاهيم والمصطلحات،والاتفاق عليها واحترام الخصوصيات بين کل الأطراف،وعدم قبول سياسة الطرف الآخر کما هي-الغرب وأمريکا- خاصة الآن في عصر العولمة، من خلال محاولات التهديد، والتحقير، والاستعلاء وهي لغة الحوار في العالم الجديد من وجهة نظرهم، ولتجاوز تحديات الحوار الحضاري ينبغي أن تکون له قيم ومصطلحات ومفاهيم بلغة واضحة محددة غير موجهة إلى أمة أو دين کما هو الحال الآن، حيث يوجه الخطاب الأمريکي الأوربي ضد الإسلام وقيمه ومبادئه بصورة علنية(القماطي، د.ت،)، وظهر الصراع الحضاري والتبعية في الآونة الأخيرية نتيجة الهيمنة والعولمة وفرض قيم حضارة معينة على مجتمعات ذات طابع ثقافي مختلف لا تتماشى قيمه مع کل الثقافات. والهدف صهر الثقافات ودمجها في ثقافتهم، لمسخ الهوية، وذوبان الشخصية، وسلب الإرادة.
وهذا الخطر الزاحف المتشعب يحتاج إلى دراسات مستفيضة توضح وتبين أهمية القيم الإسلامية للحوار الحضاري، فهي تتناسب مع المعتقدات الدينية في المجتمعات المتعددة وتحترم جميع الثقافات، ولا تقلل من شأن ثقافة الآخر، فقيم الحوار الحضاري قضية إنسانية، ومن أهم احتياجات الإنسان المعاصر، وضرورية لجميع فئات المجتمع، للتواصل الإنساني. فإذا سار عليها المسؤولون يتحقق التعايش السلمي، ويعرف کل مجتمع واجباته وحقوقه، فيؤدي ما عليه ويلتزم بما له، ولندرة هذه الدراسات العلمية يجعل الاحتياج إليها مستمر.
أما عن أزمة الحوار؛ فهي مترتبة على أزمة العقل والفکر، وحلها يترتب عليه إصلاح الأمة الذي لا يتحقق إلا بتطبيق قيم الحوار الإسلامي في التعددية الثقافة، لمواجهة التحديات وحل الصراعات.
وهذه الدراسة تسعى إلى توضيح بعض القيم الإسلامية للحوار الحضاري في التعددية الثقافية التي يمکن الاستناد عليها وتطبيقها والاستفادة منها؛ للوصول إلى مجتمعات آمنة، وقد سعت منظمات کبيرة ومؤسسات جسيمة لحل هذه النزاعات، وما زال المفکرون والسياسيون والتربويون، کُلا يسعى من جانبه لإيجاد سبل مقننة لتخفيف من حدة الصراع المتصاعد في العالم، فکثرة الدراسات في هذا الجانب تزيد من أهميته ويصل صداها کافة المجتمعات المتعددة الثقافة.
أسئلة الدراسة
1) ما المنظور الإسلامي للتعددية الثقافية العالمية؟
2) ما موقف الفکر الغربي من التعددية الثقافية؟
3) ما القيم الإسلامية للحوار الحضاري لمواجهة تحديات التعددية الثقافية؟
4) ما التطبيقات التربوية للقيم الإسلامية للحوار الحضاري في مجتمعات التعددية الثقافية العالمية؟
أهداف الدراسة
هدفت الدراسة إلى:
إيضاح المنظور الإسلامي للتعددية الثقافية العالمية، وموقف الفکر الغربي منها، إبراز القيم الإسلامية في مجال الحوار الحضاري لمواجهة التعددية الثقافية العالمية، ووضع اقتراح التطبيقات التربوية للقيم الإسلامية للحوار الحضاري لتکون منهج حياة في مجتمعات التعددية الثقافية.
أهمية الدراسة
تأتي أهمية الدراسة الحالية من حيوية موضوع التعددية الثقافية العالمية في ضوء القيم الإسلامية للحوار الحضاري، حيث يتناول مستجدات، وتحديات جسام، ووقائع يشهدها العالم اليوم، وتبرز أهمية الدراسة على النحو التالي:
1) جدة الموضوع خاصةً في الوقت الحالي الذي يشهد فيه العالم صراعات مختلفة تستغل فيه الاختلافات الدينية والمذهبية والحضارية.
2) تکتسب الدراسة أهميتها من أهمية القيم الإسلامية للحـوار الحضـاري، فعلى الرغم من کثرة الکتابة في التعددية الثقافية إلا أن صراع الثقافات المتعددة، لم يستقر على قيم للحوار الحضاري، التي هـي الضـمان الأکبـر فـي تحقيق الســلام العـــالمي الـــذي تنشـــده المجتمعات والأفراد، تجاوزا عـــن أعـــراقهم ومعتقداتهم وثقافاتهم.
3) تسهم الدراسة في نشر القيم الإسلامية للحوار الحضاري في التخفيف من حدة الصراعات المتباينة في مجتمعات التعددية الثقافية.
4) دراسة القيم الإسلامية للحوار الحضاري من العوامل التي تقاوم صهر ثقافات بعض الشعوب ومسخ هويتها، وبذلک تمنع تصاعد الصراعات بين الثقافات العالمية.
5) تضيف هذه الدراسة حلول إنسانية وأخلاقية وسياسة للرقي بالحوار الحضاري، لتضيق دائرة الخلاف، الذي يکتنف المجتمعات المعاصرة، من الخلافات الأيدلوجية والثقافية.
6) دراسة القيم الإسلامية للحوار الحضاري يساهم في حماية مجتمعات التعددية الثقافية، من تسلط العولمة وذوبان الثقافات المختلفة في بوتقة واحدة.
7) اهتمام حکومة المملکة العربية السعودية المبارکة، بمجالات قيم الحوار الحضاري، الذي يحث على احترام الأديان السماوية، وأفضل مثال على ذلک هو (مرکز الملک عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا).
8) تساعد هذه الدراسة القائمين في المؤسسات التربوية والمؤسسات السياسية الدولية، في توعية فئات المجتمع ذا الثقافات المتعددة، بنبذ الفرقة وتوجيههم نحو تحقيق السلام العالمي.
9) تخدم هذه الدراسة واضعي المناهج والقائمين على السياسات التعليمية ومراکز الحوار، بإمدادهم بقيم إسلامية للحوار الحضاري قائمة على المنهج الرباني، المنظم الخالي من العشوائية، والمتميز بالشمول الفکري وسلامة الأسلوب، ومواجهة المشکلات، والتحديات الناتجة عن التعدد الثقافي.
منهج البحث
اعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي وهو المنهج الملائم لطبيعة البحث الحالي وأهدافه، فهو لا يقف عند حد وصف الواقع، بل يتعداه إلى جمع الحقائق والمعلومات ذات العلاقة بموضوع البحث، ثم تحليلها، ثم تفسير الوضع العالمي الراهن، وتوضيح التحديات التي تفرزها التعددية الثقافية، واستنتاج ما يتصل بمشکلة البحث والإجابة على أسئلته.
حدود الدراسة
التعددية الثقافية العالمية لها مجالات متعددة، منها دينية، سياسية، اقتصادية، ثقافية، أخلاقية، تربوية، إنسانية، وسوف تقتصر الدراسة على التعددية الثقافية العالمية بشکل عام .أما في الحوار الحضاري فسوف تقتصر على بعض القيم الإسلامية للحوار الحضاري، والتي هي الأکثر تأثيرا في المجتمعات ومنها ثلاثة مجالات وضمن کل مجال ثلاث قيم من القيم الإسلامية للحوار الحضاري ،الأول: الإنساني (المساواة ،الرحمة ،التسامح) والثاني : الأخلاقي (الصدق، العدل، التأني وفهم رأي الآخر واحترامه) والثالث: السياسي (حفظ الحقوق، التعايش مع التشريعات الأخرى واحترامها، حفظ المواثيق والحقوق )..
مصطلحات الدراسة
التعددية الثقافية (Multiculturalism):
1) بناء مجتمع مکون من جنسيات مختلفة ذات تقاليد ومعتقدات مختلفة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على تلک الاختلافات والاحتفال بها (صليبا،1971م)
2) ثقافات متعددة متصارعة في المجتمع الواحد نتيجة لأسباب وظروف متنوعة ظهرت في القرن العشرين (العاجز،2000م).
التعددية الثقافية العالمية: لم اتوصل إلى تعريف يتناول هذا المصطلح، وبناء على محتوى البحث الحالي وُضع المفهوم الآتي:
الوضعية، والکيفية التي يتعايش بها جماعات مختلفة الثقافات، ومتمايزة في الملکية، والنفوذ داخل المجتمعات، ويکون لهم نتاج سياسي، واقتصادي، وعلمي، ومذهبي، واجتماعي، ويتصرفون ويتفاعلون بناء على ثقافاتهم، وأيديولوجياتهم، فتتکون هويات متعددة الخبرات، ويتم تناقلها بين المجتمعات، ويکون لها مسارات مختلفة إما القبول والتعايش المثمر بدون انصهار، أو الرفض، والصراع، والنزاع.
وبهـذا المعنـى فــإن التعدد الثقافــي هــو التــراث المشــترک للإنســانية وينبغــي الاعتــراف بــه والتأکيــد عليــه لصالــح الأجيـال الحاضـرة والمسـتقبلية.
القيم
هي المعايير التي دعا إليها الإسلام، وحث على الالتزام والتمسک بها، من خلال القرآن الکريم والسنة النبوية، وأصبحت محل اعتقاد واتفاق واهتمام عند المسلمين، تمثل موجها لحياتهم، ومرجعا لأحکامهم، إذ يحدد من خلالها المقبول والمرفوض، والمستحسن والمستهجن، والمرغوب وغبر المرغوب فيه من الأقوال والأفعال، ومظاهر السلوک المختلفة (ابراهيم،1999م).
والقيم في الاصطلاح التربوي هي: "معايير اجتماعية ذات صبغة انفعالية قوية وعامة وتتصل من قريب بالمستويات الخُلقية التي تقدمها الجماعة ويمتصها الفرد من بيئته الخارجية، ويقيم منها موازين يبرز بها أفعاله ويتخذها هاديا ومرشدا " (مکرم، 1996م).
الحوار الحضاري: لقاءات وتعاون وتفاعل بين الأفراد أو الجماعات، يستمع بعضهم إلى بعض ويستفسدوا من ثقافات بعضهم في شؤون الحياة المختلفة، وليبلغ کل طرف رسالته الحضارية للآخر بالجدل والإقناع والبرهان، فهو بهذا يعد عملا فکريا (السنيدي،1430ه).
الحوار الحضاري: تفاوض ومناقشة وتبادل الرأي من أجل التوصل إلى اتفاقيات مشترکة في إطار شامل ومتوازن بين کيانين سياسيين مختلفين بقصد الوصول إلى اتفاق، أو الانتقال من ضلال إلى الحقيقة والصواب، وتحديد الخطأ وتوجيهه. (الحسن،2008م).
قيم الحوار الحضاري: مجموعة من المبادئ والقوانين والمقاييس التي تنشأ في جماعة ما مسلمة أو غير مسلمة، ويتخذون منها معايير للحکم على الأعمال المادية والمعنوية، وتکون لها من القوة والتأثير على الجماعة بحيث يصبح لها صفة الإلزام، ويعتبر أي خروج عليها خروجا عن مبادئ الجماعة ومثلها العليا (لطفي،1990م).
وترى الباحثة أن القيم الإسلامية للحوار الحضاري هي: منظومة من المبادئ والمثل العليا والخصائص التي تُبنى عليها العلاقات الإنسانية، والممارسات السلوکية المنضبطة، والمحددة بشروط قيمية إسلامية، وتُحدد بها الدوافع، والتصورات، والأعمال الظاهرة والباطنة، وتتناسب مع المتحاورين، والعرف، وأهداف المجتمع، وتوجههم في المواقف المختلفة إلى التحاور بأسلوب حضاري راقي فيتفاعلون في ضوء معايير ترتضيها الجماعات، وتؤدي إلى مزيد من القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ وبين الخير والشر وبين القبيح والجميل، والمقبول والمرفوض.
أدبيات البحث
إن التعددية الثقافية في المجتمعات المتباينة في الإسلام لا تتسم بأي تفضيل لأي نزعة کانت سواء قومية أو لونية أو لغوية، ولا يوجد نظرة أحادية في قراءة الأحداث والوقائع أو التعامل معها، وذلک استنادا على مصدر تشريعي سماوي، مع الإقرار بوجود التعدد والتعامل معه (العتيبي، 1435ه).
ﭧ ﭐ ﭨ ( وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا کَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) ) (سبأ: 28)
إن الاختلاف سُنَّة طبيعيَّة بيْن البشَر، سواء مِن حيث لغاتهم أو الوانهم ﭧ ﭐ ﭨ ( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَأَلْوَانِکُمْ إِنَّ فِي ذَلِکَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22)) [الروم: 22] ، أو مِن حيثُ أعمالُهم ﭧ ﭐ ﭨ ( إِنَّ سَعْيَکُمْ لَشَتَّى (4)) (الليل: 4)، أو مِن حيثُ أفکارُهم ومعتقداتُهم ﭧ ﭐ ﭨ ( وَمَا کَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) ) (يونس: 19)، ﭧ ﭐ ﭨ ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَلِذَلِکَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ) (هود: ١١٨- ١١9) : ويتضح مما سبق إن اختلاف الناس سُنة کونية وحکمة إلهية، وکذلک التنافس والتدافع بينهم، ﭧ ﭐ ﭨ ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَکِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ) (البقرة : 251)
ولأجل سير عجلة الحياة کما شاء الله لها فقد سخر سبحانه وتعالى کل ما في الأرض للإنسان ليقوم بالمهمة المکلف بها وهي الخلافة لعمارة الأرض ويظهر ذلک من خلال حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائکة ﭧ ﭐ ﭨ ( وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ) (البقرة: 30)
وﭧ ﭐ ﭨيَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّکَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ﱠ(ص : 26) . فالخلافة تحتاج إلى القوة والحکمة والعدل واتباع منهج الله القويم، فالله أرسل الرسل والأنبياء لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ويعلموهم الکيفية التي تکون بها عمارة الأرض، وتستقيم بها الحياة، وتوجيههم إلى ما ينفعهم في حياتهم وبعد مماتهم، فمنهم المهتدي ومنهم الضال، ولو کانوا نسخة واحدة وفکر واحد لما تنوعت الثقافات وظهرت الحضارات وتطورت، ﭧ ﭐ ﭨ(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْکِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْکُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ جَعَلْنَا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِنْ لِيَبْلُوَکُمْ فِي مَا آَتَاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48))(المائدة : 48)
وتحقيقا للحکمة الإلهية فقد اتسمت الثقافـة البشـرية بالتنوع الثقافي، وهذا التنوع هـو حـق أسـاس شـأنه فـي ذلـک شـأن باقـي الحقـوق، فتغييبـه بمثابة تغييـب لحقـوق الإنسـان؛ ولتفادي تغييـب الحـق فـي التعدد الثقافـي يتطلـب تعزيـز الحريــات الأساســية التي تعتبر متطلب أساس للأفراد في کل المجتمعات ذات التعدد الثقافي والتي منها: تقبل الآخر، واحترام متبادل للرأي، وقبول الآخر، والاعتراف بثقافة الآخر، والانتماء المشترک، والحرية المسؤولة، والاشتراک في المواطنة، کما في شکل رقم (1)من تصميم الباحثة.
والتعددية الثقافـية فـي المجتمعـات إذا حققت هذه المتطلبات يتجلـى الاعتراف بالآخر، وعـدم تشـويش مکـون ثقافـي علـى مکـون آخـر مغايـر، وإهمال الفـوارق بيـن الهويـات مـن أجـل خلـق وحـدة متماسـکة فـي بنيـة المجتمـع، وتحقيق التعايش السلمي، ويکون هنالک اعتـراف متبـادل بيـن الهويـات المختلفـة فـي المسـتوى نفسـه مـن دون أدنـى انتقـاص أو تهميـش لمجموعـة مـن الثقافـات علـى حسـاب الثقافـة الأخرى، وبذلک تسود قيم التعدد الثقافي في المجتمعات.
وهذه القيم وغيرها تحقق الأمن والأمان لأفراد المجتمع وهذا ما دعت إليه الشريعة الکاملة المتوازنة العالمية، حيث نظمت هذه الشريعة العلاقات الإنسانية کافة وفق قواعد وأسس لتحقيق السلام بضوابط محکمة وقيم متوافقة مع فطرة الإنسان، ومنهج حکيم ينبغي العمل بمقتضاه مهما اختلفت ثقافة المجتمعات؛ فالحوار الحضاري المتوج بقيم المنهج الرباني، ينشر التعايش الحضاري، ويعزز تبادل المصالح المشترکة، ويحفظ کرامة الإنسان أيا کان جنسه أو لونه أو عرقه.
ﭧ ﭐ ﭨ( وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) ) (الإسراء: 70)
وقبل تناول القيم الإسلامية لحوار الحضارات، التي توجه السلوک البشري بما يتناسب مع طبيعته الإنسانية، وترکيبته الفسيولوجية، سوف أطرح موقف الإسلام من التعددية الثقافية العالمية ودوره في مد الجسور العالمية للرقي بثقافة المجتمعات المتعددة.
المبحث الأول: التعددية الثقافية العالمية من المنظور الإسلامي
إن المسلمون لهم الأسبقية في حوار الحضارات وقدموا نماذج ساطعة من خلال تعايشهم سواء مع مجتمع إسلامي، وفي بلاد غير بلاد المسلمين، ومنها هجرة أصحاب النبي عليه السلام إلى الحبشة، واحترامهم لقوانين البلد المضيفة. کما تمثلت القدوة في التعايش السلمي، وشکلت أساسا للعلاقة مع الدول التي سافر إليها المسلمون لنشر الإسلام فيها، وهي تجارب للتعايش، ولم تسجل على أن المسلمين أثاروا فيها الفتن، أو قاموا بثورات ضدها، أو ناصبوا أهلها العداء والکراهية) Hassan 2012).
والتجربة النبوية في المدينة المنورة، تشير إلى هذه الحقيقة، فالرسول الأکرم صلى الله عليه وسلم لم يلغ تعددية المجتمع، ولم يعمل من أجل دحر خصوصيات فئات ومکونات المجتمع، وإنما عمل على بناء نظام سياسي وإداري وقانوني متکامل يضمن خصوصيات الجميع، ويزيل کل عناصر الجفاء والتوتر بينها، ويعمل على بناء متحد اجتماعي مستند إلى احترام التنوع في سبيل بناء وحدة صلبة.ومدونة المدينة المسماة ب (صحيفة المدينة) هي الوثيقة النبوية التي تؤکد هذا الخيار وتشرعه، وترى أن الوحدات الاجتماعية، لا تبنى بمخالفة ثقافة التعدد ومعاندته، بل باحترامه وتقديره وحمايته قانونياً وسياسياً. (ابن هشام، 1433هـ)
فقد أسس نظاما عاما حين استقر صلى الله عليه وسلم في المدينة أساسه "التعايش السلمي" وبالمصطلح الحديث "المواطنة " أو "السلم الأهلي " أو مفهوم قبول الآخر " هذه المفاهيم أقرها الإسلام وعمل بها منذ أربعة عشر قرنا ونيف، وتعامل صلى الله عليه وسلم مع " مزيجا إنسانيا متنوعا من حيث العقيدة، والانتماء القبلي والعشائري، ونمط المعيشة، فهناک المهاجرون من قريش، والمسلمون ،والوثنيون واليهود من الأوس والخزرج ، وقبائل اليهود الثلاثة، بنو قينقاع، وبنو النضير، وينو قريظة ،والأعراب الذين يساکنون أهل يثرب، والموالي، والعبيد ، وغيرهم من الطوائف والأقليات المختلفة " (العسيلي، 2012)
ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ(لَا يَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوکُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِيَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)(الممتحنة : 8)هذا المنهج الرباني لا يقتصر على القيم والمبادئ النظرية، بل يتجاوزها إلى التوجيهات والسلوک والأفعال، فالإسلام ثقافة شاملة متوازنة وعامة، ﭧ ﭐ ﭨ(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138))(ال عمران: 138)
فالرسول صلى الله عليه وسلم نفذ منهج التطبيق القيمي، فالقيم ليست شعارات تردد بل هي سلوک يقتدى به وينفذ، فقد تعامل مع کل الطوائف، وفي ظروف السلم، والحرب، وأيام النصر والقوة، والضعف، وفي وقت الغنى والفقر، فظهرت کنوز هائلة من آداب العلاقات التي اتضحت فيها الکمال الأخلاقي، وقد وصفه الحق جل جلاله ﭧ ﭐ ﭨ (وَإِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) (القلم: ٤) (السرجاني،2010م ).
ومن التطبيقات النبوية في المنهج الرباني کما رواه أَنَسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ کَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ (البخاري ، 1407ه،ج9، رقم الحديث 1356).
يبرز الحديث الشريف مدى لطف التعامل مع غير المسلمين وتمني الخير لهم، وتعامله صلى الله عليه وسلم مع الغلام اليهودي، بکل لطف وأدب رفيع لينجو الطفل من النار، من غير إکراه مما يدل على حسن التعامل مع غير المسلمين، فلا يُکرهون ولا يجبرون على الإسلام، ولهم حرية العبادة، کما حرم الإسلام ظلمهم والاعتداء عليهم، وحفظ کرامتهم الإنسانية، وحقهم في حرية الاعتقاد، والالتزام بشرعهم، ولهم حقهم في العدالة، کما حفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وکذلک حقهم في التکافل الاجتماعي(العتيبي،1435ه) کما حث الإسلام على الإحسان إلى فقرائهم فعَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ(الترمذي، 1998م، ج3، رقم الحديث1943).
فالإسلام منهج عالمي لأنه رباني المصدر وجميع عباد الله، وهو أعلم بما يتناسب معهم في جميع الجوانب، والتربية النبوية شاملة وکاملة ومتوازنة تسعى إلى إيجاد الإنسان الصالح.
فالإسلام آخر الأديان السماوية وهو المنهج الذي يتوافق مع الفطرة السليمة والبشر کلهم عباد الله وهو خالقهم، ويعلم ما يتناسب معهم. ﭧﭐﭨ(إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْکَ الْکِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَکِيلٍ (41) ) (الزمر: ٤١) الآية الکريمة تشير إلى أن الإسلام دين عالمي، ورسالته ومنهجه وشريعته جاءت مناسبة للعالمين الأنس والجن رغم کل التباين في ألوانهم، وأجناسهم، وأوطانهم وعقائدهم وثقافاتهم. ﭧﭐﭨ (وما أرسلناک إلا رحمة للعالمين، الأنبياء الآية 107 ) وﭧ ﭐ ﭨ ( مَا أَصَابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَکَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ وَأَرْسَلْنَاکَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَکَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) ) (النساء: ٧٩)
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " عْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَکَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وکانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ کَافَّة ........" (البخاري، 1407ه-رقم الحديث 1987، ص119)
وهذه العالمية إن لم تکن فالأمر يحتاج إلى رسالة سماوية أخرى، کما سبق في الأقوام السابقة، وهذا مستحيل ﭧﭐﭨ ( مَا کَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِکُمْ وَلَکِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَکَانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) (الأحزاب: ٤٠)
ﭧﭐﭨ(وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا کَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (28) (سبأ: 28) ، الخطاب صريح وواضح، وموجه إلى الناس کافة ويتضمن محرکات الإنسانية التي تستند على القيم والمبادئ والعلاقات والتعاملات الإنسانية بأنواعها، ﭧﭐﭨ ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) ) (العنکبوت:46 )
وهذا الأمر يؤکد عالمية الإسلام والاعتراف بالآخر والحوار معهم بالتي هي أحسن، وليس الإقصاء، کما أنه لا علاقة لها بحيازة الأرض أو السيطرة عليها، أو الإکراه في الدين؛ بل نشر السلام والتعايش السلمي، فهي عالمية إنسانية وروحية تتميز بالکمال والشمول والتوازن؛ لأنها ربانية المنهج. وليست مادية وديکتاتورية وضعية قاصرة وضعها الإنسان، الذي من خصائصه السعي خلف مصالحه الخاصة، وأغراضه النفسية والشخصية. وهذه هي التعددية الثقافية للفکر الغربي تسير وفق مطامع الهوى والشهوات الدنيوية (درباله، 2017 م،). https://maktaba-amma.com/?p=11949
والعالمية الإسلامية لها قواعد ومبادئ مستقرة ينبغي التسليم بها والعمل بموجبها ومنها:
1) أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من الدول الأخرى هي علاقة السلم، وليست علاقة حرب ﭧﭐﭨ ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)) (الأنفال: ٦١)
2) إن الحرب في الإسلام هي حرب دفاعية وليست هجومية، فهي لرد العدوان فقط، ﭧﭐﭨ ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْکُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) (البقرة: ١٩٤)
3) إن الإسلام اعترف بالأديان الأخرى ودعا إلى احترام معتنقيها ومعاملتهم بالتي هي أحسن، ﭧﭐﭨ ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (46) (العنکبوت: 46) فالأمر بجدال أهل الکتاب بالتي هي أحسن هو اعتراف بوجودهم؛ لأن المحاورة بحد ذاتها تعني الاعتراف بالآخر واحترامه رغم التعدد الثقافية (درباله،2017م). https://maktaba-amma.com/?p=11949
4) الإسلام يدعو إلى الحوار بعبارات صريحة لا تدع مجالا للشک أو الاجتهاد (بباوي،2009م).
وعليه فعالمية الإسلام لا علاقة لها بحيازة الأرض والسيطرة عليها، وقول غير ذلک يتنافى مع القيم، ويکون نوع من أنواع الإکراه في الدين، وهذا مرفوض قطعًا في الإسلام؛ لذلک ينبغي أن تهيمن قيم عالمية الإسلام العليا على کل قيم ومبادئ الأديان، وهي مناسبة لکل البشر في کل زمان ومکان، وأنها عالمية روحية وليست عالمية مادية، وإذا خالف بعض المسلمين مفهوم هذا المبدأ في عصر من العصور وجاوز حقيقته إلى غيره؛ فإن هذا التجاوز لا يقدح في هذه القيم بحال؛ إذ إنها لا تعدو أن تکون أفهامًا لمعتنقيها يحاسبون عليها ولا يحمل الإسلام من أوزارها شيئا.
ومطالبة الغرب بالالتزام بالتعددية على مستوى العالم المطلوب، يقابله الالتزام بتطبيق التعددية في الدول العربية، وجميع الدول الأخرى، خاصة أن التعددية من أسس الحضارة. والتعددية المذهبية، مظهر من مظاهر التعددية في تاريخ الإسلام. وله مرجعيه إسلامية، فلنکمل المسيرة التي انتهجها خير البشرية صلى الله عليه وسلم، والتعامل معهم بما يتوافق مع تعاليم وقيم عالمية الإسلام، والتحاور معهم بقيم الإسلام العالمية.
والمسلم المتحاور ينبغي عليه أن يکون لديه تصورا عن ثقافة الآخر، وتاريخهم، وواقعهم، وحضارتهم ثم يسعى للحوار بغية فهم الآخر ومحاورته، وأن يلتزم بآداب الحوار وقيمه الإسلامية.
المبحث الثاني: الفکر الغربي للتعددية الثقافية
يختلف المنظرون للتعددية الثقافية حول الإجابات على بعض التساؤلات، ففريق من اليسار الاشتراکي يذهب إلى استحالة تحقيق التعددية الثقافية في ظل وجود تعددية طبقية اقتصادية قائمة على اللامساواة، ويتساءلون ما الذي يعنيه التعدد الثقافي في غياب التعدد الاقتصادي؟ بينما يذهب اليمين الليبرالي إلى الاعتقاد بأن فکرة التعددية الثقافية قد عملت على تقسيم السکان إلى جماعات إثنية متنافسة، (أبو سکين، د.ت)
وامتدت تلک الصراعات في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأخطرها التحديات الثقافية والفکرية، وانقسم الناس إلى قسمين:
1) بسط هيمنته وقوته وثقافته على العالم تحت شعار عالمية الثقافة وکينونة الأفکار.
2) نظرة الإعجاب والانبهار أدى إلى ما بين خاضع ومطيع، ومقاوم ورافض، فظهر الصراع الحضاري. (محسن، 2009م)
https://www.iasj.net/iasj/article/9499
وتقتصر معاجلة الدول الغربية لموضوع التعددية الثقافية في تأطيرها داخل الدولة والوطن، ولکنها تتجاهل أو يقل اهتمامها بهذا الموضوع في تعاملها مع التعدد الثقافي الخارجي، ورغم ذلک فإن واقع سياسة التعددية الثقافية في الغرب ظهرت من خلال تصريحات قادة کبار دول، تثبت أن هذه السياسة فشلت ولم تحقق ما کان يصبوا إليه قادة ومسؤولون تلک الدول. وبقدر ما يدعي الغرب قدرته على النجاح في احتواء الفئات الثقافية المتباينة، وتحقيق القدر الکافي من إمکانية التعايش السلمي بين هذه الفئات، إلا أن تلک الدول کانت ولا تزال تعاني من تصدعات وتشققات على مستوى القبول بالتعددية داخل المجتمع الواحد (الوطن)، فضلا عن خارجه. (العتيبي،1435ه)
وکانت بدايات ظهور مفهوم التعددية الثقافية مع بداية حرکة حقوق الإنسان في الستينات من القرن العشرين وهذه کانت الشرارة الأساسية للتغيير نحو العمل بهذا المفهوم ، فرکزت أول دراسة أثنية على الأفارقة الأمريکيين ومواجهة الصورة النمطية المنتشرة بين المثقفين وزيادة النظرة الإيجابية نحو الأفارقة الأمريکيين، ودخولهم للمدارس العليا، وظهرت عدة مقالات لمعالجة هذا المفهوم، بنظرة أعمق حوله وکيف تُبنى برامج تعليمية متعددة الثقافات لکل مستويات التعليم المتخصصة لتحقيق المساواة بين کل الجماعات والطبقات في المجتمع الامريکي. Williams ,2009)).
وفي عام 1996م أصدر صموئيل هنتجتون " Huntington Samuel " کتابه "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي "وتُرجم الکتاب إلى أکثر من سبعين لغة، وأحدث الکتاب قنبلة في المناخ الثقافي العالمي، واعتبره الغرب خطة استراتيجية، لفرض هيمنة الحضارة الغربية على کل حضارات العالم من خلال صراع الحضارات، وحتى يسهل على أمريکا والغرب فرض أحادية قيادة العالم. من خلال المحافظة على تفوق الغرب عسکريا، والضغط على المجتمعات الأخرى لفرض قيم الحضارة الغربية وتعميقها للسيطرة على العالم؛ ولضمان مصالحها والاستيلاء على منابع البترول في العالم، وثروات الدول الإسلامية، وفتح الأسواق لمنتجات الغرب. (بباوي، 1430ه)
ولتنفيذ الخطة الغربية، وفرض الهيمنة الکاملة، بدأ الإعلام الغربي في شن حملة شرسة لتشويه صورة الإسلام، وربطه بالإرهاب، رغم أن الجميع يعلم أن الإسلام هو دين السلام، والإرهاب ظاهرة عالمية تکونت من طوائف ومذاهب متعددة، (فيه، اليهود، والمسيح، والهندوس، والبوذيين، وأديان سماوية مختلفة) وهناک کثير من الوقائع والأحداث توضح تعامل الغرب مع التعددية الثقافية منها:
بعد أن انتصرت أمريکا على الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الزعيم الأوحد لقيادة العالم، وبجوارها العالم الغربي، اتجهوا إلى الحضارة الإسلامية، واعتبروها هي الحضارة المنافسة والتي تهدد حضارة الغرب، وسوف تعوق فرض هيمنة أمريکا واتباعها، فأخذت تحاول تفتيت الدول العربية والإسلامية للتخلص من الحدة والتماسک الإسلامي (بباوي،1430ه)
وهـــذه النزعـــة العدائية مـــن جانـــب الغـــرب نحـــو الإســلام والمسلمين، والعروبة والعـرب تظهر حقـد الغرب ضد المسلمين والعرب، وکذلک الطمع في الثروات الموجودة لديهم، ومحاولة ذوبان هوياتهم والسيطرة على عقولهم وشخصياتهم ليکونوا إمعة تابعين للغرب، فکان هذا الصراع الذي ظهرت نتائجه السلبية وعواقبه المدمرة للعالم لأن الصراع هو ضياع للحقوق والغلبة للقوي، وهذه السياسة مغايرة ومتباينة مع النظرية الإسلامية التي تدعو إلى السلام والتعايش السلمي، فکانت المبادرة السعودية من قائدها خادم الحرمين الشريفين الملک عبدالله بن عبد العزيز آل سعود (رحمه الله)، التي يدعو فيها إلى حوار الحضارات بدلا من الصراعات، فنشأت نظرية حوار الحضارات لوقف زحف صراع الحضارات، وکان المؤتمر الإسلامي عام (2008م) في رابطة العالم الإسلامي بمکة (نوح،1430ه).
وهذا العمل الحضـاري من القيادة السعودية ینقـذ الموقـف المتصارع ویحولـه مـن صـدام الحضارات إلى حوار الحضـارات والحديث عـنه يتطلب تحديد أهدافـه، وأولوياته، وأفکـاره الأساسية حتى يکون متکامـل شـامل یحقـق الحـوار المنشــود، وفــي نفـس الوقــت یحقــق الحمایــة الکاملــة للحضــارة الإسلامية ومرجعیتهـا وهويتها وخصوصياتها.
وفي مؤتمر التأسيس لليونسکو عام 1945م طرحت الأوساط الثقافية والفکرية عدة تساؤلات حول أسباب انتشار الفاشية، والنازية، وأجمع الحاضرون على أن جوهر المشکلة لا يکمن في مستوى التقدم العلمي والتکنولوجي وإنما في الغاية من هذا التقدم وما يفرزه من قيم (نافعة، 1997م).
وعلى إثر ذلک عقد سيل من اللقاءات والندوات والمؤتمرات في مختلف أرجاء العالم نظمتها قوى دولية ومراکز أبحاث متعددة –حکومية وخاصة – استظلت جميعها تحت مقولة "حوار الحضارات" (محسن، 1430هـ).
وحوار الحضارات يعتبر بمثابة المصل الواقي، إذا سار في مساره الصحيح وأمدت جسور التواصل بقيم عالمية إسلامية. وما ينبغي أن يفهمه الغرب في التعددية الثقافية والقيم الإسلامية للحوار الحضاري هو:
1- أن يلتزم الغرب بالتعددية في المرجعيات الحضارية؛ لأن أحادية الحضارة الغربية معناها إلغاء الحضارات الأخرى، ومنها المرجعية الإسلامية، وإن فرض مرجعية واحدة على الشعوب کمن يفرض عليها أن تعيش على طعام واحد، ويقيد حرکتها فلا تسير إلا في اتجاه واحد، ويجبرها أن ترى بعين واحدة.
2- أن يعترف الغرب بقانون تداول الحضارات، وأن الحضارة ليست حکرا له، ﭧﭐﭨ ( إِنْ يَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْکَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)) (آل عمران: ١٤٠) فاليوم الحضارة الغربية، وبالأمس کانت الحضارة الإسلامية، وغدا قد تکون لأمة أخرى، فعلى الغرب أن يحافظ على الأمن خشية الوقوع في دائرة الثأر الحضاري.
3- أن ما يسمى بالحضارة الغربية اليوم هو ناتج الحضارات السابقة ومنها الحضارة الإسلامية التي شارکت فيه بقسط وافر ونصيب کبير، والمنصفون من المستشرقين الغرب اعترفوا بفضل الحضارة الإسلامية، التي کانت مرجع الحضارة الغربية (ياقوت، د.ت).
والبنية التحتية لهذه الحضارة الإسلامية هي القيم الإسلامية التي کانت الموجه في التعاملات والحوارات والعلاقات والبناء والتطور، فالقيم هي المحور والمحرک الرئيس للحوار الحضاري؛ لذلک فإن تناول بعض القيم الإسلامية التي تساهم في السلام العالمي والتعايش السلمي أمر يحتاج إلى مزيد من التوضيح.
المبحث الثالث/ قيم الحوار الحضاري في الإسلام
الإسلام يجعل الحجة والبرهان عماد الصحة والخطأ في الحوار الحضاري، ويُبني على قيم توجه هذا الحوار نحو مساره الصحيح (لا إکراه في الدين)، (لکم دينکم ولي دين)، ورغم وجود التعدد الثقافي والاختلاف بين التيارات الثقافية والفکرية إلا أن أمر إقناع الطرف الآخر بالحوار يتم بالمنطق والتثبت والدليل القاطع والحجة القوية بمنهج عالمي متميز وذلک لحماية التعددية الثقافية من الانحراف إلى زاوية التيارات المذهبية المتصارعة.
ومع مصداقية وجود حوار للحضارات في الآونة الأخيرة، والقول بأن موضوع حوار الحضارات تنامى بصورة ملحوظة في العقد الأخير، ووصل درجة غير مسبوقة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن کثرة الحديث حول هذا الموضوع تزيده ضبابية، وغموضا بدلا من توضيحه، إلا أن الغرب يطرح سؤالاً حول مصداقية وجود حوار للحضارات في الإسلام، ومناداتهم بأن الفکر الإسلامي والثقافة الإسلامية يرفضان الحوار وأن الفکر الليبرالي هو الذي يقبله، فمن يقول ذلک فقوله مردود؟ (السنيدي،1430ه) والبراهين کثيرة ﭧﭐﭨ ( قُلْ يَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَکُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِکَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) ) (آل عمران: ٦٤)
فـــالحوار أمر أساسي لأنّ هنـــاک قواســـم مشــترکة، وهنـــاک مجـــالات للتّفـــاهم والتّقـــارب، وهـــي الإيمان بما أُنزل على المسلمين، وغيرهم فالمصـدر واحـد وهـو الله. فلتعارفوا وليعرفوا بعضـهم، ومـن ثـم يتقاربوا ويتعاونوا علـى ما فيه صلاح الطرفين فـالقرآن يعطي أسلوب بدء اللّقاء والحوار، وکيف نستغلّ نقط التّلاقي بین المتحاورين. فبیّن الأصول التي يمکن الاتّفاق والارتکاز عليها وهو الکتب السماوية (محسن، 1430ه).
ﭧﭐﭨ(قُلْ يَا أَهْلَ الْکِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ وَلَيَزِيدَنَّ کَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْيَانًا وَکُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْکَافِرِينَ (68) ) (المائدة: ٦٨). فالإسلام نظم الحوار ووضع له قيم تبنى عليها البنية التحتية الراسخة وتاريخها المجيد، واعترف المنصفين من المستشرقين بذلک. وکل ثقافة تنطوي على أساس من القيم تعد الموجه الأساسي لسلوکيات الفرد، وتساعد على التمييز بين أنماط حياة الأفراد والجماعات، فهي تجعل الحياة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي في أمن وسلام؛ لذلک فإن فقدان القيم وضياع الإحساس بها أو عدم التعرف عليها يجعل الفرد يندمج في أعمال عشوائية لا تُحدد بمبادئ أو تردعها قيم (سعدات، 2001م).
وسوف يتم تناول ثلاثة مجالات قيمية وکل مجال يتضمن ثلاث قيم إسلامية للحوار الحضاري، الأول: الإنساني ويتضمن: (المساواة، الرحمة، التسامح) والثاني: الأخلاقي ويتضمن: (الصدق، العدل، التأني وفهم رأي الآخر واحترامه) والثالث السياسي ويتضمن: (حفظ الحقوق، التعايش مع التشريعات الأخرى واحترامها، حفظ المواثيق والحقوق)، والشکل رقم (2) من تصميم الباحثة لتوضيح مجالات القيمية.
القيم الکبرى
القيم الأخلاقية
القيم السياسية
وفيما يلي توضيح المجالات الثلاثة وقيمها بشيء من التفصيل.
أولا: المجال الإنساني
أ-المساواة
إن قيمة المساواة من القيم التي تذيب الفوارق العنصرية، وتقضي على الاستعلاء على الآخر، فعندما يفهم المتحاورون هذه القيمة وتُبنى العلاقات الحوارية على قيمة المساواة، لا يشعر الآخر بالدونية، وتتکون لدية القدرة على الحوار الفعال والثقة بمکانته وقيمته الاجتماعية.
ومن نماذج المساواة في الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مکة "يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنکم نخوة الجاهلية وتعاظمها بالآباء. الناس من آدم، وآدم من تراب (الجزائري، 1408ه).
وکثير من الآيات القرآنية بينت هذه الحقيقة العظمى التي يتغافل عنها بعض الناس ﭧﭐﭨ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا کَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَيْکُمْ رَقِيبًا (1) ) (النساء : 1). فهذه إشارة إلى أصل وجود جميع الناس ومرجعيتهم، وأن الله خلقهم من نفس واحدة جميعا، وجعل الإسلام هو خاتم التشريعات السماوية، وجعله الرسالة العالمية والدين القويم لکافة الناس ﭧﭐﭨ (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْکُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَکَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (158)) (الأعراف: 158)
وحقق الإسلام هذه المساواة بالتطبيق الفعلي حيث تظهر في مواقف کثيرة منها: عندما وصل صلى الله عليه وسلم باب الکعبة أمر "بلالاً "رضى الله عنه أن يعلو على ظهر الکعبة، ويؤذن في الناس، فصعد بلال على ظهر الکعبة وأذن فساء ذلک بعض سادة قريش فتکلموا، وکان ممن تکلم "عتاب بن أسد" قال: "الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام أما وجد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً؟ وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً بغيره، وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله قولـه تعالى: ﭧﭐﭨ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ (الحجرات:13)
وزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن التفاخر بالأنساب، والتکاثر بالأموال والازدراء بالفقراء، وفيها يؤکد للناس أنهم جميعاً عند الله سواء لا فرق بين أبيض وأسود، ولا فرق بين عربي وعجمي، ولا فرق بين سامي وآري وحامي. فکلهم من أب واحد وأم واحدة، ثم تناسلوا وتکاثروا فصاروا على الأجيال أمما کبيرة، والأمم الکبيرة تنقسم إلى فروع صغيرة، ليعرف بعض الناس بعضاً، ويأنس بعضهم إلى بعض، فلا تفاخر بالأحساب والأنساب، وکثرة الأموال، وازدراء الفقراء، أو التقليل من شأنهم (حمزة.علوان.برانق،د.ت).
والخطاب الذي ورد في الآية فيه نداء للناس جميعا "يا أيها الناس" يشمل المؤمنين، وغير المؤمنين لأنهم إخوة في الإنسانية، ويرجعون في أصلهم لآدم وآدم من تراب، وتوزيع الناس إلى شعوب وقبائل ليس أمراً ذاتياً تتغير به حقيقة الإنسانية في الناس، إنهم مهما اختلفوا شعوباً وأوطاناً فإنهم "إخوة قرابة ونسباً". ولقد أکد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، هذه الأخوة الإنسانية في خطبة الوداع حيث قال: (يا أيها الناس إن ربکم واحد، وأن أباکم واحد کلکم لآدم وآدم من تراب إن أکرمکم عند الله أتقاکم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم أشهد. فليبلغ الشاهد منکم الغائب (الخضرى، 1415هـ).
ومما يؤکد حرص الإسلام على مبدأ المساواة أن "الأخوة الإنسانية بين البشر جميعاً" جعلت غير المسلمين يتمتعوا بحقوقهم وحريتهم في ظل الإسلام، ويظهر النهى صريحا في السنة النبوية، عن عدم إيذاء أهل الکتاب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن کنت خصمه، خصمته يوم القيامة" (الصنعاني، 1432ه، ج10).
هذه الحماية والمساواة مصدرها وأساسها الإسلام، فأين الغرب من هذه القيم العظيمة، قال عليه السلام «الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» (الزحيلي، ،1422ه، ج4).
فعلى الغرب الاعتراف بهذا المنهج القويم وتطبيقه فلا تستقيم حياة الأمم جميعها إلا به، فهذه القيمة توحد البشرية، والعمل بموجبها يهيأ سبل السلام، فالإسلام ليس کما يزعم الغرب، بل هو أرسى وأسس البنية التحتية للمساواة لمنع المشاحنات والتعالي على الآخر. وخلاف ذلک لا ينسب إلى الإسلام، مصدره من عقول جاهلة لا تفقه القيم الصحيحة للإسلام.
ب-الرحمة
إن قيمة الرحمة إذا سادت في مجتمع تماسک وتآلف أفراده، فالرحمة تبني المحبة، وتوجه سلوک الفرد إلى الرفق واللين وتقوي العلاقات بين الناس، قال r: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) (النيسابوري،1416ه، ج 4، کتاب البر والصلة، ر: 2593). وقولهr : (إن الرفق لا يکون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزع من شيء إلا شانه) (النيسابوري،1416ه، ج 4، کتاب البر والصلة، رقم الحديث2594). وقوله r: (من حُرِم الرفق حُرِم الخير، أو من يُحرم الرفق يُحرم الخير). (النيسابوري،1416ه، ج 4، کتاب البر والصلة، رقم الحديث2593) تظهر الأحاديث منزلة الرفق في الإسلام، فالله U يحب الرفق ويثيب عليه أکثر من أي شيء آخر، ووصفه المربي الأول r بأنه يزين العمل ويجمله، ويجلب لصاحبه الخير، خلاف العنف الذي يحرم صاحبه الخير. فمن صدر منه عنف، عليه أن يعدل عمله ويزينه بالرفق، کما وجه المربي الأول r أصحابه في الحديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ r فَقَالَ: (مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا)، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: (مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ)؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ). (أبو داود، ج 3، کتاب الجهاد، ر: 2675)
کما "وردت کلمة الرحمة ومشتقاتها في القرآن الکرم أکثر من ثلاث مائة مرة، ولهذا الورود الواسع في کتاب اللهّ دلالة کبيرة على علو شأنها في الإسلام، وعلى أنها تأتي في مقدمة أولويات الاعتقاد والسلوک، وأنها مقصد قرآني أصيل في کل شيء" (علي،1437ه) ﭧﭐﭨ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) ) (غافر: ٧)
ﭧﭐﭨ ( وَاکْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْکَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ کُلَّ شَيْءٍ فَسَأَکْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) ) (الأعراف: ١٥٦)
ﭧﭐﭨ ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّکَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ) (الزخرف: ٣٢)
إن وجود التعددية والتنوع سنة من سنن الله في هذا الوجود، وجرت به أقداره وحکمته سبحانه وتعالى، في جميع مناشط الحياة، فقد قسم الله بين عباده أرزاقهم ومعيشتهم، ورغم هذه التعددية الثقافية، فالإسلام يدعو إلى الوحدة في إطار التنوع، ليست وحدة قسرية ولا عنيفة، إنما وحدة من خلال الرحمة للمخلوقات کلها، والثقافة الرحيمة منظومة متکاملة تبدأ من الاعتقاد والتصورات، وتسري في الفکر والسلوک، ﭧﭐﭨ ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِينَ (159) ) آل عمران: ١٥٩. فالتراحم في التعددية، ينبغي أن يکون بين المجتمعات، وفي التحاور؛ لأن قيمة الرحمة بين الأطراف، تذيب الاستعلاء، وتزيل الفروقات، وتمد جسور المساواة، فيرحم الفقير الغني ويتعامل معه بأسلوب راقي، ويرحم الکبير الصغير ،ويرحم الحاکم المحکوم، ويرحم السيد خادمه، فالرحمة في کل الأحوال إجهاض للتسلط، فعندما يلين القلب، ويتحکم الضمير، تسير الأمور في مسارها الصحيح، فإذا أصبحت قيمة الرحمة سلوکا واقعيا، في التعاملات والحوارات، يجعلها تثمر في ظل نظام تکامل التناقض، وحين تنعدم الرحمة وتضعف قدرتها على الدمج فتکون مصدرا لحروب ثقافية واجتماعية واقتصادية .
والتعددية الثقافية الغربية تحتاج إلى قيمة الرحمة التي أمر بها الإسلام، ليستقيم معوجها، ويصلح خللها، لأنها في المحصلة النهائية نظرية سياسية، تنشأ من تجربة العيش في مجتمع تعددي ومتسامح فکريا، له تکوين متنوع من الوجهة الثقافية والاجتماعية، يقوم على احترام آراء الآخر، وتقبل ثقافاتهم، ومراعاة ظروفها، والاعتراف بهويتهم، فينج حوار هادف بناء، ينسج خيوط التعايش السلمي. (علي،1437ه)
ومن النماذج في قيمة الرحمة مع الآخر في أيام حکم الخليفة عمر، حدث أن مر عمر رضي الله عنه، بباب قوم، وعليه سائل يسأل، وکان شيخا ضرير البصر، فضرب عمر عضده وقال له: من أي: أهل الکتاب أنت؟ فقال: يهودي، فقال: فما ألجأک إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجد، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال وقال له: أنظر هذا وضرباءه(*) ما أنصفناه إذ أکلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم (الغزالي، 2005م).
موقف يجسد قيمة الرحمة في الإسلام مع الآخر رغم التعددية والفوارق الدينة، والسلطة والمکانة الاجتماعية بين المتحاورين، حيث بالحوار الهادئ عرف الخليفة رضي الله عنه ما يحتاجه الطرف الآخر؟ فقدم العون والمساعدة له، هذه هي قيم الإسلام.
فالرحمة وردت في القرآن عالمية ﭧﭐﭨ ( وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107) ) الأنبياء: 107)
فالتربية النبوية عندما تذم أمر أو تنهى عنه ففي ترکه منافع للإنسان، فالأولى بالعاقل الفطن أن يعي أهمية الرحمة والتراحم بين الناس جميعا مهما اختلفت التعددية الثقافية، وفي ذلک صلاحا للمجتمعات، فالفطرة البشرية السليمة تتبع المنهج القويم، حتى تحقق التواصل الممتد عبر جسور الحوار المتناغم المحاط بالرحمة بين الناس جميعا. ﭧﭐﭨ ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِينَ (159) ) (آل عمران: 159 )
إن الرحمة تربط أواصر أفراد المجتمع، وتؤلف بينهم، فالتراحم يجلب المودة والتعاون والمحبة، أما القسوة والغلظة فتسبب التناحر والصراعات في المجتمعات متعددة الثقافات.
فإين دور المنظمات الدولية، والدول الإسلامية لتبرز التعددية الثقافية بالرؤية الإسلامية، التي تقوم على التراحم والتعايش السلمي.
فالإسلام دين عالمي ﭧﭐﭨ (وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)) (الأنبياء: ١٠٧).
ويظهر التباين الساطع في نماذج التعامل مع التعددية الثقافية في الغرب، ف "الاستعمار يناقض التعددية، حيث سلب حريات الناس ونهب مقدراتهم وقتل أعدادا کبيرة منهم أثناء المقاومة له، کما عمل على نشر ثقافته ولغته على حساب ثقافات الآخر (علي، 1437هـ).
وبناء على هذا تعد القيم الإسلامية للحوار الحضاري من المفاهيم الجوهرية في جميع ميادين الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، نظرا لأنها تمس العلاقات الإنسانية بکافة صورها وذلک لأنها ضرورة حتمية في التعاملات، ولأنها معايير وأهداف لابد أن توجد في کل مجتمع منظم سواء أکان متقدما أم متأخرا، فهي تتغلغل في الأفراد في شکل اتجاهات ودوافع وتطلعات، وتظهر في السلوک الظاهري الشعوري واللاشعوري (سعدات،2001م)
ج- التسامح
إن المجتمعات المعاصرة بحاجة ماسة إلى قيمة التسامح في حواراتهم الثقافية، فالتغاضي واستخدام الحکمة والتسامح في العلاقات الإنسانية يزيد من الأمن والسلام العالمي، وإن قضية التسامح من أهم القضايا التي أهتم بها الإسلام اهتماماً بالغاً، وحظيت بمساحة کبيرة في الشرع الإسلامي، وقد ورد في القرآن الکريم خلق التسامح والتعامل بالحسنى مع الناس، فالإسلام دين السلام العالمي لم يکتفي بالتسامح بل دعا إلى المبادرة الايجابية أيضا، ﭧﭐﭨ ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَکَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) (فصلت: ٣٤ – 35). هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع ود، ومروءة، وخير، وفضل، وإحسان، مجتمع الأمن والأمان، مجتمع متماسک البنيان متوحد الصفوف، والأهداف.
فالإسلام يريد أن تسري هذه القيمة في الحوار الحضاري بين المسلمين وغير المسلمين، رغم اختلاف الأشکال والألوان واللغات والديانات، ﭧﭐﭨ ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) ) (العنکبوت:46)
ومن نماذج قيم الحوار في التسامح لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مکة ودخلها نهاراً بعد أن خرج منها ليلاً، وحطم الأصنام بيده، وقف أهل مکة يرقبون أمامه العقاب الذي سينزله بهم رسول الله جزاء ما قدموه له من إيذاء لا يحتمله إلا أهل العزائم القوية، إلا أنه قال لهم: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بکم؟ قالوا خيراً، أخ کريم وابن أخ کريم. قال اذهبوا فأنتم الطلقاء" (الجزائري، 1403ه). فعفا عنهم وسامحهم وهو قادر عليهم، فکانت نتيجة التسامح اطمئنان وأمن وسلام لأهل مکة، ودخول الکثير في الإسلام، فما أجمل العفو عند المقدرة، ﭧﭐﭨ (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)) (85) (الحجر: ٨٥)
فالعفو، والتسامح، والصفح عن المسيء، وعدم الظلم، والصبر على الأذى، له فضل ويؤجر فاعله ﭧﭐﭨ ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْکُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاکِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ) (النور: ٢٢)
والتسامح أمر يحتاج إلى قوة إرادة وثقة في المثوبة من الله، وقد ورد في القرآن بعدد من الصيغ اللغوية منها العفو، ﭧﭐﭨ ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْکَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ) (آل عمران:134) فإن ذلک کله من شأنه ترسيخ دعائم الأمن والأمان في المجتمع.
و"إن العالم اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الايجابي بين الناس أکثر من أي وقت مضى، نظرا لأن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوما بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، والثورة التکنولوجية التي أزالت الحواجز الزمنية والمکانية بين الأمم والشعوب"(عتيبة، 2020م،ع 645)
إن غياب قيم التسامح تصهر دعائم الأمن الاجتماعي في المجتمعات، وتزداد الصراعات، ويُفقد الحوار الحضاري هدفه وفعاليته بين الجماعات المتناحرة. وقوله تعالى: ﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِکَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشورى:43).
وللتسامح أنواع ذکرها "سنوب" وهي:
أ) التسامح الحقيقي Genuine Forgiveness
ب) التسامح السطحي Superficial Forgiveness
فالتسامح الحقيقي يختص بالمکونين المعرفي والوجداني، حيث يحدث تغيرا حقيقيا في نفس الـمُساء إليه فيتجاوز عن المسيء، وتستبدل الانفعالات السلبية بأخرى ايجابية ويزول ما في النفس من انفعالات، ويتحقق للشخص الانسجام والتوافق النفسي (أنور، 2010م، مجلد 9، ع3).
إما التسامح السطحي فتتم الاستجابة له لفظياً بناء على ضغوط ثقافية، أو سلطة عليا أو الوصول إلى مصالح شخصية، ولکن تظل الانفعالات السلبية في النفس تجاه الشخص الـمُسيء؛ وتظهر بعد الحصول على المصلحة، وهذا مؤشر على قطع أواصر المحبة والألفة التي بين الأفراد، وجلب الصراعات؛ أما إذابة الشحنات السالبة من النفوس، فيکون باعتراف المسيء بخطئه واعتذاره من الـمساء إليه، فهذا يدعم قيمة التسامح في الحوار مع الآخر، ويحدث التسامح الحقيقي الذي أمر به الإسلام وحث عليه. ﭧﭐﭨ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) (الأعراف: ١٩٩) و ﭧﭐﭨ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّکَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) ) (الحشر: ١٠)
إن الدين الإسلامي دين العقلانية والموضوعية، والالتزام، ودين الحرية الفکرية والدينية؛ ولذا کان معظم الذين دخلوا في الإسلام بسبب تطبيق مبدأ التسامح، والکلمة الطيبة اللينة، والإقناع وإعمال الفکر أضعافاً مضاعفة (الشال، 1978م).
فقيمة التسامح والمساواة والرحمة إذا اشتمل عليها الحوار الحضاري، تتقارب النفوس وتمتد جسور الإنسانية، ويعم الأمن والسلام، طالما عرف الناس مرجعيتهم وأصلهم، وثمرات التسامح، وأهمية الرحمة تعود بالخير للإنسانية.
ثانيا: المجال الأخلاقي.
أ- الصدق
إن قيمة الصدق من عظائم القيم؛ فهو إظهار الحق ومطابقته للواقع، وهذا الأمر الجلل يکسب الثقة بين الأفراد، وخاصة عندما يعلم المتحاور أن الآخر صادق معه في وعوده وأفعاله، فالنفس تطمئن، والثقة تستمر، وقد وردت آيات في القرآن الکريم تضمنت توجيه رباني للمؤمنين بأن يکونوا صادقين ﭧﭐﭨ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) (التوبة:119 )
وصفة الصدق ملازمة للنبي I وکان قومه ينادونه بالصادق الأمين من قبل البعثة، وجاء الإسلام ورفع مکانة الصدق وأهميته، فالصدق أول دروب الخير اتصف به الأنبياء وأثنى الله في کتابه الکريم على کثير منهم ووصفهم بالصدق من هذه الآيات ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ( وَاذْکُرْ فِي الْکِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ کَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَکَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) ) (مريم :54) و ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ (وَاذْکُرْ فِي الْکِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ کَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)) (مريم:41)
والصدق في عمومه مع الله، ومع النفس، ومع الآخرين، يظهر في السلوک والأعمال، فلا تطمئن نفس، ولا يهدأ بال إلا بالصدق، وفي الحوار دائما يشترط أن يکون الصدق في المقدمة حتى تکون الأمور جلية واضحة، فالصادق يجمع بين خيري الدنيا والآخرة قال عليه السلام : ( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَکُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْکَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَکْذِبُ حَتَّى يُکْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ کَذَّابًا ) ( البخاري، ج 8 ، ر : 118،) وﭧﭐﭨﭐﱡﭐ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ( التوبة: ١١٩)
والآيات التي وردت في القرآن الکريم کثيرة وبصور متعددة ومجالات مختلفة تبرز أهمية الصدق، وتبين قيمه فهو مطلب أساسي في الحوار، وينبغي على الأطراف المتحاورة الالتزام به والتمشي بموجبه لإثبات الحجة بقول الصدق ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُکَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) ) (الشعراء: ٢٨ -31 ).
وﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ( ومَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) (الشعراء:154) )
وﭧﭐﭨﭐﱡﭐ (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِکَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(22)) الأحقاف: ٢٢
إن من أصول الحوار وأساسياته: أن يکون المتحاورون صادقين في أقوالهم وسلوکهم، وعدم کتم شيء من الحق، أو إخفاء بعض العلم الذي له علاقة بموضوع النقاش أو الحوار، أما عدم المصداقية في التحاور والشفافية في التعاملات والاتفاقيات والوعود بين الجماعات والمجتمعات، مهما احتجبت، إلا وتأتي عليها حقبة من الزمن تتضح فيه الرؤيا، وينکشف الغطاء، وتکون النتيجة فوضى وتنازع وصراع، وفقدان الثقة في الطرف الآخر، وتزيد الصراعات، والمشکلات.
والإسلام کما رغب بالوضوح والصدق في الحوار والتعامل، وأقفل تماما باب الکذب وضع عقاب للمخادعين والمراوغين، وجعل عقوبة عظيمة لهم، ليبتعد الناس عن هذا الطريق الهالک المدمر للنفس والآخرين ﭧﭐﭨ (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْکَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)) (الأحزاب: ٨)
وﭧﭐﭨ ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ کَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) ) (الأحزاب: ٢٤) قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَحَرَّوُا الصِّدْقَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ الْهَلَکَةَ، فَإِنَّ فِيهِ النَّجَاةَ، وَاجْتَنِبُوا الْکَذِبَ وَإِنَّ رَأَيْتُمْ أَنَّ فِيهِ النَّجَاةَ فَإِنَّ فِيهِ الْهَلَکَةَ "(المتقي،1401هـ،ج3، رقمه 6856، ص344).
وهذا فيه ترغيب على قول الصدق مهما کانت نتائجه، والتحذير من الکذب مهما کانت عواقبه، حتى لو فکر الإنسان بنتائج ايجابية إلا إن عاقبته تکون سلبية، فالذين تراودهم أنفسهم الأمارة بالسوء بإخفاء الحقائق، وتجميل القبيح بالأقوال والسلوک فذلک هو النفاق، وجميع أنواعه ومجالاته مدمرة وغير مثمرة، وإن کان يرى أصحابها غير ذلک، فالباطل يجني باطل؛ لذا ينبغي مد جسور التواصل بالحوار الهادف الصادق والاستعانة بالله في کل الأحوال ﭧﭐﭨ (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْکَ سُلْطَانًا نَصِيرًا(80)) (الإسراء: 80 )
فالصدق مطلب حياتي والزامي؛ لتسير به عجلة الحياة وتستقيم، فخير البشرية هم الرسل عليهم السلام کانوا يدعون الله أن يرزقهم الصدق في أقوالهم وأفعالهم؛ لأنهم يحتاجون إلى الحوار مع أقوامهم، ﭧﭐﭨ ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) ) (الشعراء: ٨٤)، فالصدق منجاة من السقوط في زلات اللسان، وهفوات النسيان، وله تأثير قوي على نفوس الناس، ومکانته عظيمة، وثمراته جسيمة دنيوية وأخروية فالصدق يرفع منزلة صاحبة ﭧﭐﭨ ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة: ١١٩
فقيمة الصدق تجعل الإنسان مطمئن النفس، لا يخشى ولا يخاف أن يُفضح أمره في يوما ما، وکل أسلوب يکون الصدق أساسه يکون نجاحه مأمول، وخاصة الحوار مع الآخر بصدق يؤلف بين القلوب، ويقرب المسافات، ويحقق الأهداف، هذا في الدنيا، أما في الأخرة فإن للمسلمين الثواب والفوز العظيم من عند الله.
ب - العدل
العدل ضد الجور وهو الاعتدال والاستقامة، بين الناس عامة، وعدم التحيز لفئة معينة لأغراض شخصية. ويظهر العدل في المواقف، والمعاملات، وهو قيمة أساسية لنشر التعايش السلمي.
قال تعالى: ﴿ لا يَنْهَاکُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوکُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِيَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الممتحنة:8). فالآية واضحة تماماً فى تحديد کيفية العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، بل وترتقي إلى أمر أعظم من العدل، الذي هو إعطاء کل ذي حق حقه، ووصلت إلى مرحلة الإحسان، وهو الزيادة على الحق وقد قدمت الآية لفظ البر الذي يعنى فعل الخير، ثم ذکر القسط الذي يعنى العدل، وهذه إشارة رائعة من الآية الکريمة إلى کيفية معاملة غير المسلمين فى حالة السلم، کونها علاقة قائمة على البر والإحسان وهو أمر فوق العدل، وفوق إعطاء الحقوق.
والعدل هو ميزان الله الذي ارتضاه لعباده، وهو إحدى القواعد الأساسية لأنه نظام مصلح لکل شيء، فإذا أقيم أمر بعدل، فسوف تحفظ الحقوق، وتتحقق العدالة في التعامل، ويتم التعايش السلمي، ﭧﭐﭨ ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ کَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) ) (النساء: 58)
وفي الإسلام نماذج واضحة وخالدة، يشهد عليها المنصفين من المستشرقين، في معاملة المسلمين لغيرهم من الناس، ومن أمثلة العدل في الحکم مع الآخر (إنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِکِ هَذَا: أَفُلاَنٌ؟ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ r فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ) (البخاري، ج 9، ر: 23).
والعدل مطلوب في الأقوال والأفعال ﭧﭐﭨ ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْکَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُکَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ کَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (152) ) (الأنعام: ١٥٢)
ومطلوب في کل الأحوال حتى مع النفس والأهل، وموقف حوار الصحابة للشفاعة عند الرسول عليه السلام للمخزومية التي سرقت، وهو موقف يظهر عدل الإسلام في صورة جلية، واضحة، ولا يمکن لأي فرد أن ينکره، فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإنما أهلک الذين من قبلکم أنهم کانوا إذا سرق فيهم الشريف ترکوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها". ثم أمر بتلک المرأة التي سرقت فقطعت يدها (ابن کثير،1420ه، الباب 38، ج3). فهذا التطبيق الفعلي يُبرز قيمة العدل في الحوار وموقف الإسلام الذي يکشف الحقائق ويوضحها ويعالجها.
ولا يقف عدل الإسلام عند هذا الحد بل تجاوز لمرتبة أعلى، عندما يکون الحوار خاص بذات الشخص، ويکون هو الحاکم بين نفسه والآخر، ( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : کَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r دَيْنٌ ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ : ((دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً ))، وَقَالَ: (( اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ ))، فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِدُ سِنًّا إِلَّا سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: (( فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِکُمْ أَحْسَنَکُمْ قَضَاءً ))) (البخاري، ج 3، ر : 29).
الحديث يوضح قيمة العدل في الحوار، والوصول إلى إرجاع الحق بأفضل منه، فالعدل مطلوب في کل المواقف ويبدأ بالنفس، فالإنسان إذا کان منصفا عادلا مع نفسه، يکون کذلک مع الآخر، ومن العدل الإحسان إلى من أحسن إليک.
وهناک نماذج عالمية لقيم العدل في الإسلام منها: عندما اتسعت الدولة الإسلامية، وزادت الفتوحات، وفتح قتيبة رحمه الله مدينة سمرقند أسکن فيها بعض المسلمين دون أن يستشير أهلها الأصليين، فساءهم هذا التصرف، وشکوا هذا الأمر إلى الخليفة، فکتب عمر رضي الله عنه إلى عامله أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذکروه، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا، فکان الحکم بإخراج المسلمين، وعندما أصبح الأمر بأيديهم وافقوا على أن يبقى المسلمين بينهم. (السحيم، 1432ه)
إين العالم اليوم من هذه القيم وهذه العدالة، والانصاف. ينبغي أن يعرف الغرب التاريخ المجيد، والنماذج المشرقة في الإسلام بالأعلام القوي، ولا ينتظر المسلمون الغرب يرسل الهجمات الشرسة على الإسلام ويجرده من القيم، ثم يدافعوا عن قيمهم.
ج- فهم رأي الآخر واحترامه
إن فهم الآخر واحترام رأيه من أساسيات قيم الحوار في الإسلام؛ إذ يحتاج إلى قواعد يرتکز عليها لتوجيه دفة الحوار الحضاري إلى مساره الصحيح، ومن هذه الأسس والقواعد، تحديد لغة واضحة ومفهومة للتحاور بين الطرفين، والتجرد من حب الذات والانا، فهذه إن تمکنت في الشخص فإنه يغلب عليه فهم الصواب، أما إذا تمسک برأيه ويرى ما عداه لا شيء، ويريد تحقيق المکاسب المادية والرفعة، سواء کان ذلک سلطة أو مالا أو جاه. ويتصف بالتعصب الأعمى بدون مبررات وبراهين صحيحة، فهذا من أخطر أسباب الافتراق، لأنه لا يفرق بين الحق والباطل (صالح، 1435هـ) وکذلک الاستعلاء والتکبر على الطرف الآخر.
ومن أمثلة الحوارات في هذا، تکبر إبليس وإعراضه عن ما أمره الله به، وآيات حوار الخالق، بهذا الشأن فيه دروس بليغة، ﭧﭐﭨ ( فَسَجَدَ الْمَلَائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَکُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَکَ أَلَّا تَکُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَکُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْکَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَکَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) ) (الحجر: ٣0 – ٤٣). يوضح القرآن الکريم تحاور الله سبحانه وتعالى وهو القادر على کل شيء مع إبليس الذي أعلن تنمره وعصيانه على الله، وهو خالقه، وفي هذا الحوار عبر ودروس، فالله قادر على کل شيء، ولکن استمر الحوار حتى انتهى الى حکمة أرادها الله.
والقرآن الکريم يتضمن العديد من أنواع القيم الحوارية التي تحترم رأي الآخر، فهو منهج للحياة، والسبيل القويم لمقاومة التحديات المعاصرة، ففيه الکثير من التطبيقات القيمية والحوارية والتربوية المختلفة، سواء کانت حوار الله مع الملائکة، أو مع الأنبياء مثل موسى عليه السلام، أو أمر من الله لأنبيائه بالحوار؛ لإقناع شعوبهم بأفضل الأساليب من غير تعنت أو قوة، ﭧﭐﭨ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) ) (النحل: ١٢٥)
واختلاف الرأي في الحوار حدث حتى بين الصحابة في المسائل الفقهية، وبين أئمة المذاهب، ولکن يتم بموضوعية وسعة صد، فإما أن يخضع للرأي الآخر، ويتنازل عن رأيه حينما تتضح له الحجة والصواب، وإما أن يتمسک برأيه مع تقديره لمخالفه واحترامه لرأيه.
والحوار مع الآخر يدخل في کل المجالات، وکل مجتمع له أيدولوجياته ونظامه، وله رأيه المستقل وليس بالضرورة أن يتبع الآخر، ولکن الحتمية تتوجب عليه أن يفهم الآخر، ويتقبل رأيه، ويکون ذلک بالتحاور، فقيمة الحوار لا تقلل من شأن الطرف القوي، ولا ترفع الطرف الآخر؛ إنما التحاور لاستيضاح الأمور بين الطرفين، وليس المهم بالضرورة اقتناع الآخر، فقد يفترقا المتحاورين بتمسک کل منهم برأيه، ويفهم کل طرف رأي الآخر، والافصاح عما يترتب عليه الرفض أو المنع أو القبول، وفي ذلک يتوصل الأطراف المتحاورة إلى اتخاذ القرار المناسب لها.
والاعتراف بالآخر والتحاور معه أمر بالغ الأهمية، حيث يکشف عن الآخر خلفيته الفکرية، وسلوکه، وتاريخه، ومعرفة واقعه الذي يستشف منه عناصر الحوار؛ ولذا کان من الضروري أن ينطلق الحوار من خلال معرفة الآخر، وليس من خلال ما يراه أحد الأطراف أو يتمناه، وقد أنکر الله سبحانه وتعالى على نبيه I تأثره الشديد لعدم ايمان قومه.(عتيبة،2020ه) ﭧﭐﭨ ( لَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ أَلَّا يَکُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) (الشعراء: ٣ – 4)
إن عالمية الإسلام جعلت احترم رأي الإنسان أيا کانت أيدولوجياته، ومعتقداته، ومهنته، من الضروريات التي تساهم في التعايش السلمي، وجعلته مکرما کونه إنسان. ﭧﭐﭨ ( وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) ) (الإسراء: ٧٠)
إن رسالة الإسلام وجهت البشرية إلى تجميع طاقاتهم وجهودهم لمصلحة الإنسانية، وعمارة الأرض، وهذا التکليف للناس کافة، فکل المجالات تحتاج إلى التعاون الذي يحتاج إلى التحاور بقيم تليق بالإنسانية التي کرمها الله. وبفاعلية، وواقعية، وفهم الآخر، واحترام رأيه، والتعامل معه، وتقبله، فکل إنسان حُمل مسؤولية قرارته، ونتيجة سلوکياته، ﭧﭐﭨ ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) ) (فصلت: 46).
کل إنسان يتحمل نتيجة أفعاله وأقواله، وهذا ميزان الإسلام؛ لأنه دين السماحة والتفاهم، وجعل التحاور هو لغة التفاهم، لتوجيه الضال، وتثبيت الصائب، وهذا من قيم الإسلام العالمية التي تهدف نحو البناء والعمار، إما التعارض والفرقة والاستبداد بالرأي والتزمت والأنانية وفقدان الحوار، تجلب الصراع، والتنازع، والفرقة، وهي من عوامل هدم المجتمعات وتناحرها وفقدان التعايش السلمي.
ومن يدعي أن الإسلام لا يحترم الآخر أو لا يعترف بالتحاور، والحوار معه عقيم، فعليهم بالرجوع إلى القرآن الکريم الذي وردت فيه جميع أساليب الحوار، وظهر الحوار في القرآن الکريم قبل وجود البشرية في حوار الله عز وجل مع الملائکة ﭧﭐﭨ ( وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ) (البقرة: ٣٠).
وکذلک في حوار الله مع إبليس کما ورد في الآيات مسبقا، وکذلک حوار الله عز وجل مع الأنبياء، وإرسال الرسل للتحاور مع أقوامهم والاعتراف برأيهم، والتمسک بالقيم الإسلامية أثناء الحوار، ﭧﭐﭨ ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَکَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ) (طه: ٤٣ -44) فالحوار إسلامي قبل وجود البشرية، وبعدها ومستمر باستمرار الحياة.
وﭧﭐﭨ (قَدْ جَاءَکُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْکُمْ بِحَفِيظٍ (104)) (الأنعام: ١٠٤)
وتتجسد کذلک السنة النبوية على أرض الواقع، مع النبي J، وصحابته، في التعامل مع الآخر ويوم صلح الحديبية خير نموذج وشاهد على الحوار وتقبل رأي الآخر، فقد حضر عليه السلام والصحابة وهم متشوقين لمکة والجيش الکبير، ولکن بعد التحاور ووضع البنود والمواثيق، عاد المسلمون إلى المدينة ولم يدخلوا مکة، فالأساليب الحوارية بأنواعها، والتراث الإسلامي غني بالحوارات الهادفة بقيمها الإسلامية العالمية، فلکل إنسان رأيه، ويتبع ما يريد؛ ولکن جُعل الحوار لرفع الضبابية، وکشف الحقائق، والتقريب بين وجهات النظر، ويحل التعايش السلمي بدل الصراع وتحفظ الحقوق.
ثالثا: المجال السياسي
أ- حفظ الحقوق
إن الإسلام سباقاً إلى الإقرار بحقوق الإنسان، والحث على صونها وحفظها، وإحاطتها بالرعاية، وشمولها بالعناية؛ ووضع منهج متکامل للحياة الإنسانية له قواعد ثابتة، وأصولاً راسخة، ومبادئ خالدة، بل إن الإسلام اعتبر التفريط في حق من حقوق الإنسان تفريطاً في جنب الله، لذا يجب أداؤها على خير وجه، والوفاء بها طاعة لله (باجابر، 1437هـ).
إن أول من حفظ الحقوق الإنسانية هو خير البشرية صلى الله عليه وسلم، ومثالا على ذلک إن المحافظة على الحقوق مسؤولية جماعية، تحافظ على کيان المجتمع، وسلامته، وترفع من شأنه، ومن النماذج الحوارية في حفظ الحقوق مع الآخر، عندما حاور الرسول الکريم الفتاة للوصول إلى الفاعل ومعاقبته، فبهذا المنهج الرباني الذي طبقته التربية النبوية، حققت العدالة الاجتماعية، وأصلحت السرائر، لتحقيق الأمن والاستقرار بين أفراد المجتمع (الضبيعي، 1408هـ) لأنه مجتمع متفرد بنظامه الخاص مغاير للنظم الاجتماعية الأخرى التي تعاني منها البشرية، کالنظام الإقطاعي والرأسمالي، والاشتراکي والشيوعي، والتي أدت إلى انقسام المجتمعات إلى طبقات متفرقة، ينهش القوي جهد الضعيف، ويسود أهل الأموال على غيرهم، مما أدى إلى الصراع الإنساني، وکثرة الجرائم بين أفراد المجتمع لعدم وجود قيم للحوار الحضاري، أما المنهج الرباني فقد حقق العدل في منهجه، وجعل من مقاصد الشريعة حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، من أجل حفظ کيان الإنسان، ومراعاة مصالحه، التي منها: أن المال مال الله، والناس مستخلفون فيه لهم ملکية التصرف والانتفاع به، في الحدود التي أقرها لهم الشرع (باجابر،1437ه)، ﭧﭐﭨ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَيْکُمْ أَلَّا تُشْرِکُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَکُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُکُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (151) ) (الأنعام: ١٥١)
ﭧﭐﭨ ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ کَانَ مَنْصُورًا (33) ) (الإسراء:33)
إذا حُفظت الحقوق في مجتمع ما، وکان بينهم تحاور بالقيم الإسلامية العالمية، فإنه يسوده الأمن والاستقرار، لأن هذه" الحقوق التي أقرها الإسلام وأعطاها الإنسانية تهدف إلى تشريف البشر وصون کرامتهم وإزالة الاستغلال، والقهر والظلم عنهم وهي حقوق شديدة الصلة بالله وحده الذي هو صاحب الشريعة ومصدر کل حقوق الإنسان، لذلک فالحقوق منحة من الله لا يملک أحد تقييدها أو انتهاکها " (آل سعود، 1420هـ).
فلا أمن أذا انتشر القتل وسلبت الأرض، وانتهکت الإنسانية، من غير تفاهم أو تحاور، أو حفظ الحقوق، أو عدم الاعتراف بأصحابها.. ﭧﭐﭨ ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ) (آل عمران، آية 180) وقَالَ عليه السلام: (( مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)) (مسلم ،1416ه، ج 3، کتاب الفرائض، ر : 1610).
المتأمل في الحديث يستشعر عظمة إثم أخذ حقوق الآخرين بغير وجه حق، حتى وإن کان قدراً يسيراً؛ فإنه سيکون کالطوق في عنقه بمقدار ما أخذ، والخلاص من هذه العاقبة هو التحاور والتفاهم، والتعرف على الأسباب والمسببات، واحترام الحقوق والحفاظ عليها، أو استردادها، أو إعادتها، فالحوار مع الآخر لحفظ الحقوق له أسس يبنى عليها بحيث تعرف کل جماعة ما لها وما عليها، وعلى أي أساس کان الحق لها، فإذا تحقق هذا في الحوار والالتزام بقيم حفظ الحقوق بشفافية، وفاعلية، فسوف يعم الأمن والاستقرار بين الجماعات في المجتمعات المتباينة؛ لذا فإن الاعتراف بقيم حفظ الحقوق والعمل على ايقاظ الضمير، والاحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، يترتب عليه الأمان بين الجماعات، والاستقرار في المجتمعات، أما ما يترتب عليه سلب الحقوق، فهو إشعال فتيل المعارک الطاحنة التي تعود بالدمار للطرفين والخسائر النفسية والبشرية، والمادية، وهذا نتيجة الطمع المادي والاقتصادي والسياسي؛ لذلک تولى الإسلام وضع سياسة خالدة وقيم عالمية يسير عليها الإنسان ويحدد حقوقه وواجباته.
ﭧﭐﭨ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَيْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِيمًا (29) )(النساء:29).
والعمل بموجب ذلک فيه إصلاح للنفس، والسلوک، وتوجيه الفرد نحو الحلال وعدم التعدي على حقوق الآخرين، فلا تطغى شهواته ومطامعه على عقله وواجباته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: کَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r دَيْنٌ ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: (دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً)، وَقَالَ: (اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ)، فَقَالُوا : إِنَّا لَا نَجِدُ سِنًّا إِلَّا سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: ( فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِکُمْ أَحْسَنَکُمْ قَضَاءً )(البخاري، ج 3، کتاب الهبة، ر : 29) إن من تعاليم المنهج الإسلامي مقابلة الإحسان بالشکر والعرفان، ومقابلة الإساءة بالصفح والتجاوز، فقيمة حفظ الحقوق تتضح جلية في الحوار الذي وضح موقف المدين عندما يريد أن يستردّ الدائن حقوقه، وهذا من أجل المحافظة على الحقوق، ويٌشکّل هذا المواقف دروساً هادفة لتطبيقها في المجتمعات في تعاملاتهم(باجابر،1437ه).
والإسلام يوضح الحقوق الخاصة والعامة، ومن أمثلة حفظ الحقوق العامة، أموال الدولة، کما ورد في الحديث: عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ r رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَکُمْ ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، فَقَامَ النَّبِيُّ r عَلَى الْمِنْبَرِ - قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا : فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ : هَذَا لَکَ ، وَهَذَا لِي ؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ کَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ - أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ - ثَلَاثًا -) (البخاري، ج 9، کتاب الأحکام، ر: 36).
وهناک مواقف يمکن أن تطرح وتحاور بصورة فردية، ومواقف أخرى يجب أن تطرح بوضوح وبصورة عامة، وتعالج وتحاور أمام الجميع، فالإنسان لو تُرِک لطباعه يتصرف في المال حيث توجهه غريزته لاختلت الموازين، وساءت النتائج؛ لأنها تدفع بالإنسان إلى جمع المال والإکثار منه.
والإسلام تولى وضع سياسة خالدة للمال يسير عليها الإنسان ويحدد حقوقه وواجباته، وحذر من أخذ الأموال بغير وجه حق. هذا الأمر الذي شاع في الواقع المعاش، وتفشى بخطوط سميکة واضحة، والأکثر من ذلک أنه کثيراً ما يطلب علنياً من أجل تسهيل وتيسير الأعمال، وهذا أشدّ فتکاً بالمجتمع؛ لأنه يقوم على أخذ حقوق وإعطائها للآخرين مقابل عروض مادية، أو قضاء مصلحة، بحکم المرکز والمجال العملي، وهذه خيانة عملية لا يرتضيها الإسلام، "إلا إذا أعطى ليتوصل به إلى الحق، أو ليدفع عن نفسه ظلماً فلا بأس به" (العظيم آبادي، ج 6، ر: 3577).
ومن الحقوق صيانة حق النفس، فلا يحق لذا مکانة أو سلطان أن يسلب الإنسان حقه في الحياة، ومن فعل ذلک بغير حق تجاوز حدوده الإنسانية، ويکون عقابه من جنس عمله؛ وعلاج ذلک حد القصاص في القتلى للحفاظ على حقه في الحياة، ﭧﭐﭨ (وَلَکُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ (179)) (البقرة آية 179) ، وقال عبد الله بن عمر: ( إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْکَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ) ( البخاري، ج 9 ، کتاب الديات ، ر : 3 ).
هذه تعاليم الإسلام التي أرسى دعائمها النبي r وجعل سفک الدم الحرام ورطة من الورطات: أي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها؛ لأنه أوقع نفسه في الهلاک، أي متعمد القتل بغير حق.
أما الحروب التي قام بهاr فهي لنشر الحق والسلام، ومن أجل سعادة الإنسان. أما شعوب الحضارة الغربية تنادي بالسلام، وکأنه من صنعهم وتخطيطهم، فقد " رفعت منظمة اليونسکو شعار التربية من أجل السلام، منطلقة من أن معاقل السلام ينبغي أن تقام في عقول الناس" (السيد، 1402هـ).
وهذه المدنية الغوغائية جعلت البشرية تتمرغ في دماء القتلى، ولا تملک إلا أن تنادي بشعارات زائفة، تخالف القيم الإسلامية التي بدأت بتربية الذات، وحرصت على سلامة الإنسان ذاته من اتباع الهوى، فالإسلام منهج موحد للجميع، فمن حاد عن الصواب وجانب الحق فقد ضل سواء السبيل، واختلت موازين الحياة لديه، إما لجهل أو لضلال، وسار ضد التيار.
ولتوجيه هذه التحديات، إلى مسارها الصحيح، ينبغي المناداة بقيم الحوار الإسلامية وبيان عالميتها، فلا تسلب الحقوق ولا تضيع، ويتحقق المطلب الأساسي لکل مجتمع وهو الأمن والاستقرار، فالنظام الإسلامي منهج حياة فريد ومتکامل يهيئ الجو الصحيح للمعاملات المتبادلة بين أفراد المجتمع، وأول حضارة رائدة وضعت خططاً مستقبلية تتوافق مع الفطرة السليمة هي الحضارة الإسلامية؛ لأنها تحافظ على الحقوق وتعالج کل ما يهم الإنسان، وبدأت ببنائه من الداخل حتى ينعکس ذلک على سلوکه الخارجي.
أما إذا فُقد الحوار وقيمه فکثير من الناس يسعى ويستفذ جهده وطاقته في امتلاک حقوق الآخرين ولا يقنع مهما أخذ، ولا يبالي بالطريقة التي أخذ بها حقوق الآخرين حتى وإن کانت بالسلاح، والتسلط، وهذا فيه تجرد من الإنسانية.
وفي هذا الفضاء يحتاج الأمر إلى الحوار الهادف الذي يشق طريقه لتبيان الحقوق والواجبات؛ ليعم الأمن والاستقرار، والتعايش السلمي رغم التعدد الثقافي، في التشريعات والايدولوجيات.
ب- التعايش مع التشريعات الأخرى واحترامها
أقتضى أمر الله أن تکون البشرية متعددة الأديان والتشريعات فمنهم المسلم والکافر والمشرک، ويعيش الجميع على بقعة أرض واحدة، وهنا يظهر التساوي في أصل الخلق، والعيش على الأرض، والتباين يکون في سلوک الجماعات وأيدولوجياتهم، وتقبلهم للآخر، وطريقة معيشتهم،ﭧﭐﭨ(هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کَافِرٌ وَمِنْکُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) ) (التغابن: ٢)
وهذا الاختلاف يحتاج إلى "نظام يضمن لهم التعايش وعلى هذا يکون السلم هو الأصل في العلاقات بين الناس" (المصلح، 1427هـ، ص42) ، أما الحروب بين البشر فقد حدثت حتى مع المسلمين لأسباب بينهم ولنصرة الحق، وحذر rمن هذه الحروب والقتل، ووضع نظام محکم لذلک، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:( لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُکُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَکُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا - وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرار - بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، کُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) (النيسابوري، ج4، کتاب البر والصلة، ر : 2564)، المجتمع المسلم مجتمع ألفة ومودة ومحبة، وينتج عنها اختفاء الکثير من أمراض القلوب کالحسد والبغضاء، وقد نهى عنهاr، والنهي ضمن الواجبات التي يجب فعلها، والتحلي بها، والمقصود بقوله - وَکُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا- تعاملوا وتعاشروا بمودة ورفق وملاطفة، وتعاونوا على الخير، مع صفاء القلوب والنصيحة، والابتعاد عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض(النووي،1418ه،ج16،کتاب البر والصلة والآداب، ر:2559).
وذوبان الشحناء والتنازع بين الجماعات والمجتمعات هو الحوار المقيد بقيم الإسلام العالمية، الذي يعترف بالتشريعات المتعددة الثقافات، فقبول الآخر يزيد بين من تقارب جسور التواصل، رغم الاختلاف، وهو ليس مستحيلا، فقد عاشت المجتمعات في حقبة من الزمن في أمن، وأمان، واستقرار في صدر الإسلام، ولعل من أروع الأمثلة على هذا التعايش مع التشريعات الأخرى هو سماح النبي r لوفد نصارى نجران المؤلف من حوالى ستين شخصاً، بدخول مسجده الشريف، وجلوسهم فيه فترة طويلة، من غير عقد أو معاهدة وعندما حان وقت صلاتهم قاموا متوجهين إلى المشرق ليصلوا صلاتهم فقام المسلمون لمنعهم عن ذلک، إلا أن الرسول r نهاهم عن ذلک وترکهم يصلون في طمأنينة(ابن هشام،ج1).
وبناء على ما سبق: يتضح أن الإسلام أقر بحرية الاعتقاد لکل الناس فلا إکراه لأحد على اعتناق الإسلام، وإن کان يدعوهم إليه، ويرغبهم فيه، فالدعوة إلى دخول الإسلام، والإکراه عليه أمران متضادان تماماً، فالأول جائز مشروع، والثاني حرام ممنوع، ومن القواعد الأساسية في معاملة غير المسلمين ضمن هذا الإطار قاعدة (نترکهم وما يدينون) وهي للإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه (قاضى، 1970م، ج7).
وقد أثبتت الشواهد التاريخية صحة هذه المقولة، وقد وردت کثيراً، منها في عهد النبي r مع يهود المدينة حيث قال عليه السلام (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم). وکذلک رسالته r إلى معاذ بن جبل t في اليمن والتي جاء فيها "ولا يفتتن يهودي عن يهوديته" (القاضي، 1396هـ)، وفي هذا عدم الإکراه في اعتناق الدين الإسلامي.
وأيضاً في عهد النبي r عندما أرسل إلى أهل نجران جاء فيه "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملّتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم. وکل ما تحت أيديهم من قليل أو کثير لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا کاهن من کهانته وليس عليهم دية ولا دم جاهلية...." (دروزة،1338هـ،ج7) ، وجاء في الحديث الشريف النهي عن قتل أصحاب الصوامع وهم رجال الدين والرهبان والعباد، قال r: "لا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" (ابن حنبل، 1978م،ج1).
فالإسلام وقيمه وتاريخه کشمس مشرقه في سماء صافية، يراها الکل، ولکن الناس أصناف منهم من يعرف الحق ويتبعه، ومنهم من يعرف الحق ولا يتبعه ولا ينکره کالصخرة الصماء، ومنهم من يعرض عن الحق وينکره ويحاربه، والحرية الدينية موجودة لا جدال في ذلک، ولکن منعا من التناحر، والحروب المعاصرة التي طغت عليها الأنا، وحب المال، يکون الفاصل في کل الأحوال هو الحوار بقيمه الإسلامية العالمية الهادفة؛ لتقويم النفس، وتربية الذات، والتعايش بأمن واستقرار.
ج- المحافظة على المواثيق والوعود والعهود
إن الوفاء بالعهود والمواثيق يوفر الاستقرار، ويجعل الإنسان يشعر بالأمان، والوفاء بها أمر حتمي حتى في حالة الحرب، ﭧﭐﭨ ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِکَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَکُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْکُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَکُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)) (الأنفال:٧٢)
ﭧﭐﭨ (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ(58)) الأنفال:٥٨)
إن الإشکال الواقع في العصر الحاضر على وجه الخصوص يتمثل في نقض الوعود والمواثيق وقلة الحوار، والتحايل في الوعود التي ابرمت، أو التبديل فيها من طرف الجماعة المسيطرة، في أکثر من بقعة من بلدان العالم، ويأتي في قمة هذا الموضوع نظرة المجتمع الغربي إلى الإسلام والمسلمين بکیفیة یغیب عنها الجانب الموضوعي، وهذه النظرة خلفت صراع واحتدام بین الأديان، وهو صراع قدیم حديث، لما ّ أثیر حوله من تصورات ودراسات واشکالات، اقتضت ضرورة الالتزام بالقيم الإسلامية العالمية للحوار الحضاري الذي يُحتم الوفاء بالوعود والمواثيق، ولابد منه لوعي الذات والآخر ومجاوزة إکراهات التاريخ المريرة ( جدي، بوعقال، ،1439ه).
وعدم التمسک بوعود الحاضر ودفن الصرعات القديمة، التي سادت فيها هيمنة ثقافة القوة والسيطرة، وذوبان ثقافة الآخر، يزيد من ضياع الهوية الثقافية، وبالتالي يرتفع مؤشر الصراعات والنزاعات وتذوب القيم وتهضم الحقوق.
ودين السلام العالمي يرفض الصراعات، والإسلام يأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق والوعود وذکرت في القران الکريم عدة مرات بصيغ مختلفة وتجسدت في مواقف کثيرة على أرض الواقع، وقد سار الصحابة y على نهج المصطفى r، وکانت هي السياسة السائدة في ذلک الوقت.
وعلى مستوى الجماعة وکسياسة المسلمين العامة والثابتة إنهم فوق احترامهم لأهل الکتاب وسماحتهم لهم وفروا جميع الحقوق اللازمة ليعيشوا حياة آمنة مع المسلمين، وکنموذج کتاب أبو بکر t إلى نصارى نجران "بسم الله الرحيم هذا ما کتب عبدالله أبو بکر خليفة محمد النبي رسول الله لأهل نجران: أجارهم بجوار الله وذمة محمد النبي عليه السلام، على أنفسهم وأرضهم، وملتهم، وأموالهم، وماشيتهم، وعبادتهم، وغائبهم، وشاهدهم وأساقفهم، ورهبانهم، وبيعهم، وکل ما تحت أيديهم من قليل أو کثير، لا يخسرون، ولا يعسرون، ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته" ( الأنصاري،1432ه، ج1).
ﭧﭐﭨ(وَمَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ کَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَکُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ کَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَکُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَکَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَکِيمًا (92) ) (النساء: ٩٢)
ﭧﭐﭨ (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولًا (34)) ( الإسراء:٣٤)
ﭧﭐﭨ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)) (الرعد: ٢0)
ﭧﭐﭨ(ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَکْنَا الْمُسْرِفِينَ(9) ) (الأنبياء: ٩)
هذه الآيات تتضمن أهمية العهود والوعود والمواثيق، فالالتزام بها أمر إلهي، ولا يمکن التفريط فيه، أو التنحي عنه بحال من الأحوال، وهذه المواثيق إذا لم تطبق سوف يُبنى عليها نزع فتيل الفتنة، وتحدث أمور لا تحمد عقباها، کالحروب، والصراعات، والنزاعات، والوقاية من هذا کله؛ يکون باتباع القيم الإسلامية للحوار الحضاري، التي تنشر السلام والاستقرار والأمن والأمان.
"لذا تعد القيم من المفاهيم الجوهرية في جميع ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، نظرا لأنها تمس العلاقات الإنسانية بکافة صورها وذلک لأنها ضرورة اجتماعية، ولأنها معايير وأهداف لابد أن نجدها في کل مجتمع منظم سواء کان متقدما أم متأخرا، فهي تتغلغل في الأفراد على شکل اتجاهات ودوافع وتطلعات، وتظهر في السلوک الظاهري واللاشعوري" (سعدات، 1422ه).
إن البناء القيمي الإسلامي يقي المجتمع من الأنانية المفرطة، والأهواء المدمرة، ويزوده بالکيفية التي يتعامل بها مع الآخر ويحدد له أهدافه ومبررات وجوده، وهو المرتکز الأساسي الذي يحرک الأفراد والحضارات نحو الأفضل والأحسن، أو نحو الاتجاه المعاکس؛ فإذا أُتخذ هذا الاتجاه السلبي فسوف ينحدر التدرج من الأعلى إلى الأسفل في حالة عدم وجود قيم ايجابية يسير عليها أفراد المجتمعات؛ لتنهض عليها الحضارات، وبالتالي تظل الصراعات
بين المجتمعات واستحالة التعايش السلمي بين هذه الحضارات المتعددة.
وبناء على ما سابق تناوله فإنه عند مقارنة التعددية الثقافية بين الغرب والإسلام، يتضح فشل التعددية الغربية على المستويين النظري، والعملي، في حين أن التربية الإسلامية أثبتت نجاحها وحسن تعاملها مع التعددية الثقافية وقد مارستها عمليا ونظريا، فانتشر الأمن، والسلام، والأمان، والاستقرار، والتعايش السلمي رغم تعدد الأديان والثقافات، في مختلف العصور الإسلامية ،الأمر الذي يعني أن أساليب تفعيل التعددية الثقافية ينبغي أن تقوم على البنية التحتية الإسلامية وليس الغربية، وتُحدد بالقيم الإسلامية العالمية للحوار الحضاري، فالمنهج الرباني أول من استخدم أسلوب الحوار الهادف بأنواعه، کحوار الله مع الملائکة، وحوار الأنبياء مع أقوامهم، فالإسلام أول حضارة رائدة وضعت خططاً مستقبلية تتوافق مع الفطرة السليمة؛ لأنها ناقشت وعالجت کل ما يهم الإنسان، وبدأت ببنائه من الداخل حتى ينعکس ذلک على سلوکه، وتفاعله، فهو واضع الحضارة ورائدها.
وما يمکن قوله في نهاية المطاف هو أن يعيد المسلمون النظر في أنفسهم کمسلمين، ويتبعون قيمهم الإسلامية، لينصلح حالهم، وتصلهم نظرات احترام الآخر، فالعلاج يکون من أنفسهم، ﭧﭐﭨ (وَمَا أَصَابَکُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَيْدِيکُمْ وَيَعْفُو عَنْ کَثِيرٍ (30)) (الشورى: ٣٠)
وﭧﭐﭨ (مَا أَصَابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَکَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِکَ وَأَرْسَلْنَاکَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَکَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) ) (النساء: ٧٩)
النتائج
1) إن المنهج الإسلامي يدعو إلى التفاهم والتحاور بأحسن وأفضل الأساليب الدعوية والتربوية، ويزخر القرآن الکريم والسنة النبوية بالأدلة والبراهين على ذلک.
2) الحوار بقيمه الإسلامية جسر عبور للوصول إلى نتائج ترضي الطرفين حتى وإن لم يقتنع الطرف الآخر، يکفي أن يعرف کل طرف حقوقه وواجباته ومسؤولياته، وتتضح رؤية الآخر.
3) عند وجود حضارة تريد الهيمنة والسيطرة، على الحضارات الأخرى، ينبغي على الحضارات الأخرى التضامن وإبراز حضارتها، وتاريخها المجيد، وترفض الهيمنة وتقاومها، لضمان سلامة مرجعيتها.
4) إن الصدام والتنازع يأتي من الطرف الأقوى، ليتمکن من فرض حضارته وسياسته، ويستخدم أسلوب الإکراه، ويرفض مبادرات السلام، من أجل مصلحته.
5) من الأمور المهمة لنجاح الحوار ينبغي أن يسبقه تغير المفاهيم الغربية ذات المحتوى العدواني نحو الإسلام، فإذا نجحت هذه الخطوة يتحقق الهدف من الحوار.
6) یحـاول الغرب السيطرة علـى العـالم بکـل قـوّته، وتعمـل أمريکا علــى أمرکــة العــالم تمهيد لفرض الهيمنة والسيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية، والسعي من أجل إلغــاء الثّقافات الأخرى.
7) مشروع الملک خالد الذي کان هدفه تحويل الصراع الحضاري إلى حوار حضاري، کان له صدى وأثر ايجابي في العالم بأسره، حفاظا على الثوابت الإسلامية والحقـــوق العربية.
التوصيات
1) بناء شراکة مجتمعية بين الدول الإسلامية لإبراز قيم الإسلام، وبيان مواقفه مع التعددية الثقافية في کافة البلاد التي ساسها المسلمين ودخلوها، وکيف تعاملوا مع الآخر في کافة المجالات السياسية والمذهبية، والاجتماعية.
2) إنشاء قنوات فضائية في أمريکا والغرب تبرز القيم الإسلامية في الحوار الحضاري، والتاريخ الإسلامي والمواقف التربوية والإنسانية التي مر بها العالم في حقبة من الزمن.
3) يجب أن تسهم وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة على الشبکة العنکبوتية بتعميم خطاب معتدل وسلمي يحث على التعايش وقبول الآخر، وتفهم الاختلافات مع الآخر داخل الدولة خارجها.
4) تطوير الخطاب الإعلامي بحيث يزيل معاني ودلالات التخوين أو التکفير أو الکراهية أو الانقسام الطائفي أو المذهبي أو القومي، مع مراقبة صارمة للإعلام الخارج عن القيم الإسلامية والعالمية.
5) ينبغي إجراء أبحاث ودراسات تعمل لبناء الشخصية الإسلامية المتزنة، وتسعى لإحلال السلام والتعايش السلمي بدلا من الصراع والعنف والنزاع والإبادة المتطرفة.
6) نشر ثقافة التعايش السلمي والتسامح في البلاد التي فيها أقليات مسلمة، يستمد فعاليته من قيمه الإسلامية ومبادئه وثوابته الحوارية، والتفاهم والتعاون بما يحقق تعايشا مشترکا بين المسلمين وغيرهم من الطوائف المختلفة والمذاهب المتنوعة.
7) ينبغي على المناهج الوطنية، والمؤسسات التربوية، أن تتصدى لجميع أنواع التطرف الفکري، والعنف بأشکاله المختلفة، وتوجه الطلبة، إلى قبول الآخر سواء کان داخليا أو خارجيا، بما يتوافق مع قيم الحوار التي يعززها ويوصي بها الإسلام.
8) تشجيع الأنشطة واللقاءات والفعاليات الهادفة في المجتمعات التعددية الثقافية المحلية والعالمية لتعزيز التعايش السلمي وحماية الجماعات التنازع والصراعات المختلفة.
9) على الحکومات الإسلامية التضامن وعمل مبادرة تسعى إلى تبني مشروع التعايش بين الطوائف المختلفة وتقبل رأي الآخر، وإصدار قوانين صارمة لمعاقبة مثيري الکراهية والعنف.
المراجع مرتبة
-ابراهيم، نجيب إسکندر؛ إسماعيل، محمد عماد الدين؛ منصور، فام رشدي. (1999م).، قيمنا الاجتماعية وأثرها في تکوين الشخصية. مکتبة الأنجلو المصرية.
- ابن جماعة، محمد. (2009). التعددية الثقافية ومفهوم الهوية المتعددة الأبعاد، المؤتمر الوطني الأول للأمن الفکري. (المفاهيم والتحديات) الرياض، جامعة الملک سعود.
-ابن حنبل، أحمد الشيباني. (1978م). مسند الإمام أحمد بن حنبل. (ط2).
-ابن کثير، إسماعيل بن عمر. (1420ه).تفسير القرآن العظيم. (ط2). ، (تحقيق: سامي سلامة)، دار طيبة للنشر والتوزيع.
-ابن هشام، محمد عبد الملک.(1433ه). السيرة النبوية.(تحقيق: مصطفى السقا؛ إبراهيم شلبي؛ عبد الحفيظ الإبياري). دار المعرفة.
-أبو الوفاء، جمال محمد. (2000). تأثبر التعددية الثقافية على النظم التعليمية في کل من بلدان المغرب العربي وأمريکا اللاتينية "دراسة مقارنة. مؤتمر التربية التعددية الثقافية مع مطلع الألفية الثالثة.القاهرة .دار الفکر العربي..
-أبو داود، سليمان بن الأشعث.(1423هـ). سنن أبي داود. دار إحياء التراث العربي.
-أبو سکين، حنان کمال. (1436هـ). مفهوم التعددية الثقافية. المجلة الاجتماعية القومية. (مج51). (ع1). المرکز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
-أبو سکين، حنان. (د.ت). هل تنجح التعددية الثقافية فى معالجة قضايا الأقليات والمهاجرين؟. مجلة آفاق سياسية. المرکز العربي للبحوث والدراسات.
-بو عود، أحمد.(2006). التعددية الثقافية وبناء المشترک الإنساني من منظور القيم الإسلامية. ندوة: نحو ميثاق للتعايش والاحترام المتبادل في الثقافات المعاصرة. مرکز الدراسات الإسلامية بالقيروان. تونس جامعة الزيتونة.
-آل سعود، محمد بن نواف بن عبد العزيز. (1420هـ). ندوة: حقوق الإنسان في الإسلام.
-الأنصاري، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم.(1432هـ). کتاب الخراج .(ج1). (تحقيق: طه عبدالرؤوف). المکتبة الأزهرية للتراث. سوف أراجعه للتأکد من وجوده
-أنور، عبير محمد؛ عبد الصادق، فاتن صلاح. (2010)."دور التسامح والتفاؤل في التنبؤ بنوعية الحياة لدى عينة من الطلاب الجامعيين في ضوء بعض المتغيرات الديموجرافية ".مجلة دراسات عربية في علم النفس. (مج 9). (ع 3).
-باجابر، فاطمة سالم. (1437هـ). أبعاد النظرية التربوية في الأصول الإسلامية. دار رضا للنشر.
-بباوي، لوقا نبيل. (1430هـ – 2009). قراءة أخلاقية في المبادرة الملکية. مؤتمر مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية.
-البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة. (1407ه). الجامع الصحيح. (ج9)، دار الشعب.
-الترمذي، محمد بن عيسى. (1419هـ). سنن الترمذي. (ج3). رقم الحديث1943، دار الغرب الإسلامي.
-جدي، رشيدة؛ بو عقال، سمية. (1439ه). حوار الحضارات وصراع الأديان، رسالة ماجستير. جامعة العربي التبسي تبسة. الجزائر.
-الجزائري أبو بکر جابر.( 1408ه). هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا محب، المکتبة التوفيقية.
-الحسن، حسن. (2008 م). التفاوض فن ومهارة. المنظمة العربية للعلوم الإدارية.
- حمزة، محمود محمد علوان؛ حسن، برانق محمد أحمد.(د.ت). تفسير القرآن الکريم. (ط2). (ج 26). دار المعارف.
-الخضري، محمد نور اليقين.( 1415هـ). فى سيرة سيد المرسلين. مکتبة الإيمان.
- درباله. ياسر. (1439ه). عالمية الإسلام بين النظرية وسوء التطبيق، https://maktaba-amma.com/?p=11949
-دروزة، محمد عزت. (1383ه). التفسير الحديث مرتب حسب ترتيب النزول، دار إحياء الکتب العربية.
- الزحيلي، وهبة بن مصطفى. (1422ه). التفسير الوسيط. (ج 4). دار الفکر.
- السحيم، محمد. (1432ه). القيم الحضارية في رسالة خير البشرية، مکتبة الملک فهد.
- السرجاني، راغب. (2010). فن التعامل مع غير المسلمين دار أقلام.
- سعدات، محمود فتوح.(2001م). القيم الاجتماعية لدى طلاب المرحلة الثانوية -دراسة مقارنة ". رسالة دکتوراه غير منشورة. جامعة عين شمس. معهد الدراسات العليا للطفولة
- السنيدي، فهد بن عبدالعزيز.(1430هـ). حوار الحضارات. رسالة دکتوراه غير منشوة، جامعة الملک سعود.
- السيد، محمود أحمد.( 1402ه). معجزة الإسلام التربوية.( ط2). دار البحوث للنشر.
- الشال، محمود النبوى.( 1978م). الإسلام رسالة السماء. مکتبة سالم بن محمد آل حميد http://salemlib.dyndns-web.com:8000/cgi-bin/koha/opac-detail.pl?biblionumber=24031
- صالح، محمد عثمان. (1435ه). مشکلات الخلاف والافتراق والتحزب وعلاج الإسلام لها. بحوث المؤتمر العالمي الثاني: العالم الإسلامي. رابطة العالم الإسلامي، المشکلات والحلول، التضامن الإسلامي.
- صليبا،جميل.(1971). المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنکليزية واللاتينية. دار الکتاب اللبناني.
- الصنعاني، محمد بن إسماعيل. (1432ه). التنوير شرح الجامع الصغير. (ج 10). (تحقيق: محمد إبراهيم إسحاق). دار السلام.
- الضبيعي، إبراهيم محمد. (1408هـ). الصدقات وأثرها على الفرد والمجتمع، مطابع الوطن.
- العاجز، فؤاد. (2000م). الإدارة المدرسية والتعددية الثقافية. مؤتمر: التربية التعددية الثقافية مع مطلع الألفية الثالثة .دار الفکر العربي.
- عتيبة، آمال محمد. (2020). دعوة للتسامح. مجلة الرابطة، العدد 645.
- العتيبي، عبدالله عايض. (1435هـ). التعددية الثقافية من منظور التربية الإسلامية. رسالة ماجستير. جامعة أم القرى. مکة.
- علي. عبد الکريم عثمان. (1433ه ) الأمة والجماعات الفرعية تعددية في کنف الوحدة. المؤتمر الدولي عن الرحمة في الإسلام مجلة الإحياء. العدد 36. جامعة الملک سعود.
- محسن، زيد عدنان. (1430ه). الغرب والإسلام حوار أم صراع. المجلة السياسة والدولية ،https://www.iasj.net/iasj/article/9499
- العسيلي، عبد الله. (2012م). التعددية والتعايش الثقافي في ضوء الشريعة الإسلامية.جامعة القدس. فلسطين.
- العظيم آبادي، الحافظ شمس الحق. (1422ه). عون المعبود، دار الحديث.
- عمارة، محمد. (1988م). إنسانية واحدة وتعددية في الأمم والشعوب والقبائل والأجناس. مجلة الوعي الإسلامي. (ع 388).
- الغزالي، محمد. (1426هـ). التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام. (ط6). شرکة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.
- قاضى، أحمد بن قودر زادة. (1390ه). کتاب فتح القدير. (ج7).. https://download-islamic-religion-pdf-ebooks.com/7184-redirect
- القاضى، يعقوب بن إبراهيم. (1396هـ). کتاب الخراج. (ط5). نشر المطبعة السلفية.
- القماطي ، هنية مفتاح. (د.ت). أزمة الحوار الحضاري في عصر العولمة). أزمة الحوار الحضاري في عصر العولمة، جامعة قايونس، جامعة قايونس). أزمة الحوار الحضاري في عصر العولمة، جامعة قايونس.کلية الآداب
-لطفي، برکات أحمد. (1990). فلسفة التربية. دار المريخ للنشر.
- المتقي، علاء الدين علي. (1401ه).کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال.(ط5). (تحقيق: بکري حياني؛ صفوة السقا) مؤسسة الرسالة.
- محسن، زيد عدنان. (2009م). الغرب والإسلام -حوار أم صراع- المجلة السياسية والدولية. https://www.iasj.net/iasj/article/9499
- المصلح، عبد الله بن عبد العزيز. (1427هـ). التعايش السلمي في الإسلام. کولومبو، المرکز الإسلامي.
- مکرم، عبد الودود.( 1996م). الأصول التربوية لبناء الشخصية المسلمة، دار الفکر العربي.
- نافعة، حسن. (1418ه). اليونسکو وقضايا التعددية الثقافية والحضارية السياسة الدولية، (ع 127).
نقلاً عن موقع:
http://www.isesco.org.ma/francais/publications/islamtoday/23/P5.php
- نوح، سمير عبد الحميد. (2009م). من الحوار إلى التعايش والتحالف- رؤية للنتائج المستقبلية. مؤتمر
- النووي، يحيى بن شرف. (1418ه). صحيح مسلم، بشرح النووي. (ط4). دار الخير.
- النيسابوري، مسلم بن الحجاج. (1416ه). صحيح مسلم. دار ابن الحزم.
- ياقوت، محمد. حوار الحضارات وخناجر في جسد الإسلام. www.nabialrahma.com
المراجع الأجنبية
- Farooq Hassan, Re - examining the possibility of, peaceful co - existence of muslims and non - muslims in the west based on the Abyssinian model, interdisci - plinary journal of contemporary research in business, vol 3,no 11, march 2012, pp. 869 - 880.
- Williams , E . (2009 ). " Multicultural Education " Unpublished Master. Thesis . United States Military Academy ,West Point ,NY.p1
Abbas Jirari, "Les Fondements d'un Discours Islamique Moderne", Revue l'Islam Aujourd'hui, ISESCO, No 23, 1427/ 2006.
https://maktaba-amma.com/?p=11949
https://www.alukah.net/culture/0/106255
Simon Bakke & Anne Leilda: Is Multiculturalism a Workable policy in South Africa? International Journal on Multicultural Societie (IJMS) . Vol. No. 2, ISSN 1817 4574 UNESCO, 2003, p119