نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلفون
1 أستاذ الدراسات الإسلامية - المساعد بکلية التربية جامعة نيالا - السودان
2 أستاذ العلوم التربوية المساعد بکلية التربية جامعة نيالا – السودان
3 أستاذ العلوم التربوية المساعد بکلية التربية جامعة نيالا - السودان
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الموضوعات الرئيسية
کلیة التربیة
کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم
إدارة: البحوث والنشر العلمی ( المجلة العلمیة)
=======
تربیة الأبناء فی الإسلام فی ضوء القرآن الکریم والسَُنة النبویة
إعــــداد
د/ محمد جبریل فضل هارون
أستاذ الدراسات الإسلامیة - المساعد بکلیة التربیة
جامعة نیالا - السودان
د/ عبد القدیم عبد الله عبد الرحمن د/ منى ادم أبکر
أستاذ العلوم التربویة المساعد بکلیة التربیة أستاذ العلوم التربویة المساعد بکلیة التربیة
جامعة نیالا – السودان جامعة نیالا - السودان
} المجلد الحادی والثلاثین– العدد الرابع – جزء ثانی– یولیو2015م {
http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic
Abstract:
This study about the breeding of children in Islam according to education, supervising and guiding, through importance objectives which drown by fathers according to curricula of the wellness which teachers, invaders and scientists, walked at.
Children must imitates the curricula of fathers by catching their guiding and directing because of their
knowledge, science and experiences in life .
الملخص:
یتناول هذا البحث تربیة الأبناء فی الإسلام، وتدخل تربیة الأبناء فی الإطار التوجیهی والتربوی والإرشادی، ومن الأهداف المهمة التی ینبغی أن یرسمها الآباء، الاهتمام بالمنهج الإصلاحی والتوجیهی، الذی یسیر علیه العلماء والدعاة والمربین فی العملیة التربویة.
کما یجب على الأبناء إتباع نهج الآباء والتمسک بتوجیهاتهم، وإرشاداتهم، فهم القدوة الطیبة، بما توفر لهم من علم ومعرفة وتجارب فی هذه الحیاة.
ولا شک أن قضیة تربیة وتوجیه وإرشاد الأبناء فی الإسلام من القضایا الهامة التی ظلت تشغل بال الکثیر من المهتمین من ذوی الاختصاص والآباء والدول وکل المجتمعات، فهی قضیة على درجة عالیة من الأهمیة خاصة فی ظل المتغیرات الاجتماعیة والتربویة والاقتصادیة التی لازمت المجمعات الیوم.
وبالتالی تکون عملیة تربیة الأبناء فی الإسلام محور اهتمام بالغ، لأنها تعنی فی المقام الأول بتربیة الجیل الذی یتحمل المسؤولیة فی المستقبل القریب بإذن الله، وفی هذا الإطار لابد من وضع السیاسات والدراسات التربویة التی تضمن نجاح عملیة التربیة والتوجیه والإرشاد، الذی یتوافق مع الشرع الإسلامی.
المقدمة:
الإنسان مخلوق مکرم میزه الله على الکثیر من مخلوقاته، وجعل له فطرة إیجابیة تساعده على قبول عمل الخیر والعمل به، فهو مفطور على توحید الله، ویجب على التربیة أن تبرز هذه الفطرة وتوظفها، وتبعاً لهذه الفطرة فالإنسان خّیر فی الأصل وأما الشر فصفة طارئة علیه لعدم توفر التربیة الصحیحة الصالحة، التی یقوم بها الوالدین، کما یجب على الأبناء الاهتمام بالوالدین عند الکبر، ورعایتهم والإحسان إلیهم.
وعن الإحسان إلى الوالدین یقول تعالى: (وَقَضَى رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا کَرِیمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرًا)[1].
ضرورة مخاطبة الآباء والمربین:
لقد اشتدت الحاجة والضرورة إلى مخاطبة الآباء والمربین وکل المهتمین بالتربیة، لمتابعة تربیة الأبناء فی الإسلام حتى یتم إصلاح المجتمع، وتأسیساً على ذلک یجب أن تتم کل العملیة التربویة المتعلقة بتربیة الأبناء وفقاً لهدی القرآن الکریم والسُّنَّة النبویة الشریفة.
وتدخل تربیة الأبناء ضمن الإطار التوجیهی والتربوی والإرشادی، ومن الأهداف المهمة التی ینبغی أن یرسمها الآباء، الاهتمام بأمر المنهج الإصلاحی والتوجیهی الذی یسیر علیه العلماء والدعاة والمربین، فی العملیة التربویة، کما یجب على الأبناء إتباع نهجهم، والتمسک بتوجیههم وإرشادهم دون من سواهم، فهم القدوة الطیبة للأبناء بما توفر لهم من علم ومعرفة وتجارب فی هذه الحیاة.
فعندما نتأمل تاریخ دعوة النبی صلى الله علیه وسلم، نجد أن دعوته قد انطلقت وسط فوضى فکریة وأخلاقیة طاغیة، ومن أبرز سماتها: القتل، والنهب، والسلب، والإتلاف، والتطرف، والغلّو، ومع ذلک استطاع النبی صلى الله علیه وسلم، فی غضون مدة یسیرة أن یبدل هذه الانحرافات، لتحل محلها الخصال الحمیدة الطیبة، التی غیرت هذه النفوس الهائجة الفاسدة، إلى نفوس مؤمنة ومطمئنة ومصلحة غیر مفسدة ورحیمة وغیر قاسیة، فتطهرت الجزیرة العربیة کلها من السلوک المشین الذی تعددت صوره وأمثلته، وقد تم کل ذلک عن طریق التربیة الإسلامیة واستخدام القدرات.
وفی ذلک یقول المودودی: ((ومن الواضح أن من استخدم هذه القدرات والقوى ووظفها على أوسع نطاق فإنه یتمکن من السیطرة وقیادة العالم، ومن عطلها فإنه یعیش فی حالة من التأخر والانحطاط فی کنف الأخرین))[2].
والسؤال کیف استطاعت تربیة النبی صلى الله علیه وسلم أن تقلب هذه الموازین وأن تکون بهذه الفاعلیة المتناهیة؟، والجواب على ذلک واضح ونیرّ، إذ استمدت تلک التربیة وذاک التوجیه والإرشاد القوة والفاعلیة بتوفیق الله تعالى ورعایته إیاها أولاً، ثم عن طریق التمسک بالمنهج المستقیم الواضح، الذی تحرکت من خلاله التربیة النبویة المصحوبة بالقدرات ثانیاً، وإن المنهج الذی سارت علیه هذه التربیة النبویة لزاماً أن یسلکه الآباء والعلماء والدعاة والمربین، فی مواجهة السلوک غیر السوی وغیر التربوی، الذی یصدر من بعض الأبناء نتیجة للتأثیرات الخارجیة، فالمنهج النبوی کان منبثقاً من کتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله علیه وسلم، وهو السبیل القویم للتربیة الإسلامیة، والمتمثل فی قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِیرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ)[3].
ولذلک وجب على کل المهتمون بالدعوة الإقتداء بمنهج السلف الصالح فی مجال التربیة، إذ لیس فی الدنیا منهاج أکثر عظمة وقوة وشمولاً وتکاملاً ولا أشد تأثیرًا من هذا المنهاج، الذی استطاع فی فترة وجیزة تغییر مجمل الحیاة الإنسانیة، وإخراج النَّاس من الظلمات إلى النور وإلى الهدایة والرشد والصلاح والتدین.
وإن التمسک بالقرآن والسُّنَّة فیه العصمة من الضلال لأن کتاب الله تعالى هو الکتاب الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه وهو کتاب رشد وهدایة وفی ذلک یقول تعالى: (لَا یَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ)[4].
ویقول محمد عبد الله دراز: ((الدین هو وضع إلهی سائق لذوی العقول السلیمة باختیارهم المحمود إلى الصلاح فی الحال والفلاح فی المآل))[5].
وهنا یشیر دراز إلى أهمیة العمل من أجل تنمیة العقول السلیمة والاهتمام بها، وقد تمت الإشارة إلى ذلک فی القرآن الکریم والسُّنَّة النبویة التی عصم الله صاحبها من الشرک والضلالة وبرّأه من الزیغ والأهواء، وطهره من الفسوق والعصیان ومن ذلک قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آیَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِیَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَیُصِیبُ الَّذِینَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا کَانُوا یَمْکُرُونَ)[6].
ویقول الرسول صلى الله علیه وسلم مؤکداً أهمیة الفرائض بالنسبة للإنسان، حتى یصل إلى الغایات ویحقق الأهداف السامیة التی أرادها الله لتکون للإنسان منهجاً وطریقاً یقوده إلى الخیر والصلاح: "بنی الإسلام على خمس"[7].
وهذا هو المنهج الواضح الذی یدل النَّاس إلى الدین من خلاله، ویحذر النَّاس من المناهج التی تعتمد على الآراء والأهواء والأغراض دون نظر إلى مراد الشرع والمقصد الحق، الذی یمکن أن یقوم به الآباء، فهم مکلفین بمقتضی الشرع ببیان طریق الخیر وطریق الشر للأبناء، حتى یشبوا صالحین ویساهموا فی خدمة أنفسهم ومجتمعهم، والتربیة التی یقوم بها الآباء تجاه الأبناء هامة جداً، ولا غنى عنها، ویجب أن تکون بجانب کونها ملزمة، أن تکون مقرونة بالتحذیر من عدم طاعة توجیهات القرآن الکریم، والتحذیر کذلک من عواقب العصیان، وذلک بالتخویف من عاقبة المصیر الذی أشارت إلیه الآیة الکریمة: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلَائِکَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ)[8].
ومن الأمور التی تعین على التربیة المیل إلى المرونة، فإذا اشتدت الأم على الولد لانَ الأب، وإذا عنَّف الأب لانَت الأم، فمثلًا قد یقع الولد فی خطأ ما، فیؤنِّبه والده تأنیبًا یجعله یتوارى عن الأعین، خوفاً من العقاب، فتأتی الأم، وتطیِّبُ نفسَ الولد، وتوضِّح له خطأَه برفق، عندئذ یشعر الولد بأنهما على صواب، وأنه على خطأ، فیقبل من أبیه تأنیبَه، ویحفظُ لأمهِ معروفَها ویعلم تماماً أن کل هذه التوجیهات الغرض منها مصلحته فقط، والنتیجة أنه سیتجنب الخطأ مرة أخرى، ولا یقوم بتکرار الخطأ، وذلک لأن الوالدین قد اتبعا الطریقة الصحیحة فی تربیته وتقویمه وإرشاده إلى الطریقة الصحیحة التی یجب علیه إتباعها، وذلک لأن الوالدین لا بد أن تتوفر لدیهم الأهلیة التی تعینهما على هذه التربیة.
مشکلة البحث وأهمیته:
توجد الآن مشکلة کبیرة ومسافة کبیرة بین الآباء والأبناء، مما أدی إلى ظهور العدید من الصعوبات بسبب ابتعاد الکثیر من الآباء عن الأبناء بسب کثرة حالات الطلاق، أو بسبب سفر أحد الوالدین، أو بسبب تأثیر الثقافة الغربیة على البعض، أو عن طریق الانشغال بالعمل وغیره، الأمر الذی أثر فی تربیة الأبناء تربیة صحیحة وفقاً للکتاب والسنة.
أسئلة البحث :
1/ ما موقف الشریعة الإسلامیة فی تربیة الأبناء ؟
2/ ما دور الأسرة فی تربیة الأبناء ؟
3/ ما المعوقات الأسریة فی تربیة الأبناء وفقا للمنهج الإسلامی ؟
أهداف البحث :
تهدف الدراسة الحالیة إلی :
1/ ربط الأبوین بمحاور وأهداف التربیة الإسلامیة.
2/ العمل على تقویة وتأصیل الوازع الدینی فی نفوس الأبناء.
3/ تعلیم الأبناء أهمیة القیم الفاضلة وحب الخیر والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.
4/ تهیئة الأبناء لتحمل المسؤولیة فی المستقبل.
5/ ضرورة مراقبة الأبناء وتوجیههم وإرشادهم إلى کل أمر فی صلاحهم ونفعهم.
6/ عدم تقلید المدارس الغربیة فی تربیة الأبناء.
7/ یجب ألاَ ینشغل الآباء عن تربیة الأبناء وترکهم للقنوات الفضائیة والجماعات المتطرفة.
محاور البحث :
ولکی یتمکن الباحث من إیجاد الإجابة على أسئلة البحث، فقد تم وضع محاور أساسیة لهذا الشأن وهی على النحو التالی:
المحور الأول: التشریعات الإسلامیة لحمایة الحیاة الزوجیة بین الرجل والمرأة من أجل استقرار الأبناء.
المحور الثانی:دور الأب والأم فی التربیة والأهلیة.
المحور الثالث:أهمیة بیان الحق للأبناء وأهمیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.
المحور الرابع:الاهتمام بالمعرفة والعلم.
المحور الخامس:خلاصة البحث والتوصیات .
التشریعات الإسلامیة لحمایة الحیاة الزوجیة بین الرجل والمرأة من أجل استقرار الأبناء:
ومن أجل منع حدوث أی تلاعب بهذه العلاقة الزوجیة، الأمر الذی یترتب علیه نتائج تؤثر على مستقبل الأسرة، وتتعرض للخطر نتیجة لهذا التلاعب، وخاصة الأبناء، الذین لهم الحق فی أن یوفر لهم المحیط المناسب، ویعیشون فی سعادة ویتربون تربیة سلیمة، وعلى هذا الأساس، جعل للرجل الحق فی الطلاق مرتین، فإن طلق الثالثة سد أمامه هذا الطریق وحرمت علیه المرأة حتى تتزوج غیره، ولذلک شرع الطلاق، الذی یجب أن یکون بشروط معینة ویعمل على حفظ حقوق کل من الزوجین، وحث الإسلام على استمرار هذه الرابطة، وکره قطعها من غیر مبرر وشرع لذلک جملة تشریعات لضمان استمراریة الحیاة الزوجیة، وکان الهدف منها هو المحافظة على نظام الأسرة، وحمایة الأبناء بصفة خاصة، وهذه التشریعات یجب العمل بها والتأکید علیها لأنها صمام أمان للنظام الاجتماعی فی الإسلام، ویترتب علیها الکثیر من الأحکام التی تخص الأسرة ومنها:
1/ حث کل واحد من الزوجین على إحسان العلاقة بالآخر، والقیام بواجباته تجاه الآخر بدون أی تقصیر، ممّا یقلل فرص الشقاق، ویزرع الحب، والمودة، فی قلب کل واحد منهما تجاه الآخر، وهذا الحب کفیل بتحقیق الاستقرار الأسری، والحب هنا معناه التضحیة اللازمة وبذل الغالی والنفیس، من أجل أن یسود التفاهم والانسجام والتوافق والرضا والقبول الحیاة الزوجیة، وهی من الأهمیة بمکان لتربیة الأبناء، على القیم النبیلة، فالاحترام ین الزوجین یوفر الکثیر للأبناء علاوة على القیام بالواجبات الخاصة للرجل والمرأة.
2/ الحث على الصبر فی کآفة الأحوال: فکل واحد من الزوجین علیه أن یصبر على ما یلاقیه من الآخر، وأن یجد له العذر فی الحالات التی تصدر منه بعض التصرفات التی لا تکون مقبولة بالنسبة له، وأن یضحى من أجل أن تکون الحیاة الزوجیة تسیر بینهما فی سلام وأمان واستقرار وتفاهم وانسجام، ما دام ذلک ممّکناً وما دام ذلک سبیلاً لاستمرار هذه العلاقة بشکل مقبول، ولا تؤثر فیه العقبات التی تعترض الطریق، ولا بد أن یکون فی نفوس الأزواج الرغبة فی دوام هذه الرابطة، وفتح نافذة المستقبل الواعد الزاهر الذی قد یترتب على هذه العلاقة ودوامها، وأن تکون المعاشرة بالمعروف هی السبیل المناسب، لمجمل الحیاة الزوجیة، وللأسف الشدید لا تجد المعاشرة بالمعروف الحظ الأوفر من العنایة والاهتمام، بین الکثیر من الأزواج، ولعل السبب فی ذلک یعود إلى عدم الصبر واستعجال النتائج، فالصبر على أخطاء الرجل من جانب المرأة، أو الصبر على أخطاء المرأة من جانب الرجل، أمر مطلوب وبشدة وخاصة فی ظل هذه الظروف، حتى تستمر سفینة الحیاة الزوجیة دون توقف، وعلى الوجه الأکمل وتحقق النجاح المطلوب، وتتم تربیة الأبناء کما هو مخطط له تماماً.
وممّا یحسن بالوالدین إذا لم یُقَدَّر بینهما وفاقٌ، وحصل الطلاق أن یتقیا الله عز وجل وأن یکون التسریح بإحسان، وألاّ یجعلا الأبناء ضحیة لعنادهما، وشقاقهما، وألاّ یغری کل واحد منهما بالآخر.
بل علیهما أن یعینا الأبناء على البر، وأن یوصی کلُّ واحدٍ منهما الأولاد ببر الآخر بدلًا من التحرش، وإیغار الصدور، وتبادل التهم، وتألیب الأبناء، فإن اتقیا الله فی حال الطلاق لم یعرضا الأبناء للاضطراب والتمرد، وإن کان التحرش فإن الوالدین هما الخاسر الأول، وإن الأبناء سیعقّون الوالدین وتنقلب الحیاة الأسریة إلى شقاء، ولذلک یجب التخطیط التربوی السلیم لتربیة الأبناء ویتم کل ذلک عن طریق توافر الأهلیة.
دور الأب والأم فی التربیة والأهلیة:
تعتبر الأهلیة للآباء والمربین ضروریة جداً، فالأهلیة لغة: ((الجدارة لأمر ما، یقال: هو أهل لکذا، أی: جدیر به))[9].
واصطلاحاً هی: ((صلاحیة الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعلیه))[10].
((فالأهلیة صفة فی الإنسان یقدرها الشارع فی الشخص تجعله محلا صالحاً لأن یتعلق به الخطاب التشریعی، باعتبار أن الشارع فیما شرَّع إنما یخاطب الناس بالأحکام آمراً وناهیاً، ویُلزِمُ بتنفیذها واحترامها))[11].
وتنقسم الأهلیة إلى: أهلیة وجوب، وأهلیة أداء، وکل منهما إما ناقص، وإما کامل، فالأقسام المتعلقة بالأهلیة أربعة وهی:ـ
1/أهلیة الوجوب الناقصة وهى: صلاحیة الإنسان لأن تکون له حقوق، ولکن لا یصلح لأن یجب علیه شیء، مثل أهلیة الجنین، فهی ثابتة له فی بطن أمه، وبها کان أهلاً لاستحقاق الإرث والوصیة.
2/أهلیة الوجوب الکاملة وهى: صلاحیة الإنسان لوجوب الحقوق له، وثبوت الواجب علیه، وهذه الأهلیة تثبت للإنسان من ولادته إلى موته، فیرث ویورث، وتجب له النفقة کما تجب فی ماله.
3/أهلیة الأداء الناقصة وهى: صلاحیة الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض، ومناط هذه الأهلیة هو التمییز حتى یبلغ الإنسان ویصیر عاقلاً.
4/أهلیة الأداء الکاملة وهى: صلاحیة الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه یُعتَدّ به شرعاً، وتثبت هذه الأهلیة للبالغ الرشید، فیکون صالحاً لإبرام جمیع التصرفات من غیر توقف على إجازة غیره[12].
((وأما عوارض الأهلیة نوعان: من قبل الله عزَّ وجلَّ کالصغر والجنون، ومکتسب من جهة العبد کالسفه والإکراه))[13].
أهمیة بیان الحق للأبناء وأهمیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر:
یجب بیان الحق بالنسبة للأبناء، وبالأخص فی الحالات التی تتطلب التدخل المباشر حتى تصبح عملیة تربیة الأبناء أکثر وضوحاً وشمولاً، وهناک جوانب لا یصح غض الطرف عنها، فهی تحتاج إلى الحسم السریع المباشر، فإغفالها یؤدی إلى نتائج سالبة تؤثر على مجمل الحیاة الأسریة بشکل عام، ولا یمکن أن تزول هذه النتائج على المدى القریب، بل تجعل الأبناء ینشئون وهم أکثر انحرافاً وأقل التزاماً، بالمنهج الربانی الذی یهدی للتی هی أقوم وفی ذلک یقول تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ وَیُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا کَبِیرًا)[14].
کما یجب تشجیع الأبناء على الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والإیمان بالله، وهو ما أشارت إلیه الآیة الکریمة: )ُکنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[15].
ولذلک یجب أن تکون تربیة الآباء تمشیاً مع توجیهات الرسول صلى الله علیه وسلم فی جانب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر التی عبر عنها بقوله: "من رأى منکم منکرًا فلیغیره بیده، فإن لم یستطیع فبلسانه، فإن لم یستطیع فبقلبه، وذلک أضعف الإیمان"[16].
وعند استقصاء ما ورد فی کتاب الله تعالى وسُّنَّة رسوله صلى الله علیه وسلم، من الوعید الشدید لمن تقاعس عن القیام بواجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، نکتفی بالتأکید على أن أخطر ما یترتب على ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إصابة الأمة المهملة للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بالعذاب الشدید، وعدم إجابة الدعاء، واستحقاق اللعنة وعدم الاستقرار، وانعدام الأمن والأمان فی الدولة، ویجب على الآباء بیان کل ذلک للأبناء باعتبار أن کل قادر على القیام بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر یلزمه القیام به، إلاّ إذا کان غیر قادراً، ومن وجوه عدم القدرة العجز الجسمی، فلا یجب الأمر بالمعروف على الضعیف البنیة المنهار القوى بحیث لا یستطیع القیام بذلک، وهو ما ذهب إلیه الإمام الغزالی بقوله: ((ولا یخفى أن العاجز لیس علیه حسبة إلاّ بقلبه))[17].
ومن وجوه العجز وعدم القدرة عدم المعرفة، فالذی یجهل المعروف والمنکر غیر مسئول عن الأمر بالأول والنهی عن الثانی، ولا بد من ضرورة التشجیع المستمر للأبناء على المشارکة الایجابیة فی المسابقات الدینیة والثقافیة والریاضیة والاجتماعیة، وحثهم على القیام بأعمال خیریة وتکافلیة، تهدف فی المقام الأول إلى نفع المجتمع ودفع الضرر عن النَّاس ومساعدة الذی یحتاج إلى المساعدة.
ولا بد من تعلیم الأبناء ما یتعلق بحسن الجوار وتقدیم الطعام للجار ومساعدته، وقد وردّ کل ذلک فی قول الرسول الکریم: "ما آمن بی من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو یعلم به"[18].
فتعوید الأبناء على العمل بما جاء فی هذا الحدیث یجعل منهم رجالاً یتحملون أهم المسئولیات وأکثرها شرفاً ونبلاً ویداومون علیها، وتصبح جزء من حیاتهم، وتقول أم سفیان الثوری لابنها سفیان: یا بنی أطلب العلم وأنا أکفیک بمغزلی، فکانت تغزل وتبیع وتصرف على سفیان، وتُفَرِّغه لطلَب العلم، فأصبح الإمامَ المتبوعَ، وأمیر المؤمنین فی الحدیث مع أنه نشأ یتیمًا.
فالتربیة هی تغییر سلوک الأبناء فی کل ما یتعلق بأمور حیاتهم، من أکل وشرب ومسکن وتعلیم وتقویم خلقی، والإحاطة التامة بکل شئونهم، ومعرفة مدی التزامهم بالصلوات الخمس، وقیامهم بکل الواجبات الدینیة، والساعات التی یقضونها سواء فی البیت أو خارجه، وأهمیة الرفقة الحسنة المضمونة بالنسبة لهم، والإلمام بمدى تأثیرها علیهم، وکذلک على الآباء مراقبة القنوات التی یشاهدونها، وضرورة التدخل لتوجیههم وبیان الحق لهم، متى ما تطلب الأمر ذلک.
وکذلک تعویدهم على الصلاة حتى یبتعدوا عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن وفی ذلک یقول تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَلَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ وَاللَّهُ یَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[19].
وقد حرص الإسلام على التربیة الإیمانیة الروحیة، فهی ذات أثر نفسی جیَّد فی إصلاح القلوب وتزکیتها، وربط الأبناء بالنهج القویم، وفیها الحث على مکارم الأخلاق، وتطهیر النفوس، وتقع المسئولیة على الآباء فی ملاحظة سلوک الأبناء، وتأدیبهم، ومراقبتهم لیلاً ونهاراً، وإرشادهم فی حالة إهمالهم للحقوق، وتقصیرهم فی الواجبات، أو التفریط فیها، وتحذیرهم من فعل المنکرات، وحضهم على الأعمال المنجیات، ونهیهم عن الشائعات، وشکرهم وتشجیعهم على ضرورة الإحسان للکبیر والصغیر، وکل الأعمال الصالحة والمداومة علیها وتحذیرهم من الفواحش والآثام، وفی ذلک یقول النبی صلى الله علیه وسلم: "لم تظهر الفاحشة فی قوم قط إلا فشا فیهم الطاعون والأوجاع التی لم تکن فی أسلافهم الذین مضوا"[20].
فالآباء یجب أن یکونوا القدوة الصالحة للأبناء فی حسن رعایة الفقراء والمساکین وأصحاب الحاجات الخاصة، وتفقد أحوالهم والسؤال عنهم ومساعدتهم، وتعوید الأبناء على الالتزام بالقیم الإسلامیة، کالصدق، والأمانة، والتعاون، والإخلاص، وحفظ اللسان والجوارح، والعفة فی القول والفعل، وغض البصر، وکف الأذى، وحسن الجوار وصلة الأرحام.
ومن الأحادیث التی تدل على صلة الرحم وتنفر من قطیعتها، قول الرسول صلى الله علیه وسلم: "یقول الله تعالى أنا الرحمن وهی الرحم اشتقت اسمها من اسمی، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته"[21].
فتعلیم الأبناء الصلاة، والصوم، والزکاة، والحج، وکل القیم الإسلامیة، والصفات الجلیلة، والأعمال الصالحة، من شأنه أن یجعل من الأبناء رجال الغد وحملة التغییر، فی المجتمع الإسلامی، ولا بد من تحبیب العلم إلیهم، وتوفیر کل الوسائل التعلیمیة التی تساعدهم على التحصیل الأکادیمی، وتکریم المتفوقین منهم وتشجیعهم وتحفیزهم وتقدیم الجوائز لتکون لهم دافعاً للتفوق، والسیر فی طریق النجاح، وقد یکتسب الآباء أجراً عظیماً نظیر قیامهم بهذا العمل وهدایتهم، وهو مصداق قول الرسول صلى الله علیه وسلم: "من دعا إلى هدى کان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ینقص ذلک من أجورهم شیئاً"[22].
ویقول أبو العینین عن ضرورة الاهتمام بتعوید الأبناء على القیام بالعبادات، لما لها من أثر طیب فی التربیة: ((والعبادات تنمی فی الإنسان الأخلاق الفاضلة، ویبنی الإنسان عن طریقها علاقته مع الناس، کما أنها تعود الإنسان على النظام وضبط النفس فی الحیاة الاجتماعیة، والتعاون والتضحیة من أجل مساعدة المحتاجین))[23].
وأمّا تعریف الأبناء بتاریخ علماء المسلمین الناصع وخدمتهم للعلم وسبقهم، فی الکثیر من العلوم، فهو من أهم ما یجب القیام به، کابن سینا فی علوم الطب، وابن خلدون فی علوم الاجتماع، والإدریسی الذی یعتبر أول من رسم خریطة صحیحة للکرة الأرضیة، وجابر بن حیان الذی أسس علوم الکیمیاء، والحسن بن الهیثم طبیب العیون الأول، الذی وضع الأسس الخاصة بطب العیون، وابن النفیس مکتشف الدورة الدمویة، وخلفاء المسلمین الذین أسهموا فی إرساء دعائم الحق والعدل بین النَّاس، کالخلیفة عمر بن عبد العزیز الذی قام بتزویج الشباب، وأکفی الفقراء وانتصر للمظلومین وردّ الحقوق إلى أهلها.
الاهتمام بالمعرفة والعلم:
یجب الاهتمام بالمعرفة الإنسانیة فی عملیة تربیة الأبناء، وقد ذهب إلى هذا المعنى صابر طعیمة بقوله: ((المعرفة الإنسانیة مثل الریاضیات والمنطق والأخلاق والسیاسة، فهذه من تحصیل البشر، ونتاج تفکیرهم على قدر طاقتهم، وهی تدرک عن طریق الحس أو عن طریق الحس مقترناً بالعقل، أو عن طریق العقل فقط، وهی معرفة تقتضی من الإنسان الاجتهاد والبحث والطلب))[24].
وتربیة الأبناء عن طریق الاهتمام بالعقل کما یقول طعیمة، تسهم بشکل أساسی وفاعل، فی تقدیم الجیل الصالح المؤمن الطیب، الذی ینشر الفضیلة والشرف وقیادة المجتمع، الجیل الذی یتفاعل مع الثقافة الإسلامیة، حتى تصبح المحور الأساسی فی عملیة تربیة الأبناء، ویفرض کل هذا الأمر على الآباء القیام بدعوة الأبناء إلى الخیر والصلاح والتقوى والمحبة والسلام، وتحبیب کل ذلک لنفوسهم وتوجیههم وإرشادهم للعمل بالعقل.
ویری الغزالی: ((أن العقل موجود فی الإنسان بالطبع))[25].
ولذلک یجب أن یکون کل الأمر موافقاً للشرع: ((فإذا اختلف العقل مع الشرع عَدَ ذلک من أوهام العقل))[26].
ویظهر من قول الغزالی وما ذهب إلیه علیان، أنه لا بد من تعریف الأبناء بأهمیة العلوم المقرونة بالعلم الشرعی الموافق للعقل والفطرة السلیمة، حتى یستطیعوا القیام بالدور المطلوب منهم فی المستقبل، وعلى الآباء الإلمام بمجالات التربیة الإسلامیة بجوانبها المختلفة لتکون تربیتهم للأبناء على أسس ثابتة وراسخة، کالتربیة السیاسیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة، والنفسیة، والجسمیة، والروحیة، والخلقیة، والثقافیة، والجنسیة، والفنیة، والعمل الجاد من أجل تطبیقها فی عملیة التربیة.
ویجب کذلک عدم المیل إلى التدلیل الزائد فی تربیة الأبناء، أو ممّارسة القسوة والشدة الزائدة معهم، أو التساهل الزائد کذلک، أو الحرمان الزائد، فهذه کلها تؤدی إلى نتائج سالبة، تکون لها انعکاس سیء على الأبناء، وتقود إلى الأمراض النفسیة، والعقد، والکذب، والکسل، والخمول، وعدم الشعور بالمسئولیة، وتقدیر الذات.
فالحدیث عن تربیة الأبناء فی الإسلام، یدخل فی إطار التأصیل الشرعی للتربیة الإسلامیة، ویشمل أفعال الرسول الکریم علیه الصلاة والسلام، وأقواله، وتقریراته، وکذلک أقوال وأفعال الصحابة والتابعین وتابعی التابعین والسلف الصالح.
ومن کل ذلک یتبین أن تربیة الأبناء فی الإسلام لها من الأهمیة ما یجعلها محل اهتمام بالغ من قبل الجمیع، مسلمین وغیر مسلمین، ونظراً لأهمیتها على کآفة المستویات، بدأ العلماء والمهتمین الدعوة إلى قیام الأبحاث العلمیة، والأوراق والکتب التی تتناول أهم الجوانب المتعلقة بها، من أجل نشر الفائدة، والمعرفة اللازمة، التی تعین الدارسین والآباء والأمهات، فی تربیة الأبناء تربیة صحیحة، مستوحاة من قیم وهدى الإسلام.
وتعتبر تربیة الأبناء فی الإسلام صدقة جاریة، لها من الثواب الجزیل ما یجعلها لا تقارن بما یقابله الوالدین من جهود مضنیة فی عملیة التربیة، وهی مسئولیة یسأل عنها الإنسان یوم القیامة، ولا سبیل للخروج من هذا الموقف وتحقیق الأجر إلاّ بتربیة الولد الصالح، وعن أبی هریرة رضی الله عنه أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جاریة، وعلم ینتفع به، وولد صالح یدعو له"[27]، فالأعمال التی ذکرت فی هذا الحدیث کلها نتاج لهذه التربیة، حیث یقوم الأبناء باکتساب أفضل ما جاء فی تعالیم الإسلام، کطاعة الوالدین، والصلاة، والصیام، وحسن الخلق، والصدق، والأمانة، والإخلاص فی العمل، بالإضافة إلی الصدقة الجاریة التی یجب أن تکون من المال الحلال، فکل هذه الأعمال وغیرها تجعل الأبناء یکتسبون القیم الإسلامیة والتی تؤهلهم لکسب ثقة الوالدین ورضاهم، والعمل من أجل طاعتهم، وبالتالی الفوز بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقین، وهی مثال للهدایة التی أرشد إلیها المصطفی علیه الصلاة والسلام بقوله: "من دعا إلی هدی کان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ینقص ذلک من أجورهم شیئاً، ومن دعا إلى ضلالة کان علیه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ینقص ذلک من آثامهم شیئاً"[28]، فهذه فی مجملها خصائص إسلامیة ینبغی القیام بها والعمل بمقتضاها، وترشیدها، وذلک لیتهذب بموجبها الأبناء، ویتم فی المقابل تفادی الضرر الناتج عن عدم الاهتمام بالتربیة، مع الأخذ فی الاعتبار الفروق الفردیة بین الأبناء، وکذلک المیل إلى العناد والتخریب وتقلید الآخرین من الکبار والصغار، ونجد أن خصائص النظرة الإسلامیة للأسرة، تتضمن عدة مضامین، وهی التی تشکل الأساس، القوی والمتین، الذی یحمی الأسرة من التشرد والضیاع، وذلک من منطلق تعالیم الإسلام، لأن الإسلام دین سماوی أنزله الذی خلق النّاس وهو العالم بطبیعتهم، ومختلف أحوالهم، وتقلباتهم، وأمزجتهم، وبما یصلح لهم وما لا یصلح، وهو ما عبر عنه القرآن الکریم بقوله تعالى: (أَلَا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ)[29] ، ولا بد من ربط کل ذلک بمفهوم العبادة، وفی ذلک یقول الکیلانی: ((مفهوم العبادة فی التربیة الإسلامیة یشتمل على مظاهر: مظهر دینی ومظهر اجتماعی ومظهر کونی، وانطلاقا من هذا المفهوم للعبادة تتفرع علوم کثیرة لا حصر لها، وکلها مما أمرت به أصول التربیة الإسلامیة، لأن ثمرتها مجتمعة تخریج علماء یحبون الله محبة کاملة ویطیعونه، ویدعون باقی البشریة لمحبته وطاعته))[30] ، ومثل هذه الواجبات التی ذکرها الکیلانی لا تتحقق إلاّ بطلب العلم النافع، الذی یساعد الأبناء عل حسن التعامل مع المجتمع، وتحقیق السعادة والفوز فی الدنیا والآخرة، والرسول صلى الله علیه وسلم قد ربى أصحابه تربیة إسلامیة إیمانیة صحیحة، ذات نظرة شاملة وکاملة جمعت ما بین حاجات الإنسان الیومیة، فی شتى المجالات، وبین الکون والحیاة والمفهوم الشامل للتربیة، ولذلک کانت تربیة الصحابة تشکل أنموذجاً فی التربیة والسلوک والعقائد والتطبیق العملی والمفهوم المتجدد، الذی یستوعب المراحل التی یمر بها الإنسان فی هذه الحیاة، وقد بدأ القرآن الکریم بالدعوة المبکرة إلى القرأة وفی ذلک یقول تعالى:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّکَ الْأَکْرَمُ الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ یَعْلَمْ)[31] ، وجدیر بالذکر الحدیث عن خصائص الأبناء، وتمیزهم بحب الاستطلاع والقلق والخوف والتمرد وکثرة الأسئلة وجذب الانتباه، ویجب على الآباء عدم کبت الأبناء، ومنعهم أو رفض الإجابة عن أسئلتهم أو التهرب منها، وترکهم فی مثل هذه الحالات یجعلهم عرضة لتلقیها من مصادر غیر موثوق بها، وقد تلحق الضرر الکبیر بهم، لأن شغفهم فی الحصول على المعرفة اللازمة یکون فی ازدیاد تام فی حالات المنع، أو التهرب من الإجابة، فحمایة الأبناء من أولئک الذین یغرسون الأفکار الخاطئة فی الشباب، من أهم مسؤولیات الآباء، ولا بد من مراعاة الجوانب الآتیة حتى تکتمل تربیة الأبناء بطریقة صحیحة:
أولاً: تعوید الأبناء على أسالیب الإثارة والتشویق حتى یشب علیها الأبناء، وفی بدایة أی موضوع هام لا بد من توافر عناصر التشویق، وکذلک فی الختام تفادیاً للملل والروتین.
ثانیاً: استصحاب عناصر التشبیه وضرب الأمثال والقصص القرآنی، لتقریب وتوصیل الأفکار بطرق جیدة.
ثالثاً: الرد على أسئلة الأبناء بطریقة صحیحة ومباشرة، بعیداً عن التهرب أو الإجابات الملتویة والخاطئة.
رابعاً: مراعاة الدعابة الخفیفة وسرد الطرائف المعبرة، وعن أبی سفیان قال: دخلت على معاویة وهو مستلق على ظهره، وعلى صدره صبی أو صبیة تناغیه فقال: أمط عنک هذا یا أمیر المؤمنین، فقال: سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم یقول:"من کان له صبی فیتصاب معه"[32].
خامساً: وضع الجوائز والمکافآت والحوافز، وهذه لها من الأهمیة ما یجعلها تأتی بأفضل النتائج وفی وقت وجیز، فالتشجیع المستمر الذی یجده الأبناء والتحفیز یکون له وقعاً جیّداً فی نفوسهم، وهو جانب هام ویعین الآباء على تربیة الأبناء تربیة إسلامیة تحقق الغایة والهدف من العلمیة التربویة بشکل عام.
سادساً: تعویدهم على احترام العلم والاهتمام بطلب المعرفة.
سابعاً: لا بد من تعریف الأبناء بأحکام القرآن الکریم، ومنعهم من الذین یغالوا فی دینهم، وحادوا عن الحق، وغیَّروا وبدَّلوا فیما أنزله الله على أنبیائهم وأمّا الذین آمنوا إیماناً صحیحاً صادقاً، وتابوا إلى الله من کل ما ابتدعوه فی عقائدهم واتبعوا ما أنزل الله على خاتم المرسلین، بأنهم سیکونون فی أمنٍ من عذاب الله.
ثامناً: على الآباء أن یبینوا للأبناء ویدعوهم إلى الدین الإسلامی وإلى ظله الظلیل وحصنه المنیع وأحکامه العادلة وتشریعاته السمحة، وإلى العمل بتعالیم القرآن الکریم، وإلى إتباع سنة الرسول صلى الله علیه وسلم فإنهما کفیلان بالسعادة والفلاح والرقی والتقدم والنجاح، وإلى الإیمان بالله وملائکته وکتبه ورسله والیوم الآخر وبالقدر خیره وشره، وإلى الرضی بالله رباً وبالإسلام دیناً.
وإلى تحقیق شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها والقیام بشروطها ولوازمها وأداء حقوقها، وإلى محبة الله ورسوله ومحبة ما یحبه الله ورسوله وبغض ما یبغضه الله ورسوله من الکفر والفسوق والمعاصی، وإلى محبة من أطاع الله وبغض من عصاه إلى الإیمان الصادق والعمل الصالح، وإلى طاعة الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهی، وإلى شکر الله على النعم، واستخدامها فی ما یحبه ویرضاه، وإلى المحافظة على الصلوات الخمس فی أوقاتها مع الجماعة، وإلى أداء زکاة الأموال إلى مستحقیها، وإلى حفظ صیام رمضان، وإلى حج بیت الله الحرام، وإلى الجهاد فی سبیل الله بالأموال والأنفس، وإلى بر الوالدین وصلة الأرحام والإحسان إلى الجیران وعدم أذیتهم، وإلى حفظ الأمانة والبعد عن الخیانة، وإلى غض الأبصار وحفظ الفروج، وإلى الإحسان فی عبادة الله وإلى حسن الخلق مع الله ومع خلقه، وإلى الحیاء من الله، وإلى التواضع لله ولعباده والبعد عن التکبر، وإلى النصیحة للّه ولکتابه ولرسوله ولأئمة المسلمین وعامتهم، والصبر فی الأحوال الخاصة والعامة.
وعلى الآباء تعوید الأبناء على التعاون على البر والتقوى، والتواصی بالحق والتواصی بالصبر، وإلى تقوى الله فی السر والعلانیة وحفظ حدوده، وإلى الخوف من عقاب الله والرجاء لرحمته والاستعداد للقائه، وإلى ذکر الله کثیراً باللسان والقلب قائماً وقاعداً وعلى الجنب، وإلى انتهاز فرصة الشباب والصحة والحیاة قبل زوالها، وإلى الاستعداد للموت وسکراته والقبر وضیقه وظلماته ویوم الحشر وعسراته وأهواله، وإلى النجاة من عذاب النار والفوز بالجنة دار النعیم والقرار، وإلى المسابقة إلى الخیرات والمنافسة فی الأعمال الصالحات، وإلى التوبة النصوح فی جمیع الأوقات من جمیع الذنوب والسیئات قبل انقطاع العمل وهجوم الموت ودوام الحسرات قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ)[33].
ولا بد من بذل الجهد المتواصل وبکل سخاء، وأید معطاءة لا تکل ولا تمل، وتشجیع الأبناء لحفظ کتاب الله المجید والتروی من مناهله العذبة، وحفز للهمم القویة المشوبة بحب القرآن والتی لا تروى من الشرب من معینه الصافی، ورحیقه الزلال، ولا بد من القوة الإیمانیة التی تدفع لهذا العمل الشریف، وإخلاص نقی ینتج إنتاجاً باهراً ویثمر الثمراث الخیرة الیانعة والعمل الخالص الذی لا یشوبه ریاء ولا سمعة، وإنما بذل لله، وإنفاق فی سبیله، وعمل من أجله، فهذه نتائج تربویة، للشباب الذین هم فی مقتبل العمر، وریعان الفتوة، لیحفظون کتاب ربهم غضاً طریاً ویطبقونه معانی وعملاً واستفادة وهدایة وهی من أفضل نعم الله على الإنسان، ویقول تعالى عن هذه النعم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ)[34].
ویقول الرازی فی تفسیرها: ((اعلم أنه تعالى لما ذکر الدلائل الدالة على وجود القادر الحکیم على الترتیب الأحسن والنظم الأکمل وکانت تلک الدلائل کما أنها کانت دلائل، فکذلک أیضاً کانت شرحاً وتفصیلاً لأنواع نعم الله تعالى وأقسام إحسانه أتبعه بذکر إبطال عبادة غیر الله تعالى والمقصود أنه لما دلت هذه الدلائل الباهرة، والبینات الزاهرة القاهرة على وجود إله قادر حکیم، وثبت أنه هو المولی لجمیع هذه النعم والمعطی لکل هذه الخیرات فکیف یحسن فی العقول الاشتغال بعبادة موجود سواه لا سیما إذا کان ذلک الموجود جماداً لا یفهم ولا یقدر، فلهذا الوجه قال بعد تلک الآیات: (أَفَمَن یَخْلُقُ کَمَن لاَّ یَخْلُقُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ)، والمعنى: أفمن یخلق هذه الأشیاء التی ذکرناها کمن لا یخلق بل لا یقدر ألبتة على شیء أفلا تذکرون فإن هذا القدر لا یحتاج إلى تدبر وتفکر ونظر، ویکفی فیه أن تتنبهوا على ما فی عقولکم من أن العبادة لا تلیق إلا بالمنعم الأعظم، وأنتم ترون فی الشاهد إنساناً عاقلاً فاهماً ینعم بالنعمة العظیمة، ومع ذلک فتعلمون أنه یقبح عبادته فهذه الأصنام جمادات محضة، ولیس لها فهم ولا قدرة ولا اختیار فکیف تقدمون على عبادتها، وکیف تجوزون الاشتغال بخدمتها وطاعتها، وأن الکفار لما سموها آلهة وعبدوها، لا جرم أجریت مجرى أولی العلم))[35].
وأمّا المسجد فیجب للآباء أن یبینوا دوره الأساسی، باعتباره منتدى للتشاور، ومحک للخبرات، وصقل للمواهب، والأفکار، ومیدان لتبادل الآراء فی عرض أی مشکلة تهم المسلمین لحلها ورأب صدع الخلاف فیها، حتى یلتئم الشمل، وتتحد الکلمة فلا یجد العدو الکاشح منفذاً لإفساد صف المسلمین وتفریق جمعهم وبذر تقاوی الضغینة والإحن فی نفوسهم، فالعدو ذکی وحریص، ولا یصده ویکبح جماحه إلاّ صمود المسلمین وصلابة عودهم وقوه شکیمتهم واتحادهم قلباً وقالباً، وما أعظم المشاورة وأجل ثمارها إنها قوة للمسلمین ودرع حصین لهم، فما أحسن جلسة الشورى لحل معضلة ما تطرح المشکلة على بساط البحث وتجال فیها الآراء, وتدار الأفکار وتدخل فی بوتقة الصهر فیعرف الأبناء الناضج والسقیم من الصحیح والزیف من الخالص النقی، فیستبعد الفج والزیف والسقیم، ویؤخذ بالناضج والصحیح والخالص، فعلیه یتم السیر فیوصل إلى الغایة المثلى فیصلح الحال، ویزول الصعب من الأمور، وتتحقق تربیة الأبناء على أساس متین وقوى ویهدی إلى الرشد وإلى النور والإیمان الإلهی، وأن یقرن کل ذلک بضرب الأمثال.
ویقول مناع القطان: ((الأمثال أبلغ فی الوعظ وأقوى فی الزجر، وأقوم فی الإقناع، ولذلک کثر ضرب الأمثال فی القرآن الکریم، والحدیث الشریف، کما اعتمد علیها المعلمون والمربون، واتخذوا منها وسائل إیضاح فی التشویق والترغیب والتنفیر والمدح والذم))[36].
ویظهر من قول القطان أهمیة هذه الأمثال فی عملیة تربیة الأبناء، ولا بد من تعریف الأبناء بأحکام القرآن الکریم، ومنعهم من الذین یغالوا فی دینهم، وحادوا عن الحق، وغیَّروا وبدَّلوا فیما أنزله الله على أنبیائهم وأمّا الذین آمنوا إیماناً صحیحاً صادقاً، وتابوا إلى الله من کل ما ابتدعوه فی عقائدهم واتبعوا ما أنزل الله على خاتم رسله، بأنهم سیکونون فی أمنٍ من عذاب الله.
ونخلص من کل ما سبق بیانه، إلى أن تربیة الأبناء فی الإسلام، هی نظریة تربویة إسلامیة، ولیست تربیة مبتکرة بل هی من جوهر تعالیم الإسلام، من خلال القرآن الکریم والأحادیث النبویة، بالإضافة إلى التراث الإسلامی الثر، ولا بأس من إبراز هذه الجوانب فهی لا تخرج عن روح تعالیم الإسلام، فی التربیة الإسلامیة المتکاملة بین کآفة الجوانب المتعارف علیها.
فالأمة الإسلامیة لها شخصیتها المستقلة فی کل المجالات، ولیست محصورة فی المجالات التربویة فحسب بل تتعداها إلى الاقتصاد والاجتماع والسیاسة والتشریع والعلاقات الدولیة وغیرها.
والفکر التربوی فی الإسلام یعبر بکل صدق عن أصالة هذه الأمة، ولذلک یجب على العلماء والمربین والمفکرین بجانب الآباء، القیام بواجبهم تجاه تربیة الأبناء حتى تنهض هذه الأمة الإسلامیة وتبنی الحضارة اللازمة ویتحقق التقدم والرقی والتطور عن طریق تربیة الأبناء فی شتى المجالات، ولاسیما التغییر نحو الأفضل بالبحث العلمی والتمحیص والتقنین والاجتهاد والإضافة لبناء النظم الحضاریة العالمیة.
فالمسؤولیة فی هذا الإطار هی مسؤولیة عامة ومشترکة ما بین الجامعات وجهات الاختصاص الأخرى کالوزارات المعنیة بالشأن التربوی، لتکون فی النهایة دعماً أساسیاً لتربیة الأبناء على القیم الفاضلة والأخلاق الحمیدة.
والأمر المتوقع من تربیة الأبناء فی الإسلام هو التضامن مع الأسرة الصغیرة لتحصین الأطفال ومساعدة أهل التربیة فی عملیة التغییر، وذلک بغرس العقیدة الإسلامیة الصحیحة وتنمیتها فی نفوس الأبناء، والفضائل العلیا والقیم الفاضلة، مع الاحتفاظ بالفطرة السلیمة للأطفال، کما یجب أن تکون المفاهیم التربویة التی تساعد على أسلمة المناهج مع استصحاب الأهداف الخاصة والعامة والطرائق المتباینة والمحتویات بکل محاورها الثابتة المتمثلة فی الکتاب والسَُنة النبویة.
ولابد من تربیتهم تربیة وطنیة مع ضرورة بیان رفض الإسلام ابتداءً معیار العرق والقبیلة، وجعل التقوى والتسابق إلى الخیر هو معیار التفاضل بین البشریة ومن هنا جاءت ضرورة الوطن لإقامة دین الإسلام، وضرورة الدین لیکون الوطن إسلامیاً، وضرورة المسلمین لتتحقق إسلامیة عمران الوطن، ولذا أصبح الانتماء الوطنی درجة من درجات سلم انتماء المسلم إلى الإسلام[37].
والانتماء الوطنی یقتضی مراعاة ما یرتضیه المجتمع من أسلوب حیاة، فإن کان المجتمع متدیناً فالانتماء الحق یجعل تعالیم الدین وإتباع أوامره واجتناب نواهیه، والعمل الصالح وتشجیع المحسن وتأدیب المسیء نبراسًا للمجتمع المسلم، والانتماء الوطنی حب فطری تجاه الأرض التی ولد على ترابها ونشأ فی جنباتها، ولیس هذا الحب للمکان الجغرافی المادی ما لم یکن مقدسًا وإنما یتعداه إلى الناس المقیمین فیه وعلاقاتهم العاطفیة ومبادئهم القیمة التی تحدد سلوکیاتهم فی مجمل أوجه الحیاة الإنسانیة.
ویقول أحمد أمین: ((أن القرون الهجریة الرابع والخامس والسادس تفوق القرون السابقة من حیث النشاط العلمی، وازدهار الحرکة العلمیة، فالنهضة العلمیة لم تتأثر بالضعف الذی ساد الحیاة السیاسیة، فثمار العلم قد أینعت وآتت أکلها فی هذه العصور الثلاث))[38].
وکذلک یتفق مع أحمد أمین حسن ضیاء الدین عتر بقوله: ((أن القرن السادس الهجری یعد قمة النهضة العلمیة فالحرکة الثقافیة أخذت تتعاظم عبر القرون حتى بلغت أوجها، وأعلى درجاتها فی القرنین الخامس والسادس))[39].
ویتبین للباحث من کل ما تقدم أن النهضة العلمیة یمکن أن تتم عن طریق إتباع التربیة الإسلامیة، مع توجیه الطاقات وتسخیرها لخدمة العلم والمعرفة، ویقول زغلول النجار: ((وطریقة القرآن توجه الطاقات البشریة وتملاء الفراغ بالأعمال البناءة، کما توجه إلى العلم النافع فی مختلف المیادین))[40].
الخاتمة:
ومن کل ما تقدم یتضح أن تربیة الأبناء فی الإسلام تحتاج إلى التضامن والاتحاد، وخاصة الدول العربیة والإسلامیة فیما بینها، والوقوف صفاً واحداً من أجل تحقیق هذا الهدف، وخاصة فی عصر التطور فالتفرق له آثاره السالبة التی تؤثر على التربیة الصحیحة، وفی ذلک یقول القرضاوی: ((إننا لا نستطیع أن ندخل عصر التکنولوجیا المتطورة آحاداً متفرقین، بل إنما ننجح إذا دخلناها کالمقاتلین صفاً کالبنیان المرصوص، إن الموقف ردیء کل الرداءة، ولا علاج له إلاّ بالعودة إلى الإسلام الصحیح، إن العرب لا یجتمعون إلاّ على رسالة یعتصمون بحبلها، تجندهم وراءها صفوفاً کما جندتهم نبوة محمد صلی الله علیه وسلم، وإذا کان بعض الأحزاب العربیة یرفع شعار: أُمَّة واحدة ذات رسالة خالدة، فلن تتحد هذه الأُمَّة على غیر القرآن، ولا یستطیع أحد أن یخترع لها رسالة غیر رسالة الإسلام، إنها الرسالة التی هدتها من ضلالات الجاهلیة وأخرجتها من الظلمات إلى النور، ونقلتها من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضیق الدنیا إلى سعتها، ومن جور الأدیان إلى عدل الإسلام، کما قال ربعی ابن عامر رضی الله عنه، وهی التی خلدت ذکر العرب فی العالمین، وجعلت لهم لسان صدق فی الآخرین، وهی لا تزال رسالتهم إلى العالم))[41].
والاعتدال أمر مطلوب فی هذا الزمان، وذلک بسبب کثرة الأزمات التی تنشأ من حین لآخر بین الأفراد والجماعات والدول، وحتى المذاهب والطرق الدینیة، کما لا ینحصر ذلک فی الإسلام ولکن یتعداه لبقیة الأدیان الأخرى.
فالاعتدال یشکل أهم الدعامات الهامة للاستقرار السیاسی والدینی والاجتماعی والاقتصادی، فالمجتمعات الإنسانیة فی أشد الحاجة له، من أجل حیاة الإنسان فی هذه الأرض واستمرار یته من کآفة النواحی.
وأحسب أن البعد عن نهج الاعتدال القویم، من أکبر الأسباب التی تقود إلى النزاعات المختلفة فالأمة الإسلامیة عرفت الاعتدال منذ نشأتها الأولى، ویعد ذلک من أهم أساب تماسکها على مر الأزمان والعصور.
فالصورة التی ربى بها المصطفى علیه الصلاة والسلام الصحابة رضوان الله علیهم کانت وستظل النموذج الخالد فی فن التعامل بین الأفراد والجماعات والدول والأمم، إلى أن یرث الله الأرض ومن علیها.
وما یحدث الیوم من خروق وتجاوز لهذه النماذج الطیبة، لا یعبر عن ذلک الإرث التاریخی الخالد، وهو سلوک یعد فی بعض الأحیان کونه فردیاً أملته بعض الظروف الخاصة، أو جماعیاً کان نتیجة لعوامل اقتصادیة أو سیاسیة أو اجتماعیة، ویرجع أمر تفسیرها للذین بیدهم هذا الأمر، سواء کانوا فی السلطة الحاکمة أم خارجها، وفی کل الأحوال لا بد من العدل.
وجاء فی مجمل اللغة: ((عدل: العدل: خلاف الجور، والعدلُ: المثلُ، والعدلُ والعدیلُ أیضاً: الذی یعادلک فی الوزن والقدر، وبسط الوالی عدله ومعدلته، وعدلت عن الطریق عُدُولاً، والرجُلُ العدلُ: المقنع فی الشهادة.
وعدلت الشیء فأعتدل: أی: قومته فاستقام، وأیام معتدلات: طیبات، والعدلُ: الفداء فی قولهم: لا یقبل منه صرف ولا عدل، ویقال: فلانٌ یعادلُ هذا الأمر، إذا ارتبک فیه ولم یمضه، ویقال: فلان یعادل أمره ویقسّمُهُ، أی: یمیلُ بین أمرین أیهما یأتی، والعدالُ: أن یقول واحد: فیها بقیة، ویقول الآخر: لا بقیة فیها))[42].
ویقول الرازی: ((العدل: ضد الجور، یقال: عدل علیه فی القضیة من باب ضرب فهو عادل، وبسط الوالی عدله، وفلان من أهل المعدَلة بفتح الدال، أی: من أهل العدل، ورجل عدل: أی: مقنع فی الشهادة، وهو فی الأصل مصدر، وقوم عدل وعدول أیضاً وهو جمع عدل، وتعدیل الشیء: تقویمه، یقال: عدله تعدیلاً فاعتدل: أی: قومه فاستقام، وکل مثقف مُعَتدّلٌ، وتعدیل الشهود: أن تقول إنهم عدول ولا یقبل منها صرف ولا عدل، فالصرف: التوبة، والعدل: الفدیة، والعادل: المشرک الذی یعدل بربه، ومنه قول تلک المرأة للحجاج: إنک لقاسط عادل))[43].
وفی محیط المحیط یقول بطرس بولس: ((عدل علیه فی القضیة، ویقال: وهو یقضی بالحق ویعدل فهو عادلٌ وعدلٌ، وإنعدل عن الطریق: حاد، واعتدل الشیء: توسط بین حالین فی کمٍ أو کیف وتناسب، والعادل اسم فاعل، والجمع عدول کشاهد وشهود، العدالة: مصدر وشرعاً: عبارة عن الاستقامة على طریق الحق بالاجتناب عما هو محظور، والعدل: ضد الجور وما قام فی النفوس أنه مستقیم، والعدل أیضاً السویة والأمر المتوسط بین طرفی الإفراط والتفریط والاستقامة))[44].
ومن خلال البحث یتضح للباحث، أن تربیة الأبناء فی الإسلام تحتاج إلى مراعاة للجوانب الآتیة:
1/ العمل على شغل أوقات فراغ الأبناء بالنافع من الأعمال.
2/ إتباع نهج القرآن الکریم فی عملیة التربیة.
3/ الاهتمام بالعلم والدعوة إلیه حتى تعم الفائدة.
4/ تعوید الأبناء على الصدق والإخلاص وحب الوطن.
5/ عدم المیل إلى التدلیل الزائد فی تربیة الأبناء، أو ممّارسة القسوة والشدة الزائدة معهم، أو التساهل الزائد کذلک، أو الحرمان الزائد.
6/ استخدام المنهج التوجیهی والإرشادی فی تربیة الأبناء.
7/ یجب أن تکون قضیة تربیة الأبناء فی الإسلام من أولویات الجامعات والمراکز البحثیة، حتى تعم الفائدة ویتحقق المطلوب.
وأسأل الله العلى القدیر أن یوفق الجمیع لما فیه الخیر والنفع، وأن تکون تربیة الأبناء محل اهتمام الآباء والمسئولین، والله من وراء القصد، وهو الهادی إلى سواء السبیل.
المراجـع :-
1/ القرآن الکریم.
2/ صحیح الإمام البخاری.
3/ صحیح الإمام مسلم.
4/ سنن أبی داود، کتاب العلم، باب فضل نشر العلم، تعلیق محمد محیی الدین عبد الحمید.
5/ سنن ابن ماجة.
6/ کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال: على المتقی الهندی، تحقیق: مجموعة من الباحثین، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، طبعة 1399هـ.
7/ منهج جدید للتربیة والتعلیم، أبو الأعلیى المودودی، مطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامیة، الریاض، المملکة العربیة السعودیة.
8/ المقاصد العامة للشریعة الإسلامیة، محمد عبد الله دراز، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان.
9/ القاموس المحیط، الفیروز أبادی، مطبعة مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1998م.
10/ کشف الأسرار على أصول البزدوی، مطبعة مصطفی الحلبی، بیروت، لبنان.
11/ معجم المصطلحات الاقتصادیة فی لغة الفقهاء، نزیه حماد، مطبعة المعهد العالمی للفکر الإسلامی، ط/1، 1993م.
12/ القاموس القویم فی اصطلحات الأصولیین، محمود عثمان، مطبعة دار الحدیث، القاهرة، مصر، 1996م.
13/مختصر المنار، زین الدین الحلبی، مطبعة المکتبة الهاشمیة، دمشق، لبنان.
14/ الألبنانی، ج/3، 1399هـ.
15/ فلسفة التربیة الإسلامیة فی القرآن الکریم، على خلیل مصطفی أبو العینین، ط/1، مطبعة إبراهیم حلبی، المدینة المنورة، المملکة العربیة السعودیة.
16/ المعرفة فی منهج القرآن الکریم، صابر طعیمة، دار الجیل، بیروت، لبنان.
17/ إحیاء علوم الدین، أبو حامد محمد بن محمد الغزالی، دار المعرفة، بیروت، لبنان، 1406هـ .
18/ الإسلام والمکتشفات العلمیة، شوکت محمد علیان، ط/1/، دار الرشید، بیروت، لبنان.
19/ فلسفة التربیة الإسلامیة، ماجد عرسان الکیلانی، مکتبة هادی، مکة المکرمة، المملکة العربیة السعودیة.
20/ فخر الدین محمد بن عمر الرازی، التفسیر الکبیر، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1411هـ ـ1990م.
21/ مباحث فی علوم القرآن، مناع القطان، ط/4، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1396هـ.
22/ الروح الوطنیة، محمد عمارة، مطبعة الریاض، الریاض، المملکة العربیة السعودیة، 1998م.
23/ ظهر الإسلام، أحمد أمین، ط/3، مکتبة النهضة، بیروت، لبنان.
24/ أزمة التعلیم المعاصر، زغلول راغب النجار، ط/1، مکتبة الفلاح، الکویت، الکویت، 1400هـ.
25/ الصحوة الإسلامیة وهموم الوطن العربی والإسلامی: د.یوسف عبد الله القرضاوی، مؤسسة الرسالة ، بیروت، لبنان، ط/6، 1998م.
26/ أزمة التعلیم المعاصر، زغلول راغب النجار، ط/1، مکتبة الفلاح، الکویت، الکویت، 1400هـ.
27/ مجمل اللغة: أبی الحسین أحمد بن فارس،دراسة وتحقیق: زهیر عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، ط/1،1401هـ، ج/3، ص651 ـ652.
28/ مختار الصحاح: محمد بن أبی بکر بن عبد القادر الرازی، مطبعة دار النفائس، بیروت، لبنان، ط/2، 1408هـ 1998م.
29/ محیط المحیط: بطرس البستانی، مکتبة لبنان، بیروت، لبنان، 1977م.
[1] سورة الإسراء الآیة23ـ24.
[2] منهج جدید للتربیة والتعلیم، أبو الأعلى المودودی، مطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامیة، الریاض، المملکة العربیة السعودیة، ص13ـ15.
[3] سورة یوسف الآیة108.
[4] سورة فصلت الآیة42.
[5] المقاصد العامة للشریعة الإسلامیة، محمد عبد الله دراز، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، ص205.
[6] سورة الأنعام الآیة124.
[7] صحیح الإمام البخاری، کتاب الإیمان، باب، بنی الإسلام على خمس، ج/3، ص1379، حدیث رقم3282، وصحیح الإمام مسلم، ج/4، ص1864، حدیث رقم2398.
[8] سورة التحریم الآیة6.
[9] القاموس المحیط، الفیروز أبادی، مطبعة مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1998م، ص1245.
[10] کشف الأسرار على أصول البزدوی، مطبعة مصطفی الحلبی، بیروت، لبنان، ج/4، ص237.
[11] معجم المصطلحات الاقتصادیة فی لغة الفقهاء، نزیه حماد، مطبعة المعهد العالمی للفکر الإسلامی، ط/1، 1993م، ص77ـ78.
[12] القاموس القویم فی اصطلاحات الأصولیین، محمود عثمان، مطبعة دار الحدیث، القاهرة، مصر، ط/1، ص123، 1996م.
[13] مختصر المنار، زین الدین الحلبی، مطبعة المکتبة الهاشمیة، دمشق، لبنان، ص22-24.
[14] سورة الإسراء الآیة9.
[15] سورة آل عمران الآیة110.
[16] أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه، فی کتاب الإیمان، باب کون النهی عن المنکر من الإِیمان، ج/1 ص 69.
[17] إحیاء علوم الدین، أبو حامد محمد بن محمد الغزالی، ج/2، ص280.
[18] متفق علیه.
[19] سورة العنکبوت الآیة45.
[20] أنظر: سنن ابن ماجة، باب أجر الصابر فی الطاعون، ج/3، ص1333، حدیث رقم4019.
[21] الألبنانی، ج/3، 1399هـ ص1379.
[22] سنن أبی داود، کتاب العلم، باب فضل نشر العلم، تعلیق محمد محیی الدین عبد الحمید، دار الفکر، بیروت، لبنان، ج/3، ص322.
[23] أنظر: فلسفة التربیة الإسلامیة فی القرآن الکریم، على خلیل مصطفی أبو العینین، ط/1، مطبعة إبراهیم حلبی، المدینة المنورة، المملکة العربیة السعودیة، 1408هـ، ص281ـ219.
[24] المعرفة فی منهج القرآن الکریم، صابر طعیمة، دار الجیل، بیروت، لبنان، ص195ـ196.
[25] إحیاء علوم الدین، أبو حامد محمد بن محمد الغزالی، دار المعرفة، بیروت، لبنان، 1406هـ ، ص58.
[26] الإسلام والمکتشفات العلمیة، شوکت محمد علیان، ط/1، دار الرشید، بیروت، لبنان، 1400هـ، ص108.
[27] أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه، حدیث رقم1631، والإمام الترمذی، حدیث رقم1376، والإمام النسائی، حدیث رقم2880.
[28] أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه، کتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سیئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، ج/4، ص2060.
[29] سورة الملک الآیة140.
[30] فلسفة التربیة الإسلامیة، ماجد عرسان الکیلانی، مکتبة هادی، مکة المکرمة، المملکة العربیة السعودیة، ط/2، 1409هـ، ص85.
[31] سورة العلق الآیة1ـ5.
[32] کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال: على المتقی الهندی، تحقیق: مجموعة من الباحثین، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، طبعة 1399هـ، ج/16، ص457.
[33] سورة النور الآیة31.
[34] سورة النحل الآیة18.
[35] تفسیر الرازی، ج/9، ص368.
[36] أنظر: مباحث فی علوم القرآن، مناع القطان، ط/4، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1396هـ، ص287ـ290.
[37] الروح الوطنیة، محمد عمارة، مطبعة الریاض، الریاض، المملکة العربیة السعودیة، 1998م، ص86.
[38] أنظر: ظهر الإسلام، أحمد أمین، ط/3، مکتبة النهضة المصریة، القاهرة، مصر، 1964م، ص24.
[39] أنظر: حسن ضیاء الدین عتر، ج/2، ص2ـ3.
[40] أزمة التعلیم المعاصر، زغلول راغب النجار، ط/1، مکتبة الفلاح، الکویت، الکویت، 1400هـ، ص132.
[41] الصحوة الإسلامیة وهموم الوطن العربی والإسلامی: د.یوسف عبد الله القرضاوی، مؤسسة الرسالة ، بیروت، لبنان، ط/6، 1998م، ص154.
[42] مجمل اللغة: أبی الحسین أحمد بن فارس، دراسة وتحقیق: زهیر عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، ط/1،1401هـ ، ج/3، ص651 ـ652.
[43] مختار الصحاح: محمد بن أبی بکر بن عبد القادر الرازی، مطبعة دار النفائس، بیروت، لبنان، ط/2، 1408هـ 1998م. ، ص176.
[44] محیط المحیط: بطرس البستانی، مکتبة لبنان، بیروت، لبنان، 1977م، ص581.