نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ الحديث الشريف وعلومه المشارک ، جامعة حضرموت رئيس قسم الدراسات الإسلامية سابقًا
المستخلص
الموضوعات الرئيسية
کلیة التربیة
کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم
إدارة: البحوث والنشر العلمی ( المجلة العلمیة)
=======
أثر البکاء على التربیة الإیمـانیة من خلال أحادیث الصحیحین
(دراسة موضوعیة)
إعــــداد
د / علوی حامد محمد بن شهاب الدین
أستاذ الحدیث الشریف وعلومه المشارک ، جامعة حضرموت
رئیس قسم الدراسات الإسلامیة سابقًا
} المجلد الثالث والثلاثین– العدد الثامن – أکتوبر 2017م {
http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic
مستخلص البحث
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله ومن والاه.
إنَّ البکاء تعبیر من تعابیر الإنسان عن حالة من حالات حزنه أو فرحه ، ولقد عرف الإنسانُ البکاء قدیمًا حتى عبر القرآن عنه فی کثیر من سوره المبارکة.
والبکاء جبلی وفطری عند فقد العزیز على الإنسان ، وعند الإصابة بمصیبة ، فیستوی فی البکاء کل البشریة على اختلاف أدیانهم وأوطانهم فیه ، غیر أنهم یتفاوتون فی قدرة التحمل وعدم إظهار الحزن.
وموضوع البحث جمع الأحادیث التی أوردها البخاری ومسلم فی صحیحیهما التی ورد فیها بکاء نبینا صلى الله علیه وآله وسلم ، وقد نستطرد إلى بکاء الصحابة الکرام رضوان الله تعالى عنهم ؛ سواء کان ذلک البکاء جبلیًا أو خوفًا من الذنب وخشوعًا لله تبارک وتعالى عند مناجاته وسماع کتابه العزیز.
وقد قسم البحث إلى مبحثین ؛ تناول الباحث فی المبحث الأول البکاء الجبلی الفطری ، وفی المبحث الثانی البکاء خشوعًا لله وخشیة منه ، وکان الباعث لهذا البحث أن رأیت جمود العین عن البکاء خشیة لله تبارک وتعالى ، مع ما لهذه الدموع من أثر فی التربیة الإیمانیة للمسلم ، فأحببت أن أسهم فی بناء تلک التربیة الإیمانیة التی رأیت الضعف فیها بارزًا فی مجتمعاتنا الیوم ، وأسمى الباحث بحثه (أثر البکاء على التربیة الإیمـانیة من خلال أحادیث الصحیحین (دراسة موضوعیة)
والله ولی التوفیق.
Abstract
In the Name of Allah, Most Gracious, Most Merciful
Thanks are due to Allah, and peace and prayers be upon the Messenger of Allah and his family and followers.
Crying is a human expression of sadness or happiness. Crying is known as old as human being and the Holy Quran referred to it in many blessed chapters.
Crying is innate and natural when a human loses beloved or is inflicted with a disaster. All humanity share crying as a common feature regardless of their nationalities or religions, however, they differ in endurance capacity and ability to hide grief.
The theme of this research is to collect the hadiths cited by Al-Bukhari and Muslim in their authentic hadith books where they mentioned the crying of Prophet Mohammad (PBUH). We may digress to the crying of the honored companions of Prophet Mohammed whether that crying was natural or due to fear of sins or as a sign of being submissive to Allah during their supplications or listening to the Holy Quran.
The research is divided into two sections; the first section deals with innate and natural crying while the second section discusses crying due to submissiveness and fear of God. The motivation of this research is the evident lack of tears due to fear of God in our society as such tears are quite effective in building true believers of Islam. Through this research, I would like to place one block towards build a truly faithful and fearful Muslim society where such qualities are quite missing in our societies of today. The research is titled "The Impact of Crying on Faithful Education through the Hadiths of the Two Authentic Books" (Objective Study) .
Allah is the arbiter of success.
بسم الله الرحمن الرحیم
أثر البکاء على التربیة الإیمانیة من أحادیث الصحیحین
(دراسة موضوعیة)
الحمد لله رب العالمین ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمین ، نبینا محمد وعلى آله الطیبین الطاهرین ، وارض اللهم عن صحابته أجمعین ، وتابعیهم بإحسان إلى یوم الدین.
وبعد ...
فالبکاء له حالات متعددة ؛ منه ما یکون عند الفرحة ومنه حالة الحزن ، ونبینا صلى الله علیه وآله وسلم قد بکى فی حالات ، وبکى الصحابة الکرام رضی الله عنهم فی حالات ، بل وأمر به الرسول صلى الله علیه وآله وسلم فی حالات ، فجاء هذا البحث المتواضع لجمع تلک الأحادیث؛ لبیان أثر البکاء فی التربیة الإیمـانیة للمسلم ؛ فالبکاء خروج دمعات من العین ولکنه دلالة على الندم أو التأثر بشیء معین ؛ کوقوف على مصیر شخص أو الخوف من نفس المصیر أو الرهبة من الحساب على فعل معین ، وقد جاء البحث فی مقدمة ومبحثین وخاتمة على النحو الآتی :
المقدمة وفیها سبب اختیار البحث وأهمیته ، ثم تعریف موجز للبکاء.
المبحث الأول : البکاء الجبلی عند المصیبة والمرض وفقد المصالح النافعة.
وفیه سبعة مطالب :
المطلب الأول : البکاء لموت وفراق القریب والصدیق.
المطلب الثانی : البکاء رحمة بأحوال الرسول صلى الله علیه وآله وسلم.
المطلب الثالث : البکاء على فراق الزوج.
المطلب الرابع : بکاء عائشة رضی الله عنها یوم الإفک (بکاء المتهم البری).
المطلب الخامس : البکاء لفقد مصلحة المسلمین.
المطلب السادس : التسلیة بالمصیر الطیب عن البکاء على المیت.
المطلب السابع : البکاء لفقد المصلحة الخاصة.
المبحث الثانی : البکاء خشوعًا لله تبارک وتعالى ، ومحاسبة للنفس واستشعار ثقل الحساب یوم القیامة والخوف من النار.
وفیه ثمانیة مطالب :
المطلب الأول : بکاء الرسول صلى الله علیه وآله وسلم فی الصلاة وفیه بکاء الصدیق.
المطلب الثانی : البکاء عند تلاوة وسماع القرآن.
المطلب الثالث : البکاء عند سماع الموعظة.
المطلب الرابع : البکاء خشیة من الله.
المطلب الخامس : البکاء خشیة عدم الشکر للنعم.
المطلب السادس : بکاء الحنین والشوق للرسول صلى الله علیه وآله وسلم.
المطلب السابع : البکاء خوفًا من الحساب.
المطلب الثامن : البکاء عند زیارة القبور.
ثم الخاتمة وأهم التوصیات.
قائمة بأهم المراجع والمصادر.
وسأکتفی فی کل مطلب بذکر نمـاذج من السنة المطهرة من أحادیث الصحیحین حتى لا یطول البحث ، ولا أجـمع الأحادیث فی نفس الموضوع إذا حصل المقصود. فأقول مُستعینًا بالله ومتوکلاً علیه :
المقدمة :
إنَّ الکلام على البکاء لیس جدیدًا على أی إنسان ؛ فهو شیء یُـخالط المشاعر ، وقد یکون الباکی صادقًا ، ویتصنع البکاء أحیانًا ، لکن سبب اختیاری له جاء من تفکر لآثار البکاء على حیاة المسلم ، ولأنَّ المسلم ینبغی له أن یقتدی بالرسول صلى الله علیه وآله وسلم الذی کان یبکی فی کثیر من أحواله ؛ إما خشوعًا فی صلاته ، أو تدبرًا للقرآن الکریم ، أو خوفًا من العرض على الله تبارک وتعالى إلى غیر ذلک ، فحاولت کتابة هذا البحث المتواضع لعلی أن أطرق بابًا من أسباب التربیة الروحیة التی ضعفت عند بعض المسلمین الیوم.
ویمکن تلخیص أهداف البحث فی الآتی :
1- إبراز أثر البکاء عند تلاوة القرآن ، ودلالته الصریحة فی التأثر بالقرآن الکریم.
2- التأکید على الطبع الجبلی للبکاء عند المصیبة وفقد العزیز ؛ لما فیه من تخفیف الألم.
3- إظهار أهمیة البکاء من خشیة الله ؛ لأثرها الواضح فی البعد والإقلاع عن المعاصی.
4- معرفة الداعیة الناجح المؤثر فی سامعیه ؛ لأنَّ البکاء علامة الاستجابة غالبًا.
5- إبراز أثر البکاء عند رؤیة القبور ؛ لما فیها من التدبر والاعتبار إلى نفس المصیر.
وقبل جمع الأحادیث لا بد أن نتعرف على مفهوم البکاء وجملة من البکائین الذین عُرف عنهم کثرة البکاء مع التعرف على أسبابه.
تعریف البکاء :
قال المناوی : (البکاء – بالمد - سَیلان الدمع عن حزنٍ ، وقیل : بالمد إذا کان الصوت أغلب ، وبالقصر إذا کان الحزن أغلب)([1]).
والبکاء یکون فی حالات منها الحزن ، کما یکون البکاء على النقیض ؛ فیکون عند الفرحة، ویعرف الحُزنُ - بالضم - : الغم الحاصل لوقوع مکروه ، أو فوات مـحبوب فی الماضی([2]). قال الحافظ ابن حجر : (والبکاء الذی یجلبه الحزن غیر مذموم ، وأنَّ المرء قد لا یملک دمعه إذا غلب علیه الغیظ)([3]) وقد یحاول الحزین إخفاء حزنه عن الآخرین ، ولا یستطیع فعل ذلک الکل ؛ فقد جاء فی الصحیحین([4]) أنَّ رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم لما جاءه خبر مقتل أهل موتة رضی الله عنهم جلس (یُعرف فیه الحزن) قال الطیبی فی شرحه : (کأنه کظم الحزن کظمًـا ، فظهر منه ما لا بد للجبلَّة البشریة منه)([5]).
ومع أنَّ الجزع أشد من الحزن غیر أنه لا یکون معه بکاءٌ غالبًا ، ویعرَّف الجَزَعُ
- محرکًا - حزنٌ یصرف الإنسان عمَّا هو بصدده ویقطعه عنه فهو أبلغ من الحزن ؛ لأنَّ الحزن عام([6]). والکمد : الحزن ؛ لأنه یغیر اللون ؛ من کمد الشیء إذا تغیر لونه إلى السواد([7]). غیر أنه لا یکون معه بکاء.
وللبکاء درجات مختلفة ؛ فالنحیب شدة البکاء ، والبث - بفتح الموحدة بعدها مثلثة ثقیلة - شدة الحزن([8]).
ولقد تکلم العلماء عن البکاء وأفردوه بالتألیف فمن أوائل من أفرده ابن أبی الدنیا فی کتابه (الرقة والبکاء)، وجمع الشیخ عبد الله بن إبراهیم اللحیدان کتابًا أسماه (البکاء عند قراءة القرآن) ، کما جمع الشیخ إحسان بن محمد بن عایش العتیببی کتابًا أسماه (البکاء من خشیة الله)،کما جمع الشیخ أبو الفرج المصری کتابًا أسماه (البکاء من خشیة الله).
أما عن المنهج الذی سنسلکه فهو المنهج الاستقرائی ؛ حیث سنجمع بإذن الله الأحادیث التی ورد فیها البکاء من صحیحی البخاری ومسلم ، ثم نقارن بین تلک الروایات من خلال المنهج المقارن ؛ لجمعها تحت العناوین المذکورة أعلاه. ثم نسرد تلک الأحادیث سردًا من غیر تحلیلٍ لها؛ لوضوحها تحت العناوین التی کتبت تحتها.
المبحث الأول
البکاء الجبلِّی عند المصیبة والمرض وفقد المصالح النافعة
البکاء الجبلِّی : هو البکاء الطبیعی الفطری الذی یستوی فیه البـشر بمختلف عصورهم وأجناسهم وأدیانهم کمـا ذکر الله تبارک وتعالى ذلک فی حق یعقوب علیه السلام ؛ لمَّا فقد ابنه یوسف علیه السلام ، ففقد بـصره مِن الحُزن ، حیث قال تعالى فی سورة یوسف (ایة [84] : (وتولى عنهم وقال یا أسفى على یوسف وابیضت عیناه من الحزن فهو کظیم) وقد جاء عند البیهقی فی شعب الإیمان([9]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : (کان لیعقوب النبی علیه السلام أخ مؤاخٍ فی الله ، فقال ذات یوم : یا یعقوب ، ما الذی أذهب بصرک ؟ وما الذی قوَّس ظهرک ؟ فقال : أما الذی أذهب بصری فالبکاء على یوسف ، وأما الذی قوس ظهری فالحزن على ابنیامین ، قال : فأتاه جبریل علیه السلام ، فقال : یا یعقوب ، إنَّ الله تبارک وتعالى یقرئک السلام ویقول : أما تستحی تشکونی إلى غیری؟ قال : فقال یعقوب : إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله...
ویتکون هذا المبحث من سبعة مطالب :
المطلب الأول : البکاء لموت وفراق القریب والصدیق :
بکى نبینا صلى الله علیه وآله وسلم لاستـشهاد أصحابه فی غزوة مؤتة حتى ذرفت عیناه الدموع ؛ وذلک تعبیرًا جِبلیًا على الحزن بفقد الغالی على الإنسان ، کما بکى صلى الله علیه وآله وسلم لفقده ابنه إبراهیم علیه سلام الله ، وبکى أیضًا لفقد ابن بنته ، وبکى لموت بنته رضی الله عنها ، کما فی الأحادیث الآتیة:
1- روى البخاری فی صحیحه([10]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه قال : قال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (أخذ الرایة زید فأصیب ، ثم أخذها جعفر فأصیب ، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصیب - وإنَّ عینی رسول الله صلى الله علیه و سلم لتذرفان - ثم أخذها خالد بن الولید من غیر إمرة ففتح له).
2- روى البخاری فی صحیحه([11]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم على أبی سیف القین([12]) - وکان ظئرًا([13]) لإبراهیم علیه السلام - فأخذ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم إبراهیم فقبَّله وشمَّه ، ثم دخلنا علیه بعد ذلک وإبراهیم یجود بنفسه ، فجعلت عینا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم تذرفان ، فقال له عبدالرحمن ابن عوف رضی الله عنه : وأنت یا رسول الله ؟! فقال : (یا ابن عوف ، إنها رحمة) ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله علیه وآله وسلم : (إنَّ العین تدمع ، والقلب یحزن ، ولا نقول إلا ما یرضی ربنا ، وإنا بفراقک یا إبراهیم لمحزنون) ولفظ مسلم([14]) : فدمعت عینا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقال : (تدمع العین ویحزن القلب....).
قال ابن حجر فی شرح هذا الحدیث : (قال ابن بطال وغیره : هذا الحدیث یُـفسر البکاء المباح والحزن الجائز ؛ وهو ما کان بدمع العین ورقة القلب من غیر سخط لأمر الله ، وهو أبین شیء وقع فی هذا المعنى ، وفیه مشروعیة تقبیل الولد وشمه ، ومشروعیة الرضاع وعیادة الصغیر والحضور عند المحتضر ، ورحمة العیال وجواز الإخبار عن الحزن وإن کان الکتمان أولى)([15]).
3- روى البخاری ومسلم فی صحیحیهما([16]) من حدیث أسامة بن زید رضی الله عنهما قال : أرسلت ابنة النبی صلى الله علیه وآله وسلم إلیه : إنَّ ابنًا لی قبض فأتنا ، فأرسل یقرئ السلام ویقول: (إنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى ، وکل عنده بأجل مُسمَّى ، فلتصبر ولتحتسب) فأرسلت إلیه تقسم علیه لیأتینها ، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبی بن کعب وزید بن ثابت ورجال ، فرفع إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الصبی ونفسه تتقعقع ، قال : حسبته أنه قال : کأنها شنٌ ، ففاضت عیناه ، فقال سعد : یا رسول الله ، ما هذا ؟ فقال : (هذه رحمة جعلها الله فی قلوب عباده ، وإنمـا یرحم الله من عباده الرحماء).
4- روى البخاری فی صحیحه([17]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه قال : شهدنا بنتًا([18]) لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ورسول الله صلى الله علیه وآله وسلم جالس على القبر فرأیت عینیه تدمعان فقال : (هل منکم أحد لم یقارف([19]) أهله اللیلة؟ ) فقال أبو طلحة : أنا ، قال : (فانزل) فنزل فی قبرها.
وبکى جابر بن عبدالله الأنصاری وعمته فاطمة رضی الله عنهم لاستشهاد والده عبدالله بن حرام رضی الله عنه یوم أحد ؛ فقد روى البخاری ومسلم فی صحیحیهما([20]) من حدیث جابر بن عبدالله رضی الله عنهما قال : لمَّا قتل أبی جعلت أکشف الثوب عن وجهه أبکی وینهونی عنه والنبی صلى الله علیه وآله وسلم لا ینهانی ، فجعلت عمتی فاطمة تبکی ، فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (تبکین أو لا تبکین ، ما زالت الملائکة تظلُّه بأجنحتها حتى رفعتموه).
المطلب الثانی : البکاء رحمة بأحوال الرسول صلى الله علیه وآله وسلم :
لقد بکى الصحابة رضوان الله تعالى علیهم ؛ لما یشاهدون من أحوال الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وأحواله المعیشیة فی حین یشاهدون أحوال الأغنیاء وملوک عصرهم ؛ لذلک بکى عمر بن الخطاب رضی الله عنه عند ما شاهد الحصیر قد أثرت فی جنب الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ، ولیس فی بیته إلا قلیلًا من الشعیر کما فی الحدیث ؛ فقد روى مسلم فی صحیحه([21]) من حدیث عبدالله ابن عباس رضی الله عنهما قال : حدثنی عمر بن الخطاب قال : لما اعتزل النبی صلى الله علیه وآله وسلم نساءه قال : دخلت المسجد فإذا الناس ینکتون بالحصى ویقولون : طلَّق رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم نساءه ، وذلک قبل أن یؤمر بالـحجاب ، قال عمر : فقلت : لأعلمنَّ ذلک الیوم ، قال : فدخلت على عائشة فقلت : یا بنت أبی بکر ، أقد بلغ من شأنک أن تؤذی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم؟! قالت : مالی ولک یا ابن الخطاب ، علیک بعیبتک([22]) ، قال : فدخلتُ على حفصة ابنة عمر فقلت : یا حفصة ، أقد بلغ من شأنک أن تـؤذی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، والله لقد علمتِ أنَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لا یحبک ، ولولا أنا لطلقک رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، قال : فبکت أشد البکاء ، فقلت لها: أین رسول الله ؟ قالت : هو فی خزانته فی المشربة([23]) ، فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قاعـدٌ على أسکفة المشربة مُدلٍ رجلیه على نقیر من خشب - وهو جذع یرقى علیه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وینحدر - فنادیته فقلت : یا رباح ، استأذن لی عندک على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلیَّ فلم یقل شیئًا، فقلت : یا رباح ، استأذن لی عندک على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلیَّ فلم یقل شیئًا ، فقلت : یا رباح ، استأذن لی عندک على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فنظر إلى الغرفة ثم نظر إلیَّ فلم یقل شیئًا ، ثم رفعتُ صوتی فقلتُ : یا رباح ، استأذن لی عندک على رسول الله ؛ فإنی أظنُّ أنَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ظنَّ أنی جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرنی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بضرب عنقها لأضربنَّ عنقها ، ورفعتُ صوتی فأومأ إلیَّ أن ائذنه ، فدخلت على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وهو مضطجعٌ على حصیر ، فجلست فإذا علیه إزاره ولیس علیه غیره ، فإذا الحصیر قد أثَّر فی جنبه ، فنظرتُ ببصری فی خزانة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فإذا أنا بقبضة من شعیر نحو الصاع ومثلها قرظًا([24]) فی ناحیة الغرفة ، وإذا أفیق([25]) معلقٌ قال: فابتدرت عینای ، قال : ما یبکیک یا ابن الخطاب ؟ فقلت : یا نبی الله ، ومالی لا أبکی وهذا الحصیر قد أثَّر فی جنبک ، وهذه خزانتک لا أرى فیها إلا ما أرى ، وذاک قیصر وکسرى فی الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته وهذه خزانتک !! قال : یا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تکون لنا الآخرة ولهم الدنیا ؟ قلت : بلى.
المطلب الثالث : البکاء على فراق الزوج :
إنَّ الزواج من نعم الله على عباده ، فإذا فقدت الزوجةُ زوجَها بسبب تقصیر أو ذنب حقَّ لها البکاء ؛ لأن فقد الزوج مصیبة ، کیف إذا کان ذلک الزوج رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم ؛ لذلک نجد أم المؤمنین حفصة تبکی ؛ لغضب زوجها - صلى الله علیه وآله وسلم – علیها ؛ فقد روى البخاری ومسلم فی صحیحیهما([26]) من حدیث عمر رضی الله عنه قال : کنت أنا وجار لی من الأنصار فی بنی أمیة بن زید وهی من عوالی المدینة ، وکنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ینـزل یومًا وأنزل یومًا ؛ فإذا نزلتُ جئته بخبر ذلک الیوم من الوحی وغیره، وإذا نزل فعل مثـل ذلک ، فنزل صاحبی الأنصاری یوم نوبته فـضرب بابی ضربًا شدیدًا ، فقال : أثَمَّ هو ؟ ففزعتُ فخرجتُ إلیه فقال : قد حدث أمرٌ عظیمٌ. قال : فدخلت على حفصة فإذا هی تبـکی ، فقلت : طلقکنَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ؟ قالت : لا أدری ، ثم دخلت على النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقلتُ وأنا قائم : أطلقتَ نساءک ؟ قال : لا ، فقلتُ : الله أکبر.
المطلب الرابع : بکاء عائشة رضی الله عنها یوم الإفک (بکاء المتهم البری) :
قد یُتهم الإنسان البری بتهمةٍ عظیمةٍ ویکون غیر قادر على إثبات براءته ، وفی المثل: (کم فی السجون من الأبریاء) لکن التهمة تحمل صاحبها على الهم والحزن الذی یعبر عنه أحیانًا کثیرة بالبکاء حتى یأذن الله بالفرج ، ولقد بکت أم المؤمنین عائشة رضی الله عنها طویلاً ؛ لمَّا اتهمت فی شرفها، وکانت غیر قادرة على إثبات براءتها ، وقد استعانت بأبویها دون جدوى ، حتى أنزل الحقُّ تبارک وتعالى قرآنًا یتلى فی براءتها کما فی الحدیث.
فقد روى البخاری ومسلم فی صحیحیهما([27]) من حدیث عائشة زوج النبی صلى الله علیه وآله وسلم حین قال لها أهل الإفک ما قالوا فبرأها الله منه .. قالتْ : کان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بین أزواجه فأیتهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، قالت : فأقرع بیننا فی غزوة غزاها ، فخرج سهمی فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل فی هودج وأنزل فیه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم من غزوته تلک ، وقفل ودنونا من المدینة، آذن لیلة بالرحیل ، فقمتُ حین آذنوا بالرحیل فمشیتُ حتى جاوزتُ الجیش ، فلما قضیتُ شأنی أقبلتُ إلى الرحل ، فلمستُ صدری فإذا عقدٌ لی من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمستُ عقدی فحبسنی ابتغاؤه ، فأقبل الذین یرحلون بی فاحتملوا هودجی فرحلوه على بعیری الذی کنت أرکبُ. وهم یحسبون أنی فیه ، وکان النساء إذ ذاک خفافًا لم یثقلن ولم یغشهن اللحم ، وإنما یأکلن العلقة من الطعام ، فلم یستنکر القوم حین رفعوا ثقل الهودج واحتملوه ، وکنتُ جاریة حدیثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا فوجدتُ عقدی بعدما استمر الجیش ، فجئتُ منزلهم ولیس فیه أحد ، فأممت منزلی الذی کنت فیه وظننتُ أنهم سیفقدونی فیرجعون إلیَّ ، فبینا أنا جالسة فی منزلی غلبتنی عینای فنمت ، وکان صفوان بن المعطل السُّلمی ثم الذکوانی من وراء الجیش ، فأصبح عند منزلی ، فرأى سواد إنسان فأتانی ، وکان یرانی قبل الحجاب ، فاستیقظت باسترجاعه حین عرفنی ، فخمَّرت وجهی بجلبابی ، والله ما تکلمتُ بکلمة ولا سمعت منه کلمة غیر استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ یدها فرکبتها ، فانطلق یقود بی الراحلة حتى أتینا الجیش معرِّسین فی نحر الظهیر ، فهلک من هلک ، وکان الذی تولَّى کبره عبدالله بن أبی سلول ، فقدمنا المدینة فاشتکیتُ بها شهرًا ، والناس یفیضون فی قول أصحاب الأفک لا أشعر بشیء من ذلک ، ویریبنی فی وجعی أنی لا أعرف من رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم اللطف الذی أرى منه حین أمرض ، إنما یدخل فیسلِّم ثم یقول : کیف تیکم ؟ فذلک یریبنی ولا أشعر حتى نقهتُ([28]) ، فخرجت أنا وأم مسطح بنت أبی رهم قِبَـل المناصع متبرزنا ، لا نخرج إلا لیلاً إلى لیل ، وذلک قبل أن نتخذ الکنف قریبًا من بیوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول فی البریة أو فی التنزه ، فأقبلتُ أنا وأم مسطح بنت أبی رهم نمشی ، فعثُرت فی مرطها فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبُّین رجلًا شهد بدرًا ؟ قالت : یا هنتاه، ألم تسمعی ما قالوا ؟ قالت : قلت : وما قالوا ؟ فأخبرتنی بقول أهل الإفک ، فازددت مرضًا على مرضی ، فلما رجعت إلى بیتی دخل علیَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقال : کیف تیکم؟ فقلت: ائذن لی آتِ أبوی ، قالت عائـشة : وأنا حینئذٍ أرید أن أستیقن الخبر من قبلهما ، فأذن لی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فأتیت أبویَّ فقلت لأمی : ما یتحدث الناس؟ فقالت : یا بنیة ، هوِّنی على نفسک الشأن ؛ فوالله لقلَّما کانت امرأة قط وضیئة عند رجل یحبها ولها ضرائر إلا أکثرن علیها ، قالت : فقلت : سبحان الله ! ولقد تحدث الناس بهذا ؟ فبتُّ تلک اللیلة حتى أصبحت لا یرقأ لی دمع ، ولا اکتحل بنوم ، ثم أصبحت ... قالت : فقام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم من یومه فاستعذر من عبدالله بن أبی سلول ، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : من یعذرنی من رجل بلغ أذاه فی أهلی ؟ فوالله فوالله فوالله - ثلاث مرات - ما علمتُ على أهلی إلا خیرًا ، وقد ذکروا رجلا ما علمت علیه إلا خیرًا ، وما کان یدخل على أهلی إلا معی ، فقام سعد بن معاذ فقال : یا رسول الله ، أنا والله أعذرک منه ؛ إن کان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن کان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فیه أمرک ، فقام سعد بن عبادة - وهو سید الخزرج ، وکان قبل ذلک رجلا صالحًا ولکن احتملته الحمیة - فقال : کذبت لعمر الله ، والله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسید بن حضیر فقال : کذبت لعمر الله ، والله لنقتلنَّه ، فإنک منافق تجادل عن المنافقین ، قال : فثار الحیان : الأوس والخزرج حتى مضوا ورسول الله صلى الله علیه و سلم قائم على المنبر ، قال: فنزل فخفَّضهم حتى سکتوا وسکت ، قالت : وبکیت یومی لا یرقأ لی دمع ولا أکتحل بنوم ، فأصبح عندی أبوای وقد بکیت لیلتین ویومًا حتى أظنُّ أنَّ البکاء فالقٌ کبدی ، قالت : فبینا هما جالسان عندی وأنا أبکی ، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبکی معی ، فبینا نحن کذلک إذ دخل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فجلس ولم یجلس عندی من یوم قیل ما قیل قبلها ، وقد مکث شهرًا لا یوحى إلیه فی شأنی ، قالت : فتشهد ، ثم قال : أما بعد ، یا عائشة، فإنه بلغنی عنک کذا وکذا ؛ فإن کنت بریئة فسیبرئک الله ، وإن کنت ألممت فاستغفری الله وتوبی إلیه ؛ فإنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله علیه ، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم مقالته قلص دمعی حتى ما أحس منه قطرة ، فقلتُ لأبی : أجب عنی رسول الله فیما قال ، قالت : فقال : والله ما أدری ما أقول لرسول الله ، فقلتُ لأمی : أجیبی عنی رسول الله فیما قال ، قالت : والله ما أقول لرسول الله ، قالت : وأنا جاریة حدیثة السن لا أقرأ کثیرًا من القرآن ، فقلتُ : إنی والله لقد علمت أنکم سمعتم بما تُحدِّث به ، وقد قرَّ فی أنفسکم وصدَّقتم به ، ولئن قلتُ لکم : إنی لبـریئة - والله یعلم إنی لبریئة - لا تصدقونی بذلک ، ولئن اعترفت لکم بأمر- الله یعلم أنی منه بریئة - لتصدقنی ، والله ما أجد لی ولکم مثلًا إلا أبا یوسف إذ قال: (فصبر جمیل والله المستعان على ما تصفون) [سورة یوسف آیة (18)] قالت : ثم تحولت على فراشی وأنا أرجـو أن یبرئنـی الله ، ولکن والله ما ظننت أن ینزل فی شأنی وحیٌ یتلى ، وأنا أحقر فی نفسی من أن یتکلم بالقرآن فی أمری ، ولکن کنت أرجو أن یرى نبی الله صلى الله علیه وآله وسلم فی النوم رؤیا تبرئنی ، قالت : فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحدٌ من أهل البیت حتى أنزل علیه ، فأخذه ما کان یأخذه من البرحاء، حتى إنه یتحدر منه مثل الجمان من العرق فی یوم شاتٍ ، قالت :فلمَّا سُرِّی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وهو یضحک ، فکان أول کلمة تکلم بها أن قال : یا عائشة ، احمدی الله ؛ فقد برأک ، قالت لی أمی : قومی إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فقلت : والله أقوم إلیه ولا أحمد إلا الله وأنزل الله(إن الذین جاءوا بالإفک عبة منکم)[سورة النور آیة (11)].
المطلب الخامس : البکاء لفقد مصلحة المسلمین :
قد یبکی الإنسان لفقد مصلحته الشخصیة وهذا کثیر ؛ فالإنسان أنانی بطبعه وجبلَّته ، لکنَّ الصحابة رضوان الله تعالى عنهم بکوا لفقد مصالح الأمة الإسلامیة بجمعها ؛ فهذا عبدالله بن عباس رضی الله عنهما یبکی بسبب عدم تـمکُّن الرسول صلى الله علیه وآله وسلم من کتابة وصیة تمنع المسلمین الضلال أبدًا حتى یُخضب الحصباء کما فی الحدیث ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([29]) من حدیث عبدالله بن عباس رضی الله عنهما أنه قال : یوم الخمیس وما یوم الخمیس ، ثم بکى حتى خضَّب دمعه الحصباء فقال : اشتد برسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وجعه یوم الخمیس فقال : (ائتونی بکتاب أکتب لکم کتابًا لن تضلوا بعده أبدًا) فتنازعوا ولا ینبغی عند نبیٍ تنازعٌ ، فقالوا : هَجَرَ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم !! قال : (دعونی فالذی أنا فیه خیرٌ مما تدعوننی إلیه)...
ولفظ مسلم([30]) : یوم الخمیس وما یوم الخمیس ، ثم جعل تسیل دموعه حتى رأیت على خدیه کأنها نظام اللؤلؤ....
وکذلک أم أیمن رضی الله عنها تبکی بکاءً شدیدًا لانقطاع الوحی بوفاة رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم ؛ فالصحابة رضی الله عنهم لا یبکون لفقد مصالحهم الشخصیة هنا ، بل یبکون لفقد مصالح المسلمین کما فی الحدیث ؛ فقد روى مسلم فی صحیحه([31]) من حدیث أنس رضی الله عنه قال: قال أبو بکر بعد وفاة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لعمر : انطلق بنا إلى أم أیمن نزورها کما کان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یزورها ، قال : فلمَّـا انتهینا إلیها بکت ، فقالا لها : ما یُبکیکِ ؛ فما عند الله خیرٌ لرسوله ؟ قالت : إنی لأعلم أنَّ ما عند الله خیر لرسوله ، ولکن أبکی أنَّ الوحی قد انقطع من السماء ، قال : فهیجتهما على البکاء فجعلا یبکیان معها.
وبکت فاطمة الزهراء رضی الله عنها ؛ لما أخبرها والدها بقرب أجله ؛ فقد أخرج الشیخان فی صحیحیهما([32]) من حدیث عائشة رضی الله عنها قالت : أقبلت فاطمة تمشی کأن مِشیتها مشی النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : مرحبًا بابنتی ، ثم أجلسها عن یمینه أو عن شماله ثم أسر إلیها حدیثًا فبکت ، فقلت لها : لم تبکین ؟ ثم أسر إلیها حدیثًا فضحکت ، فقلت : ما رأیت کالیوم فرحًا أقرب من حزنٍ ، فسألتها عما قال فقالت : ما کنت لأفشی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حتى قبض النبی صلى الله علیه وآله وسلم فسألتها فقالت : أسر إلیَّ أنَّ جبریل کان یعارضنی القرآن کل سنة مرة ، وإنه عارضنی العام مرتین ولا أراه إلا حضر أجلی ، وأنکِ أول أهل بیتی لحاقًا بی ، فبکیت فقال: ( أما ترضین أن تکونی سیدة أهل الجنة أو نساء المؤمنین ) فضحکت لذلک.
وفی روایة عند البخاری فی صحیحه([33]) أنَّ عائشة رضی الله عنها قالت : دعا النبی صلى الله علیه وآله وسلم فاطمة ابنته فی شکواه التی قبض فیها فسارها بشیء فبـکت ، ثم دعاها فسارها فضحکت ، قالت : فسألتها عن ذلک فقالت : سارنی النبی صلى الله علیه وآله وسلم فأخبرنی أنه یقبض فی وجعه الذی توفی فیه فبکیت ، ثم سارنی فأخبرنی أنی أول أهل بیته أتبعه فضحکت.
کما بکى الصدیق رضی الله عنه عند ما فهم قرب موعد وفاة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ؛ فقد أخرج البخاری ومسلم فی صحیحیهما([34]) من حدیث أبی سعید الخدری رضی الله عنه قال : خطب النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقال : ( إنَّ الله خیر عبدًا بین الدنیا وبین ما عنده فاختار ما عند الله ) فبکى أبو بکر رضی الله عنه ، فقلت فی نفسی : ما یبکی هذا الشیخ ، إن یکن الله خیَّر عبدًا بیـن الدنیا وبین ما عنـده فاختار ما عند الله ؟ فکان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم هو العبد ، وکان أبو بکر أعلمنا ...
المطلب السادس : التسلیة بالمصیر الطیب عن البکاء على المیت :
لقد استشهد جماعة مع الصحابة فی حروبهم مع الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وبأمر الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ، لکن کان أهلهم یتسَلَّون عن فقدهم بأنهم شهداء عند الله تبارک وتعالى ، وأم حارثة بن سراقة تستوثق من مصیر ابنها لتتسلى بمصیره إلى الجنة التی أعدها الله لعباده الصالحین أم غیر ذلک فتبکیه کما فی الحدیث.
فقد روى البخاری فی صحیحه([35]) من حدیث أنس رضی الله عنه قال : إنَّ أم حارثة رضی الله عنها([36]) أتت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وقد هلک حارثة([37]) یوم بدر ؛ أصابه سهمٌ غَـرَبٌ([38]) فقالت : یا رسول الله ، قد علمتَ موقع حارثة من قلبی ؛ فإن کان فی الجنة فلم أبکِ علیه ، وإلا فسوف ترى ما أصنع ، فقال لها : هَبُلتِ ، أوجنةٌ واحدةٌ هی ؟! إنها جنان کثیرة ، وإنه فی الفردوس الأعلى.
المطلب السابع : البکاء لفقد المصلحة الخاصة :
کل إنسان یتأثر بفقد مصالحه الشخصیة ، لکن الناس یتفاوتون فی تعبیرهم عن فقدهم لتلک المصالح ؛ فبعضهم یسبقه البکاء فلا یستطیع رده ، وبعضهم یتمـالک نفسه فلا یبکی أصلًا ، وقد بکت أم المؤمنین عائشة رضی الله عنها لما خرجت قاصدة للحج ، فحاضت قبل أن تقضی مناسکها.
فقد روى البخاری ومسلم فی صحیحهما([39]) من حدیث عائشة رضی الله عنها قالت : خرجنا لا نرى إلا الحج ، فلمَّا کنا بسرف حِضتُ ، فدخل علیَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وأنا أبکی قال : (ما لَکِ ؟ نَفُستِ ؟) قلتُ : نعم ، قال : (إنَّ هذا أمر کتبه الله على بنات آدم؛ فاقضی ما یقضی الحاج غیر أن لا تطوفی بالبیت).
المبحث الثانی
البکاء خشوعًا لله تبارک وتعالى ، ومـحاسبةً للنفس
واستشعار ثقل الحساب یوم القیامة والخوف من النار
إنَّ البکاء خشوع لله تبارک وتعالى لا یکون إلا من المسلم الصادق المحاسب لنفسه ؛ فإنه یبکی لخوفه من النار ؛ مستشعرًا قلة عمله الصالح ، وقد ذکر القرآن الکریم فی وصف نبی الله إبراهیم علیه السلام قوله : (إن ابراهیم لأواه حلیم) [سورة التوبة : ١١٤] وقد جاء تفسیر (الأوَّاه) فی صحیح البخاری([40]) قوله : (الأوَّاه : الـمتضرع کثیر الدعاء والبکاء). وقد أخرج أحـمد ابن حنبل فی کتاب الزهد([41]) أنَّ النَّبِیّ صلى الله علیه وآله وسلم نزل علیه جبریل وعنده رجل یبـکی فقال : مَن هذا ؟ قال : فلان ، قال جبریل : إنا نزن أعمـال بنی آدم کلها إلا البکاء ؛ فإنَّ الله یطفئ بالدمعة نهورًا من نیران جهنم.
ویتکون هذا المبحث من ستة مطالب :
المطلب الأول :
بکاء الرسول صلى الله علیه وآله وسلم فی الصلاة ، وبکاء الصحابة رضی الله تعالى عنهم:
کان نبینا صلى الله علیه وآله وسلم یبکی فی الصلاة خشوعًا لله تبارک وتعالى ، وبکى صحابته الکرام رضوان الله تعالى عنهم ؛ فقد روى الترمذی فی الشمائل([42]) من حدیث عبدالله بن الشخیر رضی الله عنه قال : أتیت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وهو یصلی ولجوفه أزیز کأزیز المرجل من البکاء. بل طال قیام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وبکاؤه لیلة بدرٍ ؛ یُناشد الحقَّ تبارک وتعالى؛ فقد روى الأصبهانی([43]) من حدیث رضی الله عنه قال : لقد رأیتنا وما فینا قائم إلا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم تحت شجرةٍ یُصلی ویبکی ، حتى أصبح.
کما کان الصدیق رضی الله عنه لا یملک عینیه إذا قرأ القرآن ، فیسبقه البکاء کما جاء ذلک فی أکثر من حدیث ؛ فمنها :
1- روى البخاری فی صحیحه([44]) من حدیث عائشة رضی الله عنها قالت : لم أعقل أبوی إلا وهما یدینان الدین ، ولم یمر علینا یوم إلا یأتینا فیه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم طرفی النهار بکرة وعشیة ، ثم بدا لأبی بکر فابتنى مسجدًا بفناء داره ، فکان یصلی فیه ویقرأ القرآن ، فیقف علیه نساء المشرکین وأبناؤهم یعجبون منه وینظرون إلیه ، وکان أبو بکر رجلًا بکاء لا یملک عینیه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلک أشراف قریش من المشرکین.
2- روى البخاری فی صحیحه([45]) من حدیث عائشة رضی الله عنها أنها قالت : إنَّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال فی مرضه : (مروا أبا بکر یصلی بالناس) قالت عائشة: قلت: إنَّ أبا بکر إذا قام مقامک لم یُسمع الناس من البکاء فمر عمر فلیصل للناس ، فقالت عائشة: فقلت لحفصة : قولی له : إنَّ أبا بکر إذا قام فی مقامک لم یُسمع الناس من البکاء ، فمر عمر فلیصل للناس ، ففعلتْ حفصة فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: مه ، إنکن لأنتنَّ صواحب یوسف..
3- روى مسلم فی صحیحه([46]) من حدیث عائشة رضی الله عنها قالت : لما دخل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بیتی قال : مروا أبا بکر فلیصل بالناس ، قالت : فقلت : یا رسول الله ، إنَّ أبا بکر رجل رقیق إذا قرأ القرآن لا یملک دمعه ، فلو أمرت غیر أبی بکر ، قالت : والله ما بی إلا کراهیة أن یتشاءم الناس بأول مَن یقوم فی مقام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، قالت : فراجعته مرتین أو ثلاثا ، فقال : لیصل بالناس أبو بکر ؛ فإنکن صواحب یوسف.
کما بکى عمر بن الخطاب رضی الله عنه فی الصلاة ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([47]) أنَّ عبدالله بن شداد رضی الله عنه قال : سمعت نشیج([48]) عمر وأنا فی آخر الصفوف یقرأ(إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله) [سورة یوسف: ٨٦].
وبکى أنس بن مالک رضی الله عنه لتضییع الصلاة فی وقته ؛ مصداقًا لحدیث رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فیما یرویه أحمد ابن حنبل([49]) من حدیث أبی أمامة الباهلی رضی الله عنه عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال : (لینقضنَّ عرى الإسلام عروة عروة ؛ فکلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتی تلیها ؛ أولهنَّ نقضًا الحکم وأخرهنَّ الصلاة) ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([50]) أنَّ الزهری قال : دخلت على أنس بن مالک رضی الله عنه بدمشق وهو یبکی ، فقلت : ما یبکیک ؟ فقال : لا أعرف شیئًا مما أدرکتُ إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاةُ قد ضُیِّعت.
المطلب الثانی : البکاء عند تلاوة وسماع القرآن :
لقد أفرد البخاری فی صحیحه بابًا مستقلًا بعنوان (باب البکاء عند قراءة القرآن)([51]) ، وعَنْوَنَ النووی لأحادیث صحیح مسلم بعنوان (باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع والبکاء عند القراءة والتدبر)([52]) ولقد بکى نبینا صلى الله علیه وآله وسلم عند سماعه للقرآن الکریم ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([53]) من حدیث عبد الله بن مسعود رضی الله عنه قال : قال لی النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (اقرأ علیَّ) قلتُ : آقرأ وعلیک أنزل؟! قال : (فإنی أحبُ أنْ أسمعه من غیری) . فقرأت علیه سورة النساء حتى بلغت (فکیف إذا جئنا من کل أمة بشهید وجئنا بک على هؤلاء شهیدا) [النساء:41] قال:(أمسک) فإذا عیناه تذرفان.
ولقد اقتدى الصحابة الکرام رضی الله عنهم بنبیهم ؛ فعن عبدالله بن عروة بن الزبیر قال : قلت لجدتی أسماء : کیف کان أصحاب رسول الله صلى الله علیه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت: "تدمع أعینهم ، وتقشعر جلودهم کما نعتهم الله"([54]) قال : قلت : فإنَّ ناسًا هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خرَّ مغشیًا علیه ، قالت: "أعوذ بالله من الشیطان الرجیم".([55])
المطلب الثالث : البکاء عند سماع الموعظة :
کان نبینا صلى الله علیه وآله وسلم یعظ الصحابة رضی الله عنهم حتى یبکون من خشیة الله تبارک وتعالى وخوفه ، ولقد عقد البخاری عنوانًا خاصًا لباب من أبوابه فقال : (باب البکاء من خشیة الله)([56]) وقد أکثر الرسول صلى الله علیه وآله وسلم من وعظ الصحابة رضی الله عنهم ، وکانوا یبکون من خشیة الله تبارک وتعالى کما فی الأحادیث الآتیة :
1- أخرج البخاری ومسلم فی صحیحیهما([57]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه أن النبی صلى الله علیه وآله وسلم خرج حین زاغت الشمس فصلى الظهر، فلمَّا سلم قام على المنبر فذکر الساعة وذکر أن بین یدیها أمورًا عظامًا ثم قال:(من أحب أن یسأل عن شیء فلیسأل عنه، فوالله لا تسألونی عن شیء إلا أخبرتکم به ما دمت فی مقامی هذا).قال أنس: فأکثر الناس البکاء وأکثر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أن یقول : سلونی ....
2- أخرج البخاری ومسلم فی صحیحیهما([58]) من حدیث أنس رضی الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال : ( لو تعلمون ما أعلم؛ لضحکتم قلیلًا ، ولبکیتم کثیرًا ) قال : فغطى أصحاب رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وجوههم لهم خنین([59])...
المطلب الرابع : البکاء خشیة من الله :
المسلم دومًا یُحاسب نفسه ، ویندم على ذنبه ، ویَـخشى عقاب ربه تبارک وتعالى ؛ لذلک ذکر الإمام أحمد ابن حنبل فی الزهد([60]) أنَّ الله عز وجل لما عاتب نوحًا علیه السلام فی ابنه فأنزل علیه : (إنی أعظک أن تکون من الجاهلین) [سورة هود: 46] فبکى ثلاث مِئَة عام حتى صار تحت عینیه مثل الجدول من البکاء ، کما نجد عمر بن الخطاب رضی الله عنه یوم أن تسرع فی حکمه على حاطب بن أبی بلتعة رضی الله عنه فحکم علیه بأنه قد نافق وطلب أن یضرب عنقه حتى رده الرسول صلى الله علیه وآله وسلم عن فعله وذکره بأنه من أهل بدر ، دمعت عیناه خوفًا من الذنب وخشیة من العقاب ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([61]) من حدیث علی رضی الله عنه قال : بعثنی الرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وأبا مرثد الغنوی والزبیر بن العوام وکلنا فارس قال : (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ؛ فإن بها امرأة من المشرکین معها کتاب من حاطب بن أبی بلتعة إلى المشرکین) فأدرکناها تسیر على بعیرٍ لها حیث قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقلنا : الکتاب ، فقالت : ما معنا کتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر کتابًا ، فقلنا : ما کذب رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ؛ لتخرجنَّ الکتاب أو لنجردنَّک ، فلمَّا رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهی محتجزة بکساء فأخرجته ، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقال عمر : یا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلأضرب عنقه. فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (ما حملک على ما صنعت ؟) قال حاطب : والله ، ما بی أن لا أکون مؤمنًا بالله ورسوله ؛ أردت أن یکون لی عند القوم یدٌ ؛ یدفع الله بها عن أهلی ومالی ولیس أحد من أصحابک إلا له هناک من عشیرته من یدفع الله به عن أهله وماله. فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (صدق ولا تقولوا له إلا خیرًا) فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلأضرب عنقه. فقال : (ألیس من أهل بدر؟) فقال : (لعل الله اطلع إلى أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لکم الجنة ، أو فـقد غفرت لکم) فدمعت عینا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم.
کما روى البخاری ومسلم فی صحیحهما([62]) من حدیث أبی هریرة رضی الله عنه فی قصة السبعة الذین یظلهم الله فی ظل عرشه ، ومنهم (ورجلٌ ذکر الله خالیًا ففاضت عیناه).
وبکى عمر بن الخطاب خشیة الذنب کما روى البخاری ومسلم ذلک فی صحیحیهما([63]) من حدیث أبی هریرة رضی الله عنه قال : بینا نحن عند رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم إذ قال : ( بینا أنا نائم رأیتنی فی الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب فذکرت غیرته فولیت مدبرًا ) . فبکى عمر وقال : أعلیک أغار یا رسول الله؟!.
کما بکى عمرو بن العاص رضی الله عنه خوفًا من الله ؛ فقد أخرج مسلم فی صحیحه([64]) أنَّ ابن شماسة المهری قال : حضرنا عمرو بن العاص وهو فی سیاقة الموت فبکى طویلًا وحوَّل وجهه إلى الجدار فجعل ابنه یقول : یا أبتاه ، أما بشَّرک رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بکذا؟ أما بشَّرک رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بکذا ؟ قال : فأقبل بوجهه فقال : إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؛ إنی قد کنت على أطباق ثلاث ؛ لقد رأیتنی وما أحد أشد بغضًا لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم منی ولا أحب إلیَّ أن أکون قد استمکنت منه فقتلته ، فلو مت على تلک الحال لکنت من أهل النار ، فلما جعل الله الإسلام فی قلبی ، أتیت النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقلت : ابسط یمینک فلأبایعک فبسط یمینه ، قال : فقبضت یدی ، قال : مالک یا عمرو ؟ قال : قلت : أردت أن أشترط ، قال : تشترط بماذا ؟ قلت : أن یغفر لی ، قال : أما علمت أنَّ الإسلام یهدم ما کان قبله ، وأنَّ الهجرة تهدم ما کان قبلها ، وأنَّ الحج یهدم ما کان قبله ، وما کان أحد أحب إلیَّ من رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، ولا أجلَّ فی عینی منه وما کنت أطیق أن أملأ عینی منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأنی لم أکن أملأ عینی منه ، ولو مت على تلک الحال لرجوت أن أکون من أهل الجنة ، ثم ولینا أشیاء ما أدری ما حالی فیها...
وبکى سعد بن أبی وقاص رضی الله عنه خشیة أن یموت بمکة ؛ فقد أخرج مسلم فی صحیحه([65]) عن ثلاثة من ولد سعد کلهم یحدثه عن أبیه أنَّ النبی صلى الله علیه وآله وسلم دخل على سعد یعوده بمکة فبکى ، قال : ( ما یبکیک ؟ ) فقال : قد خشیت أن أموت بالأرض التی هاجرت منها کما مات سعد بن خولة ، فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : ( اللهم اشف سعدًا، اللهم اشف سعدًا ) ثلاث مرار...
وبکى کعب بن مالک رضی الله عنه بسبب تخلفه عن غزوة تبوک ؛ کما روى البخاری ومسلم ذلک فی صحیحیهما([66]) فقال : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی غزوة غزاها إلا فی غزوة تبوک ، غیر أنی کنت تخلفت فی بدر ولم یعاتب أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یرید عیر قریش حتى جمع الله بینهم وبین عدوهم على غیر میعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لیلة العقبة حین تواثقنا على الإسلام وما أحب أنَّ لی بها مشهد بدر وإن کانت بدر أذکر فی الناس منها ، کان من خبری أنی لم أکن قط أقوى ولا أیسر حین تخلفت عنه فی تلک الغزاة ، والله ما اجتمعت عندی قبله راحلتان قط حتى جمعتهما فی تلک الغزوة ، ولم یکن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یرید غزوة إلا وَرَّى بغیرها حتى کانت تلک الغزوة ، غزاها رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی حرٍ شدیدٍ ، واستقبل سفرًا بعیدًا ومفازا وعدوًا کثیرًا ، فجلى للمسلمین أمرهم ؛ لیتأهبوا أهبة غزوهم ، فأخبرهم بوجهه الذی یرید ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کثیر ، ولا یجمعهم کتاب حافظ یرید الدیوان.
قال کعب : فما رجل یرید أن یتغیب إلا ظن أن سیخفى له ما لم ینزل فیه وحی الله ، وغزا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم تلک الغزوة حین طابت الثمار والظلال ، وتجهز رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم والمسلمون معه ، فطفقت أغدو لکی أتجهز معهم فأرجع ولم أقضِ شیئًا، فأقول فی نفسی : أنا قادر علیه فلم یزل یتمادى بی حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول صلى الله علیه وآله وسلم والمسلمون معه ولم أقضِ من جهازی شیئًا ، فقلت : أتجهز بعده بیوم أو یومین ثم ألحقهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقضِ شیئًا، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقضِ شیئًا ، فلم یزل بی حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، وهممتُ أن أرتحل فأدرکهم ولیتنی فعلت فلم یقدر لی ذلک ، فکنت إذا خرجت فی الناس بعد خروج رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فطفت فیهم أحزننی أنی لا أرى إلا رجلًا مغموصًا علیه النفاق ، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء ، ولم یذکرنی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حتى بلغ تبوک ، فقال وهو جالس فی القوم بتبوک : ( ما فعل کعب؟ ) فقال رجل من بنی سلمة : یا رسول الله حبسه برداه ونظره فی عطفیه. فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله یا رسول الله ما علمنا علیه إلا خیرًا . فسکت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
قال کعب بن مالک : فلما بلغنی أنه توجه قافلا حضرنی همی ، وطفقت أتذکر الکذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا ، واستعنت على ذلک بکل ذی رأی من أهلی ، فلما قیل : إن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قد أظل قادمًا زاح عنی الباطل ، وعرفت أنی لن أخرج منه أبدًا بشیء فیه کذب ، فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قادمًا ، وکان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فیرکع فیه رکعتین ثم جلس للناس ، فلمَّـا فعل ذلک جاءه المخلفون فطفقوا یعتذرون إلیه ویحلفون له ، وکانوا بضعة وثمانین رجلا ، فقبل منهم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم علانیتهم وبایعهم واستغفر لهم ووکل سرائرهم إلى الله ، فجئته فلمَّـا سلمتُ علیه تبسَّمَ تَبسُّم المغضب ثم قال : ( تعال ) فجئت أمشی حتى جلست بین یدیه فقال لی : ( ما خلفک ألم تکن قد ابتعت ظهرک؟ ) فقلت: بلى إنی والله - یا رسول الله - لو جلست عند غیرک من أهل الدنیا لرأیت أن سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أُعطیتُ جدلا ، ولکنی والله لقد علمت لئن حدثتک الیوم حدیث کذب ترضى به عنی لیوشکن الله أن یسخطک علیَّ ، ولئن حدثتک حدیث صدق تجد علیَّ فیه إنی لأرجو فیه عفو الله ، لا والله ما کان لی من عذر ، والله ما کنت قط أقوى ولا أیسر منی حین تخلفت عنک ، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : ( أما هذا فقد صدق ، فقم حتى یقضی الله فیک ) فقمت وثار رجال من بنی سلمة فاتبعونی فقالوا لی : والله ما علمناک کنت أذنبت ذنبًا قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تکون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بما اعتذر إلیه المتخلفون ، قد کان کافیک ذنبک استغفار رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لک.
فوالله ما زالوا یؤنبوننی حتى أردت أن أرجع فأکذِّب نفسی ثم قلت لهم : هل لقی هذا معی أحد ؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل ما قلت ، فقیل لهما مثل ما قیل لک ، فقلت : مَن هما ؟ قالوا مرارة بن الربیع العمری وهلال بن أمیة الواقفی ، فذکروا لی رجلین صالحین قد شهدا بدرًا ، فیهما أسوة ، فمضیت حین ذکروهما لی ، ونهى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم المسلمین عن کلامنا أیها الثلاثة من بین مَن تخلَّف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغیروا لنا حتى تنکرتْ فی نفسی الأرض ، فما هی التی أعرف ، فلبثنا على ذلک خمسین لیلة ؛ فأما صاحبای فاستکانا وقعدا فی بیوتهما یبکیان ، وأما أنا فکنت أشب القوم وأجلدهم ، فکنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمین وأطوف فی الأسواق ولا یکلمنی أحد ، وآتی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فأسلم علیه وهو فی مجلسه بعد الصلاة ، فأقول فی نفسی : هل حرَّک شفتیه برد السلام علیَّ أم لا ؟ ثم أصلی قریبًا منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتی أقبل إلیَّ، وإذا التفتُ نحوه أعرض عنی ، حتى إذا طال علیَّ ذلک من جفوة الناس مشیت حتى تسورت جدار حائط أبی قتادة - وهو ابن عمی وأحب الناس إلیَّ - فسلمت علیه ، فوالله ما رد علیَّ السلام ، فقلت : یا أبا قتادة أنشدک بالله هل تعلمنی أحب الله ورسوله ؟ فسکت ، فعدت له فنشدته فسکت ، فعدت له فنشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عینای وتولیت حتى تسورت الجدار...
المطلب الخامس : البکاء خشیة عدم الشکر للنعم :
إنَّ المسلم لا یغیب عنه شکر نعم الله علیه تعالى علیه(وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم کفار) [سورة إبراهیم :34] وخیر من شکر الله حق شکره الصحابة الکرام ؛ فلقد بکى أبی ابن کعب رضی الله عنه لما خصه الله تبارک وتعالى بأن یقرأ رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم علیه القرآن الکریم ؛ خشیة أن لا یؤدی شکر تلک النعمة علیه ؛ فقد أخرج الشیخان فی صحیحیهما([67]) من حدیث أنس بن مالک رضی الله عنه قال : قال النبی صلى الله علیه وآله وسلم لأبی : ( إنَّ الله یأمرنی أن أقرأ علیک (لم یکن الذین کفروا من أهل الکتاب والمشرکین منفکین حتى تأتیهم البینة) [سورة البینة :1] قال : وسمَّانی؟! قال : ( نعم ) . فبکى.
المطلب السادس : بکاء الحنین والشوق للرسول صلى الله علیه وآله وسلم :
إنَّ البعد المکانی والزمانی عن رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم موجب للحسرة والتألم عند المؤمنین الصادقین ؛ فالمؤمن حقًا یتمنى لو کان ممن شرفه الله برؤیة نبیه صلى الله علیه وآله وسلم ، وإذ لم یتحقق له ذلک فإنه یتمنى لو کان یسکن قریبًا من المدینة التی فیها رسولنا صلى الله علیه وآله وسلم ؛ فیرى ما ذکر فی کتب السنة مِن آثاره وأخباره ، ولقد بکى الصحابة الکرام رضوان الله تعالى عنهم ؛ لبعدهم عن الرسول صلى الله علیه وآله وسلم فی مهام أرسلهم هو لها ؛ فقد روى الطبرانی فی معجمه الکبیر([68]) أنَّ معاذ بن جبل رضی الله عنه لمَّا بعثه النبی صلى الله علیه وآله وسلم إلى الیمن ، خرج معه النبی صلى الله علیه وآله وسلم یوصیه ، ومعاذ راکب ورسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یمشی تحت راحلته ، فلمَّا فرغ قال : یا معاذ ؛ إنک عسى أن لا تلقانی بعد عامی هذا ، ولعلک أنْ تـمر بمسجدی وقبری ، فبکى معاذ بن جبل رضی الله عنه جشعًا ؛ لفراق رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم : لا تبکِ یا معاذ ؛ فإنَّ البکاء من الشیطان.
ولقد حنَّ إلى نبینا حتى الجمادات ؛ فقد روى البخاری فی صحیحه([69]) من حدیث عبدالله ابن عمر رضی الله عنهما قال : کان النبی صلى الله علیه وآله وسلم یخطب إلى جذعٍ، فلمَّـا اتخذ المنبر تحول إلیه ، فحنَّ الجذع ، فأتاه یمسح یده علیه.
وحتى الحیوانات کانت تبکی وتشتکی عند رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم مما حلَّ بها؛ فقد أخرج الحاکم فی مستدرکه([70]) من حدیث مرة بن یعلى رضی الله عنه فی حدیث طویل وفیه قال : (ثم أتاه – أی : الرسول صلى الله علیه وآله وسلم - بعیرٌ فقام بین یدیه فرأى عینیه تدمعان ، فبعث إلى أصحابه فقال : ما لبعیرکم هذا یشکوکم ؟ فقالوا : کنا نعمل علیه ، فلمَّا کبر و ذهب عمله تواعدنا علیه لننحره غدًا ، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : (لا تنحروه و اجعلوه فی الإبل یکون معها).
المطلب السابع : البکاء خوفًا من الحساب :
من دواعی العمل الصالح ودوافعه محاسبة النفس ولومها على التقصیر فی القربات ، وتخویفها بالحساب یوم القیامة ، وقد روى البخاری ومسلم فی صحیحهما([71]) من حدیث عبد الله بن عمر رضی الله عنهما قال : اشتکى سعد بن عبادة رضی الله عنه شکوى له ، فأتاه النبی صلى الله علیه وآله وسلم یعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبی وقاص وعبدالله بن مسعود رضی الله عنهم ، فلمَّا دخل علیه فوجده فی غاشیة أهله([72]) فقال : (قد قضى؟) قالوا : لا یا رسول الله ، فبکى النبی صلى الله علیه وآله وسلم ، فلمَّـا رأى القوم بکاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم بکوا فقال : (ألا تسمعون ؛ إنَّ الله لا یعذب بدمع العین ، ولا بحزن القلب ، ولکن یعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو یرحم ، وإنَّ المیت یعذب ببکاء أهله علیه).
وروى البخاری فی صحیحه([73]) أنَّ عبد الرحمن بن عوف رضی الله عنه أتیَ بطعام وکان صائمًـا فقال : قتل مصعب بن عمیر وهو خیر منی ؛ کفن فی بردة إن غطی رأسه بدت رجلاه وإن غطی رجلاه بدا رأسه. وأراه قال : وقتل حـمزة وهو خیر منی ، ثم بسط لنا من الدنیا ما بسط أو قال: أعطینا من الدنیا ما أعطینا ، وقد خشینا أن تکون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل یبکی حتى ترک الطعام.
المطلب الثامن : البکاء عند زیارة القبور :
لا شک أنَّ القبر أول منازل الآخرة ، فینبغی للمسلم أن یتعظ عند زیارته للقبور أو المرور بها ؛ أسوة بالرسول صلى الله علیه وآله وسلم ؛ فقد أخرج مسلم فی صحیحه([74]) من حدیث أبی هریرة رضی الله عنه قال : زار النبی صلى النبی صلى الله علیه وآله وسلم قبر أمه فبکى وأبکى مَنْ حوله ، فقال : استأذنت ربی فی أن أستغفر لها فلم یؤذن لی ، واستأذنته فی أن أزور قبرها فأذن لی ، فزوروا القبور ؛ فإنها تذکر الموت.
خاتمة البحث والنتائج والتوصیات :
لا یسعنی فی خاتمة هذا البحث المتواضع إلا أن أحمد الله على توفیقه ، وأسأله أن یکرمنی بقلبٍ خاشعٍ ، وعلم نافعٍ ، وعینٍ تدمع من خشیة الله ، ویمکن أن نلخص نتائج البحث بالآتی :
1- تدبر القرآن الکریم.
2- محاسبة النفس.
3- الإنصات إلى الموعظة.
4- الخشوع فی الصلاة.
5- استشعار الذنب والخوف منه.
6- زیارة القبور.
أما التوصیات فیمکن تلخیصها بالآتی :
وصلى الله على نبینا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمین.
مراجع البحث ومصادره
1- أخلاق النبی صلى الله علیه وآله وسلم وآدابه / الأصبهانی ، أبو محمد عبدالله بن محمد بن جعفر المشهور بأبی الشیخ الأصبهانی ، تحقیق : عصام الدین سید الصبابطی ، ط2 ، القاهرة ، الدار الـمصریة اللبنانیة ، 1413هـ - 1993م.
2- الاستیعاب فی معرفة الأصحاب / ابن عبد البر ، أبو عمر یوسف بن عبد الله القرطبی النمری ، تعلیق: عادل مرشد ، ط1 ، الأردن (عمَّـان) ، دار الأعلام ، 1423هـ - 2002م.
3- التعریفات / الجرجانی ، علی بن محمد بن علی ، تحقیق : إبراهیم الأبیاری ، ط1 ، بیروت ، دار الکتاب العربی ، 1405هـ.
4- التوقیف على مهمات التعاریف / المناوی ، محمد عبد الرؤوف ، تحقیق : الدکتور محمد رضوان الدایة ، ط1 ، بیروت – دمشق ، دار الفکر المعاصر - دار الفکر ، 1410هـ.
5- الزهد / الشیبانی ، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل البغدادی (د . ط) بیروت ، دار الکتب العلمیة ، (د . ت).
6- شعب الإیمان/ البیهقی ، أبوبکر أحمد بن الحسین البیهقی ، تحقیق : محمد السعید بسیونی زغلول. ط1 ، بیروت ، دار الکتب العلمیة ، 1410هـ.
7- الشمائل المحمدیة والخصائل المصطفویة / الترمذی ، أبو عیسى محمد بن عیسى بن سورة ، تـحقیق : سید عباس الجلیمی ، ط1 ، بیروت ، مؤسسة الکتب الثقافیة ، 1412هـ.
8- صحیح البخاری / البخاری ، أبو عبدالله محمد بن إسماعیل الجعفی ، تحقیق : الدکتور مصطفى دیب البغا ، ط3 ، بیروت ، دار ابن کثیر – الیمامة، 1407هـ - 1987م.
9- صحیح مسلم / القشیری ، أبو الحسین مسلم بن الحجاج القشیری النیسابوری ، تحقیق : محمد فؤاد عبد الباقی ، (د .ط) ، بیروت ، دار إحیاء التراث العربی ، (د .ت).
10- غریب الحدیث ، ابن سلام / تحقیق : الدکتور محمد عبدالمعید خان أستاذ آداب اللغة العربیة بالجامعة العثمانیة ، ط1 ، مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدکن الهند ، 1384 هـ - 1964م.
11- فتح الباری شرح صحیح البخاری / ابن حجر العسقلانی ، أبو الفضل أحمد بن علی الشافعی ، (د .ط) ، بیروت ، دار المعرفة ، 1379هـ.
12- لسان العرب / ابن منظور ، مـحمد بن مکرم الأفریقی الـمصری ، ط1 ، بیروت ، دار صادر ، (د . ت).
13- المستدرک على الصحیحین / الحاکم ، أبو عبدالله محمد بن عبدالله النیسابوری ، تحقیق: مصطفى عبد القادر عطا ، ط1 ، بیروت ، دار الکتب العلمیة ، 1411 – 1990م.
14- مسند الإمام أحمد ابن حنبل / الشیبانی ، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل البغدادی ، تـحقیق : شعیب الأرنؤوط ، (د .ط) ، القاهرة ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، (د . ت).
15- الـمعجم الکبیر / الطبرانی ، أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب ، تحقیق : حمدی بن عبد المجید السلفی ، ط2 ، الموصل ، مکتبة العلوم والحکم ، 1404هـ – 1983م.
([12]) أبو یوسف : هو البراء بن أوس بن خالد ، واسم زوجته التی أرضعت إبراهیم علیه السلام (أم بردة). الاستیعاب فی معرفة الأصحاب ، لابن عبد البر (79)
([37]) حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدی قتله حبان بن العرقة بسهم وهو یشرب من الحوض ، وهو أول قتیل ببدر من الأنصار. الاستیعاب فی معرفة الأصحاب ، لابن عبد البر (141).
([38]) السهم الغرب - بفتح الراء - : السهم الذی لا یعرف رامیه ، فإذا عرف رامیه فلیس بغرب. غریب الحدیث ، لابن سلام (4/344).
([48]) نشج الباکی : إذا غص بالبکاء فی حلقه أو تردد فی صدره ولم ینتحب ؛ أی : لم یخرج صوتًا ، وقیل: النشیج: أشد البکاء.
([54]) یشیر إلى قوله تعالى فی سورة الزمر آیة (23) : (الله نزل أحسن الحدیث کتابا متشابها مثانی تقشعر منه جلود الذین یخشون ربهم ثم تلین جلودهم وقلوبهم إلى ذکر الله ذلک هدى الله یهدی به من یشاء ومن یضلل الله فما له من هاد)