تأصيل مبدأ إدارة الجودة الشاملة ورقة بحثية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

السعودية

المستخلص

إن من سنن الکون التبدّل والتغير والتجديد، يرافقها عادةً سلوکٌ بإنسانيّ يتّبع الحديث ويعظّمه ويترک القديم ويهمّشه، مواکبةً للحاضر وزهدًا في الماضِ. لکن الحاذق ذي البصيرة، يدرک أن حاضره إنما هو امتدادٌ لماضيه، وسبيل يوصله لمستقبله، فيسعى لتعظيم عظماء تاريخه، وقراءة سيرهم و الاستشهاد بإنجازاتهم والفخر بصنائعهم. خاصة إذا ما کان ذو تاريخ عريق، وحضارة تصدرت أمهات کتب التاريخ شرقاً وغربًا کحضارة الدولة الإسلامية. حضارة تمتاز بصحة السند وضبط الرواية. منشأها خالق الأکوان، وقائدها المصطفى المختار، سيّد المرسلين، خير البريّة أجمعين، وأوائل متبعيها خير البشرية، أعظم العظماء بعد الأنبياء.
ولا يخفى على ذي لبيبة، أن تصدّر الحضارة الإسلامية لحضارات العالم حين ازدهارها لم يکن سوى نجاح نابع من عمق اليقين والإيمان في صدور الصحابة، وتطبيقهم لمبادئ الشريعة الإسلامية التي سمت بهم سموّا أوصلهم عنان السماء، ونثر انجازاتهم عليها نثر النجوم، مستمرة التوهّج، حقيقية الوجود، جليّة للعيان رغم المسافات.
ومن حسنات العلم الحديث، أن جاء مفهوم التأصيل للبحث في أصول العلوم الإنسانية عبر التاريخ. فنظريات الإدارة الحديثة وأساليبها لا تعدو عن کونها صوراً حديثة لممارسات وسلوکيات بشرية عبر التاريخ. فالحديث عن مبدأ الجودة –على سبيل المثال- وممارساته يعود بنا إلى خمسينيات القرن الماضي حين تجاذبت أمريکا و اليابان هذا المفهوم المعاصر ووضعوا له النظريات. لکنّ تأصيل الجودة يأخذنا إلى ما قبل ذلک بکثير؛ ففي قانون حامورابي –الحضارة البابلية في العراق-  مسلة تشتمل على ٢٨٢ قانوناً أتى في مقدمتها ما أولى للجودة والإتقان في العمل أهمية خاصة. (الفلکاوي، ٢٠١٥). "حيث يلزم من يقدم سلعاً غير جيدة أو ناقصة القيمة أن يقوم بإصلاح العيب. کما نصّت أحد قوانين المسلة (إذا کان بنّاءً قد بني بيتًا لرجل ولم يحسن عمله، بحيث انهار البيت الذي بناه و سبب في موت صاحبه فسوف يقتل ذلک البنّاء)." (بوکميش، ٢٠١١،ص٢٥)
ومن هنا نرى أن انشغال المؤسسات التربوية في تطبيق مفهوم الجودة والعمل على تطويرها وفق متطلبات العصر الحديث، واعتبارها أمراً مستحدثًا يتطلب تغيير يبدأ بالدوافع وينتهي بالأدوار الإدارية قد أُهمل معه النظر إلى الجانب الشرعي الأصيل الداعي لإتقان العمل وتجويده، قال سبحانه في محکم کتابه ﴿صُنعَ الله الذي أتقنَ کلَّ شيء إنهُ خبيرٌ بما تفعلُون﴾ (النمل:٨٨) وجاءت السنّة النبوية لتؤکد على هذا الأمر، فروي عن رسول الله ﷺ قوله          (إن الله تعالى يحبُّ إذا عمل أحدکم عملاً أن يتقنه) (البيهقي،١٤١٣).

الموضوعات الرئيسية


 

 

                             کلیة التربیة

   کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم

  إدارة: البحوث والنشر العلمی ( المجلة العلمیة)

                 =======

 

تأصیل مبدأ إدارة الجودة الشاملة

ورقة بحثیة

 

 

إعــــــــــداد

خواطر بنت محمد الخویطر

 

 

 

 

 

}     المجلد السادس والثلاثون– العدد الرابع -  أبریل 2020م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

مقدمة

إن من سنن الکون التبدّل والتغیر والتجدید، یرافقها عادةً سلوکٌ بإنسانیّ یتّبع الحدیث ویعظّمه ویترک القدیم ویهمّشه، مواکبةً للحاضر وزهدًا فی الماضِ. لکن الحاذق ذی البصیرة، یدرک أن حاضره إنما هو امتدادٌ لماضیه، وسبیل یوصله لمستقبله، فیسعى لتعظیم عظماء تاریخه، وقراءة سیرهم و الاستشهاد بإنجازاتهم والفخر بصنائعهم. خاصة إذا ما کان ذو تاریخ عریق، وحضارة تصدرت أمهات کتب التاریخ شرقاً وغربًا کحضارة الدولة الإسلامیة. حضارة تمتاز بصحة السند وضبط الروایة. منشأها خالق الأکوان، وقائدها المصطفى المختار، سیّد المرسلین، خیر البریّة أجمعین، وأوائل متبعیها خیر البشریة، أعظم العظماء بعد الأنبیاء.

ولا یخفى على ذی لبیبة، أن تصدّر الحضارة الإسلامیة لحضارات العالم حین ازدهارها لم یکن سوى نجاح نابع من عمق الیقین والإیمان فی صدور الصحابة، وتطبیقهم لمبادئ الشریعة الإسلامیة التی سمت بهم سموّا أوصلهم عنان السماء، ونثر انجازاتهم علیها نثر النجوم، مستمرة التوهّج، حقیقیة الوجود، جلیّة للعیان رغم المسافات.

ومن حسنات العلم الحدیث، أن جاء مفهوم التأصیل للبحث فی أصول العلوم الإنسانیة عبر التاریخ. فنظریات الإدارة الحدیثة وأسالیبها لا تعدو عن کونها صوراً حدیثة لممارسات وسلوکیات بشریة عبر التاریخ. فالحدیث عن مبدأ الجودة –على سبیل المثال- وممارساته یعود بنا إلى خمسینیات القرن الماضی حین تجاذبت أمریکا و الیابان هذا المفهوم المعاصر ووضعوا له النظریات. لکنّ تأصیل الجودة یأخذنا إلى ما قبل ذلک بکثیر؛ ففی قانون حامورابی –الحضارة البابلیة فی العراق-  مسلة تشتمل على ٢٨٢ قانوناً أتى فی مقدمتها ما أولى للجودة والإتقان فی العمل أهمیة خاصة. (الفلکاوی، ٢٠١٥). "حیث یلزم من یقدم سلعاً غیر جیدة أو ناقصة القیمة أن یقوم بإصلاح العیب. کما نصّت أحد قوانین المسلة (إذا کان بنّاءً قد بنی بیتًا لرجل ولم یحسن عمله، بحیث انهار البیت الذی بناه و سبب فی موت صاحبه فسوف یقتل ذلک البنّاء)." (بوکمیش، ٢٠١١،ص٢٥)

ومن هنا نرى أن انشغال المؤسسات التربویة فی تطبیق مفهوم الجودة والعمل على تطویرها وفق متطلبات العصر الحدیث، واعتبارها أمراً مستحدثًا یتطلب تغییر یبدأ بالدوافع وینتهی بالأدوار الإداریة قد أُهمل معه النظر إلى الجانب الشرعی الأصیل الداعی لإتقان العمل وتجویده، قال سبحانه فی محکم کتابه ﴿صُنعَ الله الذی أتقنَ کلَّ شیء إنهُ خبیرٌ بما تفعلُون﴾ (النمل:٨٨) وجاءت السنّة النبویة لتؤکد على هذا الأمر، فروی عن رسول الله ﷺ قوله          (إن الله تعالى یحبُّ إذا عمل أحدکم عملاً أن یتقنه) (البیهقی،١٤١٣).

ولعلّ من الواجب التنبیه على أحد أهم مبادئ التأصیل، وهو الفهم العمیق للاستدلالات القرآنیة، والأحادیث النبویة، والاستشهادات الفعلیة والقولیة فی الثقافة الإسلامیة إجمالاً، حتى لا یقع الباحث فی محذور لوی أعناق الأدلّة لمطابقتها أهواءه فی تأصیلها. فالتأصیل لا یزید الشریعة الإسلامیة کمالاً واعجازًا، بل العلوم الحدیثة یتحقق لها الکمال والتزکیة إن وافقت مبادئها ما جاء فی شریعتنا الإسلامیة الموقّرة. یقینًا منّا أن العلوم الحدیثة من وضع البشر، والعلوم الشرعیة مصدرها خالق البشر ﷻ.

ومن هذا المنطلق جاءت هذه الورقة العلمیة لتأصیل مفهوم الجودة الشاملة وتقدیمها برؤیة إسلامیة تعید فی أبناء هذه الأمة القیم الإسلامیة النبیلة التی جعلت من عربٍ أمیین قادة لکبرى دول العالم، نشروا الدین بسماحتهم، وفتحوا الفتوحات بسیاستهم، عتادهم الإیمان وقوتهم الیقین. دون شعارات برّاقة، بل دوافع داخلیة مصدرها روحانیة التشریع وسلامته وهدفها الأسمى رضا الله ﷻ.

المصطلحات

١.التأصیل:  أصّل لغةً بمعنى "استقصى بحثه حتى عرف أصله." (المعجم الوسیط، ٢٠٠٤، ص٢٠).

وقد عرّفت القثامی (٢٠١٣، ص٤) التأصیل اصطلاحاً بکونه: "إرجاع العلوم الإنسانیة إلى الأصول الإسلامیة الرئیسیة من الکتاب والسـنة باعتبارها المنبع الذی تستمد منه هذه           العلوم أسسها."

والتأصیل الشرعی اجرائیًا: العودة بأصل العلوم إلى مصدرها الشرعی من القرآن و السنة.

٢. الجودة الشاملة: مفهوم الجودة باللغة ینبع من الأصل (ج و د) ومن اشتقاقاته الجیّد           ضد الردیء. وجاد الشیء، صار جیّداً. وأجاد: أتى بالجیّد من القول أو الفعل.           (الزبیدی، ٢٠٠٤،ص٤٠٣)

فی الاصطلاح، عرّف شعبان (٢٠٠٩،ص٤٤) ثقافة الجودة بأنها: "منظومة القیم التی تؤدی إلى تهیئة بیئة تساعد على ترسیخ مفاهیم الجودة و التحسین المستمر."

التعریف الإجرائی لتأصیل الجودة الشاملة: "منظومة القیم الإسلامیة التی یؤدی الالتزام بها إلى تنمیة مبدأ الرقابة الذاتیة ویسهم فی توجیه سلوک القیادة و العاملین نحو تحقیق الجودة والتحسین المستمر فی مؤسسات التعلیم." (السبیعی، ٢٠١٧، ص٨٥٨)

التأصیل الإسلامی لإدارة الجودة الشاملة

بالعودة إلى أهداف التشریع الإسلامی السامیة، نجد أن صلاح الأمة، أحد أهمها. کیف لا؟ وقد نصت کثیر من الأوامر الإلهیة و التوجیهات النبویة على مبادئ تربویة غایة فی السموّ والتهذیب و الرقیّ البشری، بلغة وجیزة وعبارات بلیغة، تباینت ما بین الأمر والنهی والترغیب والترهیب، قال تعالى ﴿وقل اعملوا فسیرى الله عملکم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغیب و الشهادة فینبئکم بما کنتم تعملون﴾ (التوبة:١٠٥). وقد جاءت الجودة بمرادفات إسلامیة منها الإتقان، والإحسان. وکما هو معلوم لکل مسلم، فالإحسان مجاوزة الحدّ فی اکمال العمل. فما تقدمه مما یفوق أداء واجبک یعتبر إحسانًا، شجّعت علیه الشریعة الإسلامیة ودعت له بنصوص کثیرة فی کتاب الله وسنة نبیه ﷺ تأکیداً على هذا المبدأ. قال تعالى              ﴿إن الله لا یضیع أجر المحسنین﴾ (التوبة:١٢٠)، و قال أحسن من قائل ﴿إنا لا نضیع أجر من أحسن عملاً﴾ (الکهف:٣٠)، وقال تعالى ﴿للذین أحسنوا الحسنى وزیادة﴾ (یونس:٢٦). ولعِظم أمر الإحسان، جعله الله محکّ الأفضلیة بین البشر أجمع؛ قال تعالى ﴿الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملاً﴾ (الملک:٢). ولم یتوقف أمر الدعوة إلى الإحسان والحثّ علیه عند هذا الحدّ، بل امتد لیغطی أدق تفاصیل الشعائر الدینیة بنصّ الدلیل المرویّ عن رسول الله ﷺ (إن الله کتب الإحسان فی کل شیء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ولیحد أحدکم شفرته و لیــُرح ذبیحته.) (رواه مسلم). وفی هذه الأدلّة توجیه وتهذیب لکافة المسلمین فی الکیفیة التی تجب أن تکون علیها أعمالهم، ومستوى الاتقان المنشود. وهذا أساس ما تنادی به مبادئ الجودة الشاملة، ولعل من المناسب فی هذا السیاق أن نستعرض المبادئ الأساسیة لإدارة الجودة الشاملة وتأصیلها الإسلامی المقابل.

بالرجوع لرواد إدارة الجودة الشاملة الغربیین نجد والتر شیوارت، إدوارد دیمنغ، وفیلیب کروسبی من أبرز من وضعوا عناصر ومبادئ هذا العلم. وقد قام الباحث السبیعی (٢٠١٧) بذکر المبادئ الأساسیة للجودة الشاملة کما اتفق معظم رواد هذا المجال علیها، وهی المبادئ التی عمدت على تأصیلها فی هذه الورقة.

أولا: الاهتمام بالقیادة

والحدیث عن القیادة فی المفهوم الإسلامی حدیث ذو شجون تفصّل فیه العناوین، ویغطی السیرة النبویة الشریفة ویمتدّ، من بدء النبوة وحتى آخر خلفاء المسلمین. فیها تفصیلٌ عن مواصفات القائد، ومعاییر اختیار القادة، وآلیة التولیة. آیةٌ فی ذکر سمات القائد ﴿إنّ خیر من استأجرت القویّ الأمین﴾ (القصص:٢٦). و أُخرى یوضّح فیها عِظم المسؤولیة على عاتق من یؤتمن ویتولى أمر المسلمین ﴿إن الله یأمرکم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلها وإذا حکمتم بین النّاسِ أن تحکموا العدل إن الله نعمّا یعظکم به إن الله کان سمیعًا بصیرا﴾ (النساء:٥٨). فجودة         الإدارة تقتضی ممارسة أسمى متطلبات القیادة وهی العدل. وقد اختصر الأمر الربانی فی الآیة السابقة جمیع الشعارات البرّاقة والداعیة إلى العدالة والمساواة بین الأعراق والأجناس والأفراد جمیعاً  داخل المنظمات. والتی –رغم انتشارها- لاتزال لم تحقق هدفها فی تهذیب النفس البشریة من الوقوع فی الظلم والمحاباة والمحسوبیة. إن القائد الإسلامی یعلم أنّ لا فرق لعربیّ على أعجمیّ إلا بالتقوى فیرتدع عندما تسوّل له نفسه التفریق والعنصریة. ویذکُر أن                 (إن المقسطین عند الله على منابر من نور: الذین یعدلون فی حکمهم وأهلیهم وما ولّوا)                    (ریاض الصالحین،١٤١٢،ص٢٨٧) ویعلمُ أن (سبعة یظلّهم الله فی ظلّه یوم لا ظلّ إلا ظلّه: إمام عادل...) (ریاض الصالحین،١٤١٢،ص٢٨٧) فیتحرى العدل والقسط وتتعالى همته عن رضا الناس إلى رضا خالق الناس أجمع.

وجدیر بالإشارة أن من توجیهات الشریعة الإسلامیة حول تولّی الإمارة أو القیادة اختیار الأصلح، وهو ما یقابل شعار "الرجل المناسب فی المکان المناسب"، فلا یولّى من طلب الأمارة لنفسه توقًا فی الجاه أو المال، قال تعالى ﴿تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علوّا فی الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقین﴾ (القصص:٨٣) ولحدیث النبی محمد ﷺ لأبی سعید عبدالرحمن بن سمرة رضی الله عنه حین قال: (یا عبدالرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإنک إن أعطیتها من غیر مسألة أُعنْتَ علیها، وإن أعطیتها عن مسألة وکِلْت إلیها)             (ریاض الصالحین، ١٤١٢،ص٢٩١). وعن أبی موسى الأشعری رضی الله عنه أنه قال: دخلت على النبی ﷺ أنا ورجلان من بنی عمی، فقال أحدهما: یا رسول الله أمِّرنا على بعض ما ولاک الله عزّ وجل، وقال الآخر مثل ذلک، فقال: (إنّا والله لا نولّی هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرَص علیه.) (ریاض الصالحین، ١٤١٢،ص٢٩٣).

وقد أضاف السبیعی (٢٠١٧، ٣٢) فی هذا الأمر تعقیبًا قیمًا حیث ذکر "وإن طلب الإمارة أو القضاء لنفسه لتوقفها علیه وإن ترکها تولاها من لا یحسن أمرها فهذا –بإذن الله- مثاب محمود الصنیعة مثل طلب یوسف علیه السلام التولیة على خزائن مصر خشیة أن یتولى من هو أقل منه علمًا ومقدرة على إدارة شؤونها." قال تعالى ﴿قال اجعلنی على خزائن الأرض إنی حفیظ علیم﴾ (یوسف:٥٥).

وقد جاء فی الشریعة الإسلامیة اختبار القادة قبل تولیتهم، تأکیداً لتمکنهم من الولایة، وتدریبًا لمهامها، قال تعالى :﴿وإذ ابتلى إبراهیم ربّه بکلمات فأتمهن قال إنی جاعلک للناس إماماً﴾ (البقرة:١٢٤). "فعلى الرغم من تهیئة إبراهیم علیه السلام ربانیاً لتحمّل عبء النبوة و الأمانة إلا أن الله بحکمته وعلمه أکّد على ضرورة اختباره و ابتلائه للتحقق من کفاءته و جدارته، لیوضح لنا المنهج والسبیل فی تولیة القیادات." (أبو شادی، ١٤١١،ص٥١٨).

ثانیاً: التخطیط المستمر 

فقد نادى رواد و علماء إدارة الجودة بعدم الاکتفاء بوضع الخطط، بل التأکید على مراجعتها دوریّاً وتطویرها وتحسینها بما یتلاءم مع متغیرات المنّظمة، سعیًا منهم فی تحقیق مبدأ الجودة فی مخرجاتها. وبالبحث عمّا یقابل هذا المبدأ فی الشریعة الإسلامیة نجد أنها اهتمت بما هو أشمل و أعم و أکبر نفعًا، وهو بحثها عن الصلاح الدائم بفعل الأفضل ما یترتب علیه التخطیط و التنظیم و معرفة البدائل، ومن صور التخطیط فی القرآن الکریم ما استفتحت به النبوّة فی قال تعالى: ﴿یا أیها المدثّر ۞ قم فأنذر۞ وثیابک فطهّر۞ والرجز فاهجر۞ ولا تمنن تستکثر۞ ولربک فاصبر﴾ (المدّثر:١-٥). ففیها توجیهات للنبی محمد ﷺ وتخطیط لأولى بدایات الدعوة إلى الله ونقل الرسالة. ثم تلتها آیات أخر تدعو للجهر بالدعوة و التخطیط لذلک بدءاً من أقربائه وأبناء عشیرته حتى یستمد منهم العون و القوّة والتکاتف، قال تعالى:          ﴿وأنذر عشیرتک الأقربین﴾ (الشعراء:٢١٤).

ولا یکاد یُذکر أمر التخطیط فی الشریعة الإسلامیة دون ذِکر للقصة الأشهر فی مبادئ الإدارة و التخطیط الاقتصادی فی قصّة سیدنا یوسف علیه السلام حین ولّی وزیراً لملک مِصر   ﴿ یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ أَفْتِنَا فِی سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ یَابِسَاتٍ لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ ۞ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَبًا فَمَا          حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْکُلُونَ ۞ ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ سَبْعٌ شِدَادٌ یَأْکُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ۞ ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ عَامٌ فِیهِ یُغَاثُ النَّاسُ وَفِیهِ یَعْصِرُونَ﴾ (یوسف:٤٥-٤٩).

والحدیث عن التخطیط فی الشریعة الإسلامیة یطول به الکلام والاستشهاد ولعلّ من أبلغ ما نوجز به جلّ المسألة توجیه ربنا ﷻ فی محکم کتابه لتخطیط ابن آدم لحیاته و ما بعد مماته فی قوله ﴿وابتغ فیما آتاک الله الدار الآخرة و لا تنسَ نصیبک من الدنیا و أحسن کما أحسن الله إلیک﴾ (القصص:٧٧).

ثالثاً: تحقیق رضا العملاء

وفیه أمران: أ. الحضّ على مکارم الأخلاق فی التعاملات

ومن أهم ما یحقق به رضا العمیل الأمانة فی التعامل و حسن الخلق وهما مما حثّت علیه الشریعة الإسلامیة بمواضع متکررة، قال تعالى: ﴿ولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضّوا من حولک﴾ (آل عمران: ١٥٩). وعن أبی هریرة رضی الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ           (و الکلمة الطیبة صدقة) (ریاض الصالحین،١٤١٢، ص٢٩٩)، وعن أبی ذرّ رضی الله عنه قال: قال لی رسول الله صلى الله علیه وسلّم: (لا تحقِرنّ من المعروف شیئًا ولو أن تلقى أخاک بوجهٍ طلِق) (ریاض الصالحین،١٤١٢، ص١٥٩).

ب. تجنّب الریاء

ینادی رواد و علماء الجودة بأهمیة رضا المستفید، تحقیقًا لمبتغى قصیر المدى، سهل المنال. لکن الأمر فی منطلقات الشخصیة المسلمة تختلف، فالجودة بالعمل واجب شرعی یبتغى فیه رضا الله عز وجلّ قبل رضا الناس. بل إن الشریعة الإسلامیة قد اعتبرت الریاء شرکٌ خفی استعاذ منه نبینا محمد ﷺ، والریاء هو "أن یتظاهرُ الإنسان بالعمل الصالح والصلاح یریدُ بذلک مراءاة الناس، ولا یریدُ وجه اللهَ." (الفوزان،١٤٣٧). فالإسلام دین السموّ و التعالی، یهدف لأن ینتزع الإنسان من شهوات الدنیا إلى التعلّق الآخرة. فلا یصحّ للمسلم أن یحسن مقابلة الجمهور طمعًا فی خیر یستقیه منهم. ولا أن یتقن عمله لوجود رقیب مباشر علیه یبغی مدیحه. بل یجب أن یکون تعاونه مع المستفیدین من مبدأ قوله تعالى ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ (الحجرات:١٠)، وقول رسولنا الکریم ﷺ (لا یؤمن أحدکم حتى یحب لأخیه ما یحب لنفسه) (رواه البخاری) واتقان العمل من دافع الإخلاص، و الرقابة الذاتیة من باب الأمانة.

رابعاً: مشارکة الأفراد العاملین فی عملیات اتخاذ القرارات

وإن کان هذا المبدأ مما وضعه مفکّروا علم الإدارة و نادى به روّاد إدارة الجودة لفعالیته، على اختلاف مسمیاته، فتارةً مشارکة القرارات وأخرى دیموقراطیة الإدارة وکوّنت له المجالس: المجلس الاستشاری أو مجلس الشورى فقد سبقت إلیه الشریعة الإسلامیة بأکثر من ألفٍ وأربعمئة عام بأکثر من موضع یحضّ على مبدأ الشورى، قال تعالى: ﴿وأمرهم شورى                بینهم﴾ (الشورى:٣٨)، و قوله تعالى: ﴿و شاورهم فی الأمر﴾ (آل عمران:١٥٩)، وقال تعالى: ﴿فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور﴾ (البقرة: ٢٣٣) ولعلنا لا ننسى الأدب الملتمس فی حوار أبونا إبراهیم علیه السلام مع ابنه إسماعیل حین قال ﴿ یا بنی إنی أرى فی المنام أنی أذبحک فانظر ماذا ترى قال یا ابت افعل ما تؤمر ستجدنی إن شاء الله من الصابرین ﴾ (الصافات:١٠٢). و الإداریّ المحنّک یعلم أنما فی اشراک المرؤوسین فی عملیة اتخاذ القرارات ومشاورتهم فی الأمر إنما هو کمال فیه لاعترافه بإنسانیته وجوانب القصور التی لا یمکن لأی بشر أن یحیط بکل شیء علمًا، وثانیاً هو من باب الحکمة فی التألیف بین آراء المختلفین فی المنظمة والسماع لأفکارهم.

وإن مما تتفرد به الشریعة الإسلامیة، و یختصّ به المسلمون، الفضل العظیم الذی اصطفاهم له ربّ العزّة والجلالة وأتاحه لهم وقت الحیرة والتباس الأمر وهو الشورى بأرقى وأعلى صورها، استخارة الخالق وطلبِ رشده، فعن جابرٍ رضی الله عنه قال: کان رسول الله ﷺ یعلّمنا الاستخارة فی الأمور کلها کالسورة من القرآن. (ریاض الصالحین، ص٣١١). والحمد لله على هذا الفضل.

خامساً: تشکیل فرق العمل

من المفاهیم فی إدارة الجودة ما یسمّى بدوائر الجودة أو حلقات الجودة وهی مرتبطة بمفهوم العمل الجماعی، وتعرّف بأنها "فرق عمل تشکّل بشکل تطوعی من جمیع المستویات التنظیمیة داخل المنظمة، حیث یمکن لأی عضو فی المنظمة أن ینضم إلیها ببغضّ النظر عن وظیفته ومنصبه الإداری سعیًا لدراسة العملیات وتحسینها ودراسة المشاکل واقتراح حلول لها، ولا یقتصر عملها على مجال معیّن" (الصیرفی، ١٤٢٣،ص٣١٤). وبالعودة إلى الموروث الإسلامی، نجد أن فریق الروح الجماعیة قد عُبّر عنها بمفهوم التعاون، قال تعالى:           ﴿وتعاونوا على البرّ و التقوى﴾ (المائدة:٢). و مفهوم الاعتصام، قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرّقوا﴾ (آل عمران:١٠٣). وفی السنة النبویة ما یدلّ على تفضیل الجماعة، قال ﷺ (ید الله مع الجماعة) (رواه البخاری)، و التآخی وقال ﷺ (المؤمن للمؤمن کالبنیان یشدّ بعضه بعضًا) (رواه البخاری ومسلم).

سادساً: تحدید معاییر قیاس الجودة

هناک عدد من المعاییر التی یتم بموجبها قیاس التقدّم فی جودة المنظمات، أحدها عن طریق تقییم أداء العاملین. والتقییم کما نعلم فی الموروث الإسلامی یقابل المحاسبة، والحساب، فی الدنیا و الآخرة. قال تعالى: ﴿ونضع الموازین القسط لیوم القیامة فلا تظلم نفسٌ شیئاً وإن کان مثقال حبة من خردل أتینا بها وکفى بنا حاسبین﴾ (الأنبیاء: ٤٧)، و قال تعالى: ﴿و کلّ إنسان ألزمناه طائره فی عنقه و نخرج له یوم القیامة کتاباً یلقاه منشوراً﴾ (الاسراء:١٣). فإیمان الفرد المسلم العامِل بأن ما من حرف یخطّه ولا کلمة یتفوّه بها إلا هو مسؤول ومحاسب أمام الله عنها تجعله فی ترقّب دائم لحاله، وتصرفاته، وأدائه. حتى یتمکّن الإخلاص والنزاهة و الإتقان منه. فإن هو تولّى مهمّة لم ینهها إلا کما ینبغی وبأکمل صورة، وإن أُستشیر قدّم أصدق استشارة، وإن أستؤمن على مصلحة المنظمة أدى الأمانة والتزم بها. خوفًا وخشیة فی المقام الأول من عقاب الله ورغبة فی نیل ثوابه ومجازاته یلحقه التزامه بأنظمة العمل وسیاساته.

سابعاً: مکافأة العاملین

مکافأة العاملین أحد مبادئ الجودة التی أثبتت الدراسات فعالیتها فی تحسین الأداء وجهود العاملین وزیادة الإنتاجیة وأحد المحفزات التی توصل لها علماء علم النفس لضمان استمراریة عطاء الموظفین وتشجیعهم للبذل. وقد فصّلت الأدبیات فی مجال الحوافز وصنفتها وحددت آلیاتها ومردودها على المنظمات. وفی النظر إلى التشریعٍ الإسلامی نجد أنه قد حققّ المکافآت المادیة وأقرّها وربطها بحقوق الناس، قال تعالى: ﴿ولا تبخسوا الناس أشیاءهم﴾ قال ﷺ (من صنع فیکم معروفاً فکافئوه) (رواه الترمذی). وسمیت المکافأة بالهبة، وهی غیر الأجر المستحقّ، وحدد لها فقهٌ خاص بما تنعقد به الهبة، وما یمکن أن یوهب، وشروطها وأنواعها وما تملک به الهبة ومقدارها وغیر ذلک.


ختاماً

وبعد؛ فهذه أبرز مبادئ إدارة الجودة الشاملة کما وردت لدى عدد من روادها. اجتهدت فی تأصیلها و البحث فی الاستدلالات الشرعیة من القرآن و السنة التی توافقها. ولعلّ من أبرز نتائج هذا البحث ما یثبت کمال التشریع الإلهی وإعجازه بصلاحیته لکل زمان ومکان، وأن ما وافق ما جاء به الشارع الحکیم من اجتهادات البشر فهو الأقرب للصواب والکمال. تجنبت الاستطراد فی کل مبدأ من المبادئ والتعمق فی ذکر الأدبیات الحدیثة خشیة الإطناب المخلّ فی هدف هذا البحث المرکز المختصر، وکما قیل؛ یکفی من القلادة ما أحاط بالعنق. فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسی والشیطان، والله من وراء القصد.


المراجع

أبو سن، أحمد إبراهیم (١٤١٧). الإدارة فی الإسلام. دار الخریجی للنشر و التوزیع، الریاض.

أبو شادی، محمد إبراهیم (١٤١١). طرق اختیار القیادات فی البنوک الإسلامیة فی               ضوء المنظور الإسلامی. المعهد الإسلامی للبحوث والتدریب. ندوة          (الإدارة فی الإسلام). ٢٦-٣٠صفر ١٤١١هـ، إصدار خاص            بوقائع الندوة.

أنیس، إبراهیم؛ منتصر، عبد الحلیم؛ الصوالحی، عطیة؛ أحمد، محمد خلف الله (٢٠٠٤). المعجم الوسیط. مکتبة الشروق الدولیة. ط٤. ص٢٠.

بوکمیش، لعلی (٢٠١١). إدارة الجودة الشاملة أیزو ٩٠٠٠. دار أدرار، الرایة: الجزائر.

البیهی، أحمد بن الحسین (١٤١٣). السنن الکبرى. دار المعرفة، بیروت لبنان.

الحجاج، مسلم (١٤٢٧). صحیح مسلم. دار طیبة للنشر، الریاض.

السبیعی، عبید بن عبدالله (٢٠١٧). ثقافة الجودة فی مؤسسات التعلیم بالمملکة العربیة السعودیة: تصور مقترح برؤیة إسلامیة. مجلة العلوم التربویة والنفسیة، ١٠(٣)، ص٩١١-٨٥١.

شعبان، إیاد عبدالله (٢٠٠٩). دارة الجودة الشاملة: مدخل نظری و عملی نحو ترسیخ ثقافة الجودة وتطبیق معاییر التمیز. دار زهران للنشر والتوزیع، عمّان، الأردن.

الصیرفی، محمد عبدالفتاح (٢٠٠٣). الإدارة الرائدة. دار صفاء للنشر و التوزیع، الأردن.

الفلکاوی، نجوى (٢٠١٥). إدارة الجودة الشاملة فی الإسلام. مجلة عالم التربیة. ٤٩(٤)، ص١٩٦-٢١٣.

الفوزان، صالح فوزان (١٤٣٧). شرح کتاب التوحید. مسترجع من: الموقع الرسمی للشیخ صالح الفوزان https://www.alfawzan.af.org.sa/ar/node/16267

اللوزی، موسى (٢٠٠٣). التطویر التنظیمی أساسیات ومفاهیم حدیثة. دار وائل للنشر و التوزیع. الأردن. ط٢.

النووی (١٤١٢) ریاض الصالحین. المکتب الإسلامی. ص ص ١٥٩-٢٨٧-٢٩١-٢٩٣-٢٩٩-٣١١.

المراجع

أبو سن، أحمد إبراهیم (١٤١٧). الإدارة فی الإسلام. دار الخریجی للنشر و التوزیع، الریاض.
أبو شادی، محمد إبراهیم (١٤١١). طرق اختیار القیادات فی البنوک الإسلامیة فی               ضوء المنظور الإسلامی. المعهد الإسلامی للبحوث والتدریب. ندوة          (الإدارة فی الإسلام). ٢٦-٣٠صفر ١٤١١هـ، إصدار خاص            بوقائع الندوة.
أنیس، إبراهیم؛ منتصر، عبد الحلیم؛ الصوالحی، عطیة؛ أحمد، محمد خلف الله (٢٠٠٤). المعجم الوسیط. مکتبة الشروق الدولیة. ط٤. ص٢٠.
بوکمیش، لعلی (٢٠١١). إدارة الجودة الشاملة أیزو ٩٠٠٠. دار أدرار، الرایة: الجزائر.
البیهی، أحمد بن الحسین (١٤١٣). السنن الکبرى. دار المعرفة، بیروت لبنان.
الحجاج، مسلم (١٤٢٧). صحیح مسلم. دار طیبة للنشر، الریاض.
السبیعی، عبید بن عبدالله (٢٠١٧). ثقافة الجودة فی مؤسسات التعلیم بالمملکة العربیة السعودیة: تصور مقترح برؤیة إسلامیة. مجلة العلوم التربویة والنفسیة، ١٠(٣)، ص٩١١-٨٥١.
شعبان، إیاد عبدالله (٢٠٠٩). دارة الجودة الشاملة: مدخل نظری و عملی نحو ترسیخ ثقافة الجودة وتطبیق معاییر التمیز. دار زهران للنشر والتوزیع، عمّان، الأردن.
الصیرفی، محمد عبدالفتاح (٢٠٠٣). الإدارة الرائدة. دار صفاء للنشر و التوزیع، الأردن.
الفلکاوی، نجوى (٢٠١٥). إدارة الجودة الشاملة فی الإسلام. مجلة عالم التربیة. ٤٩(٤)، ص١٩٦-٢١٣.
الفوزان، صالح فوزان (١٤٣٧). شرح کتاب التوحید. مسترجع من: الموقع الرسمی للشیخ صالح الفوزان https://www.alfawzan.af.org.sa/ar/node/16267
اللوزی، موسى (٢٠٠٣). التطویر التنظیمی أساسیات ومفاهیم حدیثة. دار وائل للنشر و التوزیع. الأردن. ط٢.
النووی (١٤١٢) ریاض الصالحین. المکتب الإسلامی. ص ص ١٥٩-٢٨٧-٢٩١-٢٩٣-٢٩٩-٣١١.